الفيلم الدرامي تتحدد قيمته من واقعية الشخصيات التي يقدمها الكاتب
عبر تحليل
عميق وواع. وكذلك من مدي مصداقيتها. لأنها في الأغلب تخضع عند رسمها
وتشخيصها في
السيناريو لمنطق يمكن تصديقه حين تشتبك في صراعات تفرضها موضوعات مشحونة
بالعواطف:
الطموح. الطمع. الحب. الكراهية. الانتقام. الصعود الطبقي. الشره المادي.
الجريمة.
أو التطرف العرقي والديني والفقر والفساد
السياسي و.. الخ.. فالصراع وهو محور
الموضوعات الدرامية ويمكن أن يطول حتي الصراع ضد الظواهر الطبيعية الذي
تناوله كثير
من الأفلام الأمريكية الممتعة والمثيرة. أفلام العواصف والبراكين
والفيضانات.. الخ
الخ..
عموماً كل أنواع الأفلام بما فيها أفلام الأكشن "الحركة" والكوميدي
يمكن
أن تتضمن عناصر درامية ولكن الفيلم الذي تصفه بالدرامي يعتمد في الأساس علي
درامية
الموضوع الرئيسي مثال "الأب الروحي" أو "إي تي" أو "المواطن كين".
والأفلام
الدرامية القوية غالباً ما ترشح لجوائز الأوسكار وتحظي بجائزة "أحسن فيلم"
في
العادة وتعتبر السيرة الذاتية مجالاً جيداً للفيلم الدرامي ولعل أشهر
الأفلام التي
شهدتها السنوات العشر الأخيرة فيلم "بولاك" "2000" للمخرج
إدهاريي الذي لعب أيضاً
دور البطولة الرئيسية.
الفيلم يرسم بلغة السينما المرهفة قوية التعبير حياة
الفنان جاكسون بولاك الجديرة بعمل درامي قوي ومؤثر وفيلم "علي" "2001" عن
حياة
الملاكم الشهير محمد علي كلاي وتجربته الفريدة علي المستوي الشخصي والعام.
وفيلم
"ميلك" 2002. "وفريدا" و"المصارع" "2000" و"الساموراي الأخير".
وقد ألهمت حرب
الخليج كثيرا من صناع السينما الأمريكية. فظهرت أفلام درامية تتناول الحرب
في
العراق. والحرب في الصومال. مثل "جرين زون" و"هبوط النسر الأسود" "2001"
وجارهيد
"2005"
و"رندشن"
"Reudition)
و"سيريانا".
ورغم التراجع نسبياً في جماهيرية أفلام
الدراما الرومانسية التي كان من أكثرها جماهيرية فيلم "تايتانك"
إلا أن بعض الأفلام
الرومانسية مثل "جبل بروكباك" "2005" و"مليونير العشوائيات"
"2008" حظيت بنجاح
جماهيري ونقدي كبير والأخير حصل علي ثماني جوائز أوسكار وكان مرشحاً
لعشرة.
الدراما السياسية
تعتمد الدراما البوليسية السياسية علي أكثر
الموضوعات اثارة للانتباه وتحقيقاً لأعلي المبيعات والسبب أنها
عادة ما تعتمد علي
موضوعات حية جداً وعلي درجة كبيرة من الواقعية بالإضافة إلي الأهمية
البالغة التي
تحظي بها لدي دوائر واسعة لا تهتم فقط بفن الفيلم وإنما بقضايا السياسة
وكيفية
تناولها علي الشاشة فهي تتضمن كل العناصر الجاذبة والمثيرة
للفضول مثل قضية مقتل
كيندي التي شغلت الناس. وحرب فيتنام. وقصص الاغتيالات السياسية. ولعبة
الخداع
السياسية أيضاً التي تطوي أشكالاً قذرة من الصراعات ثم قضايا الحرب الباردة.
والحروب الساخنة ومن أفضل الأفلام التي اتخذت من السياسية موضوعاً لأعمال
سينمائية
إثارية علي مستوي فني ممتاز فيلم JFK
و"فن الحرب" و"ألعاب وطنية" و"ملخص كل
المخاوف". و"الحصار" و"شخصية بورن" و"سيريانا" الخ..
ومؤخراً شاهدنا في دور
العرض المصرية فيلم انتاج أوروبي مشترك بعنوان "الكاتب الشبح"
ghost writer
للمخرج
البولندي الأصل ردمان بولانسكي "مواليد 1933".. الفيلم ينتمي إلي هذا النوع
الدرامي
المعتمد علي مادة مستمدة من عالم السياسة.. من فضائح هذا العالم وجرائمه
المغلفة
بورق سوليفان أو ورق قصدير سطحه الأملس البراق يخفي مخالب قاتلة وشخصيات
شيطانية
تختفي وراء أقنعة سرعان ما تتكشف ويظهر ما تخفيه من ملامح
قبيحة.
مخرج الفيلم
نفسه شخصية إشكالية تماماً فقد ولد في باريس لأبوين يهوديين من بولندا وعاد
إلي
بولندا وهو في سن الثالثة. وعاش طفولة مرعبة. فقد اقتيد ابواه إلي
المعسكرات
النازية وهو في سن الثامنة حيث ماتت أمه. ولجأ هو إلي الهروب
من حي اليهود في
كراكوف وراح يهيم في الريف البولندي لاجئاً لدي بعض العائلات الكاثوليكية
وهارباً
من المصير المأساوي الذي تجرعه أبواه فاختزنت ذاكرته ذكريات مرعبة في سنوات
تكوينه
الأولي. تركت كدمات نفسية عبرت عنها أفلامه "نفور" Repulsion.
والطريق المسدود cul-de-sac
وحتي "قتلة مصاص الدماء" وعندما انتقل العيش في الولايات المتحدة اضطر
أن "يطفش" منها بعد فضيحة أخلاقية عام 1977 إذ اتهم باغتصاب
صبية قاصرة. واثناء
غيابه في أوروبا تم اغتيال زوجته شارون بطريقة بشعة وكانت حاملاً في شهرها
الثامن
وهي الجريمة المشهورة التي نفذتها عصابة مانسون.. وبعد هذه الكوارث هجر
بولانسكي
بيته في هوليوود تماماً وأقام في أوروبا.
هذه التجربة أو قل التجارب الصعبة لونت
حياة هذا المخرج وأضافت إلي موهبته أسلوباً فريداً في كيفية
خلق الأجواء المنذرة.
الثقيلة التي تفوح منها رائحة الشرور الإنسانية. وأيضاً في تصويره للشخصيات.
وانعكست علي جوهر الحبكات القصصية التي
يميل لها ويبني أحداثه عليها وقد أسهمت
موهبته في إدارة الممثل إلي إلقاء الضوء علي مواهب لم تكن حتي
اشتغالها معه معروفة
مثل الممثلة الفرنسية كاترين دنييف في فيلم "نفور" ومثل "ميافارو" في فيلم
"ابن روز
ماري" الذي حظي باعجاب النقاد وحقق نجاحاً واسعاً بالإضافة إلي ترشيحه
لجائزة
الأوسكار كأحسن سيناريو.
أبدع بولانسكي في مجال الدراما البوليسية السياسية في
فيلم "الحي الصيني" Chinatown
بطولة جاك نيكلسون بولانسكي نفسه الذي لعب دوراً في
الفيلم.
وفيلمه الأخير وهو من أهم أفلام 2010 لم يصمد في القاهرة أكثر من
أسبوع "!!".
شاهدناه آخر أيام عرضه يوم الثلاثاء الماضي وهو أمر طبيعي لجمهور لا يتذوق
سوي سينما "الحواوشي" التي يمولها السبكي وآخرون يرون أن هذا النوع من
الترفيه
الحريف الوحيد الذي يستسيغه الجمهور..
فيلم "الكاتب الشبح" من النوع الدرامي
الاثاري السياسي بل هو النموذج المثالي لهذه النوعية حسب رأي الناقد
الأمريكي
الممتاز روجر ايبرت الذي يقول عن بولانسكي انه رجل يعرف كيف
يخرج العمل البوليسي.
المثير الناعم الهادئ الواثق الذي يبني عملية التشويق بدلاً من الاعتماد
علي الصدمة
والحركة "الأكشن" السريعة.
الممثلون في هذا الفيلم يجسدون شخصيات تحمل في طياتها
أسراراً آسرة مثيرة ومربكة ودالة.
الأجواء معبأة بالغيوم والأمطار والمناخ بشكل
عام رمادي بارد والبرودة لا تطول الخارج وإنما الداخل أيضاً..
انه المكان المحاط
بالجمال الحزين الكابي المنذر الذي يخفي أكاذيب وجواسيس وخططا للاغتيال
يضيع فيها "أصدقاء"
أو رفقاء عمل.. انه أيضاً المكان المطل علي المحيط الذي ظهر علي شاطئه
الضحية التي اغتالوها سراً والذي انتقل إليه الكاتب الشبح الذي
تم استئجاره ليكمل
"المذكرات" التي تركها الكاتب الذي مات غرقاً قبل أن يكملها.. ويتضح
لاحقاً أنه
اغتيل بفعل فاعل ولم يكن هذا الاغتيال مجانياً وإنما لكي يخفي جريمة تورط
رئيس
الوزراء البريطاني السابق في اختطاف أربعة من المشتبه بهم في جرائم إرهابية
وتسليمهم إلي المخابرت المركزية الأمريكية لتعذيبهم واستخلاص
اعترافاتهم وهو الأمر
الذي يندرج تحت "جريمة الحرب".
الكاتب الشبح "ايوان ماكروجر" يعيش تجربة برغم
تفردها ليست غريبة بأي حال عن العالم الذي تشكلت فيه حيث يتساوي رجل
السياسة
المسئول مع الإرهابي الاثنان يرتكبان الجرائم في السر ضد
أبرياء والاثنان يحاولان
الهروب بجريمتهما.
والفيلم عن رواية لروبرت هاريس شارك في كتابة السيناريو مع
المخرج. وقد صممها بحيث تضاهي قصة توني بلير وإدارة بوش. وإن ضمنها تفاصيل
لا تجعل
المقارنة بين الفيلم والواقع سهلة بالنسبة لأي متفرج عادي.
ويري الناقد روجر
ايبرت أن الفيلم نفسه يستدعي مقارنة بين رئيس الوزراء الهارب من مواجهة
المحكمة
الجنائية العليا وبين المخرج رومان بولانسكي نفسه الهارب من حكم بالإدانة
بسبب تهمة
الاغتصاب "عام 1979".. الأمر الذي جعله لاپيجرؤ علي العودة إلي الولايات
المتحدة
حتي لا يتم القبض عليه.
الفيلم رغم البعد السياسي. والواقعي في تصويره للشخصيات
يمتلك قوة جذب كبيرة تحتوي المتفرج سواء في مسار الأحداث التي تتبع خطوطا
دقيقة لا
تترك مجالاً للتخمين سواء بالنسبة لعلاقة رئيس الوزراء بزوجته. وبعشيقته
التي تلعب
دور المساعدة له. أو في علاقة الأول بمساعده ورفيقه الذي أسند له كتابة
المذكرات
فاكتشف سر من الأسرار المميتة لحياة الوزير السياسية فتخلص
منه. أو في المكان وما
يوحي به من غموض أو مفاجآت.. أو في الأداء التمثيلي الممتاز للممثلين ايوان
ماكروجر
وبيرس بروزونان وحتي في الدور القصير الرائع جداً الذي لعبه الممثل العجوز
المخضرم
"إلي والش" فالفيلم يضع في قلب تجربة فريدة ومحكمة وأيضاً مثيرة ومشوقة
ولكنها
الاثارة التي تستدعي العقل والوعي إلي جانب مستوي من التلقي يتذوق الأعمال
الجيدة.
..
و"البجعة السوداء" أحسن عمل درامي العام الماضي
من بين الأفلام الدرامية المختارة في عام 2010 فيلم "البجعة
السوداء" "2010"
الذي يتناول حياة راقصة باليه "ناتالي بورتمان" تلعب دور البطولة في أوبرا
البجعة
السوداء بامتياز مشهود. ثم تدريجياً تفقد عقلها وتصبح انسانة شريرة مثل
الأخت
التوأم "للبجعة البيضاء" الفيلم من اخراج دارن أرنوفسكي.
أيضاً فيلم "المحارب"
أو "المقاتل The fighter"
الذي يتناول حياة الملاكم الايرلندي ميكي وارد وشقيقه
الذي ساعد في تدريبه قبل أن يشارك في بطولة منتصف الثمانينات
من القرن الماضي. "اخراج
دافيد اد راسيل".
وفيلم "True grit) "2010"
معناها "ذو عزيمة حقيقية" عن
مارشال قوي في البوليس يتسم بالصلابة والخشونة يساعد امرأة شابة وعنيدة في
اقتفاء
أثر القاتل الذي اغتال والدها. والفيلم من اخراج الأخوين اثيان
ونويل كون.
تضم
القائمة أيضاً فيلم "127 ساعة" للمخرج داني بويل عن متسلق جبال يحاصر تحت
جلمود
ثلجي ويصارع الظروف حتي يخرج من الحصار. فهو أحد الأعمال التي تصور الإنسان
الفرد
اثناء صراعه القدري علي الطبيعة.
وفيلم "خطبة الملك"
The kings speech 2010
الذي يتناول حكاية الملك جورج السادس ملك بريطانيا
الذي صعد إلي العرش فجأة ودون
مقدمات والخطبة هي التي اعادت إليه الثقة وجعلته جديراً بتولي
العرش. الفيلم يعتبر
ضمن أكثر الأفلام التاريخية نجاحاً فهو من اخراج توم هوبر وبطولة كولين
فيرث وجوفري
راش وهيلينا بونام كارتر.
ومن الأفلام الدرامية "الشبكة الاجتماعية"
Social network
الذي يتناول قصة تأسيس الفيس بوك وظروف اطلاق هذا الابتكار
الذي يلعب دوراً
اجتماعياً يتجاوز الخيال والفيلم من اخراج دافيد فنشر وقد عرض منذ فترة في
القاهرة.
ولن يجد ما يستحقه من نجاح جماهيري!
وفيلم "السكرتارته"
Secretariat
الذي يحكي
قصة امرأة شابة تتولي مسئولية مزرعة الخيول التي يملكها والدها الذي أعجزه
المرض
رغم جهلها برياضة سباق الخيل. وبمعاونة المدرب وبعض الأصدقاء تستطيع أن
تحقق رقماً
قياسياً من البطولة وتحصل علي أعلي جائزة في هذا المجال..
الفيلم اخراج راندل والس
وبطولة دايانا لين وجون مالكوفيش وسكوت جلن عن سيناريو شارك في كتابته مايك
ريتش
ووليام شاك.
وتتضمن قائمة 2010 أيضاً فيلم "السائح" 2010 الذي يتناول شخصية
السائح الأمريكي فرانك الذي ذهب إلي ايطاليا لعلاج جراح قلب مكسور فيلتقي
بامرأة
رائعة تلعب دورها في هذه السياحة الخاصة. الفيلم يشارك في تمثيله اثنان من
رموز
السينما العالمية في العشر سنوات الأخيرة وهما انجلينا جولي
وجوني ديب واخراج
فلوريان هنكل فون دونر سمارك.
فيلم "إدانة" "2010" أو
Conviction
يستمد مادته
الدرامية من القضايا القانونية التي تشكل في بعض الحالات حملاً ثقيلاً ينوء
به كاهل
الفرد حين يعجز عن اثبات براءته. وفيلم "إدانة" يصور محنة امرأة تتجه إلي
دراسة
القانون لمساندة شقيقها الذي أدين خطأ في جريمة قتل واستنفد كل فرص الدفاع
التي قام
بها المحامون الذين عينتهم المحكمة.. تلعب الدور هيلاري سوانج
التي سبق لها أن فازت
بالأوسكار. أمام سام روكويل ومليسا ليو واخراج توني جولدوين.
فيلم "المدينة"
The Town
حول الصراع الأبدي بين اللص الضليع في عمليات السطو علي البنوك وبين
غرمائه من
رجال البوليس. ومن مدير بنك كان شاهدا علي احدي عملياته.
أيضاً فيلم "موسم
الساحرة أو الجنية" Season of the witch..
الذي يعود بالدراما إلي القرن الرابع
عشر حين يتم الإمساك بساحرة ويجري نقلها إلي أحد الأديرة
بمساعدة مجموعة من الفرسان
حيث يتولي القساوسة تقليص قواها السحرية التي يعتقد أنها مصدر لوباء
الطاعون
الأسود.. الفيلم بطولة نيكولاس كيج ورون برلمان وكلير فوي واخراج دومنيك
سينا.
أيضاً فيلم
"Stone" "2010"
يعتمد القالب البوليسي ويتناول قصة ضابط
عجوز
أوشك علي التقاعد ويريد قبل أن يترك الخدمة أن ينتهي من كل الحالات التي
أوكلت
إليه. ومن قضية المتهم الذين أدين يريد أن يخرج قبل انتهاء مدة
حبسه بعهد يأخذه علي
نفسه وحين قاوم الضابط مطلبه يزج بزوجته الجميلة علي أمل اغوائه..
لعبة خداع
مميتة يتورط فيها فاسدان الضابط "روبرت دي نيرو" والمتهم "ادوارد نورتون".
**
نلحظ التنوع والثراء واختيار موضوعات جديرة بالاهتمام من قبل
المبدعين السينمائيين.
وتبرز شخصيات تصلح قدوة وأمثلة إنسانية تملك الشجاعة والاصرار علي تحقيق
العدالة..
ولم تخل هذه التجارب السينمائية من موضوعات
العودة إلي الماضي. وإلي مصادر الأساطير
القديمة. ويتضمن التنوع بالضرورة الأساليب الفنية التي اعتمدها
مخرجون مبدعون في
معالجة الموضوعات التي وقع اختيارهم عليها!
المساء المصرية في
16/01/2011
السينما الهندية تنتقل إلى الواقعية وتثير
تساؤلات حول النظام القضائي
فيلم «لا أحد قتل جسيكا» يبني آمالا على رجل
الشارع
العادي ليلعب دورا في التغيير
نيودلهي: براكريتي غوبتا
يبدو أن الموسم الحالي سيكون بالنسبة لبوليوود موسم الأفلام المستوحاة
من قصص واقعية؛ فأول أفلام العام الحالي «لا أحد قتل جسيكا» مأخوذ من قصة
واقعية لمقتل عارضة الأزياء الشابة، جسيكا لال، في مطعم بدلهي عام 1999،
والأحداث التي تلت ذلك من المحاكمة والحكم الذي أطلق سراح المتهم الرئيسي،
وهو ابن إحدى الشخصيات السياسية النافذة في المجتمع الهندي، وما تلاه من
الاحتجاجات العامة التي أجبرت الحكومة على إعادة محاكمة القاتل، والحكم
عليه بالسجن مدى الحياة.
ركز الفيلم في تناوله الرائع لقضية جسيكا لال على نضال سابرينا لال
أخت الضحية من أجل العدالة، وعلى نقل صورة الهند المعاصرة كما هي إلى
الشاشة، ساخرا من النظام القضائي والثغرات في النظام الشرطي، والفساد في
دوائر السلطة، والظلم الواقع على العامة من الهنود.
شارك في الفيلم عدد من ممثلي بوليوود الموهوبين من أمثال فيديا بالان
وراني موخرجي، اللتين لعبتا دوري سابرينا والصحافية الناشئة، ميرا غايتي،
على التوالي. وقد قدم الجميع أداء رائعا، فإذا كانت راني قد أدت دورا لا
شائبة فيه كصحافية محنكة، لاذعة في انتقاداتها، بذيئة اللسان، فإن فيديا
أدت دورها بصورة أثارت إعجاب الجميع، أما بقية الممثلين في الفيلم فقد
أجادوا في أداء أدوارهم.
كانت جسيكا، التي تعمل عارضة، في أحد مطاعم نيودلهي الراقية، وقد قتلت
على يد مانو شارما، ابن لسياسي مقيم في هيريانا في أبريل (نيسان) من عام
1999. وقد أفرج عن القاتل في أعقاب سبع سنوات من المحاكمة الطويلة، في
أعقاب تراجع كثير من الشهود عن شهاداتهم، غير أن الحملات التي قامت بها
مجلة «تيلكا» الإخبارية والاهتمام الإعلامي، والاحتجاجات العامة التي أعقبت
الحكم، أجبرت السلطة القضائية على إعادة فتح باب التحقيق في القضية، وحكمت
بالسجن مدى الحياة على مانو.
وعلى خلاف ملاحم الأبطال الخارقين، لا يعرض الفيلم قصة لفتاتين
مشاكستين (سابرينا وميرا) تعارضان هيبة الدولة الهندية، لكن الفيلم يلقي
الضوء عوضا عن ذلك على حقيقة توحد الدولة ككل لينضموا إلى النظام القضائي
من أجل قضية جسيكا، وأظهروا كيف يمكن للقوة أن تكمن في الأفراد لا
السياسيين ودمياتهم. تلك هي الرسالة الأصلية التي يقدمها الفيلم بصوت عال
وبوضوح، في وقت اتهمت فيه الهند بانعدام الثقافة.
يثير الفيلم في نفوس مشاهديه كما كبيرا من المشاعر. الوقائع الحقيقية
التي كتبت عن القضية معروفة لدى الجميع، لكن تناول المخرج راج كومار غوبتا
(الذي أظهر موهبته الكبيرة في فيلم «أمير») الدرامي للجريمة والمجرمين
والحملات التي شنتها الصحافة ووسائل الإعلام والرأي العام والضحية، أثار
انبهار الجميع مرة أخرى.
سيجعلك الفيلم تشعر بالغضب والحزن والإحباط والمرارة بشأن الأخطاء
الكثيرة في الآلة الإدارية والقضائية في الهند. الأكثر من ذلك أن يملؤك
بالأمل والثقة بنفسك. فيعيد فيلم «لا أحد قتل جسيكا» على قوة وفاعلية رجل
الشارع العادي القادر على تغيير هذا العالم المفزع.
العقبات التي واجهت صنع فيلم يستقي قصته من الحياة الواقعية كانت
كثيرة. فيلم «لا أحد قتل جسيكا» كان سيبدو فيلما وثائقيا خاليا من الروح،
يعمد إلى تناول ما تناقلته الصحف عن تلك الحادثة بالتحليل والشرح، لكن
حرفية مخرج الفيلم والممثلين أضفت نوعا من الجسد والروح على الفيلم الذي
يتسابق مثل رواية متسارعة الأحداث؛ فمنذ المكالمة الأولى في الفيلم التي
تخبر سابرينا النائمة بوفاة أختها في مطعم «إنديا غيت»، «لا أحد قتل جسيكا»
دراما جنائية تشركك فيها من دون كلل.
وعندما لا يقوم السيناريو والحوار بجذب انتباهك يتكفل الممثلون بقوة
أدائهم للشخصيات بتلك المهمة. فأداء راني موخرجي لدور الصحافية التي تسعى
بقوة وراء الأخبار يزيد من شغفك وكم الإثارة لديك، كما كان أداء مايرا لدور
جسيكا نابضا بالحياة والواقعية، غير أن أداء فيدا بالان لدور سابرينا جعلها
تستحوذ على البطولة المطلقة للفيلم بشجاعتها الكبيرة وبساطتها الشديدة وعدم
إيمانها الكامل بكيفية لشخص معه مسدس في يده أن يطلق الرصاص على شخص لمجرد
مشروب.
مشاهدة لغة الجسد التي قدمتها بالان، وتنقلها الدائم بلا هدف في
المواصلات العامة في دلهي، ستجعلك تدرك كيفية معاناة الأفراد في دلهي. على
الرغم من كل المعاناة يعيشون بشجاعة وكرامة.
هناك بعض لحظات التوقف الجيدة، فوالدا جسيكا الملتزمان بلياقتهما
الفطرية، يقدمان الشاي لوالدي القاتل، عندما قدما من أجل تقديم واجب العزاء
المزيف. إنه مشهد يفطر القلب. لم يخل الفيلم من الهزل أيضا، حيث أدخل غوبتا
بعض اللحظات المرحة، مثل تأكيد الأم في كل مرة على عبارة: «افعل أقصى ما
تستطيعه أنا أريد استعادة ابني».
النصف الأول من الفيلم لا تشوبه شائبة، ويمكن إضفاء هذا الوصف على
الجزء الثاني من الفيلم إذا ما لقي بعض المونتاج. لكن الدراما القوية
والأداء الرائع والموسيقى التصويرية للفيلم تجعل من «لا أحد قتل جسيكا»
فيلما جديرا بالمشاهدة.
تم اختيار عنوان الفيلم من أحد عناوين الصحف؛ عندما أطلق سراح المتهم
للمرة الأولى، ويجسد الفيلم صورة للحياة اليومية في دلهي تفيض بالحياة على
الشاشة، بدءا من مراكز الشرطة إلى الأوساط الراقية في المجتمع الهندي،
لينقل دلهي بتناقضاتها فيبرز دلهي الجميلة والمشؤومة والقاسية والحنونة في
آن واحد. تم تغيير أسماء الشخصيات الحقيقية في الفيلم، عدا عائلة لال. وعلى
الرغم من أن الفيلم يميل إلى التأكيد على نقطة معينة في النصف الثاني،
ويسكب أجزاء من الميلودراما المثقلة في مراحل بسيطة، فإنه ينجح في استخراج
قصة مؤثرة للغاية لعائلة تناضل طلبا للعدالة.
كانت الموسيقى جانبا آخر يحسب للفيلم، فموسيقى آميت تريفيدي الشعبية
المغلفة بموسيقى معاصرة سريعة الإيقاع كانت ممتعة، وأضافت مذاقا خاصا لروح
الفيلم. الموسيقى التصويرية للفيلم تدخل بك إلى الاندماج القوي في الفيلم.
وعنوان الموسيقى «ديلي ديلي» يتصدر جميع سباقات الأغاني في الوقت الراهن.
الشرق الأوسط في
16/01/2011
فنانو مصر فى أفلام عالمية.. طموح حقيقى أم حلم عابر؟
منة عصام
مع كل مشاركة لأحد النجوم المصريين فى فيلم يحمل الجنسية الأمريكية
تتجدد الآمال والآلآم معا، فعادة ما يكون خبر المشاركة فى حد ذاته سعيدا
للوسط الفنى قبل أن يتحول فى بعض الحالات إلى ألم.. تارة لهامشية الدور،
وتارة لطبيعته التى فى أغلب الأوقات تكون لإرهابى أو مجرم فى أفضل
الأحوال.. بينما تقف على ضفة أخرى بعض التجارب القليلة التى تؤكد حضورا
خاصا ومختلفا لدى المشاركين من نجوم مصر بشهادة مخرجين كبار.
رغم محاولات النجوم الشباب فى غزو السينما العالمية خالد النبوى، عمرو
واكد، خالد أبوالنجا تبقى تجربة الفنان عمر الشريف عصية على التكرار حيث لم
ينجح أى نجم مصرى فى الانفراد بأفيشات أفلام هوليوودية كما فعل الشريف فى
أكثر من فيلم أشهرها «دكتور زيفاجو» فرغم اعجاب المشاهدين ببعض التجارب
والشخصيات المؤثرة فى الأحداث غير أن ذلك لم يمنعهم من طرح السؤال، متى
يكرر فنان مصرى تجربة العالمى عمر الشريف بتصدر أفيشات الأفلام وكذلك لعب
الدور الرئيسى فى الأحداث وهل تجارب فنانى مصر فى أفلام عالمية طموح حقيقى
أم حلم عابر؟.
من بين تجارب النجوم المصريين نحو العالمية نجد لخالد النبوى أكثر من
تجربة لعل من أبرزها فيلم «مملكة الجنة» مع المخرج الكبير ريدلى سكوت،
وتناولت أحداث الفيلم الحرب الصليبية دون إنصاف طرف على حساب الآخر. وحقق
الفيلم نجاحا على المستوى الجماهيرى والنقدى أيضا، كما شارك فى أكثر من
مهرجان دولى أبرزها مهرجان «كان». قبل أيام نشبت أزمة حادة على خلفية تأجيل
عرض ومن بعده يجىء الفيلم الأمريكى «اللعبة العادلة» الذى شارك النبوى فيه
أمام النجمين شون بن وناعومى واتس.
ورغم أن النبوى يحتفظ بمساحة فى أفيش الفيلم إلى جوار الاسمين
الكبيرين بهوليوود ورغم أنه لم يحصل على المساحة نفسها داخل أحداث الفيلم،
حيث يظهر فى بضعة مشاهد يجسد خلالها دور عالم نووى عراقى، إلا أن مشاهدو
الفيلم، الذى عرض فى أكثر من مهرجان سينمائى فى مقدمتها مهرجان كان، أكدوا
أهمية دوره فى الأحداث، وإتقانه فى تجسيد الشخصية.
ونجد أيضا مشاركة الفنان عمرو واكد فى أكثر من عمل أبرزها وأحدثها
الإيطالى «الأب والغريب»، ونال عن دوره جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة
السينمائى الدولى، ليتوج نجاحه بمشاركته فى أفيش الفيلم. ومن قبله فيلم
«سيريانا» الذى جسد فيه دور إرهابى يقوم بتفجير موقع نفطى يعمل به أمريكيون
فى الخليج العربى، وفيلم «كونتاجون» إخراج ستيفن سوديزبيرج وشارك فى بطولته
مات ديمون وكيت وينسلت وجوينيث بالترو، وفيلم «صيد السلمون فى اليمن» إخراج
لاسيه هالستروم.
وتأتى التجربة الأبرز للممثل المصرى الأصل خالد عبدالله الذى قدم
للسينما العالمية ثلاثة أفلام فقط إلا أنه استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا
فكانت أولى مشاركاته فى فيلم «يونايتد 93»، كما استطاع الوقوف أمام نجوم
عالميين من العيار الثقيل أبرزهم مات ديمون فى فيلم «المنطقة الخضراء»،
وأخيرا فيلم «الطائرة الورقية» الذى يجسد فيه دور مهاجر أفغانى.
وقد كرمته إدارة مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأخيرة كأحد
النجوم المصريين الذين لمعوا فى السينما العالمية، غير أن علاقته بسينما
بلاده تبقى غير موجودة. قال خالد عبدالله «أنا لا أؤدى دور العربى فقط لأنه
عربى، فدور زياد الجراح فى يونايتد 93 دور صعب يحلم به أى شخص، وفى
«المنطقة الخضراء» أيضا كان فريدى شخصية صعبة، وكذلك أمير فى «كايت رانر»،
ولكن اشترط على نفسى عند تأديه دور العربى ألا أهين تاريخ بلادى، ورفضت
أدوارا كثيرة للعربى لأنى رأيت بها إساءة لنا ولتاريخنا.
وهناك أيضا محاولات أخرى لخالد أبوالنجا فى الفيلم الأمريكى الكندى
«واجب وطنى»
civil duty
والذى جسد فيه دور طالب يثير شكوك جيرانه، حيث يروى الفيلم اضطهاد العرب فى
أمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر، وكذلك هالة صدقى التى شاركت فى بطولة فيلم
«الإسكندر الأكبر» فى دور الملكة «أوليمبيا» زوجة الملك فيليب وأم القائد
المشهور الاسكندر المقدونى الذى حقق شهرة تاريخية من خلال فتوحاته رغم
رحيله عن عمر يناهز 33 عاما فقط.
كما شارك فى الفيلم الذى أخرجه المخرج لبنانى الأصل جلال مرعى من مصر
الفنان شريف رمزى حيث ظهر على أفيش الفيلم، والفنانة الشابة رانيا يوسف فى
الفيلم اليابانى «النيل».
الفنان الشاب محمد كريم أيضا سبق أن شارك فى بطولة فيلم أمريكى جديد
بعنوان «العاصفة» يتناول حياة المسلمين فى أمريكا وكيف يعيشون، والفيلم يعد
واحدا من الأفلام المستقلة التى يتم تصويرها وعرضها بعيدا عن أفلام هوليود
وهو إخراج جوفانى.
الفنان عمرو واكد قلل من أهمية الجدل الدائر حول مصطلح «العالمية»
المتداول، وقال: العالمية ليست السفر للخارج فى أمريكا أو الدول الأوربية
لأكون بذلك قد وصلت إلى العالمية، لكن العالمية تعنى أن أصنع دورا جيدا فى
فيلم ممتاز يخاطب الإنسان العادى فى كل مكان أى كانت لغته أو جنسيته أو
دينه.
وأوضح أنه منذ أن بدأ التمثيل وهو يصنع أفلاما بمنهج عالمى، ومن تلك
الأفلام «جنة الشياطين» و«لى لى» و«جنينة الأسماك» و«ديل السمكة» وكلها
أعمالا تصل لأى إنسان على سطح الأرض، ولذلك أجد أن كل فيلم أجسده يحقق لى
هدفى.
وأضاف: لا يوجد لدى طموح أو حلم فى أن أصبح عالميا ولكن يهمنى بالدرجة
الأولى مدى جودة السيناريو والدور الذى أعمل عليه مهما كان إنتاجه ومهما
كانت جنسيته، وبالمناسبة نجيب محفوظ عندما كتب بأسلوبه الخاص لم يكن يقصد
أن يصبح معروفا على مستوى العالم ولكن لأن كتاباته تخاطب الإنسان فى كل
مكان وتصل لمشاعره وأحاسيسه، فقد أصبح معروفا على مستوى العالم وترجمت
رواياته إلى لغات عدة.
من ناحيته، رهن الناقد يوسف شريف رزق الله رغبة الفنان المصرى فى
الاستمرار بالمشاركة فى الأفلام الأجنبية العالمية بوجود النص الجيد
والشخصية المناسبة له، وكذلك مدى مهارة مخرجه، وأضاف: من المثير للدهشة أن
يرفض فنانا مصريا المشاركة فى أفلام عالمية جيدة عندما تأتى إليه الفرصة،
فهذه فرصة لا تأتى بسهولة وليس لأى شخص.
أما الناقد على أبوشادى فربط بين استمرار الفنان فى العمل بأفلام
عالمية بمستوى الموهبة ومدى قدرته على تجسيد الدور، قائلا: من المهم أن
يسمح مستوى أداء الفنان بقدرته على الاستمرارية لأن الأجانب لا يلعبون و(مش
بيهزروا) فإذا كان على مستوى غير جيد فأكيد سيستبعدونه ولن تأتى له تلك
الفرصة إلا نادرا بعد ذلك، وعموما فإن فرصة الظهور فى عمل محترم شىء مهم
وخطوة موفقة.
الفنان شريف رمزى قال إن اشتراكه فى الأفلام العالمية وأشهرها «الإسكندر»
كان بهدف تعلم واكتساب خبرة الأجانب خاصة الأمريكيين الذين نجحوا فى فرض
أنفسهم، ومعرفة المنهج الذى يتبعونه فى أعمالهم وتطبيقه فى الأعمال المحلية
التى تحمل فكره وثقافته.
وأضاف رمزى: ليس هدفى أن أسافر للخارج لمجرد العمل مع الأجانب ولكنى
أريد معرفة التكنيك والأسلوب الذى يطبقونه، كما أنه ليس من طموحى أن استمر
فى المشاركة فى الأفلام العالمية إطلاقا.
وأشار إلى أنه استفاد كثيرا من تجربة «الإسكندر» ولكن قصر المدة وصغر
مساحة الدور لم تكن صالحة للتطبيق هنا، وفى النهاية لو عرض علىّ دور فى
فيلم أجنبى والسيناريو جيد فأكيد سأوافق عليه، أما لو عرض علىّ دور ضد
مبادئى سأرفضه مثل دور إرهابى أو شاذ أو غيره.
وتابع: هناك الكثير من العرب والمصريين الذين يعملون فى الخارج ولكننا
لا نعرف عنهم شيئا وعندما نراهم نعتقد أنهم أجانب.
الشروق المصرية في
17/01/2011 |