فيلم «الوتر» الذي كتبه «محمد ناير» وأخرجه «مجدي الهواري» هو آخر
الأفلام الروائية الطويلة التي عُرضت في عام 2010 ليكتمل عدد الأفلام
المعروضة 29
فيلمًا، وفي حين تستطيع القول إنه من أكثر الأفلام طموحًا ورغبة في تحقيق
ما هو
مختلف، يمكنك في نفس الوقت أن تعتبره أكثرها إخفاقًا في تحقيق
هذه الطموحات، مع
الأسف لا نكتب عن الأفلام بمعيار الأمنيات والنوايا والطموحات، ولكن بمعيار
ما
شاهدناه وما تحقق بالفعل علي الشاشة، وما شاهدناه عمل يقع في المنطقة ما
بين
الدراما النفسية والبوليسية، يحاول أن يكسر توقعاتك فينتهي
نهاية مفتوحة لا تغلق
الأقواس أبدًا، ويصنع محاولته الأهم بإيجاد معادل موسيقي علي شريط الصوت
لكل ما
تراه من أحداث، ولكن هذه المحاولات تنتهي إلي ثغرات واسعة في خطوطه النفسية
والبوليسية معًا، وكأنك أمام «وتر» مشدود انقطع في منتصف
الطريق رغم المجهود
الكبير، وكأن اعترافك بجرأة المحاولة والاجتهاد لا يمكنك من إغفال حقيقة
انقطاع
الجسور والإخفاق.. وأن العتب في ذلك علي «الوتر»!
من حيث التصنيف، نحن
بالأساس أمام دراما نفسية ترتدي زيّا بوليسيًا وليس العكس، ورغم أن مشكلات
الفيلم
في الخطين معًا (النفسي والبوليسي معًا)، إلا أن الخط البوليسي هزيل حقًا
لدرجة أنك
تستطيع القول إنك أمام أحد أضعف رجال البوليس علي الشاشة،
وربما أحد أكثرهم سذاجة،
ولكن الأهم عندي قبل التدليل علي مشكلات السيناريو أن نتحدث عن فكرة
الفيلم، ماذا
يريد فيلم «الوتر» أن يقول؟
ما وصلني مما شاهدته، وما تقوله الكلمات
المكتوبة علي الأفيش (بالإنجليزية؟!) أن الأشياء ليست ما تبدو
عليه، فليس محقق
البوليس الرائد «محمد سليم» (مصطفي شعبان) شخصًا جديرًا بإدانة الآخرين
لأنه مُدان
أصلاً في جريمة قتل، وليست عازفتا الكمان والتشيللو (مايسة) (غادة عادل)
و(منّة)
(آروي
جودة) - علي الترتيب - شخصيتين بسيطتين تعشقان الموسيقي، ولكن الشقيقتين
تمتلكان نفوسًا معقدة ومركّبة تدفعهما لسلوكيات أكثر تعقيدًا وغرابة، وليس
الملحن
القتيل «حسن راغب» (أحمد السعدني) الذي عثر عليه مقتولاً في
منزله بالعجمي باستخدام
«وتر»
آلة موسيقية مجرد فنان ليستلهم نغمات عذبة، ولكنه ذئب أناني لا يهتم أبدًا
بمشاعر وأحاسيس الآخرين، ولكن يبدو أن صناع الفيلم لم يطمئنوا تمامًا إلي
أن هذه
الأفكار - وهي جيدة بلا شك - يمكن أن تصل إلي المتفرج من خلال
الدراما، لذلك أضافوا
بعض الكلمات في بداية الفيلم كتبت بخط بعيد تمامًا عن الانسجام والسلاسة،
وتتحدث
للمفارقة عن فكرتي الانسجام والنشاز في العلاقات الإنسانية كامتداد
للفكرتين في
الموسيقي، ومرة أخري أنت أمام طموح كبير للتعامل مع أفكار ثرية
بصرف النظر عن
اعتراضي علي فكرة الكلمات (سيئة الخط) المكتوبة التي أراها مصادرة علي
المطلوب،
وقلة ثقة في قدرة الدراما علي الإفصاح.
يقوم بناء الفيلم علي هدف صنع «وتر»
مشدود أساسه رسم ملامح نفسيتي «مايسة» و«منة» ومشاكلهما الداخلية بعد وفاة
الأب
المايسترو، وزواج الأم «عايدة» (سوسن بدر)، ومعاناة الابنة الكبري «مايسة»
كطفلة ثم
كشابة من تحرشات زوج الأم، ثم صراع الابنتين علي حب الموسيقار
الشاب «حسن راغب»
الراغب دوماً في اشباع شهواته، لدرجة أنه ينجح في جعل الشقيقتين عشيقتين له
في نفس
الوقت، ولكننا نكتشف تدريجياً أن التحقيق في جريمة القتل
باستخدام «الوتر» يتم من
خلال معاناة المحقق نفسه (محمد سليم) من مأساة شخصيته حيث قتل زوجته بالخطأ
لإنقاذها من براثن شاب أراد اغتصابها؟!
ورغم ذلك، عاد للعمل من جديد رغم
مظهره وهيئته المضطربة (؟!) من الناحية النفسية تظهر ثغرتان
واسعتان جداً
وأساسيتان، الثغرة الأولي هي أن افتقار الفتاتين لحنان الأب، وتعرض الابنة
الكبري
لتحرش زوج الأم، لا يعتبران مبررين كافيين لتفسير عنف الفتاتين في المشاهد
الأخيرة،
أما إذا رأيت أنهما كافيين فالأولي أن يتوجه العنف إلي زوج الأم لا إلي
الملحن
الشاب رغم كل ما فعله أما الثغرة الثانية فهي عدم ضبط تحولات
العلاقة بين «مايسة» و
«منة»
التي تبدو في أول الفيلم أقرب إلي العداء، ثم تنقلب رأساً علي عقب - ودون
أي
تمهيد - في نهاية الفيلم، في رأيي عن علاقة الشقيقتين أهم بكثير من علاقة
«مايسة»
بزوج الأم المتحرش. نفسياً أيضاً كانت هناك
مشكلة واضحة جداً في رسم شخصية الضابط،
إذ ظل السؤال المعلق بلا إجابة، كيف يمكن أن تصبح «مايسة» في
مخيلة الضابط كما لو
كانت بديلاً لصورة زوجته؟ ما الصلة بين الاثنتين لتفسير ذلك؟ الأغرب أن
الضابط سيري «مايسة» كبديل لجثة الملحن «حسن راغب» في
إحدي اللقطات؟!
ما المعني؟ لا
أعرف، علي المستوي النفسي أيضاً هناك سؤال كبير وهام: كيف يعمل إنسان في
اتجاه
إدانة الآخرين وهو يعاني طوال الوقت - كما فهمت علي الأقل - من إحساسه
أصلاً بأنه
مدان؟!
أما علي مستوي الخطوط البوليسية، فأنت بالفعل أمام ضابط ساذج لا
تعرف بالضبط كيف صبروا عليه وقتاً طويلاً قبل إبعاده، طريقته مثلاً في
اتهام
البواب، أو في توريط الأم في تهمة القتل بعد العثور بالصدفة
علي سلسلتها، أو أسلوب
أسئلته الساذج للفتاتين في كافيهات القاهرة والإسكندرية، كل ذلك لا يجعل
فقط الخط
البوليسي متهافتا ولكنه يجعل من الضابط وسيلة لعرض متهمين علي المتفرج،
نعلم ببساطة
أنهم لم يرتكبوا الجريمة، ناهيك بالطبع عن المشهد العجيب الذي
يعترف فيه الضابط
لمايسة بأنه اتهم خطأ بقتل زوجته، والمشهد الأغرب بتكرار عملية إطلاق النار
ولكن
هذه المرة علي زوج الأم، بعد استدعاء «سينمائي» بالموبايل!
وبسبب كل ذلك
أصبح لدينا - في التحليل النهائي - شخصيتان لديهما مشكلات نفسية لا تقضي
بالضرورة
إلي ارتكاب فعل القتل أو لا تفضي إليه في الاتجاه الذي أراده الفيلم،
وشخصية أخري
تعاني من عقدة الذنب مما يؤثر علي أدائها في التحقيق وبذلك
يصبح الضابط طرف الصراع
الآخر ضعيفاً، وأقل بكثير مما يجعله قادراً علي قيادة الأحداث بقوة إلي
مفاجأة
النهاية، وهذا هو السبب الأساسي في حالة الفتور التي تنتاب الفيلم بعد فترة
قصيرة
من بدايته.
لن أكشف لك هذه المفاجأة الأخيرة حتي لا أفسد عليك متعة
الاكتشاف عند المشاهدة، كل ما استطيع قوله إن هذه المشاهد هي أفضل لقطات
الفيلم علي
الاطلاق من حيث بنائها السمعي والبصري ومدي الانسجام بينهما،
ولكنها لم تجب مع ذلك
عن سؤالين هامين هما: لماذا تم تنفيذ الجريمة باستخدام الوتر مما يرسخ
الشبهات ولا
يدفعها؟ وما فائدة تأكيد إدانة الضابط بالكشف عما حدث بالفعل مع زوجته؟ ما
فائدة
وتأثير ذلك علي موقفه من جريمة قتل «حسن راغب»؟!
أيهما أفيد للخط الأساسي
للفيلم: أن يكون لدي الضابط احساس بأنه مسئول عن قتل زوجته أم
أن يكون لهذا الاحساس
أصل من الواقع؟!
لا أعتقد أن لدي صناع «الوتر» إجابات عن الأسئلة المطروحة
لأن طموحاتهم كانت أكبر بكثير من قدرتهم علي صناعة بناء درامي يمكنه أن
يحمل هذه
الطموحات، ثم كان الطموح الأجمل في محاولة صنع معادل سمعي
سيمفوني لهذه الصراعات
التي نراها، هنا أيضا ظلت المشكلة أن الموسيقي التي وضعها «محمد مدحت»
و«أمير
هداية» وهما من أبطال الفيلم فعلا، ظلت عادة أقوي بكثير مما نراه سواء من
اضطرابات
الشخصيات النفسية أو من تحولات الأحداث البوليسية، وكانت أفضل
النتائج في تتابعات
مشهد النهاية، حيث نجح مونتاج «غادة عز الدين» في صنع بناء متماسك متصاعد
ومتآلف
إلي حد كبير سمعيا وبصريا كان هناك مجهود ضخم في صناعة معادل موسيقي
للأحداث
باستخدام الكمان والتشيللو والبيانو بل والأصوات البشرية التي
تجسد ربما متاعب
الروح ومعاناتها النفسية، الحقيقة أن شريط الصوت كله الذي أشرف عليه «محمد
عبدالحسيب» فيه مجهود كبير ومميز، وإن كانت الدراما وثغراتها تخذله
أحيانا.. علي
سبيل المثال: تعبر الموسيقي عن معاناة «مايسة» النفسية بسبب
تحرش زوج الأم بها
أثناء الطفولة، ولكن الموقف الدرامي يخذل الموسيقي تماما لأنك لا تستطيع
ابتلاع «لا
علي المستوي النفسي ولا البوليسي» أن تحكي متهمة هذه الاعترافات بسهولة
أمام محقق
يتهمها في جريمة قتل.
في أحيان أخري كانت مكونات الصورة تخذل الموسيقي
المحلقة، حدث ذلك باستخدام «كليشيهات» «الفيلم نوار» المعروفة والمألوفة
مثل طبقة
الاضاءة المنخفضة، واللجوء إلي أقل عدد من المشاهد النهارية، والاستخدام
الممل
للحركة البطيئة، واستخدام الكادر المائل أحيانا، وكلها وسائل
ابتذلت من فرط
استخدامها في صورتها التقليدية، بل إن المخرج «مجدي الهواري» استخدم
الجرافيك في
التعامل مع صور أبطاله بحيث تحولوا إلي ما يقرب من رسوم «الكوميكس»، وقد
أعطي ذلك
انطباعا غير صحيح بأنك أمام حدوتة خيالية مأخوذة عن مجلة رسوم
مصورة في حين يعتمد
البناء كله علي الايهام بالواقعية.
كانت هناك أيضا تصرفات بصرية فجة
ومباشرة وتكاد تنتمي إلي سينما الخمسينيات مثل لقطات «السلويت»،
ومثل وضع وجه زوج
الأم عمدا في الظلام مع أن المكان مضيء تماما «الصورة لـ «مازن المتجول»
و«عمرو
فاروق» وربما كان التميز الأكبر في العناصر التقنية بالإضافة للموسيقي
والمونتاج في
ملابس «مها بركة» وفي ديكور «سامر الجمال».
أداء الممثلين أيضا جاء مضطربا:
لم تعثر «غادة عادل» في أدائها مثلا علي مفتاح الشخصية «مايسة» هل هي
مستهترة أم
مسئولة؟ هل هي مجرمة أم ضحية؟ في المشهد الواحد يمكن أن تجد نوعية من
الأداء مع
التسليم باجتهاد «غادة» خاصة في استخدام نظرة العين، «أروي»
كانت أيضا حائرة في
التعبير عن شخصية غائمة، ولم تستطع التحكم في صوتها في مشهد انفعلت فيه
فأحدثت أثرا
كوميديا، أما «مصطفي شعبان» فهو يؤدي بوجه لا يكشف عن أي تعبير أو معاناة
نفسية،
حتي «أحمد السعدني» لم يكن مناسبا أصلا لدور الملحن الدون جوان
الذي تتصارع فتاتان
-
بل فتيات - علي الفوز بقلبه وجسده!
روز اليوسف اليومية في
16/01/2011
فيلم «678».. مشكلات فنية فى عمل مهم
محمود عبدالشكور
ليس هناك سوى معيار واحد لنقد الأفلام هو مدى تكامل عناصرها الفنية،
ويعنى ذلك ببساطة أن موضوع الفيلم يعطيه أهمية إذا كان يناقش قضية خطيرة
مثل التحرش الجنسى، ولكن قيمة الفيلم نفسه ترتبط بمدى القدرة على معالجة
القضية بطريقة خلاقة متكاملة العناصر، من هذه الزاوية نستطيع أن نقول إن
فيلم «678» الذى كتبه وأخرجه «محمد دياب» فى أولى تجاربه كمخرج، هو فيلم
مهم لأنه أول فيلم روائى طويل يناقش قضية التحرش الجنسى- إحدى قضايا
المجتمع المصرى المسكوت عنها، ولكن من الناحية الفنية هناك ملاحظات كثيرة
على السيناريو جعلت المعالجة أقل نضجاً وتأثيراً، كان غريباً حقاً أن ينجح
«محمد دياب» فى وضع الأساس لشخصياته ومأساتهم وظروفهم الاجتماعية ثم يفشل
بعد ذلك فى الانطلاق بهم إلى آفاق أوسع تفتح الأقواس بدلاً من أن تغلقها،
وتطلق أجراس الإنذار بدلاً من أن تبشر بنصر نسائى قريب، بدأ الفيلم بقوة ثم
انتهى للأسف بطريقة تقليدية وباهتة.
«محمد دياب» الذى عرفناه كاتباً متمكناً لأفلام جيدة الصنع أبرزها
«الجزيرة» و«أحلام حقيقية» بدأ فيلم «678» بتقديم ثلاثة نماذج رسمت بشكل
جيد، وعاشت معاناة التحرش الجنسى.
«فايزة» المهزومة المنكسرة التى لعبت دورها «بشرى» وهى موظفة فقيرة
تعرضت للتحرش فى أوتوبيس يحمل رقم «678» مما أثر على مدى تجاوبها مع زوجها
موظف الأمن «عادل» «باسم سمرة»، و«صبا» التى ودعت الصبا، ولعبت دورها «نيللى
كريم»، ومأساتها فى تعرضها للتحرش بعد مباراة فى الاستاد فازت فيها مصر،
وقد تخلى عنها زوجها الطبيب «شريف» «أحمد الفيشاوى» بسبب ذلك رغم أنها
ضحية، ثم «نيللى» التى لعبت دورها بحضور فائق «ناهد السباعى»، وقد تعرضت
للتحرش فى الطريق العام، ورغم مساندة خطيبها موظف البنك «عمر» «عمرو
السعيد»، فإنه يساهم فى الضغوط على «نيللى» حتى تسحب قضية التحرش ضد الشاب
المتحرش الذى قبضت عليه.
ولكن المدخل المتوازن، وجيد البناء يأخذنا فجأة إلى خط بوليسى مع ظهور
الضابط «عصام» «ماجد الكدوانى» الذى يكتشف أن «فايزة» و«صبا» متورطتان فى
التحريض والقيام بالاعتداء على المتحرشين فى الأوتوبيسات والطريق العام
بالسلاح الأبيض فى مناطق حساسة، «فايزة» تحديداً هى التى كانت تقوم بذلك
بدعم الاثنتين وتستّر «صبا»، ولكن الضابط يفرج دون مبرر عن الاثنتين مما
جعل تحقيقاته التى أخذت جانباً من زمن الفيلم بلا معنى، وبعد هذا المشهد
الغريب، تاهت الخيوط من المؤلف، وبدا أن مشهد القبض على «صبا» ثم قيام
الضابط بإطلاق سراحها غير مقنع، وأصبح «عادل» زوج فايزة من المتحرشين بعد
أن أهملته زوجته، ورفضت «نيللى» وخطيبها التنازل عن القضية لينتهى الفيلم
بعبارة تؤكد تجريم التحرش الجنسى قانوناً رغم قلة الإبلاغ عنه، وهكذا بدا
كما لو أنه يتعامل مع المتحرشين كالأشباح أو الوحوش التى تظهر وتختفى دون
أى تحليل للنفوس والدوافع إلا بإشارات عبارة يفهم منها أن التحرش له علاقة
بالكبت أو بالجهل أو بالبطالة مع أنك قد تجد متحرشين من المتزوجين أو من
المتعلمين تعليماً راقياً!
ربما لم يكن السيناريو محكماً كما تعودنا من «محمد دياب» إلا أن
«دياب» المخرج عوّض نسبياً هذا الفشل بإدارته الجيدة لممثليه الذين قدموا
أدواراً جيدة مثل «بشرى» و«نيللى كريم» أو متفوقة مثل «ماجد الكدوانى»
و«ناهد السباعى»، بالإضافة إلى بعض الجوانب التى تميز بعض العناصر الفنية
مثل «صورة» أحمد جبر. وموسيقى «هانى عادل» ومونتاج «عمرو صلاح».
أكتوبر المصرية في
16/01/2011
الآخــــر فى السينما
محمد رفعت
«يا جوليا يا مزبلة يا زوجة الكل».. هذه العبارة التى قالها فنان
الشعب الراحل يوسف وهبى لزوجته الراقصة الفرنسية حين اكتشف خيانتها له مع
رجل آخر فى أول فيلم مصرى ناطق وهو «أولاد الذوات» عام 1932، هى نفسها
القاعدة التى مازالت تحكم نظرتنا إلى الغرب ورجاله ونسائه فى أعمالنا
الفنية سواء للمسرح أو السينما أو التليفزيون. ونظرة سريعة إلى صورة الآخر
أو «الخواجة» فى السينما المصرية سوف تؤكد لنا هذا الاستنتاج.. فالأجنبى فى
أفلامنا لص خطير يرتدى القبعة ويمسك بالسيجار ويتكلم بلكنة عربية «مكسرة»
ويسعى إلى سرقة ثروات بلادنا أو هدم موروثاتنا وثقافتنا وأخلاقياتنا من
خلال تصدير وتهريب المخدرات، مستغلا فى ذلك سلاح المال أوالجنس.. وهذه هى «التيمة»
الثابتة تقريبا التى تلعب عليها معظم الأفلام، فالغربيون لصوص ومرتزقة
وقوادون وتجار مخدرات وسلاح، والغربيات أو «الخواجات» من النساء، هن فى
الغالب ساقطات وعاهرات أو على الأقل جاسوسات وعميلات للموساد أو المخابرات
الأمريكية. والغريب أن الصورة لم تكن هكذا فى بدايات السينما المصرية حين
كان يعيش فى مصر كثير من الأجانب من جنسيات مختلفة وينصهرون داخل نسيج
المجتمع دون إثارة أية مشكلة دينية أو عرقية، وخصوصاً من الأرمن
واليونانيين الذين كانوا يتحدثون بعربية محببة ويختلطون بالطبقات الشعبية
من المصريين، لكن هذه النظرة تغيرت كثيراً بعد قيام ثورة يوليو، فأفلام ما
بعد الثورة القليلة التى تعرضت لشخصيات غربية تعاملت معها باعتبارها أذنابا
للاستعمار وأعوانه، وطابورا خامسا يريد القضاء على مكتسبات الثورة، وحاولت
تشويه تاريخ أسرة محمد على الأجنبية التى حكمت مصر لسنوات طويلة. وبعد حرب
أكتوبر انحصر تناول الشخصية الأجنبية إلى حد كبير فى بعض أعمال الجاسوسية،
بدأت بفيلم «الصعود إلى الهاوية»، وتلاها أفلام أخرى مثل «إعدام ميت» بطولة
محمود عبد العزيز ويحيى الفخرانى وبوسى وإخراج على عبد الخالق وتأليف
إبراهيم مسعود، وفيلم «بئر الخيانة» بطولة نور الشريف، وهدى رمزى وإخراج
سمير سيف، و«فخ الجواسيس» بطولة هالة صدقى وإخراج أشرف فهمى، وكلها تدور
حول بطولات المخابرات المصرية فى الإيقاع بجواسيس العدو سواء أثناء عملهم
فى مصر أو فى عواصم غربية، وان كانت جميعها تشترك فى تثبيت صورة الغربى
باعتباره شريكا وعوناً لليهودى فى اضطهاد ومعاداة كل ما هو عربى وإسلامى.
لكن الصورة لم تكن كلها قاتمة، فقد استطاع عدد من كبار الكتاب والروائيين
والمفكرين المصريين الذين تلقوا تعليمهم فى الغرب، وكتبوا سيرهم الذاتية أن
ينصفوا فيها قطاعا كبيرا من الغربيين غير العنصريين، الذين ساعدوهم
واعترفوا بفضلهم عليهم، فضلاً عن بعض الشخصيات النسائية الغربية المحترمة
اللاتى وصلت علاقة هؤلاء الأدباء بهن إلى درجة الاقتران والزواج، مثل شخصية
«سوزان» زوجة عميد الأدب العربى الراحل د. طه حسين، لكن رغم هذه النماذج
والأعمال الفنية القليلة التى تنصف الغربى، وتعطيه ما يستحق وتنفى عنه
الوجه الأسود المحتكر، ولا تصوره على أنه السارق المعتدى الغاشم عديم
الأخلاق والقيم، المتحرر من قيود الدين، المستعمر القديم والجديد.. إلا أن
الصورة السائدة فى أذهاننا وفى أعمالنا الأدبية والفنية لا تقل ظلماً
وكذباً ولا موضوعية، عن الصورة التى يقدم بها الغرب، والسينما الأمريكية
على وجه الخصوص شخصية العربى والمسلم، وكأن التشوية متعمد، والمبالغة
مقصودة كنوع من الانتقام. والحقيقة أن هذه النظرة الأحادية المغلوطة
المبنية على معلومات خاطئة وتراث من الحقد وسوء الفهم، والتى تعكسها
الأعمال الفنية التى تتناول صورتنا فى أمريكا والغرب، وهى صورة زادت سوءاً
وسواداً بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وظهور «الإسلام فوبيا»، تستدعى فى
نفس الوقت رد فعل عنيف من جانبنا يدفعنا بشدة إلى محاولة الانتقام ولو
بصورة غير مباشرة من خلال الإمعان فى تنميط الشخصية الغربية وربط الأجنبى
بالاستعمارى والغربى بالصهيونى، وتناول الآخر فى إطار نظرية الشك الدائم
والمؤامرة، وهو وضع لا أتوقع له أن يتغير قريباً، بل هو يزيد باستمرار مع
تنامى مشاعر الكراهية للآخر، رغم كل الكلام عن الدعوة للتآخى والتسامح
وحوار الحضارات والأديان .
أكتوبر المصرية في
16/01/2011
هناك... حيث الطائفة تعمل في النقد الفني!
دبي ـ حسين جمّو (*)
انقسم المشاهدون في قاعة عرض الفيلم العراقي «المغنّي« إلى فريقين
متواجهين لا أمل في التقائهما عند نقطة وسط، بينما بقيت قلة قليلة من
«الأجانب« غير مشاركة في الحرب السياسية التي اندلعت في قاعة العرض على
هامش الدورة السابعة لمهرجان دبي السينمائي. الفيلم يتناول برمزية شخصية
«الدكتاتور« في الحياة على حد قول المخرج قاسم حوَل. ورغم أن الملامح
الشخصية للدكتاتور في الفيلم لا تشبه إطلاقاُ ملامح صدام حسين، إلا أن
ملامح المعاناة التي واجهتها شخصيات في الفيلم كانت دالّة على أن المقصود
هو الرئيس العراقي المخلوع.
الفيلم يدور في أحد قصور صدام حسين في مدينة البصرة بمناسبة عيد
ميلاده، حيث المدعوون رموز للفئات الاجتماعية المحيطة أو التي أحاطها
النظام بنفسه. الشخصية الرئيسية هو «المغني« بشار البصري الذي كلف بحضور
حفل عيد الميلاد للغناء. وعندما تتعطل سيارته على الطريق يتأخر في الوصول
في الموعد المحدد مع أحداث مرمزة على الطريق مثل تلهف الناس الذين قابلوه
إلى مساعدته بأي شكل. لكن عندما يخبر الرجل الذي تبرع بإيصاله أن المكان
المراد هو «قصر الرئيس« يتردد ويسرد قصصاً مختلقة حول أنه «لا يخاف« من
إيصاله إلى قصر الرئيس ثم يتراجع عن بطولاته عندما يطلب منه القفز من
السيارة المهترئة قبل الوصول لئلا تشتبه العناصر الأمنية به. يستقبل رجال
الأمن المغني بالاعتداء عليه وإهانته.
حاول المخرج تحليل شخصية «الدكتاتور« مبتعداً قدر الإمكان عن التوثيق
الواقعي، فالرئيس، وبسبب تأخر المغني، يطلب منه أن يغني ووجهه إلى الحائط،
لأنه (الرئيس) يحب صوته ولا يحب شكله، فيصبح وجهه بمواجهة تمثال الرئيس
بجانب الحائط.. ويبدأ الغناء.. وبالغناء يروي بكائية العراق بأداء وكلمات
بالغة التأثير.. والتي كان أجملها «يا نبعة الريحان«. وعلى إيقاع الأغاني
يتهامس المدعوون الذين تراقبهم كاميرا الأمن ومايكروفون تحت الطاولة،
فيتساقطون واحداً تلو الآخر في فخ الموت بدءاً من زوجة الشاعر التي طلبت
الطلاق بعد منح زوجها سيارة مرسيدس تكريماً له على قصيدته في تمجيد
«القائد«، ثم الضابط الذي انتحر في الحفل بعد أن فضح الرئيس أن زوجته
اللطيفة كانت وراء ترقيته الأخيرة، وانتهاء بالمرأة الطامحة إلى أن تصبح
مذيعة في التلفزيون ثم تقف في وجهه لتكشف عن صدرها للرئيس علناً كثمن
لتوظيفها في مكان محترم. الشخصيات الأخرى انتهت في القصر بالقتل لأسباب
مشابهة.
بعد الفيلم، تقدم المخرج قاسم حول ليختصر ما عرضه بكلمة: «هذه جوانب
من العقد النفسية للدكتاتور.. في أي مكان«. فجاءه الهجوم اللفظي عنيفاً من
ناقد عراقي قائلاً إنه أسوأ فيلم شاهده للمخرج. وسانده عراقي آخر بإحصاء
الأخطاء في الفيلم والتي أبرز منها أن صدام لم يقم بحفل عيد ميلاده في
البصرة على الإطلاق. وعندما أكد المخرج أن تقييد الفيلم بالمكان الواقعي
والتسلسل الحقيقي للأحداث هو ضد السينما، تابع منتقد عراقي آخر للفيلم بحدة
الهجوم بقوله إن المسافة بين المنطقة التي انطلق منها المغني وبين القصر لا
تستغرق ربع ساعة في الزمن الحقيقي، بينما الفيلم أظهر الرحلة وكأنها من
محافظة إلى أخرى. هنا ظهر مؤيدو الفيلم وتحدث بعضهم «نيابة عن المخرج« عن
رمزية الفيلم في تحليل شخصية الدكتاتور. ثم عاد ناقد عراقي إلى الادعاء أن
شخصية الدكتاتور لم تكن متعلقة بالجنس كما أظهره الفيلم، وأنه «أعمق من ذلك
بكثير«، الأمر الذي أثار مقدم برنامج الأفلام العربية (العراقي) في
المهرجان الذي وقف موقف مخرج الفيلم بالقول إن شخصية الدكتاتور ربما كانت
أعقد وليست أعمق «لأن شخصية المجرم لا تكون عميقة«. أخذ النقاش يتصاعد في
الحدة حتى كاد يتحول إلى منتدى سياسي حول التفضيل بين «عراق ما قبل 2003
وما بعدها« بتعبيرات ابتكرها مثقفون يحرصون على إدعاء الموضوعية في الوقوف
تجاه الأحداث في بلاد الرافدين. هنا تدخل المخرج للمرة الأخيرة ليطلق
عبارته الجريئة: أتمنى أن يتخلى المثقفون عن ربط موقفهم من العمل الفني
بالموقف من التوجهات السياسية التي يتبعونها.
هذه الحادثة تكررت في المهرجان مع فيلم «الرحيل عن بغداد« للمخرج
قتيبة الجنابي الذي حظي بمعارضة أقل، لا لأن الفيلم خالٍ من نقاط ضعف من
ناحية معالجة قصة المصور الخاص لصدام حسين وهجرته بعد إعدام ابنه الشيوعي،
بل لأن معارضي عراق ما بعد صدام حسين لم يرموا بثقلهم فيها.
على ضوء قضية الرؤية السياسية في الأفلام، أو بناء موقف من الفيلم
السينمائي اعتماداً على رؤية سياسية مسبقة، تصبح السينما العراقية شيئاً
فشيئاً نسخة صريحة عن السياسة. بل الفن بمعناه الشامل الذي لم يسلم من
«واجب إبداء الموقف«، ومنتقدو أفلام مثل «المغني« و«الرحيل عن بغداد« أو
الفيلم الأكثر رصانة «ابن بابل« للمخرج محمد الدراجي يعرفون أيضاً من
طائفتهم - بتعبير تثاقفي ألطف - من موقفهم السياسي. والأسوأ يحدث أحياناً،
عندما يتفادى عراقيون حضور معارض فنية بناء على «الموقف السياسي للفنان
الذي رسم اللوحات«. خارج قاعة العرض، يلتقي هؤلاء الخصوم من جديد، ويطلقون
الضحكات... الذي يراهم في هذا الموقف، يستبشر خيراً بمستقبل العراق.
(*) أعتذر مسبقاً من كل عراقي وجد نفسه مشمولاً «ظلماً« بقراءتي لخطوط
الانقسام الفني في بلاد الرافدين.
المستقبل اللبنانية في
16/01/2011
بشير الديك: الجيل الجديد من المخرجين أعاد إليها الحيوية..
نقاد وخبراء: السينما المصرية في 2011 تلعب على وتر الجرأة
القاهرة – دار الإعلام العربية
بعد موجة من الانتقادات التي حظيت بها السينما المصرية في العامين
الماضيين، قال سينمائيون مصريون، إن أفلام العام الجديد تتميز بأفكار تتسم
بالجرأة واللعب على تيمات غير مطروقة، واعتبر السينمائيون أن صناع الفن
السابع في مصر استوعبوا الدرس جيدا، ولم يعد شغلهم الشاغل مجرد الدخول في
منافسة ليست موجودة أصلا، ما يعزز أهمية ترتيب أوراقهم من جديد حتى يعود
للفيلم المصري تميزه وجمهوره، مع المطالبة بضرورة تخفيض الأجور الفلكية
للفنانين، وتوجيه هذه الملايين لإنتاج أفلام أخرى في خطوة تستهدف إنتاج
مائة فيلم مصري في العام كما كان يحدث في خمسينيات القرن الماضي.
وأشاد نقاد وسينمائيون في هذا الصدد بعدد من الأفكار الجديدة التي
تتطرق إليها السينما المصرية في العام الجديد؛ ومنها أعمال بدأ تصويرها
بالفعل مثل "المصلحة" الذي يقوم ببطولته أحمد السقا، مع أحمد عز، وأعمال
أخرى مازالت قيد الإعداد مثل "الظواهري" الذي يقوم ببطولته أحمد عز، ويتطرق
إلى عالم الإرهاب.
جرأة واقعية
إلى ذلك، أعرب المخرج محمد حمدي، عن اعتقاده بأن الأفلام المصرية قد
اتجهت بالفعل نحو الأفكار الجادة والواقعية التي ترصد الواقع وتحاول إيجاد
حلول له دون تزييف، مع البعد عن المبالغة أو التهويل من خلال أفكار تتسم
بالجرأة، كما حدث أخيرا في فيلم "678" الذي تناول قضية التحرش في الأماكن
العامة بمنتهى الجرأة، ومع ذلك تعرض مخرجه محمد دياب لكثير من الاتهامات
منها الإساءة إلى سمعة المجتمع.
وطالب وزارتي الثقافة والإعلام بتحويل جزء من مئات الملايين التي
تنفقها على الدراما التليفزيونية إلى دعم الإنتاج السينمائي، حتى لا يكون
الإنتاج في أيدي منتجي أفلام المقاولات كما حدث في بداية الثمانينات.
دماء جديدة
أما السيناريست بشير الديك فقال: السينما المصرية استوعبت الدرس جيدا،
وأدركت أن التركيز على الفقراء وسينما الجسد والعشوائيات لا تصنع نجاحا ولا
تستمر مع الجمهور حتى مع الإقبال عليها، مؤكدًا أن السينما المصرية بدأت
بالفعل البحث عن أفكار جادة ذات جرأة في الطرح، بعيدا عن الأفكار المستهلكة
التي كانت تنحصر في الأكشن والكوميديا والرومانسية، فقد اتجهت السينما أكثر
إلى الواقعية، ليس كما صورها خالد يوسف في أفلام العشوائيات التي قدمها على
مدار الأعوام الماضية، بل صارت أقرب إلى عكس الصورة الحقيقية للمجتمع بلا
خطوط حمراء.
واعتبر أن ظهور جيل جديد من المخرجين الشبان أسهم في ضخ دماء جديدة
ستعيد إلى السينما المصرية ما افتقدته من حيوية.
بدوره، اختلف المخرج أحمد شاهين، مع التوقعات بزيادة حجم الإنتاج
السينمائي في العام 2011، مؤكدا أن الظاهرة الجديدة في هذا العام ستكون في
معيار المواضيع والأفكار التي تتطرق إليها، وليس في زيادة عدد الأفلام
المنتجة، متوقعًا أن تحدث انفراجة إنتاجية في العام 2012،
وهو نفس ما أكده المخرج هشام علي عبد الخالق، الذي قال: لا أتوقع
تغيرًا كبيرًا في عدد الأفلام التي سيتم إنتاجها هذا العام، ولا أتوقع أن
تكون هناك إيرادات كبيرة؛ لأن أزمة الإنتاج مازالت مستمرة.. لكنه أشاد
بالأفكار التي تستعرضها هذه الأعمال.
العربية نت في
16/01/2011 |