منذ اللقطة الأولى لفيلم 'وول ستريت 2: المال لا ينام أبدا'،
وبأكثر طرق السرد اقتصادا، يقدم المخرج اوليفر ستون شخصية
المنظر الاقتصادي من
أملاكه حين يتسلمها من بواب السجن: ربطة عنق، ساعة، خاتم، هاتف محمول ضخم
طراز 1993،
والأغرب ثقة لا حدود لها في نفسه.
من بين فوج الخارجين من السجن، كان
غوردن جيكو (مايكل دوغلاس) الأكبر سنا والأكثر اناقة، لم يجد أحدا في
انتظاره، لقد
زال مجده، لكنه يملك المعرفة، وهذه ضمانته للانبعاث، فقد نشر كتابا عن نقد
الرأسمالية وبقي في الظل لسبع سنوات، وفي خضم الأزمة المالية
عام 2008 انتبهت وسائل
الإعلام للسيد غوردن فنهض من الرماد لينظّر، صار بطل القنوات التلفزية،
لديه
الفصاحة ليحلل ويفسر، تنقلنا التلفزة إلى من يشاهدها، وهنا نتعرف على
شخصيتين
رئيسيتين في الفيلم، ويني ابنة غوردن وصديقها يعقوب.
يذهب هذا للعمل، وهنا
نتعرف على عرّابه (كفيله أو شيخه)، مستثمر مثالي تعرض لخدعة للتخلص منه،
لديه وجهة
نظر اجتماعية لا تليق بالمضاربين، يفكر في مصير العمال، يسخر
من تشجيع الإنفاق
لتدوير عجلة الاقتصاد. لماذا؟
لأن مصدر الإنفاق هو الاستدانة. يستغرب كيف تعلن
شركة عن أرباح بـ900 مليون دولار توزعها ولديها نفس المبلغ ديونا. تناول
كيس شيبس
ثم ألقى بنفسه تحت عجلات الميترو، الموت أشرف له من إعلان الإفلاس.
يفقد الشاب
نموذجه فيبحث عن عراب بديل. يذهب لمحاضرة غوردن، بدأ هذا الأفّاق بحس
كوميدي حتى
جلب رضى المتفرجين ثم صار مأساويا في نبرته فسيطر على القاعة،
ثم اقترح
الحل:
'اشتروا
كتابي'. انتهت المحاضرة.
يتبعه الشاب مسحورا بالخطاب، يرفض
غوردن الحديث إليه لأنه 'لا توجد نصائح بالمجان'، يخبره يعقوب 'لقد تزوجت
ابنتك'،
حينها يَمنّ عليه بعشر دقائق.
في الحوار بين الاثنين نكتشف شخصية كل واحد، الأب
البراغماتي الذي يريد أن يحصل على مقابل لأي كلمة ينطقها، يعلن أن الوقت
أهم من
المال، ويردد بحسرة أنه قضى 122 ألف ساعة في السجن، ويكشف للشاب عن تلاعبات
ادت إلى
انتحار عرابه السابق. ينطلق الشاب ليحقق في تلك المعلومات
لينتقم لعرابه، لديه حس
شديد بالوفاء. كل حادث يمهد للاحقه. لا يوجد سرد مجاني.
نتعرف على أم الشاب وهي
تضارب في العقارات وهي على وشك الإفلاس بسبب ديون مسمومة، وهكذا تتوالى
مشاهد
العمومي والذاتي، وتتوالى أخبار السوق، يرن هاتف يعقوب، والرنة
من لقطة شهيرة في
فيلم سيرجيو ليون 'الطيب، السيئ والقبيح'. إن المتصل هو بيتل مدير صندوق
استثماري
عملاق، يعرض على الشاب نصف المثالي الاشتغال لحسابه في الطاقة الخضراء
لينظف سجله
أمام الإعلام. يقبل الشاب العمل في ظل المدير، لا بد له من
عراب. يبدو أن قاعدة 'أن
لكل مريد شيخ' ليست حكرا على الصوفية، فهي تشتغل في وول ستريت أيضا.
يخشى غوردن
من ان ابنته الملائكية لا تلائم زوجا يشتغل في قلب وول ستريت، وهي تدير
موقع انترنت
يساريا يستقبل 50 ألف زائر يوميا، يقترح يعقوب على غوردن أن
يصالحه مع ابنته
ليساعدهما بالمعلومات، لكن ويني لا تصدق حبيبها بصدد والدها، تقول له انه
سيسبب لنا
الألم.
انتقل يعقوب ليفاوض باسم مشغله الجديد ليقنع الصينيين بالاستثمار في
مشروع الطاقة المتجددة، ينجح في إقناع المفاوض الصيني لأنه
يعطي قيمة للمشاعر أكثر
من الأرقام. حصل على التمويل. يدرك الفوارق بين الثقافات، حيثُ حسن التعامل
أهم من
الربح وهو رب وول ستريت.
بمناسبة الحصول على التمويل الصيني تم تنظيم حفل باذخ،
وفيه التقت المتناقضات، مدير البنك المنتصر ماليا، يريد الانتصار معنويا
أيضا، يسخر
من كلبيّة غوردن ومن مثالية ويني، يوبخها لأنها لا تفكر في الربح، تشرح له
أن البحث
عن الربح يضعف المصداقية، لم يفهم. يسخر من منطق الطلبة الحالمين، تقول له
انها
تخطط للعثور على قصة تنشرها على موقعها لتخرج من الظل.
كان الحفل انتصارا لمنهج
المدير المضارب، كل شيء بخير، حتى غوردن تصالح مع ابنته لأن زوجها الشاب
كان جسرا
صلبا بين مثاليتها وبراغماتية والدها.
بعد التصفيقات، تتوالى لقطات دالة: سُحب
داكنة تحلق فوق نيويورك، صور زحام ثقيل لبشر قادمون نحو الكاميرا، مشهد
يذكر
باللقطة الأولى في فيلم 'الأزمنة الحديثة' لشابلن، تنزل الكاميرا من فوق
إلى تحت
لتمسح العمارة الزجاجية بسرعة شديدة ثم تعلن التلفزيونات عن
مجازر في وول ستريت ثم
يظهر ثور البرونز الهائج في وضع هجوم، رمز القوة المالية الأمريكية
الضاربة، وبما
أن وزنه ثلاثة أطنان فإن هجومه على أرزاق الفقراء ساحق، هذا هو المعنى
السائد، لكن
المعنى الذي يوحي به سياق لقطة التمثال هو الانهيار، هو طريق
الذبح، فجأة يصير
اللفظ المكروه لدى المضاربين مهما: الحكومة.
يقول المضاربون الذين لا ينامون ان
هذه هي نهاية العالم إن لم تنقذهم الحكومة، نرى السيد بيل ممثل الرئيس
الأمريكي
يحاور قادة الرأسمالية يطالبون الحكومة بإرجاع الثقة للأسواق، يطلبون من
بيل أن
يشتري.
يرد بأن هذا اسمه التأميم والاشتراكية، وهو ما حاربه طيلة حياته، يحاجج
بيل: إذا أنقذناك الآن ما الذي يضمن ألا تكرر؟ يقول إن
الكونغرس يريد أن يعرف أين
ذهبت مليارات الدولارات، يسخر منهم لأنهم يريدون خصخصة الأرباح وتعميم
الخسائر،
يجري الجدل تحت نظرات وجه صيني عجوز في الخلفية يتخذ من الأمريكي واجهة
لإدارة بنك
استثمار ضخم، يهدد المضاربون بوقف صرف نقود المواطنين من
الشبابيك الأوتوماتيكية،
يخاف السيد بيل. يوافق.
يتناوب المحللون على الشعب ليشرحوا له أن الدولة يجب أن
تشتري، يبلع الكونغرس الطعم، في حوار بين يعقوب وزوجته يعلن أنها نهاية
العالم، ترد
أن هذا مستحيل لأنها حامل، فينبعث الأمل من جديد، ينطلق الزوج للعمل من
جديد، لكن
مدير البنك يخدعه فيتبنى خطط الرفيقة للانتقام. كل مشهد يمهد
ويبني اللاحق عليه،
خطوة خطوة. يتجه يعقوب إلى غوردن فيحصل على معلومات سرية مفيدة.
لكن لا شيء
بالمجان في وول ستريت.
كانت المعلومات التي قدمها غوردن طعما ليستخدم يعقوب
لأهدافه الخاصة، يخبره أن لدى ويني 100 مليون دولار أودعها لها في سويسرا
قبل أن
يدخل السجن. يجري يعقوب إلى حبيبته ليقنعها بمنطق رأسمالي: 'استغلي
الفرصة'.
توافق من فرط حبها له وليس أملا في الربح. توقع لاستخراج النقود من بنك
في سويسرا ليدخل الأب المال لأمريكا سرا. وقعت ويني، حصل غوردن
على المال واختفى.
ثم ظهر في لندن يشتري البنوك المأزومة قبل أن تدركها الحكومات. لماذا؟
يخطط
ليحول 100 مليون دولار إلى مليار، المغامرات هي ما يهمه، إنه يقوم بما كان
ينتقده
حرفيا، لم يتعلم المضاربون الدرس، يعيدون نفس الممارسات التي
أدت للانهيار المالي،
بل إن الأب سيتلقى عرضا من الصيني العجوز ليتولى إدارة اكبر بنك استثماري.
وهذه
النهاية التي ينتصر فيها المنطق الكلبي هي التي جلبت اتهاما للمخرج بأنه
تصالح مع
وول ستريت.
قبل أن نرى الرد، لنقف على الحبكة القوية التي سمحت بتمرير كل هذا
الخطاب من دون أن يقع الفيلم في الرتابة، لم يقع السرد في
ثنائية الخير والشر،
فالعلاقات فيه ثلاثية الأبعاد. فهناك الأب - وقد أدى دوغلاس الدور بتلقائية
مذهلة،
وهو ممثل عملاق يجدد نفسه باستمرار - الذي يغلب مصالحه على مشاعره، يبرر كل
مصيبة
يقوم بها، بينما ابنته لا تكلمه وتحمله مسؤولية انهيار الأسرة
وكل مصائب الكون، وهي
ملتصقة بمبدأ لا بمصلحة، يسارية مثالية تتبنى مواقف بورتو اليغري وحركة
أطاك (نموذج
لليسار الأمريكي الذي أوصل أوباما للرئاسة)، بين الاثنين الزوج نصف
المثالي، مناضل
بيئي يخطط لشركة طاقة نظيفة، يعترض على استثمار الشركة التي
يعمل فيها في غينيا
الاستوائية، يصحح له خصمه 'الموضوع هو مضاعفة أرباح النفط وليس حقوق
الإنسان'.
يعقوب نصف براغماتي، يبحث عن الربح الأخلاقي، يتأرجح بين حبيبته
ووالدها، دخل منطقة خطرة لا يمكن أن يكون فيها محايدا بين
النقيضين، يقبل التسويات
مع الأب ويعرف كيف يعرضها كحلول مثالية لزوجته، وبفضله، بعد ثمانين دقيقة
في الفيلم
يتمكن الأب من استرجاع ابنته، يقول لها أنت كل ما تبقى لي، سامحيني، ترتمي
في حضنه،
ثم يخدعها، وفي كل هذا الوقت من التشويق في الحبكة، يعرض
المخرج تحليله للوضع
بالتناوب بين الخاص والعام.
حررت هذا المقال بعد مجادلتي لسيناريست مغربي قلت
له ان فيلمك ليس فيه قصة ولا حبكة، بل هو صُدف تتوالى ويمكن حذف أي واحدة
من دون أن
يتغير شيء في الفيلم. قال فعلا بأن الصدفة وحدها تحكم الفيلم ولكن الحبكة
انهارت
لأن المخرج لم يلتزم بأماكن التصوير المذكورة في السيناريو.
قلت لمحاوري ان منطق
السرد مثل منطق الشطرنج يوجد في العلاقة بين القطع. ولم تكن لديك حبكة
أصلا،
والمكان ليس سببا لانهيار الحبكة وما كتبته أشبه بالصدف في أدب
الرحلات، والدليل هو
فيلم وول ستريت الذي كان مخططا ليجري ويصور في الصين ثم نقل إلى نيويورك.
وما
الأزمة إلا خلفية اقتصادية لحكاية على خط صدام البراغماتية والمثالية.
تغيير
الخلفية لا يحطم الحبكة. فالقصة حول العلاقة الثلاثية، التي
يضمن اختلاف التصورات
الصراع فيها، يمكن أن تجري في أي مكان غير وول ستريت، وستبقى الحبكة قائمة،
لأنها
نابعة من صلب الصراع بين البراغماتي الوقح والمثالية المطلقة.
صراع مؤسس على
تناقضات تقوي الدراما. وقد أثمر ذلك كثرة التحولات في الفيلم، تحولات مبررة
ولا
مكان للصدفة فيها. قد استخدم اوليفر ستون وسائل رمزية وتقنية
لتكثيف الدلالات مثل
سباق الدراجات بسرعة جنونية في طريق متعرجة، وهذه السرعة تُعدي الكاميرا.
فطيلة
الجنريك الذي يمتد تسع دقائق تتجول الكاميرا أولا بين ناطحات السحاب في
مانهاتن، ثم
تدخل المكاتب الزجاجية حيث نرى العيون تحدق في الشاشات التي
تعرض أخبار السوء
ونتتبع المضاربين في مصير البشر يصرخون في هواتفهم، وفي لحظات الأزمة تنهار
الكاميرا عموديا، ثم تتوالى الأخبار السيئة، كاميرا محمولة تضمن حركة
مستمرة في
الكادر، حركة تكتشف مستويات الإضاءة، حيث نرى نصف وجه غوردن
مضاء بينما النصف الآخر
يبقى مظلما، حين يعرف المخرج ما يريد قوله، يجد بسهولة كيف يستخدم الكاميرا.
حتى الحوار يعكس هذه السرعة، فهو موجز عميق ومشحون بالاستعارات: أنتم جيل
نينجا
يعيش لعنة جميلة. هل نغرق؟ تذوب الأسهم. ثقب مالي. هل وصلنا
قاع البرميل؟
حتى
بعض الصور كانت رمزية كتمثال البرونز للثور الهائج الذي نصب هناك في أوج
حكم الرئيس
رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر 1987. وهي السنة التي صوّر فيها المخرج فيلمه
الأول عن
وول ستريت في ساعتين، ثم عاد للموضوع في ساعتين وربع الساعة،
وعنوان الفيلم الثاني 'المال
لا ينام أبدا'، جملة وردت في الفيلم الأول.
في الصيغة الثانية للفيلم،
ينتهي غوردن السجين السابق منظرا ومسيطرا في وول ستريت بفضل أموال دافعي
الضرائب.
وهو ما جلب لاوليفر ستون تهمة التصالح مع
وول ستريت، غير أن صورة المخرج مع الرئيس
هوغو شافيز في مهرجان فيينا السينمائي ذكّرت الجميع بحقيقة
الوضع، فنهاية الفيلم
تثبت أن مضاربي وول ستريت لا يتعلمون، يتغير الأشخاص ويصمد المنطق
البراغماتي
المغامر. وقد علق شافيز على المليارات التي حصلت عليها البنوك قائلا 'لو
كان المناخ
مصرفا لأنقذوه'.
أنجز ستون فيلما وثائقيا عن اليسار في أمريكا اللاتينية، وهذا
الموقف هو الذي ساعده على تناول موضوع آني حارق، من دون أن
يخسر على صعيد اللغة
السينمائية. واضح أن اوليفر ستون مخرج مسيس يتقن استخدام الوسائل الفنية
للتعبير عن
موقفه. لديه حس في قراءة التاريخ، كان الفيلم جاهزا في اللحظة المناسبة،
وهذه ليست
المرة الأولى، فالصيغة الأولى للفيلم تزامت مع أزمة 1987، في
نهاية الولاية الثانية
لريغان، وتزامنت الصيغة الثانية مع نهاية الولاية الثانية لجورج بوش الابن.
ليس
صدفة أن تنهار وول ستريت بعد ولايتي رئيسين جمهوريين، وإعلان موقف لا يكون
فقط
بالتنديد، يمكن أن يكون بالسخرية التي تفضح المضاربين الذين
أعماهم الغرور، الطمع
والطموح.
ناقد سينمائي من المغرب
bnzz@hotmail.com
القدس العربي في
26/11/2010
اللعب بذاكرة الزعيم خطيئة
السينما التجارية
'زهايمر'،
الضحك من غير سبب يفسد المعنى والكوميديا
والتراجيديا السوداء!
القاهرة ـ من كمال القاضي
في روايتها 'عشق
بسيط' سجلت الكاتبة الفرنسية آني إرنو قبل نحو عشر سنوات كل التفاصيل
الدقيقة عن
مأساة والدتها مع مرض الزهايمر.
فالرواية تحكي تجربة ذاتية مريرة خاضتها الابنة
مع الأم حين شاخت ذاكرتها وضمرت خلايا المخ باتت غير مسؤولة، تلهو كطفلة في
سن
الرضاعة تشع من عينيها براءة لا تشي بأي خبرات من تلك التي تراكمت عبر
سنوات عمرها
المديد، الذي تجاوز الثمانين، سقطت كل الأحداث والمواقف ومحيت
الأسماء والتواريخ
ولم يعلق بذهنها سوى ما فصلتها عنه السنوات الطويلة، أما واقعها الآني
وعالمها الذي
تعيش لحظته فهو غائب تماماً لا تعرف عنه شيئا ولا يمت لها بصلة، قالت إرنو
عن أمها
المريضة أنها كانت مسجونة في ماضيها تجتره بحنين وتعي كل دقائقه.
أما القريب فهو
ذلك العالم المجهول المخيف الذي تدخله لدقائق معدودة في أوقات الصحوة ثم
سرعان ما
تخرج منه مذعورة!
المحنة جسدتها الكاتبة الفرنسية بعمق بعد أن استفادت من كل
أوجاعها وآلامها وصاغتها في نسيج تراجيدي محكم ملك قلوب القراء وجعل الطبعة
الأولى
من الرواية تنفد فور الصدور، ولا تتأثر بمشاعر الفرنسيين الباردة التي
تماثل طبيعة
مناخهم الثلجي القارس، أما نحن فقد حولنا مأساة الزهايمر إلى كوميديا وبذل
كاتبنا
نادر صلاح الدين جهدا مضنيا لخلق مفارقات مضحكة لنستخف بدورنا
بالمريض المنكوب
ونسخر من أعراضه المرضية وما طرأ على سلوكه من تغير مفاجئ، قبل أن نكتشف
خديعة
السيناريو العبقرية أن ثمة مؤامرة تحيط بالأب المسكين محمود بك 'عادل إمام'
لتنفيذ
حكم مأمول بالحجر عليه من ولديه الوحيدين فتحي عبدالوهاب وأحمد
رزق ومعهما زوجة
الأخير، لأن قرضاً بنكياً ضخما استعصى على الولدين سداده فلجأوا إلى تلك
الحيلة
البلهاء لتكون نواة لدراما اكثر بلاهة، كل ما جاء بها سطحي وملفق ومخيب
لآمال
الجمهور الذي انتظر أن يرى من نجمه المفضل شيئاً مختلفا، فكان
هذا المسخ هو
النتيجة، حيث الكتابة السهلة لا تسفر إلا عن نتائج بهذا المستوى يتورط فيها
نجوم
كبار ويحملون وحدهم دون غيرهم وزر ما صنعته أيادي لم تتدرب كثيرا على
الكتابة ولا
تعرف قيمة من تتعامل معهم، سواء كان البطل الرئيسي أو الأبطال
المساعدين، في حجم
أحمد راتب ولطفي لبيب ورانيا يوسف ونيللي كريم، حيث الكل تحولوا الى
كومبارس في
غيبة الموضوع الحقيقي وذوبان الفكرة الذكية في تفاصيل كوميدية عبثية، حتى
أن طاقة
الضحك المدخرة والمتمثلة في الفنانة الموهوبة إيمان السيد ظلت
مدخرة ولم يستغل منها
غير القليل جدا لضيق مساحة الدور في السيناريو المشطور الى نصفين، نصف
استحوذ عليه
عادل إمام بالكامل ونصف آخر تم توزيعه على بقية الأبطال بمن فيهم عادل
أيضا، أي أنه
بحسبة رياضية بسيطة يصبح الزعيم المالك الشرعي لثلاثة أرباع
المساحة الدرامية،
والربع هو النصيب الفعلي لكل من شاركوه التمثيل أو بمعنى أدق وقفوا بجواره
أمام
الكاميرا، ناهيك عن أن الحدوتة برمتها غنية عن أية حسابات لأن التجربة إذا
خرج منها
عادل إمام فهي محسوبة بالسلب على كل اصحابها، فليس هناك قضية
ولا ظل لقضية إنسانية
أو كوميدية أو 'مهلبية'، رجل ثري أراد أبناؤه أن يهيمنوا على ثروته فحاولوا
إيهامه
بأنه مريض بالزهايمر ليحصلوا على حكم قضائي بالحجر عليه، بعد فترة وبمحض
الصدفة
تتأكد ظنونه في وجود أشياء غير طبيعية وغير منطقية تحدث من
وراء ظهره وبقليل من
الجهد وعن طريق ماسح الأحذية الممثل الشاب محمد رمضان يزداد يقينه بخيانة
الأبناء
والمحامي أحمد راتب والجنايني محمد الصاوي والعامل البسيط ضياء الميرغني،
فيقرر
بدوره الاتفاق مع نيللي كريم لاستكمال الخطة وتأديب ابنائه
ويتغير وفق الخطة
الجديدة مسار الأحداث ويقود المخرج عمرو عرفة الدفة ليصل بنا بدون مناسبة
إلى
لبنان، فنطالع أجواء جذابة وندخل في غمار حدوتة من نوع آخر قصر منيف ورجل
مهيب
وتمثيلية ينقصها الحبكة عن أكياس هيروين مغشوش هو في الأصل
دقيق فينو أو بلدي،
العلم عند المخرج، غير أن لهذه الرحلة ميزة بصرية يعود الفضل فيها للمصور
محسن أحمد
الذي جعل للصورة أبعادا زادت من إحساسنا بالمكان وكسرت حدة القتامة في
مشاهد
التصوير الداخلي بفيللا محمود بك المصاب بالزهايمر المجازي وهو
الاسم الذي لم يمت
للفيلم بصلة اللهم الا إذا اعتبرنا مشهد سعيد صالح بالمصحة النفسية هو
العنوان
المقصود، فسعيد بالباروكة والثياب المتسخة والماكياج والبول الذي انساب منه
على غير
إرادته كان حالة مجسدة للزهايمر الحقيقي وليس الزهايمر المضروب، وعلى الرغم
من أن
سعيد صالح لم يظهر إلا كضيف شرف إلا أنه كان الحالة الوحيدة
المشيرة للمأساة
المرضية، والفيلم الكوميدي المضحك من فرط غرابته!
لقد اختلطت الأحاسيس وتضاربت
المشاعر فمن يرى عادل إمام وهو يحاول إكساب الفيلم طعما أداه بغير قدرة على
الإضحاك
الطبيعي يشفق عليه من المجهود الشاق الذي يبذله ويتذكر تاريخه الطويل أيام
كان
الجمهور يستقبل ظهوره على الشاشة بعاصفة من التصفيق الحار
ويذهب في غيبوبة ضحك
هيستيري لمجرد إشارة أو إيماءة أو حركة عفوية، في اعتقادي أن عادل اليوم
كنجم له
وزنه وثقله بات يسحب من رصيد عادل الأمس، والخوف كل الخوف أن يستمر السحب
على
المكشوف حتى يستنفد في الرصيد كله، الضمانة الوحيدة لنجم
النجوم أن يبحث عن كاتب
محترف ويتخلى عن مساندته للهواة قبل أن يتخلى عن تاريخه، ويا حبذا لو عاد
الزعيم
لرفيق دربه ومشواره وحيد حامد ليعيدا معا العزف الثنائي على أوتار السينما
الشجية
ويتجدد إبداع في حجم المنسي وطيور الظلام والغول وحتى لا يطير
الدخان وليت أحلام
الفتى الطائر تراوده مرة أخرى، عادل إمام مع وحيد وشريف عرفة طعم ثان ومذاق
فريد
مختلف عن الكوميديا السوداء والتراجيديا البيضاء!
القدس العربي في
26/11/2010
فيلم بوسني يجسد محنة الناجين من مذبحة سربرنيتشا
مخرج الفيلم: هذا الفيلم لا يدور حول الحرب بل
تبعاتها
سراييفو - من داريا سيتوسوسيتش
يجسد فيلم 'بلفدير' للمخرج
البوسني أحمد اماموفيتش بشكل مباشر وللمرة الأولى تداعيات مذبحة سربرنيتشا،
التي
وقعت عام 1995، والتي تمثل احد اسوأ الفظائع في اوروبا منذ الحرب العالمية
الثانية.
واتخذ الفيلم الذي سيبدأ عرضه في سراييفو في الثاني من كانون الأول/
ديسمبر اسمه من اسم مخيم اقيم للناجين من المذبحة الذين راحوا يبحثون عن
اقاربهم من
ضحايا المذبحة.
وقال اماموفيتش لرويترز في مقابلة هذا الاسبوع 'هذا الفيلم لا
يدور حول الحرب، بل عن تبعات الحرب'. وحصل أماموفيتش على جائزة
أفضل فيلم اوروبي
للافلام القصيرة عام 2002 عن فيلمه 'عشر دقائق' الذي تناول حصار سراييفو.
وأضاف
أماموفيتش الذي كتب سيناريو الفيلم أيضا 'اعتقد أن مشاهدة آثار الارهاب
اكثر صعوبة
وبشاعة من فعل الارهاب نفسه. من المهين بشكل رهيب أن ترى هؤلاء النساء لا
يستطعن
العثور على عظام أحبائهن بعد 15 عاما'.
ويروي الفيلم قصة حياة قريبات ضحايا
المذبحة اللائي يقضين ايامهن في السير من مقبرة جماعية إلى مركز تحديد
الهوية املا
في العثور على رفات ابنائهن وازواجهن وابائهن.
وقتلت قوات من صرب البوسنة بقيادة
الجنرال الهارب راتكو ملاديتش حوالي ثمانية آلاف مسلم خلال أيام بعد 11
تموز/يوليو 1995
عندما احتلت بلدة سربرنيتشا.
ودفنت القوات الضحايا في مئات المقابر
الجماعية السرية في البوسنة، حيث لايزال خبراء الطب الشرعي يستخرجون رفات
ضحاياها
لتحديد هويات القتلى بتحليل الحمض النووي.
وفي الفيلم يكافح الاقارب الناجون من
المذبحة للتكيف مع المجتمع الذي يمر بمرحلة تحول، ومازالوا معزولين في عالم
مغلق
داخل المخيم الذي يعيشون به، حيث تتركز كل أفكارهم حول الشعور بفقدان ذويهم.
(رويترز)
القدس العربي في
26/11/2010 |