عدد الأفلام المتقدّمة لسباق أوسكار أفضل
فيلم أجنبي بلغ هذا العام 65 فيلماً تمثّل 65 بلداً. هذا
الناقد أتيحت له فرصة
مشاهدة أكثر بقليل من ثلثها حتى الآن، ومعظمها يستدعي التوقّف عنده. لكن
هذين
الفيلمين التاليين يشتركان في رسالة مفادها أن العلاقة بين الإنسان الأبيض
وسواه ما
زالت تتحمّل الطرح والنقاش. أفلام أخرى سترد تباعاً.
حتى المطر سرقوه (أسبانيا)
الأفلام التي على شاكلة فيلم المخرجة الأسبانية
إيسيار بولان الجديد «حتى المطر» صارت قليلة. نعم، هناك أفلام
كثيرة تنتقد وتصرخ
وتتعامل مع هذا العالم الذي يزداد هوساً وبعداً عن القيم، الا أن «حتى
المطر« ينضح
برسالة سياسية لا تُهادن ولو أنها أيضاً لا تنجز غاياتها على نحو كامل.
إنه
الفيلم الذي يمثّل أسبانيا في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وأحد
الأفلام
الساعية للخروج، على الأقل، بجائزة الغولدن غلوب في القسم نفسه. يدور حول
مخرج
(يؤديه
المكسيكي غايل غارسيا برنال) ومنتج (الأسباني لويس توسار) يصلان الى قرية
كوشابامبا في بوليفيا لتصوير فيلم روائي عن رحلة كريستوفر كولمبوس الى
القارة
الأميركية سنة 1492. كل شيء في مكانه. هناك ممثلون أسبان سيؤدّون أدوارهم
المختلفة
بينهم الممثل الذي سيجسّد شخصية كولمبوس، وذاك الذي سيجسد
شخصية ممثل الكنيسة الذي
جاء معه، والمطلوب مجموعة من المواطنين المحليين لأداء شخصيات المواطنين
الأصليين
الذين التقى بهم الرحالة الأسباني حين حط الرحال. هؤلاء متوفّرين من القرى
والمزارع
المحيطة. إذ ينطلق التصوير ويتم إلباس المواطنين المنحدرين
مباشرة من هنود المنطقة
الذين استقبلوا كريستوف وجنوده ورجاله بترحاب وفضول.
خلال التصوير، تقع أحداث
موازية: شركة مياه أوروبية تحاول سرقة الماء من المزارعين لري
مشاريعها الخاصّة
معرّضة محصولهم الزراعي لإبادة مؤكّدة. المزارعون ينتفضون في ثورة عارمة،
وبينهم
أحد الشخصيات التي تؤدي دوراً رئيسياً في الفيلم ما يعرّض عمله للخطر، لكن
المنتج
والمخرج متّفقان على أنهما لا يستطيعان استبداله وقد تم تصويره
في مشاهد عديدة
يسعيان لإطلاق سراحه بعدما اعتقله البوليس فيمن اعتقلهم من المتظاهرين. لكن
الفيلم
ذاته كان أخذ يُغيّر هذا الفريق الأسباني الذي جاء يصوّره في بيئته
الواقعية. لقد
تبدّت لهم مساويء ما قام به كريستوفر كولمبس ومعاناة الهنود
الحمر من أيام "اكتشاف"
القارة الجديدة الى اليوم. المخرجة بولان تعرف كيف توعز ثم توضح كيف أن
المعاملة
التي بدأت بسرقة الأرض والذهب ومحو التقاليد والثقافة الخاصّة استمرّت وها
هي شركات
غربية تحاول سرقة الماء (الذي يهطل من السماء) من هذا الشعب،
او كما تقول إحدى
الشخصيات: "لا زال علينا أن نقاوم لكي نبقى أحياءاً. تماماً كما في
السابق".
تنتقل المخرجة بين الأحداث الحالية وبين ما تصوّره (طريقة فيلم داخل
فيلم) لكنها تتوسّع في اتجاهاتها النقدية حتى توصل الطروحات الى أقصاها في
إدانة
للعالم الغربي. الفيلم الذي جاء المنتج والمخرج لتنفيذه في
بوليفيا، يصبح المنفذ
الذي تنتقل عبره من الواقع الحالي الى التاريخ. وهي تفعل كل ذلك بوتيرة
مشدودة
وتوزّع المشاهد في عناية ودراية. وفي الجزء النهائي تصل الى تحليل الموقف
الفردي،
فالمخرج الذي قال في البداية "الفيلم يأتي أوّلاً" يدرك أن
هناك واقع قد يقلب
الخيال ويعيده الى الحقيقة، والمنتج الذي كان خائفاً من هدر ماله، يصبح
همّه إنقاذ
طفلة مصابة والقائد الثوري البسيط ليس لاستكمال التصوير بل تأييداً لسياسته
إنه
من الوقائع الثابتة في السجلاّت أن كولمبس، إذ وصل الى "الأرض
الجديدة" واستقبل
بحفاوة الهنود الذين أطعموه وجنوده وأحاطوه بالترحيب، راح يكتب للملكة عن
هؤلاء "المتوحشين"
وعن الذهب الذي لا يقدّرونه وكيف سيسعى الى الاستيلاء عليه. سريعاً
فيما بعد أصدر قانون ضريبة فصار على كل هندي دفع ضريبة من
الذهب ومن لا يفعل تُقطع
يده. أما أولئك الذين تمسّكوا بتقاليدهم فقد تم إحراقهم بموافقة الكنيسة.
الفيلم
يُثير الغضب لكنه من الجودة بحيث يحوّل هذا الغضب الى إدراك ورسالة في
مكانها
.
وحش جميل حين تسأله
إبنته الصغيرة كيف يكتب كلمة
Beautifulيأتي جوابه على هذا
الشكل Bietiful
وهذا
الشكل يتّخذه المخرج البارع إياريتو
لوصف الرجل بطل الفيلم من ناحية ولوصف معاكس لما هي عليه حقيقة الأحداث
والبيئة
التي تقع فيها. لا شيء جميلاً في هذه الصورة بل العكس: قاتم وداكن ومؤلم،
هذا
باستثناء جمال هذا الرجل الذي تحرّكه عواطفه الإنسانية وسط
ظروف لا يستطيع معها سوى
تحمّل نتائجه ونتائج ما يفعله الآخرون.
يبدأ إياريتو (مخرج "21 غرام" و"بابل"،
)
فيلمه برجل يرتدي خاتماً ويد أنثوية تمر على الخاتم في أصبعه. يخلع الخاتم
ويهديه
لصاحبة الأصابع الرقيقة، هذا ما حوار شبه هامس. في نهاية الفيلم تُعاد
اللقطة
لكنننا الآن نعرف من هو صاحب الخاتم (فعلياً وليس من صوته فقط)
ومن هي الأنثى التي
تعجبها الهدية فتضعها في أصبعها.
أكسبال (باردم) هو إنسان مُصاب بالسرطان ولديه
شهرين على الأكثر ليعيشهما. هو أيضاً رجل متزوّج ولديه ولدين
صغيرين. فتاة فوق
العاشرة أسمها آنا (تقوم بها هناء بوشايب ذات الوقع المؤثر بوجهها اللافت
الحزين)
وصبي دون العاشرة أسمه ماتاو (غيلرمو
استريللا). زوجته مارامبرا (ماريسل ألفاريز).
علاقته مع زوجته متوتّرة في أفضل الأحوال. إنها ترغب في أكثر مما يستطيع
الإيفاء به (جنسيا وعاطفياً وعلى صعد أخرى) وهي ليست
زوجة تعرف العناية بالأولاد وبحاجة لمن
يرشدها (كما تعترف في النهاية). تحب أكسبال لكنها لا تعرف كيف
تحبّه. دائماً هي في
المحور ومن دون أن تكون قادرة على التصرّف على هذا النحو.
على حسن مزايا أكسبال
الا أنه يعمل خارج القانون. لديه علاقة عمل مع سنغاليين مهاجرين يتاجرون
بالمخدّرات
وعلاقة أخرى مع رئيس مصنع حلويات صيني ومدير أعمله يستوردان مهاجرين صينيين
بسبب
رخص اليد العاملة. هؤلاء المهاجرون لديهم قاعة تحت مستوى الأرض
يعيشون عليها ومعهم
أولادهم. يتعرّضون لمعاملة خشنة ونهر مستمر ويمضون حياتهم في عمل متواصل من
الصباح
الباكر حتى الليل من دون رعاية. أكسبال على الرغم من ذلك، هو رجل يحب
الإنصاف
وينتفض غضباً حين يضرب البوليس بريئاً من السنغاليين (يقوم به
الشيخ نيداي) وحين
يكتشف سوء المعاملة التي يتعرّض إليها الصينيون. وكل هذا يحدث بينما يحاول
سبر
حياته -او ما تبقّى منها- خافياً عن الجميع إصابته وقصر عمره.
الرحلة التي
يأخذنا إليها إياريتو وكاتبا السيناريو أرماندو بو ونيكولاس جياكوبوني
منهكة من
حيث مرورها على ما سبق وغيره من الشخصيات والطروحات والمضامين الاجتماعية.
لكن
إياريتو يمنح الفيلم كل ما يطلبه ذاك من ثراء في الصورة (تصوير
رودريغو برييتو)
تكوينا واختيارات. كذلك فإن الموسيقا (غوستاف سانتاولالا) التي يختارها
لافتة
والمونتاج الذي يقوم به دقيق ومتآلف مع الغاية.
لا يكترث لصنع فيلم مشوّق بل
فيلماً حقيقياً، لكن حينما يكون على المخرج ومونتيره ستيفن
ميروني استخدام التوليف
لعكس إيقاع كما الحال في مشهد مطاردة البوليس للسنغاليين فإن ذلك يتم عبر
تنفيذ من
باب أوّل.
باردم عميق وخبير فيالدخول تحت جلد الشخصيات التي يمثّلها. وهو هنا
يفعل الشيء نفسه. رجل محمول بهموم الدنيا وفوق ذلك بمشاكل عائلته وبقرب
موته، وما
تقرأه على وجهه هو بالتحديد كل هذه الهموم وقد تآلفت بحيث أن البهجة
الوحيدة التي
يطالها في الفيلم هي تلك الليلة التي قضاها في المرقص مع أخيه المدمن الذي
كان
تدخّل لإخراج أكسبال من السجن (حيث أودع بعد دفاعه عن
السنغالي) ثم أخبره من دون أن
ترمش عينه خجلاً بأنه سيقتطع الغرامة التي دفعها من تركة والديهما.
الاختلاف
الرئيسي بين هذا الفيلم وأفلام إياريتو السابقة هو اختلاف الكتابة. انفصاله
المهني
عن كاتبه السابق غيلرمو أرياغا غيّر من طريقة العمل: عوض الأحداث المتوازية
التي
تألّف منها "21 غرام" و"بابل"، لدينا صياغة منتظمة في هذا
العمل الذي يترك هم
الإنتقال من مواقع متباعدة لكنه لا يترك هم الحديث عن شجون
العالم حتى ومن موقع
أحداثه في برثلونة.
الجزيرة الوثائقية في
05/12/2010
يعرض 12 فيلماً روائياً عربياً في
الدورة
مهرجان دبي السينمائي توازن ونقطة
فصل
محمد رُضا
وجد مهرجان دبي السينمائي الدولي منذ البداية، التوازن الفعّال
والنقطة الفاصلة بين اتجاهات وأنواع السينما المختلفة . وعبر سنواته السبعة
التي مضت منذ إنشائه عام ،2004 شق الطريق الصعبة التي تجعل منه ضرورة على
صعيدي السينما العربية والسينما العالمية .
في نفس الوقت، أصبح المهرجان محطّة كبيرة تلتقي فيها الأفلام الروائية
من العالم بأسره، وتختلط بالجهود المحليّة في منطقة الخليج . ومن ناحية
ثالثة، هو السبيل الذي تلتقي عند جانبيه أنواع السينما عبر تظاهرات
ومسابقات متعددة، فللسينما الروائية مكانها وللسينما الوثائقية مكانها
وكذلك الحال بالنسبة للسينما القصيرة .
صحيح أن المهرجانات الأخرى التي انطلقت قبله أو بعده، عملت على هذا
النسيج نفسه، لكن أحداً منها لم يحفل بما حفل به مهرجان دبي حتى الآن من
حسن التنظيم والتوجّه، حيث إن كل عنصر من عناصره المذكورة أعلاه يؤدي ما هو
مأمول منه . بذلك لا تتوقّف التظاهرة، أياً كانت، عند حدود أنها قسم يختلف
عن القسم الآخر ويعرض أفلاماً تنتمي إلى شروطه وطبيعته، بل تتآلف في ما
بينها في شكل مدروس، بحيث يرتفع المهرجان عن المعتاد بكل ما فيه من تظاهرات
على نحو متساو .
الى كل ذلك، تبدّى من عام 2006 وإلى الآن، أن اهتمام المهرجان
بالسينما العربية ليس استكمالاً بل أساس، إذ أوجد ثلاث مسابقات لها، كل
تنتمي إلى نوعية مختلفة، وحث السينمائيين العرب على مختلف مضاربهم التوجّه
اليه واختياره كالمكان الأفضل المتوفّر عربياً لتقديم هذا الجهد إلى
الجمهور . ربما ليس إيماناً بتعددية هذا الجمهور، بقدر ما هو إدراك
السينمائيين العرب أن جهودهم ستواجه باختبار جدّي، وأن ما بدا في السنتين
الأولى والثانية من أن المهرجان ما هو الا ثوب احتفالي واستعراضي فضفاض،
تبدّل سريعاً إلى حضور فعلي يتعامل بجدّية مطلقة مع الأعمال المعروضة عليه
ومع مبدأ المسابقة وما المتوخّى منها .
هذا العام، المحطّة العربية لا تقل إثارة للاهتمام عما كانت عليه في
السنوات القريبة الماضية، بل ربما هي تتجاوزها من حيث ما شكّلته المهرجانات
الجديدة المحيطة بمهرجان دبي من منافسة كانت حافزاً للتشبّث بالمبادئ
لإنجاز دورة جديدة لا تتأثر بالتعدد الحاصل وبالتسابق (المشروع عموماً)
لاستحواذ المقدّمة بين المهرجانات المُقامة . بالمحافظة على مكتسباته وعدم
الانجراف في تغييرات قد تفقده توازنه، ينجح المهرجان في الوصول إلى مراكز
متقدمة بين المناسبات السينمائية عربياً ودولياً، وها هي مجموعته من
الأفلام التي أعلن عنها تؤكد ذلك .
عربياً، اثنا عشر فيلماً روائياً طويلاً في المسابقة . ثلاثة من مصر
هي “ستة، سبعة ثمانية” لمحمد دياب، و”الخروج” لهشام عيسوى و”ميكروفون”
لأحمد عبد الله . ثلاثة من المغرب: “براق” لمحمد مفتكر، “ماجد” لنسيم
عبّاسي و”عند الفجر” لجيلالي فرحاتي . اثنان من العراق: “الرحيل من بغداد”
لقتيبة الجنابي و”المغنّي” لقاسم حول . وفيلمان من سوريا: “دمشق مع حبّي”
لمحمد عبد العزيز و”مطر أيلول” لعبد اللطيف عبد الحميد، ثم فيلم من كل من
لبنان، “رصاصة طائشة” لجورج الهاشم، والأردن “مدن الترانزيت” لمحمد الحشكي
.
معظم هذه العناوين لا تعني الكثير حالياً إذ هي لم تعرض بعد لتبادل
وجهات النظر حولها، لكن هذا لا يمنع من ملاحظة بضعة مسائل مهمّة يمكن
تقسيمها إلى ما يلي:
أولاً: هناك ارتفاع في عدد الأفلام المصرية المنتمية إلى سينما
مختلفة، سمّها بديلة أو مستقلّة أو “غير شكل” .
ثانياً: هناك استمرارية لسينما تخرج من رماد الوضع العراقي الصعب الذي
عوض أن يحد ويمنع من الإنتاج، بات سبباً له .
ثالثاً: هناك مزيج من أعمال سينمائيين من أجيال سابقة (أطولهم باعاً
المخرج العراقي قاسم حول) وبين أعمال سينمائيين من الجيل الجديد وبعضهم
(كما الحال مع الأردني محمد الحشكي) يقدّم فيلمه الأول.
إذا ما توسّعنا قليلاً بالنظر إلى خزينة الدورة من أفلام وثائقية
وقصيرة عربية، لوجدنا أنها تؤيد هذا التنوّع بشدّة وتضيف إليها ملاحظات
وملامح أخرى، تؤكد أن السينما العربية لم تلفظ النفس الأخير على الرغم من
كل ما تواجهه من أوضاع مؤثرة سلباً فيها، بل ما زالت تعاند وتكابد، وما
مهرجان دبي الا محطّتها الأهم لعرض إبداعاتها .
نقد فيلم
"حتى
المطر" رسالة إسبانيا
للأوسكار
الأفلام التي على شاكلة فيلم المخرجة الإسبانية إيسيار بولان الجديد
“حتى المطر” صارت قليلة . نعم، هناك أفلام كثيرة تنتقد وتصرخ وتتعامل مع
هذا العالم الذي يزداد هوساً وبعداً عن القيم، الا أن “حتى المطر” ينضح
برسالة سياسية لا تُهادن ولو أنها أيضاً لا تنجز غاياتها على نحو كامل .
إنه الفيلم الذي يمثّل إسبانيا في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي،
وأحد الأفلام الساعية للخروج، على الأقل، بجائزة “الغولدن غلوب” في القسم
نفسه . يدور حول مخرج (يؤديه المكسيكي غايل غارسيا برنال) ومنتج (الإسباني
لويس توسار) يصلان إلى قرية كوشابامبا في بوليفيا لتصوير فيلم روائي عن
رحلة كريستوفر كولمبوس إلى القارة الأمريكية سنة 1492 . كل شيء في مكانه،
هناك ممثلون إسبان سيؤدّون أدوارهم المختلفة بينهم الممثل الذي سيجسّد
شخصية كولمبوس، وذاك الذي سيجسد شخصية ممثل الكنيسة الذي جاء معه، والمطلوب
مجموعة من المواطنين المحليين لأداء شخصيات المواطنين الأصليين الذين التقى
بهم الرحالة الإسباني حين حط الرحال . هؤلاء متوفّرون من القرى والمزارع
المحيطة . إذ ينطلق التصوير ويتم إلباس المواطنين المنحدرين مباشرة من هنود
المنطقة الذين استقبلوا كريستوفر وجنوده ورجاله بترحاب وفضول .
خلال التصوير، تقع أحداث موازية: شركة مياه أوروبية تحاول سرقة الماء
من المزارعين لري مشروعاتها الخاصّة معرّضة محصولهم الزراعي لإبادة مؤكّدة
. المزارعون ينتفضون في ثورة عارمة، وبينهم أحد الشخصيات الذي يؤدي دوراً
رئيسياً في الفيلم ما يعرّض عمله للخطر، لكن المنتج والمخرج متّفقان على
أنهما لا يستطيعان استبداله وقد تم تصويره في مشاهد عدة، يسعيان لإطلاق
سراحه بعدما اعتقلته الشرطة فيمن اعتقلهم من المتظاهرين .
الفيلم ترك أثره في الفريق الإسباني نفسه الذي جاء يصوّره في بيئته
الواقعية، إذ تبدّت لهم مساوئ ما قام به كريستوفر كولمبوس ومعاناة الهنود
الحمر من أيام “اكتشاف” القارة الجديدة إلى اليوم . المخرجة بولان تعرف كيف
توعز ثم توضح كيف أن المعاملة التي بدأت بسرقة الأرض والذهب ومحو التقاليد
والثقافة الخاصّة، استمرّت، وها هي شركات غربية تحاول سرقة الماء (الذي
يهطل من السماء) من هذا الشعب، أو كما تقول إحدى الشخصيات: “ما زال علينا
أن نقاوم لكي نبقى أحياء . تماماً كما في السابق” .
تنتقل المخرجة بين الأحداث الحالية وبين ما تصوّره (طريقة فيلم داخل
فيلم)، لكنها تتوسّع في اتجاهاتها النقدية حتى توصل الطروحات إلى أقصاها في
إدانة للعالم الغربي . الفيلم الذي جاء المنتج والمخرج لتنفيذه في بوليفيا،
يصبح المنفذ الذي تنتقل عبره من الواقع الحالي إلى التاريخ . وهي تفعل كل
ذلك بوتيرة مشدودة وتوزّع المشاهد في عناية ودراية . وفي الجزء النهائي تصل
إلى تحليل الموقف الفردي، فالمخرج الذي قال في البداية “الفيلم يأتي
أوّلاً” يدرك أن هناك واقعاً قد يقلب الخيال ويعيده إلى الحقيقة، والمنتج
الذي كان خائفاً من هدر ماله، يصبح همّه إنقاذ طفلة مصابة والقائد الثوري
البسيط ليس لاستكمال التصوير بل تأييداً لسياسته .
إنه من الوقائع الثابتة في السجلاّت أن كولمبوس، إذ وصل إلى “الأرض
الجديدة” واستقبل بحفاوة الهنود الذين أطعموه وجنوده وأحاطوه بالترحيب، راح
يكتب للملكة عن هؤلاء “المتوحشين” وعن الذهب الذي لا يقدّرونه وكيف سيسعى
إلى الاستيلاء عليه . سريعاً في ما بعد، أصدر قانون ضريبة فصار على كل هندي
دفع ضريبة من الذهب ومن لا يفعل تُقطع يده . أما اولئك الذين تمسّكوا
بتقاليدهم، فقد تم إحراقهم بموافقة الكنيسة . الفيلم يُثير الغضب لكنه من
الجودة بحيث يحوّل هذا الغضب إلى إدراك ورسالة في مكانها .
أوراق ناقد
التوزيع: ثقافة واقتصاد
يجد هواة السينما العرب في مهرجانات السينما المقامة في بعض العواصم
والمدن العربية، الفرصة الكبيرة السانحة لمشاهدة أفلام سوف لن تُعرض
تجارياً، ولا يمكن بالتالي تفويت فرصة وجودها في هذا المهرجان أو ذاك .
والإقبال على تلك الأفلام جيّد وإن لم يكن بالجودة التي تغري شركات التوزيع
العربية بتبنّي سياسة جديدة لتوزيع الأفلام غير السائدة .
المعنى المقصود ب “غير السائدة” هو واضح: السائد هو ما يجد أرضية
جماهيرية جاهزة من الأعمال السينمائية، وجل هذه الأرضية أمريكية ومصرية
وهندية في هذا الجزء من العالم، وفرنسية وأمريكية في شمال إفريقيا وأمريكية
في ما تبقّى من العالم العربي وفي معظم أنحاء العالم أيضاً .
لكن المسألة ليست في نطاق التصدّي لسينما هوليوود أو بوليوود، بل هي
مسألة أن تتمتّع العواصم العربية بما تتمتّع بها العواصم الغربية والشرق
آسيوية، حيث لا يفوت تلك العواصم (ومن بينها مدن أمريكية مثل نيويورك وسان
فرانسيسكو وواشنطن وشيكاغو وأخرى أصغر منها) عرض الأفلام غير الناطقة
بالإنجليزية، أو تلك الوثائقية أو البديلة عن السائد على نحو أو آخر .
لماذا إذاً، والحال هذه، يضن الموزّعون العرب على أنفسهم وعلى
مواطنيهم نعمة تخصيص جزء من تلك الأفلام التي يوزّعونها لكي يشاهدها
المواطنون جنباً إلى جنب الأفلام الأخرى؟ إلى متى سيقرأ الهاوي أن الفيلم
التركي “العسل” نال جائزة مهرجان برلين الأولى وأن الفيلم الفيلبيني
والفيلم الأرجنتيني “السر في أعينهم” فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، أو أن
المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون أنجز فيلماً جديداً يعلم تمام العلم أنه
سوف لن يراه؟
المسألة ليست نماذج بل دلائل، لأن الأفلام الحديثة من تلك الممنوعة من
دون قرار رسمي عن المشاهدين وهواة السينما، تستطيع أن تملأ صفحات جريدة .
وأهم هذه الدلائل هو أن الموزّع بات يقف مثل جدار العزل بين ثقافة الفيلم
وحريّة التلقي، وبين الأفلام المختلفة التي يتم إنتاجها بلا توقف في عدد
كبير من الدول التي ليس لديها وسائل تخترق فيها مثل هذا الجدار . هي
والجمهور على جانبي هذا العازل الرهيب الذي يؤصل قدراً من الجهل والتعميم
لا يستفيد منه الا الموزّع وصاحب الصالة على أساس أن الجمهور في النتيجة،
وبغياب البديل، سيواصل مشاهدة المطروح وحده .
على الرغم من دور الموزّع في كل ذلك، يبدو للعديدين كما لو أن دوره
هذا محدود، وذلك بالنظر إلى العائدات، بل إنه هو أول من سيبرر عدم اكثراثه
بجلب أفلام فنيّة عربية (من الجزائر أو المغرب أو سوريا الخ . . .) أو
أجنبية (فنلندية، فرنسية، بريطانية، أمريكية، بوليفية، كورية، يابانية الخ
. . .) بأنه لا يوجد جمهور لها . وبالتالي هو لن يدفع ثمن أفلام لن تعود
عليه بالفائدة .
إذ يضع المنتج حجّته في هذا الإطار فإن الحق معه من ناحية مبدئية،
إنما لا يجب الوقوف عند هذا الحد والإذعان لوضع يمكن تغييره بأكثر من وسيلة
. ما يحتاج أن يفعله هو أن يبدأ بالأفلام التي لديها احتمال أعلى من سواها
بجر قدم الزبون إليها، وهناك العديد من الأفلام التي تستطيع أن تحقق
إيرادات توازي ايرادات بعض الأفلام الأمريكية التجارية، التي تفشل في إيجاد
جمهور كبير لها رغم العناية بعرضها . هذه الأفلام غير المعتادة ستكون وسيلة
ذلك الموزّع لتأسيس جمهور، ولن يكون هذا التأسيس صعباً لأن نواة هذا
الجمهور موجودة، وإلا لما كانت هناك حاجة للمهرجانات ولا حاجة لصفحات النقد
السينمائية، ولما كان هناك متابعون يبحثون عن تلك الأفلام التي يسمعون عنها
وبعضهم يشتريها أو يحمّلها على الكمبيوتر .
مثل كل أمر جيّد يتطلّب هذا الموضوع إيماناً واهتماماً لا يفتر،
ودعماً إعلامياً أعتقد أنه متوفّر من خلال حقيقة أن النقاد هم على استعداد
كامل للقيام بواجبهم التعريفي والترويجي لمثل هذه الظاهرة إذا ما وُجدت .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
05/12/2010 |