لقد تسنى لي قبل عشر سنوات مضت تقريباً أن ألتقي برجل في الخمسينات من عمره
اسمه "وارن سنوبل" من جنوب أفريقيا. كان هذا الرجل يبحث عني حينها في
المهرجان الثقافي الذي أقيم في غراهامستون، وهو أضخم حدث ثقافي سنوي في
جنوب أفريقيا، هناك حيث تسنى لي مشاهدة برنامج عروض للأفلام السويدية.
ما أراده السيد سنوبل، المتحفظ إلى حد ما، ونحن نتناول وجبة طعام معاً، هو
أن يروي لي تجربته مع الفيلم الذي شاهده في هذا المهرجان والذي استطاع أن
يحدّد مسار حياته!.
ما زلت أتذكر وأفكر طويلاً بوجبة الطعام تلك وحديث ذلك الرجل الأفريقي بشأن
مسألة لافتة، هي: كيف إن ساعات قليلة في صالة السينما يمكن لها أن تغيّر
حياة إنسان؟!. نعم، لقد حدث ذلك حقاً للسيد سنوبل. أما الفيلم فهو أحد
أفلام إنغمار بيرغمان.
***
لقد توقف بيرغمان اليوم عن عمل الأفلام بالطبع (**)، فقد غادر السينما
والتلفزيون ومسرح رويال الدرامي أيضاً، فضلاً عن هجره لكل الممثلين الذي
أحب العمل معهم بشكل حميم ومتقد. لقد نأى عن ستوكهولم، المكان الذي تشّيد
فيه إبداعه، ليقيم أبداً على ساحل جزيرة اسمها فارو. أما وضعه في تلك
الجزيرة فيصيغها بيرغمان العجوز بهذه الجملة التهكمية:(Full
time Faro old fart).
أقام بيرغمان في معتزله الاختياري صالة عرض مخصصة للضيوف أقامها في مخزن
قديم للحبوب أو ربما مرأب للعربات، كان يستخدمه في السابق كستوديو سينمائي
صغير. وفي منزله المطل على الساحل ثمة مكتبة موسيقية وكتب ودفاتر بجلادات
سوداء وأقلام رصاص مشحوذة ومقعد ومصباح عمل مضاء.
المشهد هو كالتالي: منزل مستلق على حواف البحر المتغير الأمواج، ورجل عجوز
يسير وحيداً على طول الساحل يحلم ويتذكر.
أتذكر ما قاله لي حين أجريت لقاء معه قبل سنوات عدّة بمناسبة مرور ٧٥ عام
على تأسيس المسرح الاذاعي السويدي: لقد انتهى كل شيء الآن. لقد قمت بإخراج
٤٩ مسرحية إذاعية و ١٢٦عرض مسرحي، وإذا جمعت نتاجاتي السينمائية
والتلفزيونية معاً فستكون أكثر من ٦٠ نتاجاً. أما الآن فإنني أطالع الكتب
وأشاهد الأفلام في صالة سينماي الخاصة. وثمة خمسة عشر ألف سائح تقريباً
يأتون إلى جزيرة فارو كل صيف. شكراً لله على أنني أعيش على جانب من جزيرة
حيث القليل من الناس من يحب المخاطرة في القدوم اليها. بعت قسماً من الأرض
التي أملكها هنا لشخص يربي ثيراناً صغيرة. وثمة بوابة كتب عليها: (إحذر
صغار الثيران). لديّ ساحل تكسوه صخور منبسطة يحيطها تيار البحر البارد، لذا
فدرجة حرارة الماء لا تزيد عن ثلاثة عشر درجة مطلقاً".
إن الرحلة التي أمضاها بيرغمان في ميدان السينما تمتد الى أكثر من ستين
عاماً، وهي فترة ساحرة ومتلألئة، ابتدأت بالمرحلة التي كان يشغل حينها
وظيفة في (سفينيك فيلم اندوستري) تسمى حسب تعبيره في وصفه لفترة التلمذة
تلك بـ "عبد السكربت"، وانتهت بوداعه المهنة في فيلمه الأخير (ساراباند)
عام ٢٠٠٣.
حين ولج بيرغمان الشاب حقل السينما السويدية جاء اليها قادماً من مسرح
الطلبة، وقد كان زمناً آخر. يومها كان ممكناً لذلك المبتدِأ المتعنت
والعنيد ان يحصل على أكثر من فرصة دون قرار مباشر ومّلح من شباك التذاكر.
لقد صنع له اسماً إبان قيامه بكتابة سيناريو (العذاب) عام ١٩٤٤، الذي كان
متعطشاً لأخراجه، لكن لم تتح لسوء حظه الفرصة لقيامه بإخراجه، إنما تولى
العملية المخرج الكبير ألف سجوبيرغ (مخرج مسرحي وسينمائي سويدي ١٩٠٣ ـ
١٩٨٠). ومع ذلك فقد أنجز إخراج أربعة أفلام تبعت ذلك السيناريو يصفها
بيرغمان إنها بمثابة تجارب إخراجية أكثر من بارزة.. أفلاماً عكست زمنهم
وإتجاهاتهم الحديثة. لكن إقتحامه الفني الأكبر جاء في السنة اللاحقة مع
فيلمه (السجن). هكذا ومنذ تلك الفترة وحتى خريف العمر، تحول "عبد السكربت"
ذاك إلى أحد أهم وأجرأ وأحب روّاد السينما في العالم. إلا إن السؤال الذي
ظل قائماً على الدوام،هو، ما الذي جعل منه عظيماً؟
ربما السر يكمن في قدراته اللامحدودة في نسج أشكال عديدة من التعبير الفني
والجمالي من فيلم إلى فيلم. فهو، وعلى خلاف الكثير من المخرجين السينمائيين
كانت جميع أشكال الأدب والفنون الأخرى تتعايش جنبا إلى جنب في داخله، ليس
كأشياء سريعة وعابرة بل مثل دقات القلب، مثل نفحات السمو التي يبلغها
إنسان، إيقاع من الماضي يحدث هنا والآن في السينما، حينما تتفتح حواسنا على
قصص جديدة حول الفن الصعب للحياة والأنسان. ببصيرة تخترق عناد الموت، وأمل
في حل تسوية موحدة بمزج محكم بين الماضي والمستقبل. بكلمة موجزة، قدرة
متكتمة ومحترزة في ملامستها لقلوبنا. وهو مثل القليل من الفنانين
السينمائيين، كان يمتلك حباً للطبيعة الخاصة والمميزة للفيلم في مزجه أو
توحيده لفن السيرك وعمق التفكير معاً. فهو غالبا ما كان يتحدث عن الفيلم
ويماهيه بعمل "المومس" حيث النزعات التجارية والفنية تشكلان حرفياً وجهين
لعملة واحدة. لكن في حالته، هي دعارة وفقاً للظروف التي يحددها هو نفسه.
هكذا لعب دوراً حاسماً في السينما السويدية والعالمية، ليس مثل عمود صخري
راسخ في عالمه الإبداعي، إنما أشبه بدليل في رحلة جماعية.
كمخرج ومنتج، كان يمثل المحور الرئيس في ستينات القرن الماضي، والتي نصفها
اليوم في السينما السويدية بالعقد الذهبي. وكان بيرغمان مصدر إلهام لأولئك
الذين كرهوه ووقفوا ضد أفلامه أمثال بو وايدربيرغ أو ماي زيتيرلنغ، وملهماً
أيضاً لأولئك الذين منحتهم أفلامه دفقاً من الشجاعة والقوة. إن
التأثير الذي تركه بيرغمان على تطور السينما يمكن تفسيره بشراهة حبه وفضوله
للفيلم وأساليب تعبيره.
كانت مكائن عرض الأفلام في صالة سينماه في جزيرة فارو تدور في الساعة
الثالثة من كل ظهيرة. أفلاماً لمخرجين شبّان ممزوجة بأفلام كلاسيكية فضلاً
عن صلة حية وعشق خاص لأفلام السينما الصامتة. إنه لعمل ملهم حقاً.
أتذكر حينما سنحت لي فرصة إجراء مقابلة معه في إحدى المناسبات، وكنا نتحدث
حينها عن فن الفيلم بالطبع، وكان يفترض أن تكون المقابلة بمثابة لقاء
تلفزيوني، والتي أصبحت فيلماً فيما بعد بعنوان "صوت بيرغمان"، وكنت سألته
حينها، إن كان قد تعب من مشاهدة الأفلام. قهقه بضحكته السخية قائلاً:
"أوه، كلا... الفيلم عالم شاسع وممتد. كلما شاهدت أفلاماً أكثر كلما اكتشفت
أشياء أكثر". وبالفعل،
فأن أفلامه جميعاً هي تجسيد ساطع لهذه الفكرة البسيطة. لأن ثمة سعة
فانتازية في المعابر الحدودية المجّددة له خلال "ملكوت الفن السينمائي".
لا يوجد مخرج سينمائي آخر في العالم مثله منح نفسه الحرية في أن يجرب
ويبتكر الأساليب التعبيرية ويجددها. وثمة الكثير من الشواهد، فلعل فيلم
تروفو (٤٠٠ ضربة) وهو أحد أعظم أفلام الموجة الفرنسية الأولى إحداها، ففي
أحد مشاهده نرى الشاب جان بيير لياد وصديقه يطعن بعضهما البعض أمام بوستر
فيلم بيرغمان "صيف مع مونيكا" المعلق خارج الصالة. ولم تكن تلك مجرد
مصادفة، فبذلك الفيلم غادر بيرغمان عالم الأستوديوهات الخانق والمغلق، ودعا
هاريت أندرسون في المشهد الختامي الساحر للفيلم أن تدير عينيها نحو
الكاميرا، وتتطلع فينا. هنا بيرغمان حطم وعزز في نفس الوقت وهم الفيلم في
لحظة واحدة!.
لقد منح بيرغمان مخرجي المستقبل الشباب في باريس آنذاك الدوافع والحوافز
الأساسية للتعرف على لغة سينمائية جديدة وهم يشاهدون أفلامه في
"السينماتيك" متسائلين عما يفعله هذا المخرج السويدي المغمور!.
كثيراً ما قيل عن المخرج السينمائي الشاب "ويم ويندرس" (***) أنه هو من
ابتكر الأسلوب السينمائي الجديد المعروف بـ (أفلام الشارع) في السبعينات
مثل "أليس في المدن" و "ملوك الشارع". لكن الكثير يجهل أن في العام ١٩٥٧،
وحين كان ويندرس يومها تلميذاً في المدرسة بسن الثانية عشر، كان العالم
يشهد العرض الأول لفيلم "التوت البري" الذي هو بمثابة النموذج الأسطع
والأستثنائي لفيلم الشارع، فضلاً عن تعقبه وبحثه المتواصل للتعامل مع الضوء
هو ومصوّره سفين نيكفيست (عملهما المشترك في هذا الشأن بدأ مع فيلم "الربيع
البكر" في عام ١٩٥٩ وحقق تعبيره الكامل في فيلم "ضوء الشتاء" عام ١٩٦٢
والذي لا يزال بمثابة مرجع أساسي للمخرجين والمصورين السينمائيين في العالم
أجمع).
أما عبثه الخلاق مع الفيلم الصامت والذي عكس من خلاله في فيلم (السجن)
مثلا، تجربة طفولته في
صالات السينما في ستوكهولم فسيبقى ملهماً خصباً لتجارب اليوم في شأن "الفلم
داخل الفيلم"، فهو
فيلم إنطوائي يفتتح بلحظة مضيئة سعيدة حين يختبئ الشاب وصديقته في الغرفة
العلية ليشاهدا فيلماً هزلياً صامت، المشهد الذي يلمّح مباشرة لمسرح
الصندوق السحري لأليكساندر في فيلم بيرغمان "فاني وأليكساندر" عام ١٩٨٢، أو
المشاهد الكابوسية التي تستهل فيلمه "نشارة وخيوط براقة" عام ١٩٥٣ وفيلم
"التوت البري" اللذان هما أيضاً أفلام صامتة نوعاً ما.
أفلام بيرغمان تدور حول محورها الخاص بها، تترصدنا وتترصد ذاتها معاً بشكل
متواصل بقوة وكثافة جديدين.
أما الشيء الاستثنائي والأكثر أهمية لمساهمته في تطوير الفيلم فهو الكشف عن
الإمكانات الخصبة التي تتضمنها اللقطة الكبيرة (كلوز آب). والتي يعّبر عنها
هو نفسه بالشكل التالي:"اللقطة الكبيرة،
الشخص العاري، الوجه المنفتح، هو كشف سينمائي عظيم".
وقد دعم هذه الفكرة عبر إفتتانه الهائل بشخصية الفيلم المميزة، بالتغييرات
والحركات الطفيفة التي تطرأ على وجه الأشخاص حين يتكلمون أو يصمتون في فيلم
"بيرسونا" ١٩٦٦ أو فيلم "العشق" ١٩٦٩، "صرخات وهمسات" ١٩٧٢ و "وجهاً لوجه"
١٩٧٥، والذي أصبح بمثابة منهجاً أو يقيناً فني بالنسبة له.
لم يكن السويديون من قبل يحبون بيرغمان كثيراً لكنه أصبح محبوباً لديهم
فيما بعد.! أما السبيل للوصول إلى قلوبهم فقد كان عسيراً وطويلاً بالنسبة
له، فمسارات الزمن لم تستطع أن تتحكم في توجهاته. فتجديداته الأسلوبية، غير
المهادنة، قد تحولت كثيراً عما يسمى بـ الثبات السياسي، وهذه ربما واحدة من
أهم أسباب عظمته.
حين أصبحتُ ناشطاً ضد الحرب في فيتنام كان عمري سبعة عشر عاماً، يومها
أغواني فيلم "العار" لبيرغمان ما دفعني وبحماسة شديدة الى تعليق ملصقات
عرضه حينها عند افتتاحه في ستوكهولم عام ١٩٦٨.
وحين شاهدت الفيلم ثانية في التلفزيون بعد عشر سنوات، وكنت وقتها أتجوّل في
المناطق التي حدثت فيها تلك المعارك، أحسست فجاة أن الفيلم كان صورة
للأسئلة ذات العلاقة بما حدث حقاً. وهو، كيف يمكننا التوفيق بين حيواتنا
الخاصة وبين إدراك عالم كان يحترق أمامنا؟.
فيلم "العار"، ولعله ليس بأفضل أفلام بيرغمان، أصبح بالنسبة لي تجربة حاسمة
في حياتي غيّرت وجهة نظري حول أشياء كثيرة.
أما من جعل من بيرغمان محبوباً في السويد فهو فيلمه "فاني وألكساندر" عام
١٩٨٢ بنسخته الكاملة (خمسة ساعات) والذي كان يعرض عادة في التلفزيون
السويدي نهاية كل عام في أعياد الميلاد.
الفيلم الذي حصل بيرغمان من خلاله على إعتراف شعبي واسع في السويد ما جعله
يدخل (البيت السويدي) بكل رضىً وطمأنينة!..
أما الفيلم الأول الذي أثار إعجابي حقاً فهو "الختم السابع" وكنت شاهدته في
أواسط الستينات في ستوديو صغير تحت الأرض في المدرسة أنا وشلة من المراهقين
أمثالي ممن كنا نحاول أن نصبح مختلفين ومميزين، حينما كانت أفلام بيرغمان
غريبة "ثقافياً" في الوسط السويدي.
كانت فكرة (البيت السويدي) فكرة مؤّمن عليها وواسعة حينذاك وقد شيدت بشكل
تعاوني وجماعي على مبدأ المجاراة. أي أن كل شيء فيها مبني على الانسجام
والمطابقة والتكيف.
في مرآة (البيت السويدي) كنا، نحن السويديون، أناس أصحاء أغنياء سعداء
وحكماء دائماً مقارنة بالآخرين. أما في مرآة بيرغمان فقد كنا الصورة
المعاكسة تماماً!.
حين أنظر إلى الخلف، أجد أن أفلامه تهّزني كما في النوم، لأن صورة السويدي
السعيد حسب القيمين
على (البيت السويدي) قد شيدّت في جزئها الأكبر على مفهوم القمع. أما أفلام
بيرغمان فكانت تتحدث عن عواقب ذلك القمع. بل حتى الحب نفسه بوصفه مسلك
رومانتيكي لا يمكنه أن يلعب دوراً هنا للهروب التقليدي. أما الأحداث
العالمية والمعاصرة فقد كانت تتجسد في أفلامه مثل "أرواح شريرة".
يمكن القول بالطبع أن بيئات بيرغمان وشخصياته ذات طراز قديم. نعم، هذا يمكن
إذا إخترنا فقط
الإعراض عن مشاهدة أشياء أبعد من الدعائم السطحية السائدة، كالمشاهد التي
تصور الأساتذة الجامعيون، المعلمون، المهرّجون ومديري السيرك، وهم يتحركون
في فضائات من العصور الوسطى، كما في فيلم "الصيف البكر"، أو في ما يشبه
الحلم والبيئات الأبدية كما في فيلم "الصمت" ١٩٦٣. أما ثيمة ـ الروح
الأبدية ـ فنجدها منسوجة داخل أفلامه الأخيرة ولا سيما فيلمه الأخير
"ساراباند".
إن أفلام بيرغمان تتحدث دائماً عن الصلات الوشيجة بالماضي، وغالباً عن
الطفل المختبىء في أعماقنا، عن التماس الصارخ والشديد الوضوح ذو التأويل
التخييلي للحياة، الحياة التي نفقدها بيسر مثل شظايا ذكريات متراكمة لأحلام
نصف منسية. تخيّل فيلم "الصمت" بمشهده الاستهلالي وهو
يُظهر صبياً يستيقظ ليجد نفسه في عربة قطار وهو يتطلع مباشرة نحو الكاميرا،
نحونا، في صمتنا إزاء العالم.
بلد غريب، مرعب، وموات، وحياة أشبه بمشروع مستحيل. وذات الصبي يعود ليظهر
في فيلم "بيرسونا" ـ الذي هو فيلمي المفضل بشكل مطلق ـ حين يدعه بيرغمان
كما لو أنه يلامس صوراً مزدوجة التعريض. إنه سحر خالص ولا شيء آخر.
فلنعد الآن إلي صديقي وارن سنوبل والفيلم الذي شاهده في غرامستون والذي يكن
سوى "سوناتة الخريف" ذلك الفيلم الذي اقتحم حياته بشكل لا يرحم.
خلال وجبة الطعام تلك، والتي كثيراً ما تأتيني ذكراها، كنا نجلس هناك أنا
وإياه نتطلع نحو الخارج صوب المركز الثقافي حيث مدينة الأكواخ الحقيرة وهي
تنحدر هناك بعيداً في الوادي، حكى لي سنوبل عما حدث له في أواخر السبعينات.
أخبرني أنه تزوج حديثاً من فتاة تخرجت من جامعة غرامستون من وقت قريب وكانا
يديران معاً صالة سينما صغيرة، وكان لديهما طفل يعاني من تلف في الدماغ،
وقد نصحوهما بعض الأصدقاء أن يودعاه في مؤسسة إجتماعية ليواصلا حياتهما.
"في إحدى الأماسي" قال السيد سنوبول مستأنفاً حديثه":عرضنا فيلماً لبيرغمان.
كانت زوجتي بليندا حينها في المنزل مع ولدنا روجر. وبعد إنتهاء العرض أخذت
ماكنة عرض صغيرة ونسخة من الفيلم (حجم ١٦ ملم) معي لأريها إياه دون أن أقول
لها رأيي فيه.
ذهبت إلى المنزل وأيقظتها من النوم، وفي منتصف الليل جلسنا معاً نشاهد فيلم
"سوناتة الخريف".
وحين انتهى الفيلم تطلع أحدنا بوجه الآخر وقلنا معاً:"لن نرسل روجر إلى
المؤسسة الأجتماعية"،
وقررنا معالجته بأي شكل من الأشكال. بعنا كل شيء نملكه وسافرنا إلى
الولايات المتحدة، هناك حيث كنا نأمل في العثور لروجرعلى أفضل عناية.
توفي روجر بعد عشر سنوات وتوفيت زوجتي من ثم بعد إصابتها بمرض السرطان. أما
أنا فلم أكن
أمتلك الكثير من المال لذا فقد عدت إلى بلادي وحيداً. كل شيء قد ذهب سدىً.
لكنني مع ذلك لست آسفاً على شيء. فأنا كنت ولا زلت ممتن جداً من ذلك
الفيلم".
هذا بالضبط ما رواه لي وارن سنوبل. حكاية تبدو شبيهة بحكاية الفيلم نفسه،
لكنها واقعية هذه المرة. فالفيلم لم يكن ذو مديات عامة وشاملة فحسب، إنما
هو شخصي وخاص أيضاً. لقد أتاحت أفلام بيرغمان الفرصة للكثير من الناس لئن
ينضجوا بسرعة ليصلوا إلى مثل هذا الأدراك.
حين صورت مقابلتي معه لفيلمي "إنغمار بيرغمان: اللحن الفاصل" في عام ٢٠٠٢،
إلتقيته في يوم خريفي في "مسرح رويال الدرامي" في ستوكهولم وكان حينها قد
بدأ العمل تواً على نص مسرحية "الأشباح" لإبسن. وكانت معه نسخة من سيناريو
فيلمه الأخير "ساراباند" أيضاً.سألته إن كان المرء يفكر بالموت حين يصبح
عجوزاً.
"يفكر بماذا؟" سأل بيرغمان.
ربما لم أكن واضحاً بسؤالي أو لعله لم يسمعني جيداً. "الموت" قلت، بصوت
عال.
"أوه" قال بيرغمان وضحك. مستأنفاً: انني أفكر بالموت كل يوم منذ إن كنت
طفلاً. إلا إنه أصبح الآن حقيقة ماثلة للعيان بشكل فيزيائي. لكنه صار يخيفي
أقل مما مضى. الخوف قد تلاشى" قال وصمت.
حين أصبح صمته جلياً وقاطعاً، واصل حديثه فجأة قائلاً:كلا، كلا. ليس لدي
الوقت الكثير لهذا الأمر!"
تطلع من بعد نحو ساعته ثم نهض وتمشى إلى الخارج بخطوات حيوية لمواصلة العمل
في المسرحية والتي ستكون آخر عمل مسرحي له.
خلف مسرحية "الأشباح" تلك بوسعي أن ألمحه وحيداً عند صخور الساحل في جزيرة
فارو. قلادة الفيلم اللؤلؤية وهي تمتد وتتسع لتصل إلى الأفق، مثل أشعة فنار
بعيد. رجل عجوز يتطلع نحو البحر فيما تتعمق عتمة شتاء "ساعة الذئب". (****)
إنغمار بيرغمان غادرنا إلا إنه ترك فينا إحساس بأننا يمكن، بل ينبغي علينا،
أن نستفيد من لحظاتنا القصيرة على هذه الأرض.
المصدر:
مجلة بروجيگشنس التي تصدرها سنويا أكاديمية الفيلم الأوربي. تحرير بيتر
كاوي و باسكال إيدلمان.
العدد (١٥) عدد خاص عن السينما الأوربية (٢٠٠٧)
* غونار بيرغدال (١٩٥١):
ـ ناقد وكاتب ومخرج ومنتج سينمائي سويدي وناشر.
ـ بدأ نشاطه السينمائي بإصداره مجلة "فيلمكونيست" عام (١٩٨٩).
ـ شغل منصب مدير مهرجان {غوثينبيرغ}السينمائي (١٩٩٤ـ ٢٠٠٢).
ـ عضو لجنة معهد السينما السويدي (١٩٩٩ـ ٢٠٠٣).
أفلامه:
ـ صوت بيرغمان (١٩٩٧) وثائقي.
ـ صوت لودميلا (٢٠٠١) وثائقي.
ـ إنغمار بيرغمان: اللحن الفاصل (٢٠٠٢) وثائقي قصير.
ـ صوت الصمت ( ٢٠٠٣) وثائقي.
ـ لودميلا وأناتولي (٢٠٠٦) وثائقي.
(**) مجلة بروجيگشنس العدد (١٥) عدد خاص عن السينما الأوربية (٢٠٠٧)
(***) ويم ويندرس (١٩٤٥) مخرج ومنتج سينمائي ألماني، كاتب مسرحي،
وفوتوغرافي...
(****) فيلم "ساعة الذئب" ١٩٦٨، الفيلم الساحر ذو الطراز القوطي والذي
يتحدث عن إختفاء فنان لا يترك خلفه سوى دفتر يوميات يأخذنا الفيلم من
خلالها وعن طريق فلاش باك لنتتبع تأريخ وضع كلاسي لبطل بيرغمان الذي تلازمه
العتمة والأرواح الشريرة ومخلوقات مخيلته لحين أن يحطموه في الآخر.
a-film50@hotmail.co.uk
علي كامل مخرج سينمائي مقيم في لندن
إنغمار بيرغمان:القسم الثاني: أنا لست سوى حِرَفيّ كفؤ يجيد مهنته!(*)
موقع "إيلاف" في
04/01/2011
ثقافات / سينما
أقاويل عن أنّ الشّخصيّة البطوليّة مستوحاة من الفارس
ويليام والاس
روبن هود الخالد في الفولكلور الإنكليزي ربما يكون
اسكتلنديًّا!
أشرف أبو جلالة / القاهرة:
في مفاجأة مثيرة، قد تثير سخط الإنكليز وغضبهم، قال الروائي التاريخي، جاك
وايت، إن أصول شخصية روبن هود، البارزة في الفلكلور الإنكليزي على مر
العصور، ربما كانت اسكتلندية في واقع الأمر، على عكس ما ظل معروفًا في
السّابق.
وكان يُعتَقد أن مقاطعة نوتنغهام البريطانية هي موطن روبن هود، ذلك الفارس
الشجاع المهذب الخارج عن القانون، الذي كان يسرق الأغنياء ليعطي للفقراء،
وسط مزاعم تتحدث أيضًا عن أن أصوله تمتد إلى المقاطعات المجاورة يوركشاير
وليسترشاير.
وفي أثناء إعداده آخر كتاب له تحت عنوان "The
Forest Laird"، وجد وايت ما زعم أنها أوجه تشابه ملفتة بين حياة روبن هود وحياة
الفارس الاسكتلندي المغوار، ويليام والاس، الذي جسَّد شخصيته النجم ميل
غيبسون في فيلم "Braveheart".
ويعتقد وايت، 70 عامًا، الذي رحل من اسكتلندا منذ أكثر من 50 عامًا ليعيش
في كندا، أن المثال الوحيد الباقي للختم الخاص بوالاس يوفر أدلة داعمة لما
يقوله. وهو ما ظهر على الخطابات التي أرسلها إلى مدينة لوبيك الألمانية في
العام 1297، بعد شهر من الانتصار الذي حققه في معركة ستيرلينغ بريدج، ليخبر
التجار الأوروبيين بأن اسكتلندا لا تزال مفتوحة أمام الأعمال والأنشطة
التجارية المختلفة.
ونقلت صحيفة التلغراف البريطانية عن وايت، قوله: "يُظهر الختم أن شعاره
الشخصي هو قوس طويل. وأعتقد أن في ذلك دليلاً على أن والاس كان راميًا
للسهام. وعندما تبحث في الأمر، يتضح لك أنه عمل لصالح عمه، مالكولم والاس
من منقطة رينفروشير، وأنه كان حطَّابًا، وهي المهنة التي كانت تعادل حارس
الطرائد في القرون الوسطى. وقد اُتُهِم بتورطه في عمليات الصيد التي تتم
بشكل جائر وبخروجه عن القانون، لذا قضى فترة طويلة من شبابه مختبئًا في
غابات سيلكيرك".
وأضاف: "لذا، كان هنا هذا الرجل، الخارج عن القانون، ورامي السهام، الذي
يعيش في غابة، وكان له صديقة تدعى "ميرين"، وهو الاسم الاسكتلندي لـ "ماريون".
وقد اُختُطِفَت ويفترض أنها قُتِلت، كما جاء في فيلم "القلب الشجاع" لميل
جيبسون، على يد عمدة لانارك، ويليام هيزيلريغ. وأنت لست مطالبًا بأن تكون
عبقريًا لتجمع اثنين واثنين وتحصل على روبن هود. فأنا يسود لدي اعتقاد راسخ
بأن هذا الرجل، كرجل شاب، كان النموذج الأصلي الذي استوحت منه أسطورة روبن
هود". لكن دكتور دافيد كروك، الخبير في شخصية روبن هود بجامعة نوتنغهام،
قال إنه يعتقد أن الشخص كان لصًّا حقيقيًّا، وتم تجميل قصته على مر السنين.
موقع "إيلاف" في
04/01/2011
ثقافات / سينما
افلام قصيرة بها بصيص أمل وكائنات فضاء تستكشف مستقبل القدس
رويترز / القدس
هل تعيث يوما كائنات فضاء فسادا في شوارع القدس القديمة المرصوفة بالحجارة
فيضطر الاسرائيليون والفلسطينيون الى تحويل سلاحهم الى عدو مشترك؟
ام هل ستتخلص القدس بمعجزة من انقساماتها الطائفية والمتاريس والحواجز
الشاهقة لتحل محلها ناطحات سحاب مثل تلك التي في دبي او لوحات اعلانات
عليها أسماء الشركات التجارية الكبرى.. وماذا سيفعل السيد المسيح اذا توقف
العرب واليهود أخيرا عن حروبهم هناك؟
لو حكمنا بما خلصت اليه مسابقة رعاها اسرائيليون لافلام رسوم متحركة قصيرة
تصور القدس بعد قرن من الان لوجدنا ان الاوضاع لن تكون أسهل على المدينة
التي هي في قلب صراع الشرق الاوسط.
لكن وسط أفلام الخيال العلمي المغالية في التشاؤم هناك تيار من الامل يعتقد
منظمو مسابقة "القدس 2111" انه سيجذب اهتمام هوليوود عاصمة السينما
الامريكية.
فاز بالجائزة وقدرها عشرة الاف دولار دافيد جيدالي الذي يدرس السينما في
الولايات المتحدة والذي يصور فيلمه الذي يحمل اسم (الحي العلماني) ومدته
دقيقتان شابا يهوديا متدينا وشابة يهودية ترتدي ملابس متحررة وقد وقفا وجها
لوجه بعد ان أزالت كائنات الفضاء الاقفاص الضخمة التي كانت تفصل بين الحي
الذي يعيش فيه كل منهما.
وقال جيدالي في حفل تسلم الجائزة يوم الجمعة "أنهيت الفيلم بنغمة تفاؤل
لاطلاق الفكر وحتى يسأل الناس انفسهم (هل نحتاج حقا لمركبات قادمة من
الفضاء لتزيل الجدران بيننا ام أن بامكاننا ان نفعل ذلك بأنفسنا)؟"
شملت المسابقة أنواعا متباينة من الافلام من أفلام الرسوم غير المتحركة
البدائية الى أفلام رسوم توضيحية بأجهزة الكمبيوتر أرسلت من خلال موقع
يوتيوب لتحميل الافلام.
ووفرت بلدية القدس صورا للقدس التقطت من الجو حتى يمكن تحميلها في الفيلم.
واختير فيلم (الحي العلماني) وفيلمان اخران من بين أفضل عشرة افلام وضمت
لجنة التحكيم جون لانداو منتج فيلم (افاتار) والمخرج الالماني فيم فيندرز.
ويرى دانيل ويركين أحد منظمي مسابقة "القدس 2111" امكانية حصول بعض الافلام
المشاركة في المسابقة على التمويل والاهتمام الدولي لتتحول الى افلام
طويلة.
ويصور أحد افلام المسابقة المدينة بالكامل مدينة عربية تعيش في سعادة.
بينما يصور اخر انفجارا نوويا في المدينة يمتد أثره ليدمر العالم كله.
لكن هل اسرائيل -التي تعتبر القدس بشطريها عاصمة لها وهو زعم يرفضه
الفلسطينيون ولم يلق اعترافا دوليا- ستروج لهذه الرؤى المستقبلية القاتمة
وغير المقبولة لدى البعض؟
كما وجهت طعنات للتسامح الديني. ففي أحد الافلام يطل رسم متحرك للسيد
المسيح وهو ينظر على مجموعة من اليهود والعرب تتفقد كائنات غريبة قاموا
بذبحها. ويظهر معبد يهودي ضخم الى جوار المسجد الاقصى في القدس القديمة وهي
قضية مشحونة بالحساسيات على مستوى العالم الاسلامي كله.
لكن ويركين لا يعبأ بهذه الحساسيات والمخاوف.
ويقول "مهمة الخيال العلمي ان ينتقد المجتمع حتى يتقدم. كم من المرات شهدنا
فيها (في الافلام) نيويورك وهي تدمر خلال كوارث طبيعية وهجمات لكائنات
فضائية ووحوش خيالية؟
"بالاضافة الى هذا كانت بعض الافلام المشاركة تعزف نغمة ايجابية على نحو
أثار دهشتنا."
وأشار أيضا لانداو منتج (افاتار) الى تركيز الافلام على "طرفين يتلاقيان"
لكنه ركز أكثر على الجانب الدولي.
وقال لرويترز من الولايات المتحدة "حقيقة الامر انها (الافلام) تدور حول
مستقبل العالم والقدس هي الخلفية."
وقال ان مسابقة "القدس 2111" ضمت "عددا من صانعي الافلام الموهوبين جدا.
نحن نتحدث عن شبان صغار وهم مرعوبون مما سيحدث في المستقبل."
(رويترز)
موقع "إيلاف" في
04/01/2011 |