ولكن جاءت رسائل البحر التي أخفاها داوود عبدالسيد في زجاجته السحرية سبعة
أعوام قبل أن يطلقها هادرة مدهشة.. لتشعرنا بأن النار ما زالت تشتعل تحت
الرماد.
وما إن مرت فترة بسيطة حتي جاء المخرج الشاب (محمد أمين) ليقدم بفيلمه
الجميل (بنتين من مصر) رؤية سينمائية عن العنوسة وأثرها النسائي في مصر..
ربما كانت رؤية يسيطر عليها التشاؤم وتطفح بالكأبة وشيء من اليأس، ولكنها
تحمل في جنباتها نورًا سينمائيا باهرًا.. وميضاً حكيمًا يعرف كيف يجد موطن
الداء وكيف يفقأ الدمل المليء بالقبح.
فيلمان فقط لمخرج مخضرم ومخرج شاب وقف أمام سلسلة مهيبة من أفلام رديئة في
محتواها وفي أسلوبها وفي طريقة أدائها واعتمادها علي الافيهات اللفظية..
والايماءات الجنسية المكشوفة والتي تذكرنا بأسوأ ما كانت تقدمه سينما
المقاولات قبل
عشرين سنة أو يزيد.
وأطل علينا فيلم لمخرج شاب.. لم نكن نتوقع منه كثيرًا هو (كريم العدل) الذي
فاجأنا بـ (ولد وبنت) برؤية شبابية مليئة بالحيوية وكثير من الشاعرية
الحيية ومن خلال وجهين جديدين استطاعا إقناعنا بعفوية وواقعية قصة حب عصرية
كم كنا بحاجة لها.
عكس المتوقع
وتمامًا علي عكس ما توقعناه.. جاء الفيلم الذي طال انتظارنا له.. والذي
أخرجه مخرج شاب آخر عن قصة شهيرة لفتحي غانم (تلك الأيام) مخيبًا للآمال
ومليئًا بالادعاء والسفسطة.. قضي تمامًا علي الروح الجميلة والثورية التي
كانت تتسم بها القصة.. والتي لم ينقذها الأداء البالغ الجودة لمحمود حميدة.
وكان علينا بعد ذلك أن ننتظر نهاية العام والانطلاق المدهش لسينما الشباب
الفقيرة كي نستعيد ثقتنا واحترامنا لسينمانا القومية.ولكن قبل أن تأتي
نهاية العام.. ويفاجئنا الشباب بأفلامهم الزاهية البراقة التي تعيد للسينما
بهاءها.. ولأنوارها سطوعها المعتاد.
استطاع بعض هؤلاء الشباب أن يرقوا الكوميديا الهابطة بفيلمين خارجين عن
نطاق الإسفاف المضاد.. والإثارة الجنسية الرخيصة هما فيلما (عائلة ميكي)
و(سمير وشهير وبهير).
الأول والذي أخرجه أكرم فريد دخل بنا مرة أخري في أسلوب ضاحك.. يعتمد علي
الروح الكوميدية التي رسخها مسرح القودنيل الفرنسي وخصوصًا مسرحيات فيدو
ولابيش والتي تتغلغل إلي أعماق أسرة مصرية (محتشمة) اختيرت لتكون الأسرة
المثالية أمام جمهور الإعلام الكبير.. ولتكشف خفاياها وأسرارها التي تبعدها
تمامًا عن هذا الوصف الذي يريدون إلصاقه بها.
نقد اجتماعي خفيف، ولكنه يمس الأعماق، وأداء شديد العفوية والصدق من مجموعة
الأولاد كلهم وخصوصًا (لبلبة) التي لعبت باقتدار كبير دور الأم المحجبة..
التي تكتشف فجأة أن الماء يسيل تحت قدميها وأن ما اعتقدته بيتاً ذا دعائم..
ليس إلا بيتًا من ورق.
أما الكوميديا
الثانية (سمير وبشير وبهير).. فهي تنويعة مصرية حلوة.. علي فيلم (العودة
للمستقبل) الأمريكي.. ولكن بروح مصرية حقة.. وبمزاج ضاحك عالمي.. وبسخرية
حلوة عن (الزمن الجميل) الذي نحن إليه دومًا.. ناسين ما كان يحفل به من
متناقضات وقبح أحيانًا.
فيلم متواضع وذكي.. ولكنه يمسك بقوة بأطراف الكوميديا التي طال بحثنا عنها
وجاءت نهاية العام.. وانفجرت القنبلة الشابة التي طال انتظارنا لها.
ثلاثة أفلام
ثلاثة أفلام مصرية شابة.. دون نجوم كبار ودون ميزانيات ضخمة.. صنعت
بالموهبة والحب والصدق تتفجر بأسماء المهرجانات العربية.. وتحوز علي
الجوائز الكبري.. إلي جانب التقدير النقدي والإعجاب الجماهيري (ميكروفون)
أحمد عبدالله و(678) لمحمد دياب و(الحاوي) لإبراهيم البطوط.
الأول فيلم عن إسكندرية وعن فرقها الموسيقية الشابة التي تحاول عبثًا إثبات
وجودها أمام حيتان الإنتاج وانتصار الأغاني المسفة الهابطة، إنه الحلم الذي
يتمسك به مجموعة من الشباب الموهوبين الذين يرفضون التنازلات حتي النهاية
ويبثون ألمهم ويأسهم لهذا البحر الواسع الأزرق الذي ينظر إليهم بلا مبالاة
ولكن حركة موجه المستمرة.. تدفع الدماء مجددًا إلي عروقهم.
فيلم ينشد الأمل المستحيل، والإرادة الصعبة.. والطموح الشاب والموهبة التي
لا تعرف الكذب والرياء فيلم جدير بأن يحمل صفة الفيلم الشاب.. لأن كل ما
فيه ينطق حيوية وصخبًا وحماسة وألمًا.. وتحديًا.
أحمد عبدالله الذي لفت الأنظار النقدية كثيرًا في فيلمه الأول (هليوبولس)
يعود بقوة. هذه المرة ليثبت أنه من أهم الأعمال الشابة التي يمكن للسينما
المصرية أن تعقد حولها الآمال. أما (678) لمخرجه كاتب السيناريو الموهوب
محمد دياب الذي يخوض لأول مرة تجربة الإخراج السينمائي. فهو يخوض في موضوع
شديد الحساسية هو موضوع (التحرش الجنسي) الذي شاع كثيرًا في السنوات
الأخيرة، وأصبح حديثًا عامًا عالي النبرات.. بعد أن كان همسًا خافتًا
وخجولاً، من خلال ثلاثة نماذج نسائية.. وتعاني هذا القهر الجنسي وتحاول
الاعتراض عليه كل علي طريقتها قبل أن يجمعها ثأر واحد، وغاية واحدة.
فيلم جريء وصادق.. ومثير.. أعطته الممثلات الثلاث بعدًا فنيًا وجماليًا
كبيرًا، ولكنهن فتحن رغم ذلك بابًا واسعًا لممثل عملاق انطلق كالصاروخ إلي
القمة من خلال دوره في هذا الفيلم هو (ماجد الكدواني).
أسماء لامعة
ومادمنا نتحدث عن الأداء في أفلام هذا العام.. فعلينا كما ذكرنا اسم
(الكدواني) أن نعود ونقف أمام انطلاقة الشباب (آسر ياسين) و(حسن الرداد)،
في بطولات نحن بأمس الحاجة إليها.. وبأسلوب جديد وحساس يختلف كل الاختلاف
عن أداء نجومنا الكبار الذين احتلوا الشاشات المصرية خلال ثلاثة عقود من
الزمن.
وعلي مستوي أقل من ذلك بدرجات.. يقف محمد رمضان الذي استطاع أخيرًا أن
يتغلب علي (عقدة) أحمد زكي. وأن ينطلق بأدائه وأسلوبه الخاص.. الذي يمزج
فيه بين براءة الفتي المصري وخبثه في آن واحد وبين وجهه المصري الصميم..
وتعبيراته الدافئة المعبرة.
وعلي الجانب النسائي تألقت إلي جانب نيللي كريم وبشري وفدوي السباعي بطلات
(678) النجمة الأردنية الكبيرة صبا مبارك.. التي حققت منذ ظهورها المصري
الأول في (بنتين من مصر) نجاحًا ملحوظًا.. وضعها فورًا في قائمة نجماتنا
الكبار اللائي يمكن الاعتماد عليهن في شتي الأدوار الصعبة فهي تملك الجمال
والموهبة والحضور.. وهي صفات ثلاث تندر أن تجتمع مرة واحدة لممثلة واحدة.
لقد أثبتت صبا مبارك حضورها في أفلام سورية وأردنية أخرجها كبار المخرجين
هناك ولكنها هذه المرة تقتحم دائرة السينما المصرية بثقة وإشعاع كبيرين.
وهناك بالطبع زينة.. التي وضعت هي الأخري بصمتها الخاصة في (بنتين من مصر)
ولكنها لم تحقق لنفسها مع الأسف هذا المستوي في
الأفلام التالية التي ظهرت بها.. رغم تواجدها مع نجوم كبار لهم جمهورهم
الواسع.
ومادمنا نتكلم عن النجوم الكبار.. فإن هذا العام قد أعاد في نهايته بعض
الألق الذي خسره (أحمد السقا) في فيلميه السابقين وجاء ابن القنصل ليعيده
بطريقة ما إلي عرشه النجومي الذي مازال مقلقلاً بعض الشيء، ويحتاج إلي دعم
من فيلم جديد ناجح آخر.. كي يكتمل (وجه القمر).
أما عادل إمام فقد نجح بعد كبوته المؤسفة في فيلمه الأخير.. أن يسترجع قواه
كلها بضربة واحدة محكمة.. أطلق عليها اسم (زهايمر) وأثبت أنه مازال النجم
الساطع الذي تعشقه الجماهير العريضة ويرفع له النقاد جميعًا قبعاتهم.
وما دام (ترمومتر) السينما.. لا يظهر حقيقته إلا من خلال مخرجيه المبدعين
فإن الترمومتر المصري هذا العام قد سجل قفزة كبيرة للمخرجين الشبان الذين
تجاوز عددهم السبعة أو الثمانية.. يقدمون أول أفلامهم وعدد آخر منهم يقدم
شهادات دامفة علي نضجه الفني واتساع دائرة إشعاعه.
عمرو عرفة بفيلمين ناجحين.. هما ابن القنصل وزهايمر أثبت فيهما قدراته علي
إدارة ممثليه.. وخلق أجوائه.
ومحمد دياب في قفزته الناجحة.. من صفحات الكتابة.. إلي ضوء الكاميرات في
(678).
ومحمد أمين الذي يتابع جرأته السينمائية واقتحامه الميادين الممنوعة بذكاء
وحدة وتحد.
وكريم العدل الذي أثبت أن شباب السينما في مصر مازال قادرًا علي تصوير الحب
والعواطف الرومانسية.
وأكرم فريد الذي بدأ يخرج من صعار الإنتاج الرخيص لكي يحقق طموحاته الكثيرة
التي طالما برهن عليها وهو مازال طالبًا في معهد السينما.
وأحمد عبدالله الذي وصل سريعًا إلي مرحلة النضج الفني بعد فيلم واحد فقط
وأثبت في فيلمه الثاني أنه من المخرجين الذين ستعتمد عليهم السينما المصرية
كثيرًا في مستقبل أيامها.
ويبقي إلي جانب هؤلاء كلهم داوود عبدالسيد. وفيلمه المختار (رسائل البحر)
الذي يثبت رغم كل حماسنا للشباب وجيلهم وغضبهم وصرخاتهم وجمال تطرقهم أن
(الدهن- كما تقول الأمثال- مازال في العتاقي).
جريدة القاهرة في
04/01/2011
«الجولدن
جلوب» تغازل.. المقاتل
بقلم : ماجدة خيرالله
تتزايد حمي التكهنات، والتوقعات عن نتائج الجولدن جلوب، التي تعلنها
رابطة نقاد الصحافة الأجنبية في هوليوود في السادس عشر من يناير الحالي،
وقد رجحت توقعات النقاد كفة الممثلة الشابة نتالي بورتمان، للحصول علي
جائزة افضل ممثلة عن دورها الخلاب في فيلم البجعة السوداء"، الذي ينافس
أربعة أفلام أخري علي لقب أفضل فيلم "خطاب الملك"، "الشبكة الاجتماعية-فيس
بووك"، البداية و"المقاتل" وهو الفيلم المرشح ل6 جوائز منها أفضل
مخرج"دافيد أو راسيل"، وأفضل ممثل دور أول "مارك واهيلبرج"، وأفضل ممثل
دور ثان "كريستيان بول"، وأفضل ممثلة دور ثان "إيمي آدمز"، و "ميليسا ليو"!
قصة حقيقية
وأحداث فيلم المقاتل "THE FIGHTER" ..
مأخوذة عن قصة حقيقية حدثت في سنوات
الثمانينات، حول الملاكم ذي الأصول الأيرلندية"ميكي وارد" ويلعب دوره
"مارك واهيلبرج"، والطريف أن السينما الأمريكية قدمت عدداً لابأس به من
الأفلام، التي تدور حول أبطال الملاكمة، معظمها حقق نجاحاً علي الصعيدين
الفني والجماهيري، ومعظمها ايضاً قفز بنجومها الي الاوسكار أو علي اقل
تقدير الترشيح للأوسكار!ومنها فيلم البطل الذي تم إنتاجه عام 1949 ولعب
بطولته كيرك دوجلاس، والثور الهائج للمخرج مارتن سكورسيزي الذي تم إنتاجه
عام 1980 وكان من بطولة روبرت دي نيرو، وفيلم روكي الذي اخرجه ولعب بطولته
سيلفستر ستالون عام 1985، وعلي الذي لعب بطولته "ويل سميث" عن حياة محمد
علي كلاي، و"سانديريللا مان" بطولة راسل كرو، والقائمة طويلة يصعب حصرها
في مقال واحد!
عالم المخدرات
تدور أحداث المقاتل حول عائلة كبيرة العدد، مكونة من الام "أليس" وابنائها
الثمانية"6 فتيات وشابين"، وتدير الام بقوة وحسم حياة ابنها" ميكي" الذي
يعتبر أهم استثمار للعائلة، أو الفرخة التي تبيض ذهباً، فهو ملاكم موهوب،
يمكن الرهان عليه، وقد حقق بعض النجاح في حلبات الملاكمة، بفضل رعاية أخيه
الأكبر "ديكي" كريستيان بول، الذي كان يحلم هو نفسه أن يكون أحد نجوم
الملاكمة، غير أن انخراطه في عالم المخدرات والجريمة، حطم أحلامه الشخصية،
فوجد في أخيه الاصغر أملاً يعوض به أحلامه الضائعة، غير أنه اساء كثيرا
لنفسه ولشقيقه باستهتاره الشديد بمواعيد التدريب، الأمر الذي أدي بميكي الي
هزائم متلاحقة، ومع ذلك فإن الام التي تدير حياة ميكي وتعمل مديرة لأعمالة
ترفض تماماً أن تلجأ الي مدرب آخر غير ابنها الاكبر، ولكن تتغير الأمور،
عندما يقوم ديكي بالاعتداء علي رجل شرطة، ويتم محاكمته ليقضي في السجن فترة
عقوبة تقترب من العامين، أما الشقيق الاصغر ميكي فإن حياته تتغيرتماما، بعد
ان يلتقي بفتاة تعمل في بار، هي "تشارلين " وتلعب دورها إيمي آدمز، التي
تجد معه أملا في الخروج من حياتها البائسة، وتدرك تشارلين أن مشكلة ميكي
تكمن في ارتباطه الشديد بعائلته، وخضوعه لسيطرة أمه، واشقائه، فتحاول ان
تبعده عنهم، وتنمي داخله الرغبة في الاستقلال والنجاح بدونهم، وتتمكن
الفتاة فعلاً في إبعاد ميكي عن عائلته، ولكن الأم لاتستسلم بسهولة لذلك،
وتجمع بناتها الست، ويذهبن الي شقة تشارلين ليوسعنها ضرباً علي طريقة
"نسوان العشوائيات"، وهنا يتدخل ميكي ويأخذ لاول مرة موقفا ضد أمه، ويخبرها
أنها لم تعد مديرة لأعماله، ويستبدلها بتشارلين، التي تشجعه علي التعامل مع
مدرب آخر، يحقق معه نجاحات متتالية، ويرتفع شأنه، ليصبح أحد ابطال الملاكمة
في الوزن الخفيف!لكن الحكاية لاتنتهي عند هذا الحد، لأن "ديكي" الشقيق
الاكبر، يقضي أيامه في السجن وهو يحلم بيوم خروجه، ليعود مرة أخري لتدريب
شقيقه الاكبر، فهو العمل الوحيد، الذي يربطه بالحياة، ولذلك يحرص علي
ممارسة الرياضة العنيفة، ليعود الي لياقته، ويقلع عن تعاطي المخدرات،
ويحاول أن يغير من نمط حياته، ولكنه بعد أن يخرج من السجن، ويهرع الي
الساحة التي يتدرب فيها شقيقه ميكي ، ومعه أفراد اسرته أمه وشقيقاته، يفاجأ
بعدم ترحيب من ميكي، وفي أحد أهم مشاهد الفيلم تحدث مواجهة بين الشقيقين،
بعد ان يرتدي ديكي ملابس التدريب، ويستعد للعمل، يذهب إلية "ميكي" ويخبره
أنه أقسم ألا يتعاون معه مرة أخري، وهنا يحاول ديكي أن يذكرة بفضله عليه،
وأنه كان سببا في توجيهه الي رياضة الملاكمة وهو الذي دفع بة الي النجاح
وقام بتدريبة ليعوض به فشله، ولكن ميكي يصر علي موقفه، فيخلع الشقيق الاكبر
ملابس التدريب ويغادر المكان وهو يحمل قدرا هائلا من المرارة والاحباط،
ولايعرف ميكي كيف يتصرف فهو واقع في حيرة بين حبه لاخيه وأفراد اسرته، وفي
نفس الوقت لايستطيع أن يخذل الفتاه "تشارلين" التي راهنت عليه بكل حياتها
ودفعته لتحقيق النجاح!
عدو المجتمع
يحقق كريستيان بول في دور "ديكي"درجة بالغة الروعة من الحرفية، فإذا كنت
متابعا لأدواره السابقة في افلام باتمان، وبرستيج، "عدو المجتمع" فسوف تجده
وكأنه شخص آخر تماماً، وأعترف أنني لم أتأثر به في أي من أدواره السابقة
إلا بقدر ضئيل، وقد بدأ إحساسي السلبي به، بداية من أول افلامة "إمبراطورية
الشمس" للمخرج ستيفن سبيلبرج، فقد كان طفلاً، يفتقد لجمال وبراءة الطفولة،
وخاصة مع ملامحه الحادة ونظراته الباردة، ولكنه في هذا الدور يجبرك علي
عشقه وإدراك قيمة موهبته التي تألقت وازدهرت في "المقاتل"، وفي الحقيقة أن
دور ديكي هو المحرك للأحداث، رغم أن البطولة للشقيق الاصغر ميكي الذي يلعبه
مارك واهيلبرج، الذي أتقن ايضا أداء شخصية الشقيق التابع الذي يحتاج دائما
لمن يرعاه ويقوده! الفيلم حالة نادرة من الابداع الفني ترتفع فيه حرفية
أداء الممثلين بدرجة ملحوظة وخاصة شخصية الام التي تلعبها
ميليسا ليو، وشخصية الحبيبه"إيمي آدمز" التي تصل الي درجة من
التوهج ترشحها مرة أخري للجولدن جلوب بعد فيلمي "الشك " و"جولي وجوليا"
اللذين قدمتهما مع "ميريل ستريب"، قيمة فيلم المقاتل أنه لايدور فقط حول
رحلة صعود أحد أبطال الملاكمة، ولكن عن حياة مجموعة من البشر يشكلون اسرة
واحدة، وضعت كل آمالها وأحلامها ورهانها علي شخص واحد، هو الابن الاصغر
الذي له ايضا أحلام قد تتعارض أحياناً مع مصلحة بقية افراد اسرته، فيحدث
هذا التصدع المقيت، فهل تعود المياه الي مجاريها أم يفضل الإبن أن ينجو
بنفسه ويتنكر الي اسرته ويترك افرادها يعانون مرارة الفشل والفقر والاحباط
؟هذا ماتجيب عليه أحداث فيلم المقاتل الذي ينتظر عدة ترشيحات للاوسكار،
وأعتقد أن المنافسة علي جائزة افضل ممثل مساعد سوف تنحصرفي النهاية بين
"كريستيان بول" والممثل الأسترالي الاصل "جيفري راش" عن دورة في فيلم "خطاب
الملك"، أما بقية المنافسين علي نفس الجائزة وهم مايكل دوجلاس في "وول
ستريت المال لاينام مطلقاً"، أندروجارفيلد" عن فيلم الشبكة الاجتماعية -فيس
بوك"، وجيرمي رينيرعن فيلم "مدينة اللصوص" فإن فرصهم أصبحت ضئيلة للغاية،
ليس لكونهم أقل شأناً أو أداء، ولكن لكون كريستيان بول ، وجيفري راش
الأكثر إبداعاً وروعة هذا العام علي الاقل!
جريدة القاهرة في
04/01/2011
جعفر بناهي.. الموت حيا
بقلم : ياقوت الديب
شهدت السينما الأيرانية داخل بلادها سقوطا مروعا منذ نهايات سبعينات القرن
الماضي، كما هوالحال مع كل الفنون، جراء سطوة ملالي "قم" علي سدة الحكم في
إيران وحنين العودة لعهود الظلام السحيق التي خلطت الدين بالسياسة
وبالثقافة وبالإبداع في سبيل تحقيق مآرب شيطانية لحفنة من المتشددين
اختاروا العودة لدستور الحكم المستبد ونظام الدولة البوليسية في عصر
السماوات المفتوحة والإنترنت واكتشافات "ويكيليكس" مما يجعلهم يظنون أن
مايخفونه من ممارسات مفضوحة ستظل حبيسة تاريخهم المعيب وسلوكياتهم المعوجة.
وبقدوم الثورة الإيرانية عام 1978 م كانت النظرة للسينما عند الملالي أنها
رمز من رموز نظام الشاه والصبغة الغربية علي الحياة في إيران، حتي وصل
الأمر لاحراق حوالي 180 دارا للعرض السينمائي ومات في أحد الحرائق مايزيد
علي الأربعمائة شخص في إحدي هذه الدور في مدينة " عبادان " تحديدا، ناهيك
عن الرقابة الصارمة التي فرضت علي السينما، واختفاء العنصر النسائي منها
ومنع ظهورهن علي الشاشة، كما تم حذر عرض الأفلام التي تجرأ علي تحطيم
تابوهات: الجنس والدين ونظام الدولة التي تنتج خارج إيران منذ تسعينات
القرن الماضي لمخرجين ايرانين لم ينالوا فرصتهم في الإبداع داخل بلادهم.
وجعفر بناهي المخرج السينمائي الذي يعد أحد رموز حركة الموجة الجديدة في
السينما الإيرانية الحديثة، آخر ضحايا نظام الحكم بالنية في إيران حيث حكم
عليه ورفيقه "محمد رسلوف" بالسجن 6 سنوات إلي جانب منعهما من العمل في
السينما لمدة 20 سنة بعد تمام قضاء مدة السجن، الأمر الذي يعني الحكم علي
بناهي بالموت حيا لمدة 26 سنة بالتمام والكمال، وبمعني أكثر دقة الحكم
بأعدامه مقدما ... مع اهدائه أساور السجن بمناسبة بلوغه عامه الخمسين.
طغيان سلطة
وهذه الفعلة المشينة من جانب السلطات في إيران لم تكن الأولي في حق
الفنانين، فقد دخل الموسيقار الذائع الصيت والشعبية "محمد رضا شجريان" (69
عامًا) في مواجهة مع النظام ومنعت الإذاعة الرسمية بث موسيقاه بعد أن ارتفع
صوته ضمن احتجاجات قوي المعارضة إبان إعادة انتخاب " أحمدي نجاد " رئيسا
للجمهورية .. شجريان صاحب موسيقي كلمات: "ياصديقي تعال معي، من دون الكفاح
المشترك لن نتغلب علي قسوة الحياة
".
نموذج آخر وهوالمخرج السينمائي "محمد نوري زاد" المعتقل في سجن " نيفين "
بطهران، الذي أضرب عن الطعام منذ 11 ديسمبر الماضي احتجاجا علي استمرار
اعتقاله كما أكدت ذلك زوجته " فاطمة مالكي" لإذاعة أوروبا الحرة. وقد اعتقل
نوري عام 2009 م لنشره العديد من الرسائل عبر موقعه الإليكتروني وجهها الي
المرشد الأعلي " علي خامنئي" يتهمه فيها بالمسئولية عن أعمال العنف التي
واكبت الانتخابات الرئاسية الماضية. وعلي أثر ذلك حكم علي نوري بالسجن
ثلاثة أعوام ونصف العام إلي جانب جلده خمسين جلدة.
وتأكيدا علي ملابسات انتخابات الرئاسة وماصاحبها من اندلاع مظاهرات
المعارضة لنتائجها المشكوك في سلامتها، قدم المخرج الإيراني "علي صامدي"
فيلمه الوثائقي " الموجة الخضراء " حول هذه الانتخابات ومواجهة قوي
المعارضة للتيار المتشدد الذي يمثله نجاد وخامنئي... الفيلم يعيد رواية
الأحداث الدامية التي شهدها صيف 2009 في إيران والتي تعد أصعب أزمة علي
صعيد السياسة الداخلية في تاريخها، ألا أن يد السلطة لم تطل المخرج " علي
صامدي " لا لشيء سوي أنه يقيم في ألمانيا.
المواجهة الأولي
وتعود قصة صدام "جعفر بناهي" مع السلطة الحاكمة في إيران الي عدة سنوات، اذ
كانت المواجهة الأولي عندما منع عرض فيلمه "الذهب القرموزي" عام 2003 م،
كذلك كانت معركته عندما عرض فيلمه "تسلل" عام 2006 الذي يعالج فيه قضية منع
النساء من دخول ملاعب كرة القدم كمشجعات استنادا الي قانون جائر أصدرته
حكومة الملالي ... هذا الفيلم الذي ينتهي ينشيد تقول كلماته: "يابلد
الجواهر .. يا أم الفنون". والذي حاز جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين
السينمائي الدولي عام 2006 والذي يعد من الكوميديا السوداء.
علي المستوي السينمائي بدأ "جعفر بناهي" عمله كمخرج بالسينما الإيرانية بعد
أن عمل مساعدا للمخرج الإيراني الأشهر "عباس كياروستامي" الذي يعد بدوره
أهم علامات هذه السينما شهد علي عبقريته " أكيرا كيروساوا" عملاق السينما
اليابانية، الي جانب: "محسن مخملباف" و"بهمان عبادي" ... وآخرين، وكان ذلك
في فيلم " بين أشجار الزيتون " عام 1994 قدم بناهي عددًا من الأفلام
القصيرة بـــدأها بفيلم "الرءوس الجريحة" The Wounded Heads
عام 1988 م، "كيــش" Kish
عـــــام 1991 ، "الصــــديق"
The Friend
عـــــام 1992، "الاختبار الأخـــير"
The Last Exam
عام 1992 م أيضا.
أما فيلمه الروائي الطويل الأول فقدمه عام 1995 م من تأليف "عباس
كياروستامي" نفسه بعنوان "البـــالون الأبيض"
The White Balloon، وفي عام 1997م قدم فيلمه "أرديكول" Ardekoul
، ثم قدم فيلمه الطويل الثاني "المرآة"
The Mirror
عام 1997 م. وفي عام 2000 م قدم فيلمه "الدائرة" The Circle
، ثم فيلم "الذهب القرموزي"
The Crimson Gold
عام 2003 م، وفي عام 2006 م قدم فيلمه الوثائقي "تسلل" Offside
، وأخيرا قدم فيلمه القصير "أكورديون" الذي كان مقررا عرضه في حضور بناهي
نفسه بمهرجان " فينيسيا " ألا أنه منع من مغادرة أيران لحضور هذا المهرجان،
كما أنه منع أصلا من اخراج الأفلام في السنوات الخمس الماضية.
جوائز دولية
نال "جعفر بناهي" العديد من الجوائز في مهرجانات السينما الدولية، عن فيلمه
"البالون الأبيض" في عام 1995 م فاز بجائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان
"كان"، والجائزة الذهبية من مهرجان "طوكيو" في نفس العام، وجائزة أفضل فيلم
دولي من مهرجان "صدبيري" 1995 م، وجائزة النقاد الدولية "فيبريسي" في
مهرجان "ساوباولو" 1995 م. وعن فيلمه "المرآة" عام 1997 م فاز بالجائزة
الذهبية لمهرجان "لوكارنو"، والجائزة الذهبية من مهرجان "استانبول" نفس
العام، وجائزة مهرجان "سنغافورة" الفضية. وعن فيلمه "الدائرة" عام 2000 م
فاز بجائزة الأسد الذهبي من مهرجان "فينيسيا". أما فيلمه "الذهب القرموزي"
فقد نال عنه الجائزة الذهبية من مهرجان "شيكاغو"، والذهبية أيضا من مهرجان
"تيبليزي"، وذهبية كذلك من مهرجان "فالادواليد"، كما نال شهادة تنويه خاص
من مهرجان "كان".
ونظرا لقيمة وثقل بناهي السينمائية شارك في لجان التحكيم ورئاستها في
العديد من مهرجانات السينما العالمية ومنها عضولجنة تحكيم مهرجان "أنطاليا"
عام 2000 م، وكذلك مهرجان "كارلوفيفاري" عام 2001 م، ورئيسا للجنة تحكيم
مهرجان "روتردام" عام 2008 م، ورئيسا للجنة تحكيم مهرجان "مونتريال" عام
2009 م. وكان من المفترض مشاركته عضوا في لجنة تحكيم مهرجان "كان" السابق
الا أن سجنه حال دون ذلك، وفي هذا المهرجان أرسل بناهي الشكر للمثلة
الفرنسية "جولييت بينوش" التي انتقدت إيران لسجنه وذلك أثناء تكريمها في
المهرجان.
أحكام النية
وقد بدأت وقائع قضية الصدام المباشر بين بناهي والسلطة الإيرانية بعد
تاييده ترشيح الزعيم المعارض "مير حسين موسوي"، وبعد مشاركته العزاء في قتل
المتظاهرة "ندا أغا سلطان" ومن ثم اعتقاله أول مارس 2010 من منزله مع ستة
عشر شخصا بينهم زوجته "طاهرة سعيدي" وابنته الذين أخلي سبيلهم جميعا
باستثناء بناهي ورفيقه "محمد رسلوف" بتهمة "النية" لإعداد فيلم ضد النظام،
إلا أن المحكمة أخلت سبيله بكفالة 200 ألف دولار، وتوالت جلسات المحاكمة
ولفقت التهم لتنتهي هذه التمثيلية السخيفة بإصدار الحكم المهتز عدلا بالسجن
علي بناهي ورفيقه لمدة 6 سنوات مشفوعا بمنعهما من العمل السينمائي لمدة
عشرين عاما أخري والذي قوبل بالرفض والشجب والتنديد من جميع الأوساط
السينمائية علي مستوي العالم. بقي أن نسأل ملالي طهران: الي متي تستمر هذه
المهزلة داخل إيران والإصرار علي تصدير ممارساتهم الموغلة في الظلمة
والتخلف الي سائر الشعوب، بعد أن أباحوا لأنفسهم ارتكاب هذه الحماقة في حق
بناهي بعيار ميزان عدلهم المختل ؟ ليتهم يفيقون... وللحديث بقية.
جريدة القاهرة في
04/01/2011
نجيب محفـوظ.. مائة عام مـن
الإبـداع
بقلم : د. وليد سيف
في اعتقادي وعلي الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه كاتبنا الكبير بحصوله
علي جائزة نوبل في الأدب منفردا لعام 1988 إلا أن هذا الإنتصار لم يتم
استثماره عالميا كما ينبغي في صالح نشر أدب نجيب محفوظ خصوصا وأدبنا المصري
عموما، بالصورة التي يستحقها، وكما تحققت لآداب بلدان أخري انتمي إليها
كتاب آخرون حصلوا علي نفس الجائزة، ولا اعتقد أن شعبا يملك تراثا بغزارة
وقوة أدب نجيب محفوظ يمكنه أن يهدره بلا استغلال ولا نشر متوسع، بل إن عرض
إنجاز نجيب محفوظ فقط في مجال السينما المصرية وحده كفيل بإبهار العالم
ولفت الأنظار إليه وإلي إبداعه في مختلف مجالات الأدب والسينما.
أشار محفوظ في حديث تليفزيوني إلي أن الباحث الفنان هاشم النحاس هو الذي
نبهه إلي أهمية دوره في مجال السينما من خلال كتابيه (ذكريات فيلم) عن
يوميات فيلم (القاهرة 30) ثم كتابه (نجيب محفوظ علي الشاشة)
الذي يتضمن دراسة مهمة وشاملة مازالت في اعتقادي أهم وأشمل ما كتب في هذا
المجال، متجاوزا بذلك كتابات ودراسات لاحقة عديدة منها كتابي (عالم نجيب
محفوظ السينمائي) والذي أعددته عن رسالتي للدكتوراه بعنوان تحويل النصوص
الروائية إلي أفلام سينمائية - دراسة تطبيقية علي روايات نجيب محفوظ في
السينما المصرية.
بصمة سينمائية
كان معروفا للكثيرين أن لنجيب محفوظ عددا من الأعمال في مجال التأليف
السينمائي، ولكن كانت شهرته الطاغية في مجال الأدب وإنتاجه الغزير في مجال
القصة والرواية يجعلنا نتعامل مع دوره في السينما بدرجة أقل من الاهتمام،
في الدورة العشرين من مهرجان القاهرة السينمائي في عام 1996 قامت إدارة
المهرجان بإجراء استفتاء بين مجموعة من كبار النقاد والفنانين بمناسبة
مئوية السينما، لاختيار أفضل مائة فيلم في تاريخنا السينمائي، وكانت
المفاجأة المثيرة للدهشة أن نجيب محفوظ احتل المركز الثاني بين كتاب
السيناريو في الاستفتاء برصيد 9 أفلام. والقائمة تضم علاوة علي هذه الأفلام
التسعة، ستة أفلام شارك فيها محفوظ ككاتب أو معد للقصة السينمائية بالإضافة
إلي عشرة أفلام بالتمام والكمال أعدتها السينما عن رواياته وقصصه الأدبية
القصيرة، أي أن بصمة نجيب محفوظ وتوقيعه مسجل علي أشرطة السلولويد لخمسة
وعشرين فيلم ضمن 100 عمل رائع في تاريخ السينما المصرية.
كان من المتوقع أن تحظي الأفلام المعدة عن رواياته بنصيب كبير، ولكن لم
يتوقع أحد أن تمثل وحدها نسبة عشرة في المائة من أفضل الأعمال عبر قرن من
السينما، وكان في مرحلة ما منذ نهاية الخمسينيات تقريبا قد ارتبط اسمه أكثر
بكتابة القصة السينمائية وإعدادها فقط مكتفيا بهذا الدور في مرحلة انشغاله
بمناصب حساسة وقيادية في مجال السينما، .و التي لجأ صناعها إليه بعد أن لمع
اسمه وثبتت مكانته العالية في مجال الأدب بالإضافة إلي خبرة معقولة حققها
في مجال السيناريو، ولكن الأمر الذي لم يتوقعه كثيرون أن يحظي بهذه المكانة
الكبيرة في مجال السيناريو تحديدا رغم قلة أعماله به، وكان محفوظ قد اقتحم
هذا المجال في النصف الثاني من الأربعينات وبدأ الكتابة كمحترف وهو مازال
يتعلم أصوله كفن، لم يتجاوز عدد الأفلام التي حملت اسم نجيب محفوظ كمشارك
في كتابة السيناريو لها عن ستة عشر وانفرد بكتابة ثلاثة فقط دون شريك،
بإجمالي تسعة عشر عمل أي أن نسبة النصف تقريبا (9 أعمال) من السيناريوهات
التي شارك بها تعتبر من الروائع، وهي نسبة هائلة جدا لو وضعنا في اعتبارنا
أن من بين سيناريوهاته نسبة كبيرة قد تصل إلي النصف تقريبا أيضا قد وصمها
البعض بأنها يغلب عليها الطابع التجاري ومنها (النمرود) و(مجرم في أجازة)
و( الهاربة)، بل إن هذه التهمة طالت أفلاما أصبحت ضمن الروائع،لم تحظ بحقها
في سنوات عرضها الأولي وإن نالت حظها من الإنصاف لاحقا ومنها (ريا وسكينة)
و(الوحش)، وهي أفلام كان يعتبرها البعض تنتمي إلي سينما الإثارة والحركة
المتواضعة،
وهناك
أيضا أعمال لمحفوظ في بداياته كانت تعاني من ضعف الخبرة خاصة في عمليه
الأولين (المنتقم) و(مغامرات عنتر وعبلة) الذي كتبهما محفوظ وهو مازال
يتعلم، وشاركه فيهما المخرج صلاح أبو سيف الذي كان أيضا في بداياته، ولهذا
كان من الغريب أن يتفوق محفوظ في مجال السيناريو تحديدا علي كتاب كبار من
مختلف الأجيال أفنوا عمرهم كله في العمل السينمائي وكشفوا عن مواهب كبيرة
وحققوا شهرة واسعة وإنجازات ملفتة في مجال كتابة السيناريو، وتجاوز إنتاجهم
ما حققه محفوظ بكثير في هذا المجال بل وقدم بعضهم أعمالا تضاعف أعمال محفوظ
من حيث العدد عدة مرات.
تواجد مستمر
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالكتابة المباشرة
للسينما، كشريك في كتابة السيناريو لعدة أعمال مع المخرج صلاح أبو سيف قبل
أن يتوسع في أعماله مع مخرجين آخرين، واللافت أن نجيب محفوظ علي الرغم من
قلة أعماله ككاتب للسيناريو إجمالا، إلا أنه تواجد بشكل شبه منتظم في هذا
المجال بواقع فيلم أو فيلمين وأحيانا ثلاثة أو أربعة في العام الواحد غالبا
منذ عام 47 وحتي عام 60 وهو العام الذي عرض فيه فيلم (بداية ونهاية) كأول
عمل سينمائي مأخوذ عن نص أدبي له، منذ ذلك الحين تقلصت مشاركة نجيب محفوظ
في كتابة السيناريو، بينما اتجهت السينما لتحويل نصوصه الأدبية الروائية ثم
القصصية بغزارة لا ينافسه فيها سوي إحسان عبد القدوس،
عوض نجيب هذا الغياب شبه التام عن كتابة السيناريو
بالتواجد أيضا علي الساحة ولكن من خلال كتابة القصة السينمائية وإعدادها
خصيصا للسينما، وكان قد بدأ يطرق هذا المجال منذ بداياته، فكان يجمع أحيانا
بين كتابة القصة السينمائية مع الاشتراك في السيناريو، وهو ما برع فيه في
أعمال تعد من الروائع ومنها (فتوات الحسينية) 1954 و(درب المهابيل) 1955،
كان نجيب محفوظ مع غزارة أعماله وتركيزه علي مواصلة مشروعه الروائي أصبح
غير قادر علي القيام بأعباء كتابة السيناريو بما تستهلكه من وقت وتعديلات
ومراحل ولقاءات، ومن هنا شهدت الفترة منذ عام 1959 تواجدا غالبا لنجيب
محفوظ في مجال القصة السينمائية عنه في مجال السيناريو.
وربما يكون نجاح التجربة الفريدة وارتياحه وارتياح صلاح أبو سيف في
الاعتماد عليه ككاتب لحجر الأساس أو القصة السينمائية لفيلم (بين السماء
والأرض) 1959هو الذي دفع محفوظ للمضي في هذا الإتجاه، ودفع السينمائيين
تقديرا لظروف انشغاله وحرصا علي تواجد بصمته في بعض الأعمال المهمة أن
يأتنسوا بصياغته للقصة السينمائية التي من خلالها يجري بناء السيناريو
والمعالجة، بعد أن تستقيم علي يديه الخطوط العريضة للشخصيات الأساسية
والشكل الدرامي والتوجه الفكري،
مشاركة فريدة
وعلي الرغم من ذلك فإن مشاركات نجيب محفوظ تظل قليلة في هذا المجال أيضا
إلا أن معظمها كان لأعمال في منتهي الأهمية وتعد من علامات السينما المصرية
ومنها مشاركته في قصة (الناصر صلاح الدين) وكتابته للقصة السينمائية لأفلام
(بين السماء والأرض) و(ثمن الحرية) و(المذنبون) وغيرها، وتبدو كلمة أو
وظيفة كتابة القصة السينمائية من المسميات النادرة في السينما المصرية ومن
الواضح أن الهدف منها في البداية كان الفصل بين قصص محفوظ الأدبية المأخوذة
للسينما والقصص السينمائية التي كتبها خصيصا لسيناريوهات سينمائية.
وهكذا فإن محاور الاحتفال بنجيب محفوظ عديدة في مجال السينما وحده سواء
ككاتب للسيناريو أو للقصة السينمائية لأكثر من ثلاثين عمل أو كمؤلف الأصول
الأدبية الروائية والقصصية لأكثر من ستين فيلما سينمائياً، أري أن هذا
المخزون الكنز هو فرصة هائلة للعرض في أسابيع أفلام متواصلة بنسخ مترجمة لا
تنقطع بمختلف عواصم العالم برعاية مكاتبنا الثقافية بالخارج وكلها تنتمي
لوزارة التعليم العالي وبالتنسيق بينهم وبين قطاع العلاقات الثقافية
والمركز القومي للسينما بوزارة الثقافة، وأن يقام بالتوازي مع هذه الأسابيع
معارض لكتب أستاذنا ولإصداراتنا الأدبية العربية ولنصوصنا الأدبية المترجمة
لمختلف لغات العالم وعلي رأسها نصوص كاتبنا الكبير التي تستحق مزيدا من
الانتشار، ومزيدا من الفرص لتحويلها لأفلام سينمائية عالمية، فما قدمته
السينما خارج مصر عن أدبه لا يتجاوز ثلاثة أعمال، فيلمان منهما للسينما
المكسيكية عن روايتي بداية ونهاية وزقاق المدق، أما الفيلم الثالث فهو
أذربيجاني عن رواية اللص والكلاب، ولا أعتقد أن هذا التواجد السينمائي
المحدود عالميا لأدبه يتناسب مع مكانته الكبيرة، ومع طبيعة أعماله التي أثق
يقينا أن الكثير منها جدير بلفت أنظار السينما العالمية إليها لو أتيح لها
أن تنتشر علي نطاق واسع وأن تصل إلي محيط أكبر من القراء.
جريدة القاهرة في
04/01/2011
عاطف
بشاي:
«الضربة
الجوية» دراما تتناول
معركة عسكرية مبهرة وعبقرية الأداء
بقلم : مدحت بشاي
"مبروك
يا ولاد حننتصر" كان التعقيب التاريخي ورد الفعل الأول للرئيس الراحل محمد
أنور السادات علي مكالمة تليفونية تلقاها المشير الراحل أحمد إسماعيل
القائد الأعلي للقوات المسلحة من قائد القوات الجوية اللواء محمد حسني
مبارك تحمل الإشارات الأولي لانتصارات الطلعات الأولي لرجال الطيران المصري
العظيم .. المكالمة جاءت كإعلان أول لميلاد أولي عمليات المجد والفخر لبلاء
قواتنا المسلحة في أعظم حرب خاضتها علي لسان نسرها الجسور البطل الرئيس
محمد حسني مبارك لبرنامج صباح الخير يا مصر في غمار احتفالات البلاد بنصر
أكتوبر عام 1988
.
تحدث الرئيس عن الطلعة الجوية، وأهم تجلياتها
والانتصارالموجع لقلب العدو الإسرائيلي، والتي لم يتجاوز وقوعها 20 دقيقة،
وبعد اجتماع استغرق حوالي الساعة من الزمان عقده اللواء محمد حسني مبارك مع
القادة الذين سيتولون متابعة مراحل العمليات الجوية، انطلق بعدها أبطال
القوات الجوية إلي مقار عملياتهم انتظاراً لساعة الصفر. حول تفاصيل عملية
الضربة الجوية الأولي ومبادرتها المباغتة للعدو كان للكاتب الصحفي صلاح
قبضايا كتابه المهم "حدث في أكتوبر" تناول فيه ـ وهو المراسل العسكري إبان
حرب أكتوبر ـ الكثير من المشاهد التي توثق للعديد من الأحداث عبر مراحل
الإعداد والتخطيط والتنفيذ بتفرد وإجادة ..تلقف الكتاب صائد الأفكار
والأطروحات الفريدة والمهمة الأستاذ ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما بمدينة
الإنتاج الإعلامي والكاتب، وقررإنتاجه برؤية خبير ومسئول ومنتج قدير لأهمية
دراما الحدث تاريخياً ووطنياً، ثم كان اختياره للكاتب والسيناريست عاطف
بشاي، وكان قد سبق له إنتاج العديد من الأعمال الناجحة للكاتب، في كل
المواقع التي تولي فيها مسئولية الإنتاج الدرامي، بداية من توليه إدارة
أفلام التليفزيون ثم رئيساً لقطاع الإنتاج الدرامي، وصولاً إلي رئيس جهاز
السينما بمدينة الإنتاج الإعلامي في رحلة امتدت أكثر من ربع قرن قدما فيه
للمشاهد المصري مجموعة هائلة من الأعمال الدرامية البديعة التي لاقت نجاحات
جماهيرية وفنية مشهود لها.. حول الضربة الجوية ولماذا كان القبول بحماس
لكتابة دراما فيلم " وبدأت الضربة الجوية " كان للمصور هذا اللقاء مع
الكاتب والسيناريست عاطف بشاي أو تاجر السعادة كما لقبوه في الوسط الفني
عقب نجاح دراما المسلسل الذي يحمل ذلك المسمي، وكما يحب أن يصف نفسه
الممارس للإبداع في الزمن الضنين
!!
رصد درامي
·
ألا تري أن الرصد الدرامي لحدث
الضربة الجوية جاء متأخراً، رغم ما كان يمثله كمفتاح للنصر والإشارة
الأولية الأهم لنجاح التخطيط، وأيضاً التنفيذ بجرأة وبسالة في ميدان
المعركة؟
>>
الحقيقة أنا لا أحب استخدام الرد التقليدي الذي يقال في
مثل هذه الأحاديث، انه خير أن يأتي الإنجاز في كل الأحوال حتي
لوجاء متأخراً أفضل مما لولم يتم الإتيان به، فلا يمكن أن نكون دائما بمثل
هذه الحالة من الرضا المريض بنوبات من الكسل إزاء معالجاتنا لقضايا حياتية
بشكل عام، فما بالنا ونحن إزاء إنجاز مصري عبقري، وغير مسبوق وأمام بطل
قائد بقامة اللواء محمد حسني مبارك العسكرية، الذي أجمع كل المراقبين
والمتابعين لحرب أكتوبر المجيدة امتلاكه ناصية الإدارة العلمية، والقدرة
علي تحقيق التواصل مع أمل الجماهير في الانتصار.. لكن أود التأكيد علي
أهمية عدم التعجل في اتجاه تجسيد الأحداث العسكرية التاريخية الكبري في
حياة الأمم والشعوب، فتوافر المعلومات والتحاليل السياسية والعسكرية،
وتراكم الخبرات الشخصية والإنسانية في تناول أمر تقييم مثل تلك الأحداث
المفصلية، هي في النهاية تساهم بشكل مؤثر في إثراء المادة الدرامية لمثل
تلك الأعمال، ولصالح تقديم رؤية أكثر تكاملاً للعمل، وعموماً كان من
المفترض أن يتم إنتاج «وبدأت الضربة الجوية» عام 2002 ولكن حدثت عدة مشاكل
تسببت في تأجيله.
·
ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه
العمل بما يمثل إضافة لما سبق إنتاجه من أعمال أكتوبرية؟
>>
العمل يدور في فترة مهمة جدا لم يتم التعرض لأحداثها عن قرب وهي ما بين عام
1972 إلي 1973 تلك التي تعرف بفترة (الخداع الاستراتيجي) التي مهّد فيها
الرئيس السادات للحرب بذكاء وحنكة كبيرة، ورغم الحالة الاقتصادية المتدهورة
والإمكانيات الضعيفة استطاع السادات اتخاذ قرار الحرب وقرر الاعتماد علي
إمكانياتنا الضعيفة، دون الاعتماد علي الروس أو الأمريكان، حتي قرر طرد
الخبراء السوفييت من مصر.
وتابع مؤلف "وبدأت الضربة الجوية": أهم ما جذبني إلي العمل أنه يتيح فرصة
التركيز علي عدة أمور رئيسية لعل أولها التأكيد علي قيمة العلم الذي
استطعنا عبر تفعيل آلياته تحقيق جولات النصر المتعاقبة، وقد تمثل ذلك في
وضع الخطط المحكمة، وإدارة ألعاب الخداع الذكي، بدعم ودافعية إرادة الرجال
وإيمانهم بقدراتهم رغم إمكانياتهم المحدودة، ومن خلال تلك القيمة وددت
صياغة مقابلة عكسية بين من كانوا يعملون آليات ثقافة الخرافات والخزعبلات
حتي بات أمر سيطرتهم علي جوانب حياتية تخترق أوصال مجتمعنا مما شكل خطورة
حالة، وحالة من التحلل الفكري والإداري، في مقابل إعمال آليات العلم
والإعداد الفكري والوطني الذي ساعدنا في اجتياز الصعاب ومن ثم تحقيق
الانتصارات .
أما الأمرالثاني فتمثل في محاولة إعادة قراءة متوازنة وصادقة للقيادة
الوطنية لكل من الرئيس السادات، ووزير الحربية الأسبق المشيرأحمد إسماعيل
كل في موقعه، بعد أن تم بعمد، أو بغير عمد النيل من دورهما من جانب أصحاب
المصالح، فالسادات تم اتهامه بالتراخي وافتقاد الحس الوطني المتفاعل مع حس
الشعب، لدرجة أن المثقفين المصريين وقعّوا علي بيان يدينون فيه السادات في
الفترة التي كان فيها الرجل يضع خطة محكمة بالاشتراك مع أحمد إسماعيل ورئيس
الأركان سعد الشاذلي، لتصميم وإدارة خطة شديدة الإحكام والذكاء لتفعيل
آليات الخداع الاستراتيجي للعدو بوسائل إبداعية متفردة كان لها الأثر
العبقري في امتلاك ناصية الأمور واتخاذ القرارات بشكل مضمون العواقب وردود
الأفعال، بالإضافة لإصدار قرارات علي الصعيد الداخلي توحي بإرجاء المواجهة،
حتي لوكان الثمن حالة من الغضب الشعبي..
لقد اجتمع السادات مع قادة الجيش للتباحث حول إمكانياتنا لخوض الحرب وساد
الاجتماع حالة من الإحباط الشديد لأنهم أخبروه أن إمكانياتنا لا تسمح
إطلاقا بدخول الحرب، في الوقت الذي استطاع فيه أحمد إسماعيل أن يضع خطة
دقيقة جدا في عام واحد فقط، ولذلك ينظر إلي الرجل باعتباره بطلاً تاريخيا
صاحب دور وطني غير مسبوق، ورغم ذلك
لم يتم تناول دوره بالشكل اللائق بقامة رجل عسكري مفكر ووطني
وقائد صاحب رؤية وقدرة علي القيادة الحازمة، والأمر الثالث، والمعني به
موضوع الفيلم يتمثل في إلقاء الضوء بما يليق علي دور اللواء محمد حسني
مبارك قائد القوات الجوية صاحبة الضربة الأولي، فعلي الرغم من انهيار معظم
آليات تلك القوات من مُعدات وطائرات علي الأرض دون الدخول في نزال عسكري
حقيقي خلال حرب يونيه 1967، وما مثل ذلك من انعكاسات سلبية علي معنويات
قياداتها، استطاع مبارك أن يقوم بدور عبقري في إعادة تجهيز القوات الجوية
علي أعلي كفاءة مختصرا سنوات طويلة جدا لأنه ساهم في تخريج 7 أو 8 دفعات
طيران، وقد كان لخطط التدريب المبتكرة الأثر البالغ في تحقيق إعجاز تنفيذ
الطلعات المتتالية التي وصلت إلي سبع طلعات للطيار، وبسرعة ارتددات غير
مسبوقة، وبأقل الخسائر..
لقد كان لتأييد اللواء مبارك لقرار الحرب فور عرضه من جانب
الرئيس السادات في اجتماعه بقادة الأسلحة شهادة استند عليها بثقة في اتخاذ
قرار العبور، رغم تعدد وتباين الآراء والرؤي من جانب القادة..
دعم الانتخابات
·
يردد البعض أن الإقدام علي إنتاج
الفيلم يأتي كأحد أدوات حملة الحزب الوطني لدعم الحملة الانتخابية للرئيس
مبارك ..
>>
هذا كلام لايستحق حتي الرد عليه، فحرب أكتوبر المجيدة بشكل عام، والضربة
الجوية بشكل خاص، وغيرها من البطولات التاريخية المصرية في حاجة لإنتاج
عشرات الأعمال الدرامية لتوثيقها للأجيال القادمة، أما أبطال تلك المعارك
الخالدة فهم في عقول وأفئدة الناس في بلادي، والأمر الثاني وكما ذكرت في
بداية حديثي كان من المفترض أن يتم إنتاج «وبدأت الضربة الجوية» عام 2002،
ولكن حدثت عدة مشاكل تسببت في تأجيله.. وفي النهاية أري أن مثل تلك الأحداث
التاريخية وتوثيقها درامياً، تمثل في النهاية زاداً ومثالاً عبقرياً للعطاء
الوطني رسالة مهمة نبثها للمستقبل .. وأنا سعيد ومتفائل باختيار المخرج
الكبير علي عبد الخالق مخرجاً للفيلم، فهو مبدع وطني له رصيد محترم في
التعامل مع الشأن العسكري والسياسي بإحساس شديد الخصوصية والانتماء
والقراءة الواعية لهموم وطموحات المواطن المصري..
·
ألا تخشي الدخول بعملك في
مقارنات مع أعمال أكتوبرية سابقة تناولت عناصر البطولة والقيادة والمعارك
التاريخية، وكان لهم النصيب الوافر من النجاح في إطار حكاوي وسير أبطال؟
>> "وبدأت
الضربة الجوية " فيلم وعمل يتناول مشروع وإنجاز عسكري من جوانب وزاويا
معنية بعبقرية الإعداد والتخطيط، لامعارك علي الأرض ولكن عراك وصراع إرادات
وقوي فكرية، لا تناول لسير قادة وأبطال لكن هناك وقفات عند مواقف بطولية
وإنسانية واجتماعية لها من التفرد والتأثيروالتبعات ( إيجابية كانت أم
سلبية ) ما كان ينبغي تجسيده .
·
هل من أمثلة ؟
>>
العمل علي سبيل
المثال يتوقف عند أمور لم يسبق لأي دراما معالجتها في إطار كاشف للتحول
الإيجابي الحادث في المؤسسة العسكرية باقتراب عن كثب من عبقرية مصرية تجلت
معطياتها عندما توافقت الإرادات حتي لو شهد الواقع في مراحل ما صراعات
إيجابية .. والتي من بينها:
الاقتراب من اجتماع عام تاريخي (24 يناير 1972) في القاهرة يحضره عدة آلاف
من الضباط من جميع الرتب، ويري الفريق أول "محمد صادق " وزير الحربية وهو
يهاجم الاتحاد السوفييتي هجوماً عنيفاً .. ويعلن أن السوفييت لم يقوموا
بتوريد الأسلحة المطلوبة لمصر وأنهم بذلك يمنعوننا من تحقيق رغبتنا في
مبادرة الهجوم، وأنهم ينشرون الشائعات بين صغار الضباط والجنود والطلبة بأن
القوات المسلحة لديها الأسلحة الكافية التي تسمح لها بالهجوم، وأن هذه
الشائعات المسمومة غير صحيحة.
-
اللواء مبارك قائد القوات الجوية يبلغ قائده أحمد اسماعيل تليفونياُ
بالنتائج الأولي للطلعة الجوية، ويبلغه أيضاُ بنبأ استشهاد الطيار عاطف
السادات، وإرجاء أحمد اسماعيل تعريف الرئيس بالخبر.
-
الفريق "صادق" يؤكد أن نائبه الفريق "عبد
القادر حسن " قد عاد من موسكو دون أن يوقع علي الاتفاقية الجديدة التي تقضي
بأن يقوم الاتحاد السوفييتي بتزويدنا بأسلحة وطائرات تي (22) ودبابات ت
(62) والسبب في ذلك أن الاتحاد السوفييتي طلب دفع ثمن الطائرات والدبابات
بالعملة الصعبة وبالثمن الكامل ـ دون تخفيض نصف ثمنها كما كان متبعاً من
قبل ـ وقد رفض الجانب المصري التوقيع علي هذه الاتفاقية بهذه الشروط ..
وبالتالي فإن هذه الأسلحة لن تحضر.
·
قد يبدي البعض اندهاشه لحماسكم
للعمل وفكرته، رغم أن فكرة وموضوع " وبدأت الضربة الجوية " قد لايمثل
امتدادا لموضوعات قد تخصصتم في إبداعها، والتي تتسم بطابع اجتماعي في إطار
كوميديا ناجحة، فكيف ترون الأمر؟
>>
في كل أعمالي الدرامية سواء التي تنتسب قصصها لكتاب كبار، أو التي أكتب لها
القصة والسيناريو والحوار يشغلني في المقام الأول قضايا الهم العام لإنسان
الحاضر .. قد يكون للعمل بعد سياسي وإنساني وفلسفي مثل دراما مسلسل "لا "
ومسلسل " دموع صاحبة الجلالة " وأيضاً دراما " حضرة المحترم " و" أهل القمة
"، و" عمارة يعقوبيان " وأخيراً " تاجر السعادة " وهي أعمال معنية بقضايا
قيم التقدم والتخلف، وعلاقات الناس بالسلطة بكل أنواعها ونوعيات أتباعها،
واشتباكات الأمر الديني والروحي مع الشأن السياسي، والموضوع في النهاية
يذهب بي إلي القالب والشكل المناسب لعرضه، وعليه أنا أرفض تصنيفات
المهرجانات في محدداتها الضيقة أحياناً، والفضفاضة في أغلب الأحيان، فما
تعريف الدراما الاجتماعية تحديداً علي سبيل المثال ؟!.. الموضوع في النهاية
تفرضه الظروف، ومعطيات الواقع الملحة في الزمان والمكان الحال.
وعليه فإن حماسي لموضوع "
وبدأت الضربة الجوية " يعود إلي حالة من الشغف بمشاهد تجسيد حلم الانتصار،
قد يراه البعض مجرد نصر عسكري، وأراه انتصاراً لبشر قرروا الأخذ بأسباب
التقدم.
تجاهل غريب
·
بمناسبة مهرجانات الإعلام، فإنه
قد تكرر فوز بعض أعمالكم بالجوائز الذهبية والفضية، وفاز معظم نجوم تلك
الأعمال بالجوائز الأولي، في تجاهل غريب ومتكرر لمؤلف العمل، وكأنهم يؤكدون
إمكانية نجاح مخرج ومهندس ديكور وممثل نجم وتحقيق مراكز متفردة حتي لوكان
النص لا يستحق نفس المركز، أو أن العمل قد كتب نفسه .. كيف ترون الأمر؟
>>
اسألهم !!
·
في النهاية، ما أهم الأوراق التي
توقفتم عندها فيما كُتب عن الضربة الجوية؟
ــ أتوقف بإعجاب واحترام لكل ما كتبه اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس
هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 في مذكراته ، وكتاب المؤرخ العسكري المصري
جمال حماد "المعارك الحربية علي الجبهة المصرية"
وكان من المقرر
القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم السادس من أكتوبر قبل الغروب، ولكن
نظرا لنجاح الضربة الأول في تحقيق كل المهام التي أسندت إلي القوات الجوية
لذا قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية وقد اضطرت القيادة
الإسرائيلية الجنوبية في سيناء إلي استخدام مركز القيادة الخلفي بعد ضرب
المركز الرئيسي في أم مرجم، كما أصبح مركز الاعاقة والشوشرة في العريش هو
المركز الوحيد المتبقي لإسرائيل في سيناء بعد تدمير مركز الإعاقة والشوشرة
في أم خشيب) ويقول كل من اللواء: حسن البدري، وطه المجدوب وعميد أركان حرب
ضياء الدين زهدي في كتابهم حرب رمضان) وقامت تشكيلاتنا الجوية بالإنطلاق
شرقا في توقيت واحد . نحو اهدافها المنتخبة بحذق ومهارة بالغة.. لكل تشكيل
جوي هدفه الذي يتعين عليه أن يدمره . وأهدافه التبادلية للطواريء ولكل
تشكيل جوي وجهته المحددة، وسرعته وارتفاعه.
جريدة القاهرة في
04/01/2011 |