بين عام وآخر، ومن مهرجان سينمائي إلى آخر، نرى إبداعات جديدة ولمسات
مختلفة على الأفلام التي تصنعها أياد إماراتية، لنجد أنها تحمل أفكاراً
وقصصاً جديدة، وتخدمها التقنيات الحديثة، في محاولة لتقديم فن راق ومتميز
من جميع الجوانب . وفي عام 2010 حدثت تغيرات وتطورات كبيرة على الأفلام
الإماراتية من حيث الكم والجودة، يرى البعض أن هذه التغيرات في الكم جاءت
على حساب الجودة، أما البعض الآخر فيرى أن السينما الإماراتية تسير في
الطريق الصحيح لتشكل ثورة عما قريب . في التحقيق التالي تحدثنا مع عدد من
المخرجين الإماراتيين والمهتمين بهذا المجال لنتعرف إلى آرائهم في الإنتاج
السينمائي الإماراتي في 2010 ومدى رضاهم عنه .
عبر المخرج علي مصطفى الذي يستعد لتصوير فيلمه الروائي الطويل الثاني
في الفترة المقبلة، عن سعادته بالتطور الكبير في الإنتاج السينمائي
الإماراتي، حيث يرى أن عام 2010 شكل نقطة تحول كبيرة في هذا المجال، ويقول:
أنا فخور بالأفلام الإماراتية والمستوى الذي أصبحت عليه اليوم، وسعيد
بإنجازات المخرجين الإماراتيين الشباب في مجال السينما .
ويضيف: المواطن مبدع فهو كمخرج يحاول أن يكمل مسيرته بكل قوة ومثابرة،
ولكني أشدد على أهمية الاستمرارية، فإنتاج فيلم يعتبر مهمة صعبة وعلى صاحبه
ألا يتوقف عند التجربة الأولى أو الثانية لأن كل تجربة جديدة لا بد أن يكون
فيها إضافة على التجارب السابقة .
ويرى علي مصطفى أن السينما الإماراتية تعيش في الوقت الحالي نفس
الموجة التي عاشتها سابقا الأفلام الفرنسية من حيث التطور الذي سيشهد ثورة
حقيقية، حيث يتوقع أن يشهد عاما 2012 و2013 ثورة في عالم الأفلام
الإماراتية . وعن محاولات الشباب في مجال الإخراج وإنتاج الأفلام يقول:
طالما أنهم طلاب فما يقدمونه محاولات، وأمامهم مجال لتطوير أنفسهم من خلال
المهرجانات السينمائية التي تقام محلياً .
أكد المخرج والمؤلف سعيد سالمين، أن الإنتاج السينمائي الإماراتي
ازداد عام ،2010 حيث ظهر عدد كبير من الأفلام ولكن بمستوى أقل بعض الشيء عن
الأفلام السابقة، ولاحظ أن عدداً كبيراً من المخرجين اختفوا، وعن سبب ذلك
يقول: أعتقد أن الأمر يعود لانشغالاتهم والتزاماتهم بوظائفهم وصعوبة
التحضير لشيء جديد .
ويضيف سالمين: الأفلام عام 2008 كانت أقوى مما كانت عليه هذا العام،
وهناك مشاركات لطلاب الجامعات، ولكن أغلبها محاولات بسيطة لا يمكن عرضها في
مهرجانات عالمية، وهذه الأفلام تكون عادة مشاريع تخرج للطلاب الجامعيين،
الذين يتركون هذا المجال بمجرد تخرجهم .
وأكد سالمين أن مهرجان دبي السينمائي في دورته السابعة شكل عودة
حقيقية وقوية لمستوى الأفلام والإنتاج السينمائي، حيث عرضت فيه أفلام كثيرة
للمرة الأولى . وعما إن كان هذا ينبئ بجيل جديد من المخرجين يقول: لا أتوقع
أن يكون الأمر كذلك لأن شباب اليوم في عجلة من أمرهم، وينتقلون للأفلام
الطويلة الروائية بعد أول فيلم قصير يقدمونه، وهذا يسبب لهم الفشل غالبا
لأفلامهم الطويلة، فالتسرع في هذا الجانب ليس في صالح المخرج ولا العمل،
والاستمرارية هي كلمة السر .
المخرج سعيد الظاهري الذي شارك بمهرجان دبي السينمائي بفيلمه الكوميدي
القصير “رجلين وعنز”، يرى أن الأهم في الإنتاج الإماراتي هو جودة الأفلام
وليس عددها، ويقول: هناك محاولات إنتاجية كثيرة لم تضف للسينما الإماراتية
أي شيء، فقد كان هناك تفاوت في عدد الأفلام ومستواها في السنوات السابقة،
ولم تكن هناك شروط للأفلام المشاركة في المهرجانات بل كان سبب قبولها
لتشجيع الشباب بغض النظر عن مدى جودتها، وذكر الظاهري أن هذا الأمر بدأ
بالتغير شيئا فشيئا بوجود المهرجانات، التي أصبحت تدقق في اختياراتها لما
يعرض فيها، وأصبحت تشدد على جودة الفيلم وقوته، ولذا فقد بدأنا نلحظ القوة
في الإنتاج السينمائي الإماراتي، وظهرت أفلام كثيرة قوية ومنافسة، وارتفعت
جودتها مع توفر التقنيات وتخصص الكثير من الشباب في مجالات كتابة السيناريو
أو الإخراج أو التصوير وغيرها . وعن الدعم الذي يلقاه الفيلم الإماراتي
يقول: هناك جهات تدعمه منها مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي، إلى جانب ما
تقدمه المهرجانات والذي قد يكون كافياً لإنتاج فيلم قصير، ولكنه طبعا لا
يكفي لإنتاج فيلم روائي طويل .
وأضاف: لدينا جيل جديد يخطو خطواته الأولى، ولديه طموحات كبيرة لصناعة
سينما إماراتية، ولكننا بنفس الوقت يجب أن نفخر بما قدمنا، وألا نقارن
أنفسنا بغيرنا من الدول التي بدأت صناعة السينما فيها منذ سنوات طويلة .
علماً أن الاستمرارية هي النقطة الأهم نحو إنتاج سينمائي راق ومتميز .
ومن مهرجان إلى آخر يتنقل المخرج فاضل المهيري، الذي شارك بفيلمه
الفكاهي القصير “حارة الليل” بمهرجان الخليج السينمائي وحاز فيه شهادة
تقدير، كما شارك به أيضاً في مهرجان أبوظبي السينمائي وحاز فيه المركز
الثالث بمسابقة الأفلام القصيرة .
ويقول المهيري: شهد عام 2010 زيادة في عدد الأفلام الإماراتية، ولكن
الجودة بقيت كما هي ولم تتحرك خطوة إلى الأمام، أغلب الأفلام لم تشهد
تطوراً ملحوظاً إلا بعضها الذي حمل توقيع بعض المخرجين المعروفين بتميزهم
كسعيد سالمين، أما المحاولات الشبابية فمستواها متقارب ولا نستطيع أن نقول
إنها أضافت للسينما الإماراتية . ويضيف: في بداياتنا لم تكن هناك مسابقات
لتشجيع الشباب في مجال صناعة الأفلام، أما اليوم فقد زاد الاهتمام بهذا
الأمر، وأصبحت المسابقات سمة من سمات المهرجانات السينمائية، وزاد الدعم من
المهرجانات وبعض الجهات الأخرى، فارتفع عدد الأفلام الإماراتية .
وذكر المهيري أن المشكلة تتمثل في عدم استمرار الشباب في مجال
الإخراج، فعادة ما يتركون هذا المجال بعد أول أو ثاني فيلم، وذلك لصعوبة
هذا المجال وحاجة الشاب لتطوير مهاراته بشكل مستمر .
وعن الدوران المستمر في حلقة الأفلام القصيرة يقول المهيري: المشكلة
في أن شركات الإنتاج ليس لديها ثقة في الشباب الإماراتي وخبرته في مجال
السينما، وربما يعود ذلك لعدم وجود معاهد سينمائية لدينا، فكلما وجدت
المعاهد كلما زاد الدعم، وإن لم يكن هناك صناعة سينمائية فالدعم لن يوجد .
بكل تفاؤل، عبر المخرج عيسى الجناحي، عن رضاه عن الإنتاج المحلي فقال:
هناك حالة نشاط في الإنتاج السينمائي الإماراتي وقد لاحظناها في 2010 بقوة،
وهذا أمر جيد، فقد بدأنا منذ 8 سنوات بأفلام قصيرة وصلنا من خلالها إلى
مرحلة النضوج، وها نحن اليوم نخوض مرحلة الأفلام الطويلة، ونفخر بأن لدينا
كل عام ما يقارب 4 أو 5 أفلام روائية طويلة، بالرغم من عدم وجود معاهد
سينمائية في الإمارات، والفخر الأكبر أن هذه الأفلام نتيجة مجهود فردي،
وهذا أمر يحسب للشباب الإماراتي المصر على صناعة سينما حقيقية .
ويرى الجناحي أن عدم وجود المعاهد السينمائية يصعّب الأمر ويقول: أضطر
للسفر إلى مصر أو سوريا لشراء الكتب الخاصة بالسينما، والبحث عن مصادر تزيد
معرفتي بهذا العالم وتوسع مداركي وآفاقي، إلى جانب البحوث المستمرة عن طريق
“الانترنت” . الجامعات توفر بعض الدعم لطلابها لإنتاج أفلام قصيرة، وبعضها
يكون من إنتاج شخصي، وأعرف شباباً كثراً بدأوا بإنتاج شخصي كما فعلت أنا في
بداياتي، فقد انطلقت من خلال كاميرا اشتريتها .
وعن استمرارية الإنتاج السينمائي ومدى قدرته على المحافظة على نشاطه
يقول الجناحي: الأمر يعتمد على من يستطيع الصمود في هذا المجال الذي يتطور
كل يوم، فقد أصبحت المهرجانات تدقق في اختياراتها للأفلام، لتقبل بعضها
وترفض البعض الآخر، ما يحبط بعض الشباب لينسحبوا من هذا المجال دون رجعة .
لم يتفق المخرج أحمد زين مع بعض الآراء السابقة، فهو يرى أن عدد
الأفلام الإماراتية قل عن السابق، ولكن مستواها وجودتها زادت وتطورت من
ناحية التقنيات والأفكار، ويقول: الحرفية ظهرت بقوة في الأفلام التي تم
إنتاجها مؤخراً، وهذا أمر ينبئ بالخير فيما يخص السينما الإماراتية، أنا
متفائل بأنه في نهاية هذا العام سيزداد عدد الأفلام وتزداد جودتها، ليكون
لدينا حصيلة متميزة، ما يشكل نقلة قوية للإنتاج السينمائي الإماراتي . وأكد
زين أن الأفلام التي عرضت في مهرجاني الخليج وأبوظبي السينمائيين كانت قوية
ومنافسة، ويقول: دخلنا الآن مرحلة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة، و”ثوب
الشمس” للمخرج سعيد سالمين أحد هذه الأفلام المهمة، ويسعدني أن أرى زملائي
في هذا الدرب يقدمون أفضل ما لديهم، فقد انتهى أيضا المخرج نواف الجناحي من
تصوير فيلم طويل، وهذا يعني أن القطار يسير في الطريق الصحيح . وعن أفلام
الشباب يقول: شباب الجامعات ينطلقون من مشاريع تخرجهم نحو عالم السينما،
وبعضهم يتوقف عند أول مطب، وأرى أن فكرة إنتاج فيلم كمشروع تخرج جيدة
وإيجابية، لأن في ذلك دعماً من الجامعات لطلابها، وتعميماً لثقافة السينما
لدى الجيل الجديد، ويصب ذلك في النهاية لصالح السينما الإماراتية .
يؤكد علي الجابري، ممثل مسرحي ومخرج ومدير مسابقة “أفلام الإمارات” أن
أفلام هذا العام كانت قوية جداً، ويقول: لو قسنا على السنوات الثلاث
الماضية سنرى بأن هناك طفرة قوية في الأفلام، وسنرى مخرجين شباباً بدأوا
بتقديم أفلام متميزة حصدوا من خلالها الجوائز في مهرجانات عالمية، ما يدل
على تمكن هؤلاء المخرجين من أدواتهم، ولذا أرى أن الإنتاج السينمائي هذا
العام في حالة انتعاش وفي أحسن حالاته .
وفي نظرة على الأفلام الإماراتية بتتابع السنوات يقول مسعود أمر الله،
المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي: الإنتاج السينمائي الإماراتي في تطور
مستمر، ومن المهم جداً وجود واستحداث مسابقة خاصة في هذا المجال تعمل
فعلياً على إنتاج أفلام على مستوى عال، وهذا دور المهرجان، لأن في ذلك
تحفيزاً لنوعية الأفلام المقدمة، لتكون ذات نوعية مغايرة سواء كانت أفلاماً
إماراتية بحتة، أو بإنتاج مشترك كما فعلت نايلة الخاجة وعبدالله الكعبي
وأحمد وراشد بن شبيب، فخلق هذه الفرص ومزجها مع بعضها هو ما سيخلق هذا
التنوع في الإنتاج والثراء فيه .
وعن 2010 يقول أمر الله: أراها سنة قوية بالنسبة للسينما الإماراتية،
فقد ارتفع مستوى الأفلام وجودتها كثيراً، وعلى سبيل المثال، هناك فيلم
“سبيل” لخالد المحمود الذي عرض في مهرجان “لوكارنو” أضخم المهرجانات
العالمية وفاز بجائزة، و”دار الحي” الذي كان على أعلى مستوى من الإنتاج،
و”الفيلسوف” الذي يلعب بطولته نجم عالمي معروف، كما تمثل عودة وليد الشحي
للإخراج أهمية كبيرة للفيلم الإماراتي .
ويرى أمر الله أن جودة الإنتاج السينمائي الإماراتي ارتفعت، فيما
انخفض عدد الأفلام، ويضيف: في السنوات السابقة كان العدد يصل إلى 70 أو 80
فيلما، أما اليوم فلدينا تقريباً أربعون فيلماً منها 7 أو 8 أفلام مهمة
وقوية ومنافسة . وتحدث أمر الله عن معادلة الإنتاج السينمائي العربي
والعالمي فقال: الحال نفسه هنا وهناك، فبعض السنوات يكون فيها الإنتاج
وفيراً، وسنوات أخرى يقل فيها الإنتاج .
وعما إذا كانت 2010 سنة الثورة السينمائية المحلية يقول: الأفلام
الإماراتية تصنع بجهود فردية من قبل أفراد مهمومين بالسينما، فهي ليست
صناعة مؤسساتية، ولذا لا أعرف حقاً كيف ستكون ثورة بتلك الجهود الفردية،
ولكننا لا ننكر أن هناك أفلاماً ومخرجين استطاعوا أن يتخطوا فعلياً حاجز
عدم الاعتراف، بمعنى أن الأفلام الإماراتية كانت مجاملة، أي أن وجودها كان
لإقناع الآخرين باهتمامنا بالسينما، أما اليوم فقد تغير الوضع، وأصبح لدينا
اعتراف وإنتاج حقيقي، وبدأت المهرجانات تستقطب الأفلام الإماراتية، وتحصد
الجوائز، ولذا فهذه السنة في رأيي ليست سنة الثورة السينمائية الإماراتية
بقدر ما هي سنة الاعتراف وليس المجاملة .
يرى عرفان رشيد مدير البرامج العربية في مهرجان دبي السينمائي، أن
هناك مساراً صاعداً بالنسبة للسينما الإماراتية، بدأ بعدد من المخرجين
الشباب الذين أنجزوا أعمالهم خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية، وتزامن
هذا مع وجود كتاب سيناريو ومخرجين شباب بدأوا بالتعامل مع الحكايات اليومية
وقصص التاريخ الإماراتي، ويقول: هناك تصاعد بالنوعية والكمية، وهذه السنة
تحديداً وبعد مهرجان الخليج السينمائي شهدنا حضوراً نوعياً يتميز بعملين
أساسيين داخل برامج المهرجان، وهما “حمامة” لنجوم الغانم وهو فيلم وثائقي
مهم، و”سبيل” لخالد المحمود، وهو فيلم قصير لكنه مهم من حيث النوعية
والجودة .
ويضيف رشيد: هناك حركة بحاجة لدعم إضافي ومقتنع، ومهرجان دبي اقتنع
بضرورة دعم هذه الطاقات وفسح المجال من خلال الدعم المادي والمؤسساتي ومن
خلال تأسيس جائزة المهر الإماراتي لهذه الطاقات الشابة، وإدخال أفلام
مخرجين إماراتيين ضمن المسابقات الرسمية، حيث لم تعد توضع على الرف،
ليتنافس بذلك مخرجونا مع زملائهم من البلدان المختلفة .
وعما إذا كانت 2010 سنة الثورة السينمائية الإماراتية يقول: برأيي
2009 و2010 كانتا سنتين مهمتين على صعيدي الكم والنوع، ونتمنى أن يستمر هذا
التصاعد، وشعرنا بالفخر حين وجدنا عملية اختيار الأفلام الإماراتية ليست
سهلة، ورأينا إصرار الشباب على تحقيق شيء متميز حتى وإن كان من خلال
الكاميرات الصغيرة أو كاميرات الهواتف النقالة، ليثبت لنا ذلك أن الطاقات
لم تتوقف عند حواجز الإنتاج بل تحركت بمجهود ذاتي .
من جهته أكد سمير فريد رئيس لجنة تحكيم مسابقة المهر الإماراتي في
مهرجان دبي السينمائي، أن الأفلام الإماراتية التي شاركت في المهرجان هي
واعدة وتحمل رؤى متميزة . وأشاد بالأفلام التي فازت بالجائزة، وأكد أنها
قوية ومنافسة وعلى مستوى عال من حيث التقنيات المستخدمة والأفكار والمضامين
التي تحملها، وتكشف عن إبداعات إخراجية وفنية لدى المخرجين الإماراتيين، ما
يزيد التفاؤل بمستقبل الفيلم والإنتاج السينمائي الإماراتي .
الخليج الإماراتية في
29/12/2010
رغم التراجع في كم الأفلام
ونوعيتها
السينمائيون متفائلون بـ 2011
القاهرة - “الخليج”
خسائر عدة
خرجت بها السينما المصرية في ،2010 منها تراجع كم الإنتاج وعدم إقبال
الجمهور على
الأفلام المتوسطة التكاليف، وانحسار إيرادات موسم الصيف، وغياب العديد من
النجوم
الكبار واستمرار ظاهرة النجم الأوحد، ومعاناة أي فنان يحاول تقديم لغة
سينمائية
مختلفة . ورغم كل هذه الخسائر، ما تزال آمال السينمائيين قائمة
في أن يحمل عام 2011
ما هو أفضل بالنسبة للسينما، والسطور التالية ترصد مع السينمائيين خسائر
2010
وطموحات 2011 .
في البداية يؤكد المنتج والموزع السينمائي محمد حسن رمزي أن كم
الإنتاج شهد تراجعاً ملحوظاً هذا العام مقارنة بالأعوام الخمسة الأخيرة،
وذلك لأسباب عدة أبرزها المبالغة في أجور النجوم، وهو ما جعل شركات الإنتاج
عاجزة عن تقديم مزيد من الأفلام، حتى إن بعض الشركات اكتفت بإنتاج فيلم
واحد هذا العام بينما في أعوام سابقة كان إنتاجها يصل إلى ثلاثة وأربعة
أفلام في السنة . . ويكمل حسن رمزي: تراجع كم الإنتاج لم يكن الخسارة
الوحيدة في ،2010 وإنما كان هناك تراجع للإيرادات خاصة في موسم الصيف الذي
كان قصيراً بحكم حلول رمضان في الصيف، وهو ما تسبب أيضا في تراجع مكاسب
شركات الإنتاج التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على هذا الموسم، لكن بعد أن كانت
إيرادات موسم الصيف تتجاوز المئة مليون جنيه في بعض الأعوام، لم تتجاوز هذا
العام 40 مليون جنيه .
وعن طموحات السينما وصناعها عام 2011 يقول محمد حسن رمزي: لكي تتحسن
أحوال السينما خلال العام الجديد لابد من مزيد من الإنتاج، وهذا لن يحدث
إلا إذا ابتعد النجوم عن المبالغة في أجورهم .
أما الناقد والمؤلف السينمائي رؤوف توفيق فيرى أن أكثر خسائر السينما
في العام الحالي تكمن في استمرار سيادة أفلام النجم الأوحد وعدم إقبال
الجمهور على تجارب السينما المختلفة، وغياب بعض النجوم الكبار في التمثيل
والكتابة والإخراج، ويضيف: مازالت السينما لدينا تدور في فلك نجوم الشباك
الشباب خاصة الكوميديانات ولست ضدهم بالطبع، لكن لابد من تشجيع تجارب
السينما المختلفة ولابد من عودة الأسماء صاحبة التاريخ والخبرة من جديد
للسينما لتكون إضافة لها . . هذا إذا كنا نطمح في العام الجديد لعودة
السينما المصرية إلى قوتها، فهناك أفلام متميزة قدمت هذا العام مثل “رسائل
بحر” للمخرج داود عبدالسيد لكنها لم تأخذ فرصتها الكاملة لا من حيث ظروف
العرض ولا من حيث الاهتمام الإعلامي والإقبال الجماهيري، فالتركيز كله لا
يزال منصباً على أفلام نجوم الشباك التي لا يحمل معظمها أملاً للسينما
لتراجع مستواها الفني عاماً بعد آخر .
الفنان محمد هنيدي أحد أبرز نجوم الشباك يرى أن أكثر مشاكل السينما
المصرية تكمن في تركيز الجميع على موسم واحد هو “الصيف”، ولهذا كان من
أوائل من بادروا منذ عامين إلى البحث عن مواسم أخرى يعرض فيها أفلامه
والابتعاد عن موسم الصيف الذي يسبب الزحام فيه خسائر للجميع . ويكمل
هنيدي: أفلامي حققت في مواسم بعيدة عن الصيف إيرادات جيدة وهو ما شجع
آخرين على التفكير في عرض أفلامهم في أوقات أخرى، ولذلك أنا متفائل
بالسينما المصرية في العام المقبل لأنه بإمكاننا أن نجعل العام كله موسماً
سينمائياً وليس شهرين أو ثلاثة فقط في السنة، وأطالب السينمائيين أن ينسوا
موسم الصيف وألا يركزوا عليه وحده وإنما لابد أن يتم التركيز على شهور
السنة كلها .
ويضيف هنيدي: السينما المصرية ليست بالقتامة التي ينظر إليها البعض،
بالعكس هناك تنوع حدث في أفلام في 2010 فشاهدنا أفلاماً كوميدية واجتماعية
وأكشن وغيرها، وهذا التنوع مكسب للسينما بعد أن كان الكل يركز على
الكوميديا وحدها بسبب نجاح أفلامنا .
ويرى الفنان محمود يس أن السينما في 2010 كانت بها بعض المكاسب منها
تواصل الأجيال في أكثر من فيلم، مؤكداً أنه يشعر بالسعادة لأن تجربته مع
أحمد السقا في فيلم “الجزيرة” كانت بمثابة فاتح شهية على مزيد من التواصل
بين نجوم الأجيال المختلفة، كما يرى أن البطولات الجماعية تعد أحد مكاسب
السينما في الفترة الأخيرة ويأمل في استمرارها، ويضيف:
أنا متفائل بالسينما في 2011 لأن هناك مؤشرات من الآن على استمرار
تواصل الأجيال، فلدي فيلم جديد بعنوان “جدو حبيبي” سيعرض في العام الجديد
ويجمعني بمجموعة متميزة من الفنانين الشباب، كما أن هناك أفلاما أخرى تعتمد
على وجوه جديدة ليس فقط في التمثيل وإنما في كل مجالات السينما من كتابة
وإخراج وتصوير وغيرها، فالسينما تحتاج دائماً إلى دماء جديدة .
يعرب الفنان عزت العلايلي عن تفاؤله بالسينما في العام الجديد خاصة
بعد لقاء الرئيس مبارك مؤخراً بمجموعة من الفنانين كان هو من بينهم ويضيف:
أثناء لقائنا بالرئيس تطرق حديثنا معه إلى مستقبل السينما المصرية وأبدى
اهتماماً ووعد بتذليل العقبات التي تقف أمام الإنتاج السينمائي، ولذلك هناك
حالة من التفاؤل بمستقبل السينما، وعموماً رغم أنني غائب عن السينما لكنني
حريص على أن أتابع أحوالها، وأكثر ما لفت نظري عام 2010 أن هناك أفلاماً
بدأت تعتمد على الفنانين الشباب وليس فقط على نجوم الشباك، وهو أمر أتمنى
أن يزيد الاهتمام به العام المقبل، وأطالب المنتجين بمنح الفرص للوجوه
الجديدة وعدم التركيز على النجوم فقط .
المنتج وائل عبدالله نجح عام 2010 أن يجمع أحمد السقا وأحمد عز في
فيلم واحد هو “المصلحة” الذي سيعرض على شاشة ،2011 ولذلك يرى وائل عبدالله
أن اتحاد شركات الإنتاج العام المقبل هو الأمل في تقديم سينما جيدة
بميزانيات محترمة تجمع أكثر من نجم في الوقت نفسه خاصة أن معظم النجوم لا
يمانعون طالما أن هناك سيناريوهات جيدة .
ويأمل وائل عبدالله في أن تكون تجربة فيلم “المصلحة” بمثابة عودة
للأفلام الجماعية التي كان يشارك فيها نجوم كبار زمان وكانت تحقق نجاحاً
كبيراً يغطي تكلفتها .
الفنانة إلهام شاهين التي تستعد لسينما 2011 بفيلم “يوم للستات” ترى
أن هناك رغبة لدى الجمهور في مشاهدة سينما مختلفة عن تلك التي تم التركيز
عليها في السنوات الأخيرة، وأنها شعرت بهذا من خلال نجاح فيلميها الأخيرين
“خلطة فوزية” و”واحد صفر” سواء جماهيريا أو نقديا، وهو ما يشجعها على
الاستمرار حتى وإن لم تستطع تقديم فيلم كل سنة، فإنها في النهاية تشعر
بالتفاؤل تجاه السينما في العام المقبل، وتتمنى لو استغل المنتجون رغبة
الجمهور في مشاهدة سينما مختلفة وإنتاج نوعيات جديدة من الأفلام .
وتضيف شاهين: بالتأكيد كانت لدينا مشاكل هذا العام أبرزها في رأيي
ندرة السيناريوهات الجديدة الجيدة حتى إنني عندما أجد سيناريو جيداً لا
أتردد في شرائه سواء أنتجته بنفسي بعد ذلك أو أنتجه منتج آخر، وأتمنى أن
يزيد عدد السيناريوهات الجيدة العام المقبل لأنها أساس صناعة أي فيلم ناجح
.
الفنانة ليلى علوي والتي كرمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا
العام، غابت عن سينما 2010 وتؤكد أن أحد أبرز أسباب غيابها هو عدم وجود ما
يناسبها من سيناريوهات، فهي ترى أن أزمة السينما الحقيقية في 2010 كانت في
السيناريو بالإضافة إلى تركيز المنتجين على تقديم الأفلام الخفيفة أكثر من
غيرها، لكنها ترى أن تجارب السينما المستقلة التي بدأت تفرض نفسها عام 2010
من أكثر الظواهر السينمائية أهمية هذا العام، وتتوقع أن يزيد الاهتمام بها
العام المقبل خاصة أن هذه السينما التي يتم إنتاجها بميزانيات معقولة تجعل
المخرجين يقدمون ما يريدون بعيدا عن ضغوط وشروط شركات الإنتاج .
الخليج الإماراتية في
29/12/2010
"عراقيون في منفى متعدد ".. ومحنة الأسماء المستعارة
أمل
الجمل
"أسامينا
شو تعبو أهالينا تلاقوها.." هكذا تشدو
"فيروز" في مطلع إحدى أغنياتها والتي يستهل بها "فجر يعقوب" فيلمه
"عراقيون في منفى
متعدد الطبقات" للتكثيف من حدة ووطأة مأساة أبطاله. فعلي أرض
الواقع الذي يُعيد
ترتيبه ونسج خيوطه الدرامية بمهارة صانع الدانتيل يكشف "يعقوب" كيف أن
البعض يلجأ
مضطراً ورغماً عنه أحياناً إلى وأد اسمه الحقيقي، واستبداله بآخر مستعار
رغبة في
حماية الأهل الذين تركهم وراءه في وطنه، ثم حماية نفسه وهو في منفاه. مع
ذلك سرعان
ما يتحول هذا الاسم المنتحل إلى منفي آخر أشد قسوة ووطأة إذ
يُصبح منفى متعدد
الطبقات؛ لأن المرء فيه لن يعد فقط منفياً عن بلده وأهله، بل أيضاً منفياً
عن اسمه
الحقيقي، منفياً عن عالمه القديم، وعن ذكرياته الحميمة كأنه هارب من ماضي
ما قد
يكون أسري، أو إجتماعي، أو سياسي يُمثل بلد بأكمله.
"إنه منفى ذهني، منفي مكاني،
منفى أيديولوجي، لكن أخطر مافي هذا أن اسمك لا يصبح هو اسمك."
هكذا يحكي الشاعر
العراقي المنفي "محمد مظلوم" عن تلك الوضعية المؤلمة ضمن هذا الفيلم
الوثائقي
للمخرج والناقد السينمائي الفلسطيني المقيم بسوريا "فجر يعقوب" الذي خبر
بدوره ماذا
يعني النفى عن وطنه "فلسطين". ربما لذلك، إلى جانب أسباب فنية عديدة جاء
فيلمه على
مستوى عال من الصدق.
يتناول الشريط الوائقي ثلاثة عراقيين أمضوا معظم حياتهم
لاجئين في "سوريا" بعد أن غادروا وطنهم العراق خفية في أواخر سبعينيات
القرن
العشرين كغيرهم من آلاف اللاجئين في تلك الفترة. يرصد الفيلم خبراتهم
ومشاعرهم
الدفينة عندما يعيشوا في المنفى بأسماء مستعارة، ويتنقلوا
ويكتبوا بها. الأول هو
الشاعر "فائز العراقي" واسمه الحقيقي "ناهض حسن". ظل "ناهض" مطارداً لمدة
عامين في
"بغداد"، طوال العامين ظلت أخته الصغرى إلى جانبه، بل كانت الكائن الذي
خاطر بحياته
ووقف إلى جواره حتى الموت، وكان اسمها "فائزة"، فاختار لنفسه اسم "فائز
العراقي"،
ثم بدأ بالكتابة تحت هذا الاسم المستعار ونشر به الشعر منذ عام
1981 في جريدة "تشرين"
حتى لا يُسبب أذى لأسرته. في ذلك الوقت ظل رجال النظام العراقي يبحثون عنه
فاضطر والده، لكي يحمي عائلته، أن يُعلن أنه تبرأ من ابنه وأنه قد ذهب إلى
الحرب
العراقية الإيرانية ولا يدري هل مات أم لايزال على قيد الحياة،
وقد تأكد للابن أنه
على مدار عشرين عاماً لم يتمكن النظام العراقي السابق من تحديد هويته، وها
هو
لايزال يعيش في حلب السورية مع زوجته الفلسطينية وابنته "بابل".
أما "أبو
حالوب" - واسمه الحقيقي "لبيد" و"الحالوب" هو البرد أو حب العزيز - فهو
صاحب أشهر
اسم مستعار عاش به لأكثر من ثلاثة عقود منذ أن غادر عراقه متخفيا، ولازال
مصراً
عليه إذ لايزال عازم على استمرار منفاه، وعدم العودة إلى العراق حتى
للزيارة. نعم
"أبو حالوب" متواطيء مع غربته ولديه استعداد أن يتحمل الغربة ويشتريها
بمليون دولار
وربما أكثر، لكنه يرفض أن يعيش في العراق بوضعيته السابقة أو الحالية. يقول
"أبو
حالوب" الذي تجاوز الخمسين من العمر ويتخذ من مقهى الروضة الدمشقي مقراً
شبه دائم: "أعرف
أن مكاني هنا، ولا أشتري عودتي للعراق. العراق لن يعود إلى سابق عهده، هذا
البلد نتيجة طبيعية لهذا الخراب، إنه حلم وراح خلاص، فهو بلد
حروب وتصفيات، وانتهى
عن بكرة أبيه.. سأنتظر خمسين عاما أخرى قبل أن أقرر عودتي".
بالمقابل فإن "محمد
مظلوم" يمتلك قصة مغايرة، إذ لم يكن سياسياً محترفاً ولم يكن
ينتمي إلى تنظيم سياسي
محدد، ربما لذلك إلى جانب أسباب آخرى، رفض أن يحمل اسماً مستعاراً فقد خرج
أصلاً من
أجل اسمه الذي عاش به، ونشر به لأكثر من خمسة عشر سنة في العراق، لذا كان
إصراره
على الاسم الحقيقي كنوع من العناد، والتحدي المعكوس في أن يعزز
هذا الاسم، ربما
ليتخلص من المنفى المركب أو يُخفف من وطأته. يقول "مظلوم" كأن الوشاية هى
الاسم
المستعار، والحقيقة هى الاسم الحقيقي، لذلك كنت أخشي من الوشاية، من
استعارة الاسم،
كأنني أهرب من ماضي معين، والحقيقة أنني لم يكن لدي هذه الرغبة
في الهروب."
ذروة المأساة
ما أكثر ما رأيت في الحياة
لذا وضعت بوصلة الضياع ورحلت
وإن كان عليَّ أن أحيا مجبرا
ستجدني ذات يوم قتيلاً في الوديان
البعيدة
إنها أبيات شعرية للعراقي الراحل "آدم حاتم" الذي ما أن يبدأ رفاقه في
سرد حكايته على الشريط الوثائقي حتى يتكثف الألم الحقيقي وتصل المأساة إلى
ذروتها
وأقصد بها إشكالية العلاقة بين الاسم الجديد والاسم القديم. كان "آدم"
مشروع شاعر
مهم، بل كان واحداً من أجمل الشعراء العراقيين طيلة العقود الأخيرة.. كان -
كما
يصفه "مظلوم" - في عينيه حيرة وسؤال وشغف، كان بعينيه حيوية
وإنطفاء بذات الوقت.
حيوية فيها شراسة، وإنطفاء فيه تعب من الحياة. كان "آدم" تركيبة من اتجاهات
عدة؛
جيفاري، صوفي، واقعي، مادي، ماركسي – على حد وصف "ناهض". كان كتلة فكرية
غير
متجانسة العناصر تحولت إلى الشعرية والتعبير عنها في السلوك اليومي والشعر
الحقيقي.
كان لايقرأ كثيراً، كان ابن الحياة أكثر من المؤلفات. كان يعيش الحانة
والمقهى
والشارع ويحب كتابة القصيدة. كان شاعراً له نمطه الخاص به الذي لا يمكن أن
يتكرر.
كان قاسياً مع نفسه، يعتبر قصائده خيول برية، لا يستطيع أن يضعها في اسطبل،
لذا ترك
قصائده مبعثرة من بعده، إلى أن جمعها أصدقاء المنفى في ديوانه يحمل عنوان
"لا
أحد".
لم يعد "آدم حاتم" إلي اسمه الحقيقي "سعدون
حاتم الدارجي" إلا حينما توفي. وقتها لم يعرف كثيرون أن الاسمين لشخص واحد.
كُتب
الاسم الحقيقي في شهادة الوفاة وعلى شاهد القبور. سجل الموت نهاية للمنفى،
لكنه فتح
باباً آخر على المنفي من جديد، فذاكرة الناس لا تعرف سوى "آدم
حاتم".
وهم
العودة
بعد عام 2003، وسقوط النظام العراقي السابق، أراد البعض أن يعود إلى
اسمه الحقيقي لكن الحلم تحول إلى كابوس، وكأن وهم عودة بعض العراقيين
المنفيين إلى
أسمائهم الحقيقية أصبح يُعادل وهم العودة إلى العراق، أو وهم
العودة إلى الفردوس
المفقود. كأن خراب العراق
يُعزز خراب وفناء الاسم القديم. إذا كنت تبحث عن عراقك
فلن تجده فهناك عراق آخر لن يتعرف عليك، وإذا كنت تبحث عن اسمك
القديم فقد صار
اسماً مجهولاً لدى الناس وهناك اسم آخر ارتبط بك وبذاكرة الناس هو اسمك
المستعار،
فأيهما تختار مواصلة المنفى القديم أو البدء مع منفى آخر جديد؟!
قرر الشاعر
العراقي "فائز العراقي" بعد أكثر من ثلاثة عقود أن يعود إلى اسمه الحقيقي
"ناهض
حسن"، لكنه صار يشعر بوطأة الاسم الجديد كما لو أنه يعيش به للمرة الأولى
حتى أنه
أصبح يكتب اسميه الجديد والقديم، المستعار والحقيقي، على غلاف دواوينه
ومؤلفاته.
فيما رفض "أبو حالوب" العودة إلى اسمه الذي ولد به، لأن الاسم الذي امتلكه
في
المنفى صنع له فضاء كونياً يعرفه به العراقيون في مختلف بلدان العالم. ضاع
"لبيد"
بقوة اسم "أبو حالوب" الكوني الذي أصبح قيمة أكبر من الاسم الشخصي على
الرغم أن
الشاعر الكبير "محمد مهدي الجواهري" كتب قصيدة باسمه "لبيد"
تندرج في باب
الإخوانيات
.
تُرى هل فازوا أم خسروا أم أن الأمر ينطوي على فوز مشوب
بالخسارة؟ تلك النقطة الجوهرية أيضاً بما تنطوي عليه من مشاعر دفينه يتوغل
إليها
"فجر يعقوب" بسلاسة ويسر ووضوح، تماماً كما أجاد المزج والتضافر القوي
بانسيابية
وعذوبة بين أزمة الأشخاص ومأزق الوطن، وذلك عبر جُمل مكثفة معبرة وكاشفة
منها ما
أوجزه "محمد مظلوم" في ثلاثة صور تعبر عن تواريخ ثلاثة ظلت لا تمنحه ولا
تُثير فيه
أي شيء من الأمل، أولها في عام 1979 عندما دخل صدام إلى قاعة الإجتماعات
لكي يتهم
52
من كوادر حزبه، كان بينهم عشرين من القيادين البارزين، ليُؤدي بهم إلى
الإعدام.
الصورة الثانية حينما يسقط تمثاله فقد كان معادلاً لسقوط بغداد. هنا أصبحت
المعادلة
ظالمة برأي "مظلوم"، تماماً كما برأي كثيرين. سقوط طاغية أم احتلال
"بغداد"، أيهما
تختار؟ أما الصورة الثالثة فهى إعدام "صدام حسين". وما بين هذا وذاك اندلعت
حروب
وشهدت البلاد مزيداً من أفعال القتل والإعدام. تعبر الصور جميعها عن
الموت.. من 79
والموت موجود إعداماً وقتلاً.. وها هو "صدام" يصل إلى المآل
نفسه.
"عراقيون
في منفى متعدد الطبقات" فيلم وثائقي مدته 43 دقيقة، عمل سينمائي مفعم
بالسرد الشائق
والمؤلم في آن، تتخلله حركة كاميرا رشيقة متابينة في أحجامها ولقطاتها
وزواياها
البليغة المعبرة والكاشفة عن تعاون هارموني بين كاتب السيناريو ومخرج العمل
"فجر
يعقوب" ومدير التصوير "رائد صنديد"، فانعكس ذلك على الصورة السينمائية التي
جاءت
ثرية موسومة بالزخم، جميلة ونابضة بأدق تفاصيل حياة هؤلاء العراقيون
المنفيون
والذين احتضنهم الأراضي السورية. أكمل هذا المثلث الإبداعي
المونتير "فراس جواد"
فحقق التدفق والنعومة في الإنتقالات البصرية والسمعية.
أما مخرج هذا الشريط
الوثائقي الهام "فجر يعقوب" فهو شاعر ومخرج وناقد سينمائي لديه قدرة على
السير في
طريق حياته الصخري، حاملاً فوق أكتافه بقايا أحلام مجهضة، وآخرى مؤجلة
برحابة صدر،
دون حنق أو ضيق. يستمد وقود المسير من شعلة آمال لاتزال متأججة، من رغبات
سينمائية
تحقق بعضها ولايزال الكثير في انتظار المخاض. نجح "فجر" في
الجمع بمهارة بين
الكتابة النقدية السينمائية وبين العملية الإبداعية في الفن
السابع. إنتاجه المتنوع
يتسم بالزخم فقد حقق أفلاماً روائية قصيرة ووثائقية بلغت العشر، كما أنجز
سبعة عشر
كتاباً سينمائية ولاتزال الأحلام تمتد وتتكاثر في ليال الصيف ونهارات
الشتاء.
تخرّج "فجر يعقوب" في المعهد العالي للسينما في "بلغاريا" 1994. فأنجز
أول أفلامه "سراب" 1998، 15 دقيقة، عن قصة بذات الاسم للأديبة "كوليت خوري،
من
إنتاجه الخاص، وتمثيل كل من بسام كوسا ويارا صبري. في عامي 2003، و2004،
حقق
فيلمَين تسجيليين في بيروت هما "متاهة"، 4 دقائق، من إنتاجه الخاص، و"صورة
شمسية"، 15
دقيقة، إنتاج تلفزيون المنار ومؤسسة غسّان كنفاني. ثم أنتجت له المؤسسة
العامة
للسينما فيلم "البطريق"، 18 دقيقة، 2004، تمثيل بسام كوسا ونادين سلامة، ثم
عام 2009
شهد إنجاز فيلم "السيدة المجهولة"، 22 دقيقة، عن قصة بالاسم نفسه للأديبة
كوليت خوري، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتمثيل تاج حيدر ونادين. في
2010 أخرج "فجر"
فيلماً من تأليفه وإنتاجه الخاص بعنوان:"This
is my Casablanca..
أثر
الفراشة"، 14 دقيقة. أما فيلمه التسجيلي "عراقيون في منفى متعدد الطبقات"
فتمكن "فجر"
من إنجازه عبر إنتاج شركة "صورة" للمخرج السوري "حاتم علي".
الجزيرة الوثائقية في
29/12/2010 |