أعادها «الشوق» الى أدوار البطولة التي ابتعدت عنها قهراً أو عمداً
منذ
فيلمَي «الأبواب المغلقة» و{شمس الزناتي» وغيرهما من أعمال
تألقت من خلالها الفنانة
سوسن بدر الفائزة أخيراً بجائزة أحسن ممثلة
في مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي.
عن الجائزة ودورها في الفيلم والانتقادات التي أثيرت حوله، كان اللقاء
التالي.
·
برأيك، ما الذي يميّز فيلم
«الشوق» ليفوز بجائزة الهرم الذهبي التي غابت عن
السينما المصرية 14 عاماً؟
الروح المصرية والواقعية إحدى أهم مميزاته وأحد أهم أسباب إعجاب لجنة
التحكيم به
بغض النظر عن الجائزة التي استحقّها بجدارة.
·
قدمت دور امرأة ممسوسة من الجن،
هل تقابلت مع مثل هذه الشخصية في الحقيقة؟
بالفعل. التقيت منذ فترة طويلة بشخصية شبيهة بها، لكننا في الفيلم لم
نوضح ما
إذا كانت هذه المرأة ممسوسة فعلاً من الجن أم أنها تعاني حالة
نفسية تجعلها تصدم
رأسها في الحائط عندما تغضب.
·
ما الذي حمّسك لقبول شخصية مركبة
وصعبة بهذا الشكل؟
أهمية موضوع الفيلم والفكرة التي يتبناها وطريقة الطرح واسم المخرج
خالد الحجر،
كذلك دوري فيه فهو جديد عليّ ولم أقدمه سابقاً، على رغم أنني
خفت في البداية من
قبوله وما زلت خائفة حتى الآن من رد فعل
الجمهور، فهل سيتقبل أدائي هذه الشخصية
الذي لاقى استحسان النقاد؟
·
هل تخشين ألا يحقّق «الشوق»
نجاحاً عند عرضه، لأنه فيلم مهرجانات؟
أرفض هذا التصنيف. المهم لدي أن يكون موضوع الفيلم قريباً من الناس
وحقيقياً
وهذا ما يتوافر في «الشوق»، ثم إن الفيلم الجماهيري لا يقل
مستواه فنياً عن أفلام
المهرجانات.
·
كيف وجدت العمل مع المخرج خالد
الحجر؟
«الشوق» هو التعاون الثالث لي مع الحجر بعد «حب البنات» الذي ظهرت فيه
كضيفة شرف
و{مفيش غير كده» الذي عُرض قبل سنوات. الحجر مخرج متجدد دائماً
يُخرج من الممثل
الذي يعمل معه شيئاً مختلفاً بحسب حالة
الفيلم بدليل أنه قدّمني في «الشوق» بشكل لم
يشاهدني أحد فيه سابقاً وأخرج مني طاقة كبيرة.
·
انتُقد الفيلم بسبب زيادة جرعة
الحزن والكآبة حتى في نهايته، ما ردك؟
هذا أمر طبيعي، لأننا نحكي عن عائلة تبعث كل ظروف حياتها على الحزن،
حتى النهاية
كانت منطقية لما تمثّله شخصية «أم شوق» التي جسدتها، من
استبداد وقهر على الشخصيات
المحيطة بها.
كذلك، انتقد البعض المط والتطويل في «الشوق»، خصوصاً مشاهد الشحاذة
التي استحوذت
على جزء كبير من الفيلم.
أرى أن هذه المشاهد ليست كافية وكنت أتمنى أن يزيد عددها لنوضح حجم
المجهود
والمعاناة الذي مرّت به هذه المرأة لتجمع قدراً كبيراً من
المال، وهذا أمر لا يمكن
إيضاحه من خلال مشهد أو اثنين.
·
هل أغضبك اتهام الفيلم بتشويه
صورة مصر؟
شخصياً، أرى أننا قدّمنا صورة واقعية لأسرة فقيرة في الشارع المصري
تمر بمعاناة
حقيقية، ثم ليس عيباً أن نعرض واقعنا ونقترب منه.
ما تعليقك على مقارنة دورك في «الشوق» بالأدوار التي قدمتها في
مسلسلَي «الحارة»
و{الرحايا»؟
أحترم كلام النقاد لكني أترك الحكم للجمهور عندما يشاهد الفيلم، فكل
عمل حالة
مختلفة والشخصيات الثلاث التي أديتها بعيدة عن بعضها شكلاً
ومضموناً. باختصار، لا
مجال للمقارنة.
·
ما سبب اهتمامك أخيراً بأدوار
المرأة الشعبية والفقيرة؟
لإيماني بالعبء الواقع على المرأه التي تعيش في الطبقة الشعبية، من ثم
لا بد من
أن تأخذ مساحة من الدراما توضح مدى معاناتها، لأنها موجودة
بيننا وعلينا الاهتمام
بها.
·
تردّد أن سبب عدم حضور روبي عرض
الفيلم في المهرجان هو علمها بأن دورك سيخطف
الأضواء ما سيؤثر على وجودها، فما ردّك؟
هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وكل ما حدث أن روبي كانت مريضة فلم
تتمكن من
الحضور. علاقتي بروبي جيدة جداً، فهي بمكانة ابنتي وممثلة لها
ثقل وحضور وعمق. كل
الأدوار في الفيلم كانت مهمة وليس دوري
فحسب.
·
هل أزعجك الهجوم على الفيلم قبل
عرضه؟
بالتأكيد، لأنه لا يصح الحكم على عمل فني لم يشاهَد بعد، لذلك لا
ألتفت الى تلك
الآراء لعدم مصداقيتها.
·
لماذا حصرت نفسك في الأدوار
الثانية طوال الفترة الماضية؟
عندما يُعرض عليّ دور جيد لا يمكن أن أرفضه لمجرد انتظاري دور بطولة،
فأنا أعشق
الفن ويغريني أي دور جيد حتى لو كانت مساحته قليلة.
·
ماذا عن فيلمَي «الوتر» و{678»؟
أعتبرهما تجربتين مهمتين، أقدّم خلالهما دور الأم لكن بشكل مختلف
تماماً، ففي
«678»
أجسد شخصية أم شرسة تدافع عن بناتها بكل ما تملك
من قوة، أما في «الوتر»
فأؤدي دور أم سلبية لا تستطيع الدفاع عن أولادها.
الجريدة الكويتية في
27/12/2010
في الـ 2010...
استمرار القرصنة ونجاح السينما
المستقلة
فايزة هنداوي
السينما المصرية في عام 2010 سينما الأزمات، إذ أنتجت أفلاماً قليلة،
بعضها
جيد وبعضها الآخر رديء، وتجارب جديدة شقّت طريقها بصعوبة وسط سيطرة الأفلام
التجارية أبرزها «السينما المستقلة»... هكذا يمكن وصف السينما في 2010 التي
يراها
النقاد مليئة بسلبيات كثيرة وإيجابيات قليلة.
سيطرت قلة الإنتاج على السينما المصرية خلال عام 2010 برأي الناقد
مجدي الطيب،
إذ لم يتجاوز عدد الأعمال 27 فيلماً، والسبب، بحسب الطيب، تراجع القنوات
الفضائية
عن المشاركة في الإنتاج بعد الأزمة العالمية، ما يؤكد ضرورة أن تعتمد صناعة
السينما
في مصر على نفسها عبر تخفيض تكاليف الإنتاج وأجور الفنانين،
بالإضافة إلى عدم ظهور
مبدعين جدد في مجال الإخراج على عكس السنوات السابقة التي أفرزت وجوهاً
جديدة في
المجالات كافة.
إلا أن الأمر لم يخلُ من الإيجابيات، يؤكد الطيب، من بينها أن السينما
المستقلة
تزداد قوة عاماً تلو آخر وقد أسست لتيار جديد سيغير شكل الخارطة السينمائية
في مصر
في السنوات المقبلة، على غرار ما حدث في الثمانينيات عند ظهور الواقعية
الجديدة مع
مخرجين كبار أمثال خيري بشارة وداود عبد السيد وعاطف الطيب.
استقلالية
يتفق الناقد ياقوت الديب مع الطيّب بأن السينما المستقلة إحدى أهم
الظواهر
الإيجابية التي شهدتها السينما المصرية خلال عام 2010، واصفاً إياها بسينما
الأمل
التي تتناسب مع تاريخ السينما المصرية العريقة، لا سيما أن المخرجين الشباب
اقتحموا
عالم السينما بجرأة وحرفية تحسب لهم، وصمدت أفلامهم، التي أنتجت بتقنية
الديجيتال،
أمام أفلام رصدت لها موازنات ضخمة، وهي غالباً أفلام تجارية لم ترتقِ إلى
السينما
الجادة.
الظاهرة الإيجابية الثانية التي شهدتها السينما المصرية هذا العام،
برأي ديب،
تتمثل في اتخاذ قرار إنشاء «السينماتيك» المصري وأرشيف السينما.
أما أبرز الظواهر السلبية فيحددها ديب بهجرة نجوم السينما الكبار إلى
الدراما
التلفزيونية للحصول على ملايين التلفزيون والتضحية بالسينما مقابل هذه
الأجور
المبالغ فيها، إضافة إلى القرصنة التي تهدد صناعة السينما والموسم
السينمائي القصير
والمهتز الذي اتسم بالعشوائية، ما أثر على الإيرادات سلباً
بشكل كبير.
تجارب مهمة
بدوره، يرى المخرج هاشم النحاس أن أهم ما يميز سينما 2010 هو إلقاء
الضوء على
السينما المستقلة باعتبارها مستقبل السينما المصرية، مشيراً إلى أن التجارب
المهمة
التي قدَّمها المخرجون الشباب أمثال أحمد عبد الله وابراهيم البطوط أعادت
الحيوية
إلى السينما المصرية، «لذا لا بد لهذا التيار من أن يبتدع
سوقاً مختلفة وجمهوراً
مغايراً في السنوات المقبلة لأنه لا يعتمد على الكلفة العالية في تجاربه
التي تحلق
بعيداً عن حسابات الربح والخسارة» على حدّ تعبيره.
يضيف النحاس أن الجمهور يقبل على هذه الأفلام عندما تتاح له مشاهدتها،
لكن لا
يعني ذلك اختفاء السينما التقليدية، وهذا التنوع يصبّ في صالح الصناعة
والإبداع.
يتابع النحاس أن السينما المصرية سجلت في الـ2010 حضوراً مميزاً في
المهرجانات
العربية وانتزعت أرفع الجوائز العربية، ما يدعو إلى التفاؤل بشأن مستقبلها.
مقاولات
لا يشارك السيناريست بشير الديك النحاس هذا التفاؤل، لأن السينما
المصرية أنتجت 27
فيلماً فقط خلال عام 2010، لا يرقى منها إلى المستوى الجيد سوى أربعة
أفلام، ما
يؤكد، برأيه، أن السينما المصرية في تراجع، فيما استمرار السينما الجديدة
أو
المستقلة مرهون بالسوق الذي يتحكم به موزعون أقوياء، بالإضافة
إلى عدم إقبال
الجمهور على هذه التجارب لأنه محبط سياسياً واجتماعياً ولا يبحث عن السينما
الجادة.
من جهته، يعتبر الناقد يعقوب وهبي أن السينما المصرية تشهد تراجعاً
والدليل
العودة إلى ما يسمى «سينما المقاولات»، وهي أفلام تكاليفها ضئيلة ولا تحمل
أي مضمون
لكنها تحفل بالإثارة، إضافة إلى عدم تقديم الجيل الجديد من المخرجين تجارب
متميزة.
الاحتكار أيضاً إحدى الظواهر السلبية، برأي وهبي، إذ انحصر الإنتاج
السينمائي
والتوزيع بشركتين أو ثلاث شركات كبيرة، وهذا ما يعتبر أحد عوامل هدم
السينما.
يضيف وهبي: «شهدت السينما تراجعاً في الإيرادات بسبب هجر الجمهور لها
لعدم رضاه
عن مستوى الأفلام، كذلك تراجع إنتاج السينما المصرية من 85 فيلماً في
الثمانينيات
إلى 27 فيلماً في الـ 2010 بفعل الأزمات المالية وانحسار رأس المال الأجنبي
وغياب
الدعم الرسمي».
قلة إنتاج
أما المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي فيرى أنه على رغم قلة إنتاج
السينما المصرية
خلال عام 2010، إلا أن نسبة كبيرة من هذه الأفلام كانت مميزة، إضافة إلى أن
السينما
تنوعت وابتعدت عن النمطية والتقليد الذي كان سائداً في السنوات السابقة.
في المقابل، يرى رئيس غرفة صناعة السينما منيب الشافعي أن السينما لم
تكن مبشرة
في الـ 2010، والدليل قلة الإنتاج بسبب ارتفاع أجور النجوم، مشيراً إلى أن
غرفة
صناعة السينما حاربت لإعطاء الفرصة للوجوه الجديدة، إلا أن هذا الأمر لم
يحدث.
الجريدة الكويتية في
27/12/2010
678
معالجة جادة للتحرش الجنسي
محمد بدر الدين
«678» (أو ستة. سبعة. ثمانية) أول فيلم في السينما المصرية يناقش
ظاهرة التحرش
الجنسي بجدية، وهو من تأليف محمد دياب وإخراجه في أول تجربة
إخراجية له، لكنه سبق
أن كتب: «أحلام حقيقية»، «بدل فاقد»،
«الجزيرة»، و«ألف مبروك».
تعبّر هذه الأفلام عن جدية دياب كسينمائي وتفسر لماذا جاء تناوله
لظاهرة التحرش
الجنسي في «678» أقرب إلى «تحقيق» أو نقاش بعيد عن الاستخفاف
وعن تقديم مواقف أو
مشاهد جنس أو عري، وكان يمكن أن يفعل ذلك
بحجة ضرورات العمل الفنية والدرامية
الحتمية.
لكن هدف دياب لم يكن تقديم فيلم تجاري مثير، إنما إنتاج عمل يدعو إلى
التأمل
ويثير حواراً، وقد نجح في هدفه إلى حد كبير إلى جانب العناية
الفنية التي تحققت
بفضل: تصوير أحمد جبر، مونتاج عمرو صلاح،
ديكور علي حسام، موسيقى هاني عادل،
الإجادة في أداء الأدوار لا سيما بشرى
وماجد كدواني اللذين استحقا بجدارة جائزتي
أحسن ممثلة وممثل في مهرجان دبي السينمائي الأخير.
ركزت الأدوار الأساسية على ثلاثة نماذج نسائية: «صبا» (نيللي كريم)، «فايزة»
(بشرى)، «نيللي» (نودي السباعي)، تعرضن لحالات من التحرش الجنسي
بقي أذاها يلاحقهن
نفسياً وروحياً. وقد اختلفت ردود فعل
المقربين منهن وتنوعت التفاصيل الدقيقة لكل
حالة، على رغم قسوة الإحساس الذي هو القاسم المشترك بينهن.
صدمت صبا، بعد التحرش الذي تعرضت له، بموقف زوجها (أحمد الفيشاوي)
الذي ابتعد
عنها لبعض الوقت وعانى آلامه وحيداً، وعندما عاد بادرته إلى
القول: «احتجت إليك
وأردتك إلى جانبي ولم أجدك... لا أريدك
الآن». أصرت على الطلاق وأسست تجمعاً صغيراً
يستضيف نساء تعرضن للانتهاك والتحرش، لتنصحهن ويتبادلن الاستفادة بينهن.
أما «فايزة» فوصل ألمها النفسي من التحرش الذي تعرضت له إلى حدّ أنها
باتت غير
قادرة على الاقتراب من زوجها (باسم سمرة)، ما سبب له مشكلة
قاسية، وباتت تدمّي من
يحاول التحرش بها في أي مكان مزدحم أو في
«الأتوبيس 678» الذي أطلق كعنوان للفيلم
وبدأت فيه أول لقطة في أول مشهد.
اتخذت «نيللي» موقفاً إيجابياً وأبلغت الشرطة وظهرت على شاشة
التلفزيون وتحدثت
عن واقعة التحرش التي تعرضت لها وعن
إصرارها على إثارة القضية إلى النهاية في
برنامج «90 دقيقة» (أدى مقدمه معتز الدمرداش المشهد في الفيلم)، لكنها
أصيبت بخيبة
أمل، فعلى رغم موافقة خطيبها على موقفها الإيجابي ومؤازرته لها، إلا أن
عائلته
وعائلتها لا سيما والدتها (سوسن بدر) حاولوا ثنيها عن الاستمرار حفاظاً على
السمعة
في نظرهم.
إلى جانب تجسيد النماذج النسائية الثلاثة، يهتمّ الفيلم بتقديم ضابط
الشرطة
(ماجد الكدواني الذي أدى دوره ببراعة ودقة)، في تفاصيل حياته
العملية والأسرية
ومعاملته الرصينة للنساء الثلاث وتفهمه
لمدى العنف الذي لجأن إليه، خصوصاً فايزة في
البداية ثم صبا لاحقاً.
ضمن مناقشة الفيلم لظاهرة التحرش الجنسي، تتهم فايزة في أحد المشاهد
صبا، بأنها
لا ترتدي مثلها ملابس محافظة (أي الزي الإسلامي وما يطلق عليه
الحجاب)، فتقول لها
صبا: «كانت البنات في إحدى المراحل يرتدين
فساتين قصيرة ومع ذلك لم يتعرض لهن أحد»،
فترد فايزة: «لأن الشباب كانوا يستطيعون
الزواج!» مع ذلك لم تسلم فايزة، على رغم
ارتدائها الزي المحتشم الذي تطالب صبا بارتدائه، من جرم التحرش بها، فتعتذر
في مشهد
لاحق عن منطقها وعن الرأي الخاطئ الذي ذهبت إليه.
يفتح فيلم «678» باباً لنقاش حقيقي حول ظاهرة قائمة ولها أسبابها
ودواعي
استمرارها للأسف، لذا لا ينبغي التعامل معها تعامل النعام أو
يقال إن التعرض لها قد
يسيء إلى سمعة بلد.
ومن عناصر القوة في الفيلم، أن مؤلفه ومخرجه هو الذي يطرح القضية
بوضوح وتركيز
عاليين، فهي ليست إحدى شكاوى المرأة فحسب إنما إحدى أبرز
القضايا التي تهدد كيان
المجتمع ككل.
الجريدة الكويتية في
27/12/2010 |