شارلي شابلن اسم كبير في تاريخ السينما وتاريخ الفن عموما وعندما يكتب عنه
من
بعدحلول قرن جديد غير هذا الذي شهد مجده يكون العبء ثقيلا فما هو الجديد
الذي سيكتب
عن هذا العملاق بعد أن صدرت عنه وعن حياته العديد من الكتب وصنع عنه العديد
من الأفلام, علي
الرغم من كل ذلك.. فان الأجيال الجديدة
لا تعرف الكثير وبالتالي عن أفلامه. ومن
أجل الكتابة عن شابلن, يجب أن تكون هناك مفاضلة وانتقاء, نظرا لان حياة
هذا
الفنان العملاق كانت بنفس الثراء والتنوع الذي كانت عليه
أعماله, وبالتالي فان
سرد تفاصيل حياته يعد في حد ذاته رواية أدبية متكاملة العناصر
تحتوي علي القصص
الغرامية والمكائد العاطفية وكذلك علي
المواقف السياسية والكثير من معارك النضال ضد
قوي القهر والطغيان, ومن هنا فان الخوض فيها قد يتطلب كتابا وليس مقالا
لذا فنحن
نري انه من الأفضل التركيز علي أعماله ونحن نحتفل بمرور اثنين وثلاثين عاما
علي
وفاة هذا العملاق الكبير.
من النقاط المهمة التي نود أن نشير إليها في حياة
شابلن الخاصة.. ذلك الجزء المتعلق
بكتابته لمذكراته, والتي تشمل كتابي رحلاتي
ـ1923 وقصة حياتي ـ1961 حيث يجمع الكثيرون علي أن شابلن لجأ إلي قاعدة
أفلام
الوسترن الشهيرة التي تقول: إذا كانت الأسطورة أكثر مصداقية من
الحقيقة, فعلينا
ترديد الأسطورة ونسيان الحقيقة.. وبالتالي فهناك العديد من المواقف
الواردة
في مذكرات شابلن.. تتنافي مع الحقيقة, وكتبت بقدر كبير من الخيال
السينمائي,
وهو ما لم يكن ينقص شابلن.
من أهم تلك النقاط إصراره علي انه من أصل فرنسي,
وهو مالم يثبت تاريخيا, ولكن شهرته
الكبيرة في فرنسا جعلته يلجأ إلي هذا
الادعاء, كما أن شابلن لم يذكر واقعة
طرده للممثل هنري كليف ـ وهو صديق له تعاون
معه في معظم أفلامه السابقة ـ لرفضه الوثوب في مياه النهر الساعة الثالثة
صباحا
أثناء تصوير فيلم أضواء المدينة لأنه كان مصابا بالتهاب رئوي كما أن شابلن
يدعي أنه
ابتكر شخصية شارلو من ثاني فيلم شارك في تمثيله مع شركة ماك سينت وذلك
بابتكاره زيه
الشهير( قبعة مولون دائرية ـ ينطلون واسع ـ جاكت ضيق ـ حذاء كبير جدا..
وعصاه
الشهيرة).
ولكن الحقيقة مختلفة فقد قدم شابلن أكثر من ثلاثين شخصية في
استوديوهات ماك سينت قبل أن يقدم شخصية
المتشرد في فيلم يحمل نفس الاسم وقبل ذلك
لعب الكثير من الشخصيات ومنها رب العائلة.. بل قام بدور امرأة.
بعد نجاح
شخصية المتشرد ـ ولم يكن نجاحا مقصورا علي السينما بل امتد لقصص الأطفال
المصورة
وغيرها من المطبوعات ـ حافظ شابلن علي تلك الشخصية إلا إنه تركها في بعض
الأفلام
بعد ذلك مثل أدائه شخصية دون خوزيه في فيلم كارمن المأخوذ عن الأوبرا
الشهيرة, أو
عند قيامه بأداء شخصيتين مختلفتين في ليلة في الاستعراض.
نسج شابلن العديد من
الحكايات الطريفة حول نفسه من اشهرها تقدمه لمسابقة تقليد شخصية شارلو
وحصوله علي
المركز الثالث وكل هذا بالطبع لا يقلل من قيمة مذكرات شابلن في التعرف علي
مسار
حياته. القضية الثانية التي يجب أن نتطرق إليها. تتعلق بيهودية شابلن
حيث اجمع
الكثيرون علي انه يهودي, ولا علاقة لذلك بتمجيد أعماله لليهود من عدمه
لان تلك
مسألة تدخل في نطاق وجهة النظر واختلاف الرؤي فمثلا ظهور رجال الدين
اليهودي في
فيلم( المهاجر), يري البعض انه تمجيد لليهود في حين يري البعض الآخر
انه سخرية
من تزمتهم. كما أن الفيلم الذي دمغ شابلن بصفة المدافع عن اليهود هو
فيلم(
الديكتاتور).. جاء في وقت لم يكن فيه اليهود هؤلاء الطغاة المغتصبين
لأراضي
فلسطين تحت الدعاوي الصهيونية بل مجرد فريق من الفرق التي القي بها في
محرقة اضطهاد
هتلر مثل الغجر والشيوعيين, والخطاب الأخير في فيلم( الديكتاتور)
يوضح أن
شابلن كان يدافع عن كل الأجناس المضطهدة من بيض وسود وان اليهود لم يكونوا
المقصودين بمفردهم. بالاضافة إلي أن فيلم الديكتاتور ذكر ضمن أحداثه
واقعة لم
يجرؤ أي عمل أخر علي تناولها( ذكرت الواقعة الفعلية بعد ذلك في كتاب
روجيه
جارودي- أساطير الصهيونية) وهي عن تعاون رجال المال والاعمال اليهود مع
هتلر
ورغبته في الاستفادة من نفوذهم, وعند ظهور أول بادرة خلاف, عاد هتلر من
جديد
للانقلاب عليهم, وهو الشيء الذي لا يجرؤ احد علي إعلانه اليوم دون أن
يقابل بسيل
من الهجوم والعداء قد يصل إلي حد السجن.. وحالة روجيه جارودي نفسه خير
مثال.
اما موقف شارلي من إسرائيل, فمرجعنا فيه الحديث الذي أدلي به وذكر في
كتاب كامل التلمساني عزيزي شارلي, والذي يقول فيه أن الدولة التي يقوم
كيانها علي
دعوة عنصرية دينية.. لا يمكن لها أن تعيش ولا يمكن لها البقاء لقد أقام
الاستعمار
اسرائيل لتصبح قاعدة في الشرق الأوسط يضرب منها شعوب هذه المنطقة كلما
أرادت الثورة
عليه أو الاستقلال عنه( كامل التلمساني ـ عزيزي شارلي ـ مطبعة المعرفة
ـ1958 ـ
ص251).
أما عن أصل شابلن فأمه ليست يهودية بل كانت تقضي معظم وقتها في زيارة
الكنائس ولا يمكن لامرأة يهودية أن تتفاني في زيارة الكنائس مثلما كانت
تفعل أمه
هانا.. وحتي لو كانت يهودية الأصل وتحولت عن اليهودية فان شابلن لم ينل
أي تعاليم
يهودية في حياته, وقد كان عضوا في نادي اتليتيك الذي لم يكن يسمح بدخول
أي يهودي
مهما كان شأنه وهذا ما ذكره المنتج الهوليودي زانوك في مذكراته.. الأمر
وما فيه
انه في بداية حياته ظن الكثيرون في هوليوود انه يهودي ولم يعترض هو علي ذلك
حيث كان
اغلب منتجي هوليوود من اليهود, وبالتالي كان من مصلحته أن يظنوه يهوديا
فعلا..
ومن هنا جاءت معلومة أن شابلن يهودي, بالطبع موقفه هذا به نوع من
الانتهازية,
ولكن كل منا يعرف مدي سيطرة اليهود علي هوليوود.
الأهرام المسائي في
09/12/2010
خواطر سينمائية
في ذكري العملاق
المتشرد.. شارلو 3 ـ 5
يكتبها : ضياء حسني
ومع فيلم المهاجر يدخل شابلن رويدا رويدا في إطار روح الفيلم الدرامي
الطويل,
حيث يشيد بناءه الدرامي من تتعدد المشاهد المدروسة من ناحية
الديكور والسرد
الدرامي, فالمشاهد الأولي تدور داخل سفينة للمهاجرين ترسو علي شواطيء
امريكا حاملة معها الوارد
الجديد من الموعودين وهنا يذهب شابلن في نقده الاجتماعي إلي مراحل ابعد حيث
يظهر علامات البؤس علي وجوه المهاجرين المكدسين كالغنم داخل المركب
ويتجرأ ويجعل شخصية شارلو تعطي ضابط البوليس ركلة في مؤخرته
جزاء له علي
معاملته السيئة للمهاجرين وهو ما اعتبر نوعا من الفوضوية وإهانة
السلطات.
الفيلم يحتوي علي نوع من الخدع الطليعية في ذلك الوقت حيث ثبت شارلو
بندولا علي وجه الكاميرا ليعطي الاحساس باهتزاز المركب كما ان
الكاميرا نفسها ثبتت
علي لوح متحرك, وديكور مطعم السفينة صمم علي كرات متحركة.
شخصيات شابلن ردت
علي روح الغضب التي كانت تسيطر علي شباب ذلك الوقت فقد عشقت الطبقات
العاملة
والمثقفون اليساريون نماذج شخصياته الهامشية التي كانت دائما
ضد النمط السائد
والروح البرجوازية التي اعلت السينما من شأنها وذلك حتي في ادواره التي قدم
فيها
شخصيات برجوازية.. سخر منها ومن نمط حياتها فلم يتوقف شابلن عن ان يكون
رمزا
للثورة وعدم الخضوع للقانون السائد ومن هنا كان الحب للطبقات
العاملة وكره
البرجوازية الأعمي له, والذي وضح مع حملات صحف المليونير هيرست ضده,
فقد كان
يصنع السينما الضد.
انتقل شابلن للعمل مع شركة فيرست ناشيونال ليقدم في
عام1918 فيلم حياة كلب ويلعب مرة أخري شخصية المتشرد, حيث يراكم عناصر
الشخصية
و مواقفه الصعبة في الحياة, التي يتكرر معظمها في أفلامه التالية, ومن
أهمها
الهروب من رجل الشرطة الذي يقدم كرمز لبطش السلطة.
شارلو ليس وحيدا هنا, بل
برفقة كلب عثر عليه ويتبعه مثل ظله, وهو ما لا يحدث الانادرا فبعد هذا
الفيلم
بسنتين قدم فيلم الصبي حيث يستبدل الكلب بصبي صغير, ولكن
الجديد كان ان يعطي احد
المخرجين لأول مرة دورا كبيرا لحيوان في فيلمه.
الفيلم ايضا ملئ بالعديد من
التيمات التي جعلت من شابلن ملك الكوميديا الاجتماعية مثال.. المتشرد
الذي ينقذ
فتاة بريئة من الفقر او المتشرد الذي لا يلقي بالا للقواعد
القاسية للمجتمع الطبقي
فنجده يدخل مطاعم فخمة وكباريهات وهو لا يملك اي نقود بمنظره المثير
للضحك.
حياة كلب كان أول خطوة لشابلن نحو الأفلام الطويلة والفيلم يحتوي ايضا
علي اسكتشات كوميدية طريفة صممها شابلن, منها مغامراته امام
شبابيك تسجيل
المتعطلين في مكتب الباحثين عن عمل فالبؤس عنده دعوة للضحك وليس للحزن
والمأساة.
في عام1918 كانت الحرب العالمية الأولي توشك علي نهايتها وهي
الحرب التي عرفت باسم المجزرة الجماعية يخرج شابلن بمفاجأة..
فيلمه كتفا سلاح
الذي يسخر فيه من حياة الخنادق علي الجبهة حيث نري القذائف تتساقط كالمطر
والمطر
نفسه يملأ الخنادق فتتحول إلي حمام سباحة وعندما يتلقي البطل هدية الصليب
الأحمر
الفرنسي تكون عبارة عن قرص من جبنة الكامو مبير الفرنسية الشهيرة برائحتها
العطنة
يضع قناع الغازات علي وجهة ويلقي بها علي الاعداء وكأنها قنبلة
غاز(!) ليقدم لنا
صورة ضاحكة عن أهوال الحرب دون اي شائبة ميلودراما مأساوية لابتزاز
المشاعر.
وكان هذا الفيلم اول خطوة لشابلن نحو السياسة حتي لو كانت
غيرمباشرة, وان كان سبق ذلك فيلم دعائي لصالح جهود الحرب
بعنوان الرباط نري فيه
شخصية المتشرد شارلو وهو يختبيء حاملا في يده مطرقة كبيرة يحاول ان يضرب
بها قيصر
ألمانيا علي رأسه من الخلف.
وبعد العديد من الأفلام يعود شابلن ليقدم رواية
تاريخية, فكانت رواية الكسندر دوماس الرجل ذو القناع الحديدي ولكن بشكل
كوميدي
ساخر, نري فيه دارتنيان رابع الفرسان الثلاثة شخصا متزوجا تضربه زوجته.
أما
فيلم شابلن مع فيرست ناشيونال( الصبي1921) فهو أول أفلامه الطويلة,
وأول
أفلامه التي رصدت لها ميزانية كبيرة صور بها العديد من أمتار
الشرائط ثم اختصر
الفيلم إلي ست علب أفلام فقط.
نحن مع الصبي لسنا أمام احد أفلام شابلن
الكوميدية, ولكننا امام كوميديا عاطفية تميل نحو الميلودراما في بعض
اجزائها,
فـشارلو يعثر علي طفل صغير تركته أمه في عربة سرقها لصوص ثم تخلصوا من
الطفل,
ويربي شارلو الطفل إلي ان تنتزعه منه الحكومة, ولكن تأتي
النهاية سعيدة, حيث
يعود الطفل إلي أمه التي تقع في حب شارلو.
مع هذا الفيلم يسلك شابلن طريق
الميلودراما الذي شقه جريفيث من قبل, وذلك رغبة منه في أن يؤخذ فيلمه
بجدية
اكثر, أعجب الجمهور بفيلم الصبي لانهم شاهدوا شارلو نجمهم الكوميدي
المحبوب في
دور ذي ابعاد شديدة العاطفية, فكان شديد التأثير.
أخر أفلام شابلن مع
ناشيونال كان فيلم الحاج(1923) هنا يتقمص شخصية سجين هارب من السجن عبر
نفق تحت
الأرض يسرق ثوب راهب ليتخفي به من أعين مطارديه, ويدخل إلي قرية صغيرة
يعتقد
اهلها انه قسيس حقيقي, فيطلبون منه قيادة القداس, ويقيم مع
اسرة ريفية مكونة من
أب عجوز وصبي صغير وفتاة شابة يقع في حبها.
تتعدد المغامرات وينتهي الأمر
بشابلن إلي أن يضعه ضابط بوليس البلدة علي الحدود المسكسيكية بعد اكتشاف
امره
ويركله بقدمه فيعبر الحدود إلي المكسيك ولكنه يواجه هجوما من العصابات
المكسيكية
فيضطر للعودة مرة أخري ولكنه يواجه ضباط البوليس الامريكي
فيجري علي خط الحدود:
قدما داخل امريكا وأخري في المكسيك.
الفيلم من آخر افلام شابلن القصيرة, وهو
ملئ بالمواقف الكوميدية كمعظم افلامه كما انه وصف واقعي الحياة القرية
الصغيرة في
الجنوب الامريكي واسرها حيث الصبي الشقي عديم التربية والعجوز السكير الذي
يخفي
الخمر في ملابسه.. الخ.
شابلن هنا يلعب شخصية مركبة, فهو لص في ملابس رجل
دين( البطل يتصور ان رواد الكنيسة التي يقيم فيها القداس هم المحلفون
الذين
ادانوه), أثار الفيلم غضب الكثيرين من سكان ولايات الجنوب حتي انه منع من
العرض
في ولاية بنسلفانيا وبالذات مشهد شابلن بعد إلقاء القداس عندما
يعود عدة مرات لتحية
جمهور. الكنيسة وكأنه ممثل كان يؤدي دورا مسرحيا وليس قسيسا يعظ.
أول أفلام
شابلن مع شركة يوناتيد ارتستس التي انشأها بالاشتراك مع ماري بيكفورد
ودوجلاس
فيربانكس وجريفيث كان تجربة غريبة من نوعها وهو فيلم امرأة من
باريس(1923) الذي
كتبه شابلن واخرجه دون ان يمثل فيه ولكن ليست تلك النقطة التي نتوقف عندها
فالشيء
المتفرد في ذلك العمل انه ليس فيلما كوميديا, فهو العمل التراجيدي الوحيد
الذي
قدمه شابلن حيث يحكي قصة حب تنتهي بانتحار الحبيب ودخول
الحبيبة الدير في بناء
درامي مأساوي شديد الميلودرامية.
هذا العمل كلاسيكي البناء محكم العناصر اراد
به شابلن ان يعلن عن نفسه كمخرج كبير مثل جريفيث, ونجح من خلال هذه
الميلودراما
بالرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريا.
الأهرام المسائي في
09/12/2010
خواطر سينمائية
في ذكري العملاق
المتشرد.... شارلو4 ـــ5
يكتبها : ضياء حسني
يعد فيلم شابلن امرأة من باريس عملا كلاسيكي البناء محكم العناصر أراد به
شابلن
إن يعلن عن نفس ه كمخرج كبير مثل جريفيث, ونجح من خلال هذه
الميلودراما بالرغم من
عدم نجاح الفيلم جماهيريا
ترك شابلن تلك النوعية من الأفلام وعاد مسرعا إلي شخصية شارلو من خلال فيلم
حمي الذهب(1925) وهو مليء بإبداعات شابلن في تصميم المشاهد الكوميدية
ونتذكر منها
طهيه لحذاء قديم علي انه قطعة من اللحم لإطعام زملائه الجائعين
وتناوله لمسامير نعل
الحذاء كأنها أشواك السمك.. وكذلك مشهد انتظاره للفتاة علي العشاء حيث
يغرس
شوكتين في رغيفين من العيش ليحركهما كأنهما أقدام راقص والجوع الذي يدفع
صديق شابلن
الي تخيله وكأنه دجاجة.
اما مشهد المنزل الخشبي الذي تحمله العاصفة إلي
المنحدر فقد صممت له داخل الأستوديو جدران وحوائط ذات مفصلات, وابتدع
شابلن في
هذا الفيلم لأول مرة في تاريخ السينما لقطة عمق المجال حيث نشاهد شارلو يقف
أمام
باب الحانة في نفس الوقت الذي نشاهد فيه تفاصيل الحانة من
الداخل بوضوح
شديد.
مع
فيلم السيرك(1928) ظهر الصوت في السينما ولكن شابلن يرفض هذا
الاختراع الجديد الذي يقتل فن السينما, ويقدم لنا شخصية شارلو في فيلم
هزلي دون
أي خلفية اجتماعية, بل داخل عالم جديد هو عالم السيرك وهذا
هو تحدي شابلن: أن
يصنع كوميديا تفوق كوميديا السيرك و مهرجيه, بلمحة عاطفية, حيث نري
شارلو يترك
حبيبته التي طالما دافع عنها ضد ظلم أبيها مدير السيرك لترحل مع من أحبت
ويظل هو
وحيدا متشردا. فيلم أضواء المدينة قدمه شابلن في عام1931
كان الصوت قد دخل
السينما منذ أربع سنوات وبدأت هوليوود تتجه نحو الصوت وتكنيك تسجيله,
ولكن شابلن
لم يعترف بهذا الاختراع الجديد, فقد كان يري ان السينما تحط من فنيتها
عندما تصرح
بشكل مباشر بمضمونها, لذا فقد قرر الاستمرار في صناعة أفلامه
الصامتة.
الفيلم يستمر في تعميق تلك اللمسة الميلودرامية التي بدأت مع فيلم
الصبي حيث نري المتشرد شارلو هائما كعادته في الشوارع دون هدف
يخرج من تحت غطاء من
القماش يكسو تمثالا عبارة عن نصب تذكاري للرخاء والرفاهية التي تعيشها
البلدة فبعد
أن يلقي العمدة خطبة عصماء حول ازهي اللحظات التي تمر بها البلدة, والتي
أقاموا
هذا النصب التذكاري تخليدا لها يسحب الستار عن النصب معلنا
افتتاحه رسميا لنجد
شابلن ينام عند قاعدة النصب بملابسه الشهيرة وحذائه المليء بالثقوب في رمز
واضح
لكذب دعاوي الازدهار والرخاء تلك.
مع شارلو في أضواء المدينة شخصيتان
رئيسيتان: فتاة عمياء يقع في حبها عندما يراها وهي تبيع الزهور في الشارع
ومليونير غريب الأطوار ينقذه عندما يحاول الانتحار عن طريق ربط حجر ثقيل في
رقبته
وإلقاء نفسه في أعماق النهر ليصبحا صديقين حميمين بعد ذلك
ويصطحب المليونير شابلن
معه إلي قصره الكبير, ولكن هناك مشكلة تتمثل في أن هذا المليونير يكون
شديد الود
مع شارلو عندما يكون سكرانا فقط فبمجرد أن يفيق من تأثير الخمر.. يتنكر
له بل
ويبلغ عنه البوليس!
وتستمر أحداث الفيلم عبر تلك العلاقة الغريبة بين شابلن
وهذا المليونير البائس الذي يصبح صديقا له بعد تناول الشرب وعدوا بعد ان
يفيق,
وكذلك من خلال عطف شابلن علي تلك الفتاة العمياء التي يقدم لها النقود لكي
تجري
عملية جراحية تستعيد فيها النظر.
استخدم شابلن في التصوير فيلما خاما بما
يوازي100 مرة حجم الفيلم في شكله النهائي وقد تم تصويره في ثلاث سنوات في
الفترة
بين اول عام1928 ونهاية عام1930, وتوقف التصوير عدة مرات, بل أن مشهد
أول
لقاء بين شابلن و الفتاة العمياء استغرق تصويره في صورته
النهائية ستة اشهر, فقد
كان شابلن يبحث عن مخرج يمكنه من جعل الفتاة العمياء تعتقد أن شارلو رجل
غني دون أن
تراه بالطبع ودون استخدام شريط الصوت.. ولم يصل إلي الحل إلا في
سبتمبر1930
بعد534 يوما من التصوير ـ منها166 يوما للإعداد مع الفريق ـ شابلن لم
يلجأ
إلي البحث العميق في واقع شخصيتي الفيلم الفتاة العمياء و
المليونير, ولكنه غير
علاقته بهاتين الشخصيتين اللتين لا تلتقيان أبدا طوال الفيلم.. ليرسم من
وجهة
نظره العلاقة بين عالم الفقراء والمهمشين و عالم الأثرياء.
كل هذا تم ربطه
بخيط ميلودرامي لعب دور اللحن الرئيسي في الفيلم أوجد له التماسك الداخلي
هذا الخيط
بدأه شابلن مع فيلمه الطويل الأول الصبي.
المشاهد الكوميدية مبتكرة حتي وان
كانت التيمة مكررة, وبالذات مشاهد شارلو وهو يلاكم, حيث نجده يعيد نفس
تيمة
فيلم الملاكم, لكنه هنا يغير من الأفيهات الكوميدية, فهو يتفق مع احد
المتسابقين علي أن يزور وذلك لوثوقه بأن هذا المتسابق هو من
سيظل إلي النهاية علي
الحلبة.. ولكنه يهزم ويضطر شابلن إلي أن يواجه البطل المستمر علي الحلبة
الذي هزم
كل من واجهوه نتذكر فيلم علي الكسار سلفني ثلاثة جنيه فيختبئ شابلن وراء
الحكم
تفاديا للضرب, ولكن الأمر ينتهي بسقوطه بالضربة القاضية.
هذا المشهد يعد أول
لقطة مشهدية, حيث لم يشتمل علي أي مونتاج, فقد سجله شابلن في لقطة
واحدة لأول
مرة في تاريخ السينما, قبل عشر سنوات من أورسون ويلز في المواطن كين.
في
عام1936, وبعد خمس سنوات من فيلم أضواء المدينة, قدم شابلن تحفته
العصور
الحديثة, الذي يلعب فيه دور عامل في احد المصانع علي خط
الإنتاج, ويتلخص عمله
في ربط صامولة بمفتاحين في يده علي كل جزء من الأجزاء المعدنية التي تمر
أمامه علي
السير, في حين يقوم العديد من العمال بربط أو بدق مسامير أو صواميل
أخري.
ولكن شابلن تنتابه حالة من الهياج و الجنون من رتابة العمل
وميكانيكيته, فيربط أي شيء دائري بمفاتيح الصواميل التي في يده بما في
ذلك
النتوءات الشحمية في صدر زميله البدين او أزرار فستان إحدي
السيدات في الشارع أمام
المصنع بعد هروبه منه.
وهذا المشهد في بداية الفيلم تجسيد واضح لفكرة الاغتراب
الماركسي التي تقوم( بتبسيط شديد) علي أن العمال يشعرون باغتراب عن
المنتج
النهائي( ثمرة عملهم) وذلك لأنهم يشتركون في جزء صغير من هذا المنتج
دون أن
يروا ثمرة عملهم النهائية.. وجسد شابلن حالة الاغتراب تلك من خلال جنون
العامل
الذي يقوم بعمل روتيني ميكانيكي لعدم ارتباطه مباشرة بثمرة ما تصنعه
يداه.
كما
ان الفكرة الأخري شديدة العمق التي تطرحها مشاهد المصنع.. هي تحول
الإنسان إلي
عبد للآلة أو إلي ترس فيها, فيتضح ذلك من خلال مشهد وضع
شابلن كحيوان تجارب
لاختراع يسمح للعمال بتناول غذائهم بسرعة فائقة تقلل من زمن الراحة,
وبالتالي
تزيد من زمن العمل و نكتشف أن الاختراع غير عملي ويخطئ المخترع في تشغيله
ليتحول
إلي آلة تعذيب.. والكل يتذكر قدر الكوميديا التي يخلقها
المشهد ونحن نري الآلة
تسدد ضرباتها لوجه شابلن.. لكن القيمة الفعلية لهذا المشهد, كونه
نموذجا أوضح
لارتباط الشكل بالمضمون. من مشاهد المصنع الشهيرة أيضا مشهد الآلة
العملاقة ذات
التروس الكبيرة, التي تشبه في تصميمها لوحات الفنان الفرنسي فرناند
ليجير, التي
تبتلع داخل تروسها شابلن نفسه عندما يقوم بتزييتها.
diaahosny@gmail.com
الأهرام المسائي في
09/12/2010
منظمو المهرجان لا يريدون أجواء حزينة بالافتتاح
تجاهل تكريم كلثوم السينما الجزائرية بوهران يثير جدلا
بالشارع
زبير فاضل -
mbc.net
أثار غياب اسم أيقونة السينما الجزائرية الراحلة "كلثوم" عن منصة التكريم
في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم العربي "بوهران" جدلا في الوسط
الفني والشعبي، على اعتبار أنها الأَوْلى بالتكريم في حدث سينمائي كبير،
خاصة وأن المهرجان يتزامن مع ذكرى الأربعين لرحيل الفنانة الكبيرة.
وقبل أسبوع فقط من افتتاح المهرجان الذي يقام ما بين 16 و23 ديسمبر/كانون
الأول هاجم المدونون والمشتركون في المواقع الاجتماعية "فيس بوك" و"تويتر"
الحدثَ الفني الضخم الذي أقصى عميدة الممثلات الجزائريات من التكريم.
وعبر المدونون عن سخطهم قائلين: "كان الأجدر بأن يفكر القائمون على
المهرجان في الشخصيات التي ستكرم بدقة". وقال أحد الأشخاص في تعليق له:
"عندما نفقد نجومنا وفنانينا ولا يتذكرهم أحد فما هدف مهرجان وهران إذا ما
تناسى أيقونة بحجم الراحلة كلثوم؟!".
نفس روح السخط تولدت لدى الفنانين الذين انتقدوا عدم تكريم الراحلة، وقالت
ممثلة تلفزيونية رفضت ذكر اسمها: "تكريم الراحل العربي زكال كان في محله في
افتتاح المهرجان، ولم ينقص سوى إضافة اسم الراحلة كلثوم".
ويرى الجزائريون أن "تكريم الراحلة كان أفضل لو كان في مهرجان يليق بحجمها
واسمها، وهو مهرجان وهران، الذي يتزامن مع ذكرى الأربعين الخاصة بها".
من جانبه، قال المتحدث باسم المهرجان نبيل حاجي -في تصريح خاص لـmbc.net-:
"سيتم تكريم كل من المرحوم الممثل الجزائري "العربي زكال" والممثلة
الجزائرية القديرة "شافية بوذراع" وكذا الممثلة الكويتية "حياة الفهد" التي
تزور المغرب العربي عن طريق الجزائر لأول مرة".
أجواء الحزن
واعترف المتحدث بأنه لن يتم تكريم الراحلة الفنانة كلثوم، وهذا لاعتبارات
هامة، منها أنه سيتم تنظيم حفل كبير لتكريم الراحلة، ولهذا تقرر عدم إدراج
اسم كلثوم في قائمة المكرمين، لأنها أكبر من أن تكرم في افتتاح مهرجان
للفيلم العربي.
وأضاف "لقد سبق وأن كرمت الراحلة قبل وفاتها من جانب جمعية أضواء، وأردنا
ألا نضيف للمكرمين في المهرجان أسماء فنانين راحلين، حتى لا يخيم على
الافتتاح الجو الحزين".
ولم يكشف المتحدث الجهة التي ستنظم حفل التكريم الكبير؛ إلا أن محافظ
المهرجان كشف عن أنها ستكون وزارة الثقافة، والتي نظمت في وقت سابق تكريمات
لفنانين راحلين.
ولدت كلثوم واسمها الحقيقي عائشة عجوري في 4 إبريل/نيسان عام 1916 في مدينة
البليدة (50 كلم غرب العاصمة)، وبدأت حياتها الفنية كممثلة وراقصة عام 1935
مع الفنان الراحل محيي الدين باشطرزي، أحد مؤسسي المسرح الجزائري. وشاركت
وساهمت بالتمثيل في أكثر من 70 مسرحية و20 فيلما.
وانضمت مع اندلاع الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954 إلى جبهة
التحرير، واستأنفت نشاطها الفني بعد الاستقلال مباشرة أي سنة 1962. وكان
آخر أدوارها عام 1991 في مسرحية "النواطير".
يشار إلى أن المهرجان ينطلق في 16 ديسمبر/كانون الأول بحضور ليبيا لأول مرة
و60 نجما عربيا، وبمشاركة 34 فيلما عربيا تتنافس على "الأهقار" الذهبي
للمهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران.
الـ
mbc.net في
09/12/2010 |