مع إنطلاقة تظاهرة "أسلوب السينما الإيطالية 2010 "
على شاشة صالة "ذ إيجبشن" في لوس أنجيليس، يجد المتابع للسينما عموماً،
وعشّاق
السينما الإيطالية على الأخص، بحر من الأفلام يمكن الغرف من مائه كل يوم.
معظم هذه
الأفلام ليس لديها حظ في التوزيع في معظم أنحاء الأرض، وتعتمد
على مثل هذه
التظاهرات لكي تعلن عن وجودها. شيء شبيه بالسينما العربية، بإستثناء أنها
لا تقيم
لنفسها تظاهرات منظّمة وإذا ما تسلل فيلم منها الى مهرجان رئيسي ارتفعت
أصوات
الطبول كما لو أنه فتح غير مسبوق.
الحال أن السينما الإيطالية في فورة إنتاجية
جديدة منذ سنتين على وجه التحديد وذلك انعكس على تواجدها في مهرجاني
فانيسيا وروما
في إيطاليا، كما في عروضها على شاشة مهرجانات أخرى شاملة مثل
لندن وتورنتو. ومع أن
عدد الأفلام المعروضة من ايطالياً، او من أي بلد واحد على شاشة أي مسابقة
سيبقى
دائماً محدوداً بفعل ضرورة التنويع، الا أن المرء يستطيع أن يجد أفلاماً
ايطالية
منتشرة في شتّى التظاهرات بأعداد ملحوظة ما يؤكد حالة انتعاش
إنتاجية. إنتاجية لكن
ليس فنيّة بالضرورة.
في العام الحالي أنجزت السينما الإيطالية أفلاماً مثيرة
للاهتمام بينها »أول شيء جميل« للمخرج باولو فيرزي، وهو الفيلم الذي تم
تقديمه
باسم السينما الإيطالية لسباق الأوسكار. المخرج فيرزي من أكثر المواهب
الجديدة
نجاحاً وذلك في أعقاب فيلمه السابق »أسمي تانينو« الذي حصد
إقبالاً نقدياً جيّداً
يفوق رد الفعل النقدي الذي يواجه هذا الفيلم.
إنه فيلم يقع بين الدراما
والكوميديا ويبقى خفيفاً في الحالتين حول رجل متزوّج وغير سعيد
بزواجه يأتيه خبر
دخول والدته المستشفى فيزورها، مضطراً، وعلينا متابعة السبب الذي من أجله
يشعر هذا
الرجل بفتور حيال والدته. الحكاية تعود الى حين كان صغيراً وشهد الانفصال
الذي حدث
بين والديه. ذات مرّة لم تتحمّل غيرته فأخذته وشقيقته ولم تعد. شهد سهراتها
وعلاقاتها ونشأ شاعراً بالضغينة معتبراً أنها أخطأت بحق أبيه
والعائلة. هذا لا
يتبدّى سبباً جديراً بفيلم إلا إذا عمد إلى بعض العمق في التناول، وهذا ما
ليس
بقدرة المخرج فيرزي القيام به. الفيلم منشطر (عوض منقسم) إلى قسمين: واحد
تقع
أحداثه اليوم مع ذلك الولد الذي صار رجلاً غير مستقر الرأي، وآخر تقع
أحداثه
بالأمس. القسم الأول كان يكفي فيلماً لكن المخرج ارتأى تحديد
الدوافع والمسببات
بمشاهد طويلة كان يمكن اختصارها بلمحات قصيرة، او بصياغة الفيلم على نحو
مختلف.
المشكلة هنا هي أن الفلاش باك المذكور يدخل
ويخرج من الأحداث بوفرة وعلى نحو متوال
بحيث يصير صعباً اعتبار الفيلم حكاية حاضرة مع مشاهد فلاش باك،
او حكاية تقع بالأمس
مع مشاهد فلاشفوروورد (مشاهد مستقبلية).
في نهاية مطافه يحاول أن يعكس حال
عاطفية تصبو لجذب جمهور عريض، لكنه بالتأكيد ليس جمهور النقاد
والأكاديميين، ما
يجعل اختياره من قبل السينما الإيطالية ليمثّلها في مسابقة الأوسكار في
نطاق أفضل
فيلم أجنبي أمر مثير للشفقة فعلاً.
فيلم آخر معروض هو »العاطفة« الذي أخرجه
كارلو ماتزاكوراتي (هناك فيلم آخر بنفس العنوان أخرجه الأميركي
من أصل إيطالي جون
تورتورو في العام ذاته)،الذي يأخذ مشاهديه الى رحلة كوميدية تكاد تنجح، بل
تبدأ
جيّدة، لكنها تذبل سريعاً.
لقد كان هناك حيناً شهدت فيه الكوميديا الإيطالية
نجاحاً كبيراً بسبب من تعاملها مع أوضاع اجتماعية استخدمتها لتلذع وتنتقد
وتسخر.
تلك الفترة لم تعد متداولة، رحلت مع رحيل ألير بتري وكارلو ليزاني، ألبرتو
سوردي،
جوليانو مونتالدو وسواهم او مع توقّفهم عن العمل بسبب السن او اختلاف
الظروف. فيلم
كارلو ماتزاكوراتي »العاطفة« يتعامل وبعض المسائل الاجتماعية والعاطفية-
لكنه لا
يملك معطيات الأسلوب الساخر والرغبة في الاستفادة كلياً من المعطيات
الاجتماعية
التي يُثيرها.
يبدأ جيّداً. جياني دوبوا (سيلفيو أولاندو) مخرج إيطالي لم يحقق
فيلماً منذ خمس سنوات ووكيل أعماله يتّصل به لحضّه على التماسك والعودة الى
العمل
من جديد. يطلب منه أن يكتب شيئاً للنجمة الجديدة فلامينيا (كرستينا
كابوتوندي)
وكلاهما يتبادلان هاتفياً بضعة أفكار لا
تثير إعجاب وكيله. هناك موعد بينهما للقاء
عاصف، لكن مكالمة من القرية التوسكانية التي وُلد جياني فيها
تقود هذا الى مغادرة
روما والتوجّه بسيّارته الى منزله المهمل. المشكلة كما يفسّرها له أحد
مسئولي
البلدة أن أنابيب المياه التي تعود الى أيام ماسوليني، كما يقول له، انفجرت
وأغرقت
الكنيسة التي بالقرب منه. المخرج يلبّي دعوة لمقابلة رئيس
البلدية في اليوم ذاته
متوقّعاً حلاً او ربما غرامة، لكن رئيس البلدية (وهي امرأة) تطلب منه أن
يخرج
مسرحية «العشاء الأخير» لحساب القرية. أمر لا يثير اهتمام المخرج ويحاول
تبرير ذلك
بأنه سينمائي وليس مسرحي لكن تبريراته لا تنجح ويجد نفسه مضطر
للبقاء في القرية
والالتزام بما طُلب منه.
هذا هو الجزء الجيّد من الفيلم ويستمر حتى ثلث ساعته
الأولى، بعد ذلك كل تلك الثنايا والمفارقات التي يتم عادة كتابتها كنتائج
للوضع
الأول، من شخصيات لا تلبّي جيوفاني خلال بحثه عن ممثلين
وفنيين، إلى أخرى تثير
اهتمامه الفضولي إلى المزيد من تلك المفارقات التي تريد أن توصل بطلها إلى
خاتمة
من نوع أن مهمّته لم تكن كارثة كما توقّع سابقاً وأن التجربة منحته زاداً
من حيث لم
يكن يعلم فهو يستوحي من شخصية فتاة بولندية على علاقة عاطفية
متهاوية ووضع اجتماعي
غير ثابت، ملامح قصّته للممثلة التي تنتظر عودته في طيّات ذلك، هناك
تعليقات صامتة
بخصوص الغرباء عن الأرض: هناك فتاة بولندية، وسائحان سويديّان وأفريقي
وباستثناء
البولندية فإن الجميع يقع تحت ضوء غير محبّذ ويكاد يكون
عنصرياً. لكن هذا الشأن يمر
باهتاً وسريعاً. لجانب تمثيل جيّد من أولاندو، لا يوجد ما يدعم العمل على
صعيد
المعالجة. العاطفة الجيّاشة التي يذكرها العنوان ليست موجودة في ذات مخرج
الفيلم
والحاجة الى ما هو أكثر من سرد أفكار سرعان ما يتعاظم مع كل مشهد ويؤدي في
النهاية
على عمل من السهل نسيانه تماماً.
ويختلف فيلم غابريال موتشينو عن سواه بأنه تكملة
لفيلم سابق. الفيلم الجديد عنوانه »قبّلني مرّة أخرى« ويحكي عن أصدقاء
يلتقون بعد
عشر سنوات فإذا بعواطف كل منهم تجاه الآخر لا زالت قويّة. والموضوع العاطفي
الاجتماعي نجده أيضاً في فيلم »عشرون سيغارة« لأورليانو أماداي،
وفي »حياتنا«
لدانيال لوشيتي، ولو أنه يتدرج هنا من قصّة حب مباشرة الى حكاية عائلية
في الأساس
تريد التعليق على المتغيّرات الاجتماعية الحاصلة في إيطاليا اليوم.
ثم مزيد من
التدرّج نحو الموضوع العاطفي الصعب في »حب داكن« حول حياة امرأة تعرّضت الى
اعتداء
جنسي قام به ثلاثة شبّان مراهقين. المخرج أنطونيو كابوانو حاول طرح الموضوع
بكل
أطروحاته الشائكة، لكنه في النهاية جسّد الحالة التي لم تكن
بحاجة لجهد كبير
لتجسيدها على أي حال.
وفي النطاق التراجيدي ذاته نجد »الساعة المزدوجة« لجوزيبي
كابوتوندي. والملاحظ أن الغاية هنا هي عرض أفلام لمخرجين جدد غير معروفين
على أي
نطاق او على نطاق محدود. وهذا ينطبق على معظم الأفلام الخمسة
عشر المختارة لهذه
التظاهرة. من بين الاستثناءات القليلة «أنا وهم ولارا« لكارلو فردوني،
و»طفولة
ثانية« لبوبي أفاتي، وكلاهما من المخرجين الذين مضى على اشتغالهم في المهنة
أكثر من
خمسة عشر سنة.
هذا العام هو المناسبة الخمسون لفيلم فديريكو فيلليني الفذ »لا
دولتشي فيتا«("الحياة الحلوة")، ومشاهدة هذا الفيلم للمرّة السادسة او
نحوها، يكشف
الكثير من التاريخ السينمائي لإيطاليا أوّلاً، كما للسينما في مختلف
البلدان
ثانياً. إنه كما لو أن الإبداع انتهى بنهاية فترة امتدت لثلاثة
عقود (من الخمسينات
الى نهاية السبعينات) باستثناء أفلام قليلة نلتقطها هنا او هناك. للأسف،
ليس من بين
أفلام المخرجين الإيطاليين الجدد ما ينبئ عن أن الإبداع الذاتي لا يزال
شرطاً
للنجاح.
الجزيرة الوثائقية في
22/11/2010
فيلم لفرانسوا أوزون
«مزهرية».. حين فارقت الرف إلى حريتها
زياد عبدالله
الحياة تتوق لأن تكون رومانسية وكوميدية في آن معاً! مثلها مثل تلك
الأفلام التي تندرج تحت هذا المسمى، حيث قصة الفيلم لا تتعدى قصة عاشقين،
أو رجل وامرأة في طور العشق، يختلفان في خصال كثيرة، لكن سرعان ما تمسي
الاختلافات نقاط اشتراك، وليحدث ذلك في عملية محملة بالمفارقات والمواقف
المضحكة التي تمضي جميعاً بخفة ودون أية تعقيدات نحو ما يمنحنا أيضاً
كوميديا لطيفة تكون الأداة الأنجح في مواجهة أية صعاب.
طبعاً الاختلاف نمط من الأنماط، إذ يمكن أن نشاهد أيضاً ما يطرأ على
حياة شريكين، فيضع الشراكة على المحك، وغالباً ما يكون هذا الطارئ خفيف
الظل، شرط قدرته على إحداث هزات خفيفة لما يبدو مسلماً به.
ماذا نريد أكثر من ذلك؟ ربما نريد ايضاً أن تمضي الحياة بخطوات
كوميدية رومانسية، وبما يجعلها ايضاً أي حياتنا المعاصرة بحثاً دائماً عن
فسحات الضحك، مثلها مثل تلك الأفلام، لا بل إن فعل المشاهدة في العالم تحول
إلى حالة ترقب دائمة لفاصل مضحك في الفيلم، مهما كان الفيلم متجهماً، حتى
إنه وفي أحيان كثيرة ومن جراء الترقب المتواصل للمضحك، يحدث الضحك في ما لا
يضحك.
ما تقدم يمتد ليشمل المسلسلات التلفزيونية الأميركية وغيرها مما لنا
أن نقع عليه متى ضغطنا على جهاز التحكم، وهناك جيش من العاملين في هذا
المجال لن يخيبوا أي متطلع لهذا النمط من الأفلام أو المسلسلات.
«رومانس كوميدي»
لكن ما الذي نمضي خلفه من وراء ذاك التقديم الطويل؟ سؤال يمكن الإجابة
عنه من خلال فيلم للفرنسي فرانسوا أوزون بعنوان «مزهرية» يستدعي التوقف
عنده ليس لأن الفيلم من إخراج أوزون فقط، لكن في منحى آخر له أن يضعنا
مباشرة أمام ما يمكن أن يكون عليه فيلم يندرج تحت مسمى «رومانس كوميدي» لكن
على الطريقة الفرنسية أو«الأوزونية»، وفي ذلك ما يقودنا إلى كون الفيلم
تنطبق عليه صفات ما تقدم ولكن مع اختلافات كثيرة، لها في النهاية أن تكون
محملة بكل ما له أن يكون استثماراً بالتاريخي والنسوي دون أن يفقد الفيلم
أياً من الرومانسية أو الكوميديا.
يقصد بالمزهرية هنا المرأة التي توضع على الرف كما لو أنها مزهرية لا
شيء تقوم به يتعدى كونها أداة للزينة، لا فائدة ولا نفع لها، لا بل إنها في
الفيلم خالية من الزهور أيضاً. هنا ستطالعنا كاترين دونوف بدور جديد لها،
ودائماً بما يجعلها في خضم دور مهم لأنها هي من تلعبه، وسيكون إلى جانبها
أيضاً ذاك الرائع الذي اسمه جيرارد ديبارديو، وبما يدفعنا للقول حسنا
كلاهما في فيلم واحد هذا يعني أن نصف الطريق إلى فيلم جميل قد أصبح محققاً
ومنجزاً، وهو كذلك، ولتكون الكوميديا على قدر خاص وجميل ومضحك في آن معاً.
حياة موازية
يتمركز فيلم «مزهرية» حول سوزان (دونوف)، نقع عليها من البداية وهي
تمارس رياضة الركض صباحاً في الغابات، تقع على سنجاب فتكتب في دفترها
الصغير عنه، وهي تحاول طيلة الوقت كتابة خواطر ستكون مضحكة أكثر منها
شعرية، وإلى جانب ذلك يحضر زوجها روبرت (فابريك لوتشيني) الذي يدير معمل
مظلات ورثته سوزان عن والدها، وليكون روبرت زوجاً صلفاً ومتعجرفاً، لا يأبه
بسوزان ولا يفكر إلا بعمله الذي يديره بغرور وعنجهية. كل شيء سيوحي بداية
بأن سوزان ليست إلا ربة بيت، حياتها متوقفة، لديها أوقات فراغ مترامية
تملؤها بكل تستحضره من محيطها الصغير، لديها ابنة وابن وحفيد، والحياة
مستقرة إلى حد ما.
حدث واحد سيفتح الباب على مصراعيه أمام تغير سوزان الدرامي، بما يتعدى
التغيير إلى الوقوع على حياة موازية لحياتها الظاهرة، حياة مملوءة بالأسرار
والعلاقات. سيكون الحدث متمثلاً بإضراب عمال معمل المظلات عن العمل، ومن ثم
احتجاز زوج سوزان من قبل العمال من جراء تعامله معهم بفوقية وصلافة، وعدم
توفير مرحاض لائق، حينها ستفتح سوزان دفاترها القديمة وتلجأ إلى موريس
(جيرارد ديبارديو) الذي يكون عمدة المدينة اليساري، والذي تثق به الطبقة
العاملة بوصفه رمزاً من رموز النضال الاشتراكي، كما أن منصبه لم يكن إلا
بالأصوات الانتخابية للعمال والفقراء.
موريس حبيب سوزان السابق، ومع معرفة ذلك ستتوالى الاكتشافات، سنعرف أن
سوزان متعددة العلاقات، وأن زوجها الذي لا يجدها إلا مزهرية ويمضي يعبث مع
مساعدته لا شيء أمام ما تعيشه وعاشته سوزان، وكل ذلك سيقدم كوميديا جميلة
لن تكون مجانية أبداً فسرعان ما يمسي انقاذ سوزان لزوجها وإصابة هذا الأخير
واضطراره للسفر لتلقي المعالجة، فرصة سوزان الحقيقة لتتحول إلى انسانة
جديدة.
ستكسر المزهرية، ستتولى إدارة المعمل وستحقق نجاحاً خارقاً بمساعدة
ابنها، وستكسب ثقة العمال وتمضي من نجاح إلى آخر، وحين ينجح زوجها
بالانتصار عليها واستعادة إدارته للمعمل، فإنها ستنتقل إلى العمل السياسي،
وسنتنصر أيضاً على تحالف زوجها وعشيقها السابق ضدها.
معادل تاريخي
كل ما تقدم سيبدو عادياً جداً، وليس إلا موعداً مع مواقف طريفة
ومضحكة، إلا أن ذلك لن يكون كذلك أبداً، سيكون لكل ما تقدم معادله التاريخي
والنضالي، بمعنى أن الفيلم الذي تجري أحداثه في سبعينات القرن الماضي سيكون
محملاً بكل ما ساد تلك الفترة من أفكار، لن يكون موريس إلا تكثيفاً لليسار
الفرنسي، ولن تكون سوزان إلا تكثيفاً أيضاً للنسوية، فالفيلم في النهاية
انتصار لإرادة المرأة الحرة، التي تنجح في النهاية بأن تكون عمدة مدينتها،
بعد أن كانت مجرد مزهرية في البيت.
هنا سيكون علينا أن ننهي بما له أن يوصف الفيلم بالرومانس الكوميدي
الذي يحمل رهانات أخرى، بمعنى أن المآزق الطريفة التي تعيشها سوزان وعشاقها
لن تكون إلا استثماراً بالمرحلة التي يقدمها الفيلم، إنها خيبات اليساري
موريس ونجاحاته، حرية المرأة بفعل ما تشاء بعيداً عن وصاية الذكر، تحقيقها
لذاتها ضمن سياق تاريخي وكل ذلك دون أن تفارق الكوميديا الفيلم لحظة واحدة.
الإمارات اليوم في
22/11/2010
علا الشافعى تكتب:
"زهايمر".. يعيد الزعيم إلى عرش الإيرادات
ومشاهد الفيلم الكوميدية ببصمة عادل إمام
ومشهده مع سعيد صالح من أجمل المشاهد..
عند مشاهدتك لفيلم "زهايمر" ليس أمامك سوى خيارين، الأول، أن تتساءل
عن اسم الفيلم وعلاقته بالموضوع وترصد السذاجة الدرامية فى الكثير من
تفاصيل السيناريو، وإذا أخذتك الجلالة لتتعامل بحرفية أكثر ستتحدث عن
الملامح الأحادية التى رسمها كاتب السيناريو نادر صلاح الدين لشخصيات
الأبناء التى جسدهما أحمد رزق وفتحى عبدالوهاب وأيضا زوجة أحمد رزق رانيا
يوسف والتى جاءت باهتة فى ملامحها، وتحاكى كلاشيهات السينما المصرية فيما
يتعلق بالزوجة المتسلطة، والتى تسيطر على زوجها فى سكناته وحركاته.
أما الخيار الثانى هو أن تنظر لفيلم "زهايمر" على أنه تجربة تختلف
كليا عن فيلم "بوبوس" آخر أفلام الزعيم عادل إمام، والذى لم يحقق إيرادات
كبيرة وكان من نصيبه أيضا هجوم نقدى كبير، ولذلك سنتحدث عن زهايمر فى إطار
اختلافه كليا عن بوبوس فلأول مرة يتخلى الزعيم عن "دينجوانيته" وكونه
معشوقا للنساء، وحركاته المعتادة من ضرب على "الأفخاذ أو المقعدة" والزعيم
يظهر فى هذا الفيلم بدون ماكياج كثير أو فلاتر تقلل من ظهور التجاعيد فهو
ومن المرات القليلة التى لا يبالى فيها بمثل هذه التفاصيل، وهو هنا يجسد
دور رجل الأعمال "محمود شعيب"، الذى لديه ابنين يعملان فى مجال البيزنس
ولديه أيضا حفيدة، ويبدأ الفيلم بداية هادئة فى فيللا رجل الاعمال الذى
يستيقظ ليجد نفسه محاطا بأناس لا يعرف عنهم شيئا وهم منى الممرضة أو "نيللى
كريم"، والخادمة إجلال أو "ايمان السيد"، والكل يقنعه بأنه مريض بالزهايمر
وأن امتناعه عن تناول الدواء هو ما يسبب هذا التراجع فى حالته الصحية، كل
شئ حوله يقول شيئا وإحساسه الداخلى يؤكد له شيئا مختلفا تماما، والوحيدين
الذى يتذكرهم أبناؤه فيبادر بالاتصال بهما إلا أنهما يؤكدان له تدهور حالته
وأنه مصاب بالزهايمر.
ويبدو أن كاتب السيناريو نادر صلاح الدين استخدم مرض الزهايمر كفكرة
عابرة يناقش من خلالها عقوق الأبناء، ولذلك يبدو عادل مختلفا عن آخر أعماله
حيث اجتهد إلى حد كبير فى تقديم ملامح شخصية رجل الأعمال الذى يملك الثروة
والنفوذ والكل يقنعه بأنه مريض، إلا أن هناك هاجس داخلى ينفى له كل ذلك،
ورغم خفة التناول فى السيناريو واختزال المسألة فى بعض المشاهد الهزلية
لجلب الضحك وهى المشاهد التى جاءت جميعها تحمل بصمة وحرفية الزعيم عادل
إمام فى الضحك بداية من اكتشافه المؤامرة التى يدبرها أبناؤه وطبيبة وصديقه
المقرب ضده لاستغلاله والحصول على أمواله، وقيامه بتمثيل دور المصاب فعلا
بالزهايمر وقراره بأن يعيد تربية أبنائه، وهى المشاهد التى فجرت الضحك فى
دار العرض _(ومنها مشهد إصراره على أن يقوم بوضع ابنيه فى البانيو ليحميهم
وهو ماسكا البامبرز لهم، والمشهد الآخر وهو يأخذهم لصيد البط بالفيوم
والمشهد الذى يلعب معهم ملاكمة).
ورغم تماسك الفيلم على مستوى الشكل والإيقاع المنضبط مونتاجيا بفضل
المخرج عمرو عرفة، إلا أنك تخرج من دار العرض وأنت لا يتبقى فى ذهنك سوى
مجموعة من المشاهد الكوميدية، والتى جاءت نتيجة خبرة وتألق الزعيم إضافة
إلى المشهد الذى جمعه برفيق دربه سعيد صالح والذى يجسد بحرفنة شديدة دور
مريض بالزهايمر الذى ألقاه أبناؤه فى مصحة نفسية وتوقفوا عن زيارته وهو
المشهد الذى استجمع فيه عادل إمام الكثير من الانفعالات التى لها علاقة
بالتقدم فى العمر وخسارة الصحة والأبناء وكل شىء تقريبا.
القماشة الدرامية لموضوع مثل مرض الزهايمر كان من الممكن أن نشاهد من
خلالها فيلما شديد الرقة والإنسانية وكان من الممكن أن يحسب كتجربة مختلفة
فى مشوار الزعيم وأيضا قضية عقوق الأبناء ولكن يبدو أن الزعيم يخشى من هاجس
وحيد ومكرر وهو أن يدخل جمهوره إلى السينما ويخرج دون أن ينتزع منهم
الضحكات، وأعتقد أن الوحيد الذى استفاد من زهايمر هو النجم الكبير عادل
إمام والذى استعاد جزءا من بريقه الذى فقده فى بوبوس، وأيضا المتألقة نيللى
كريم فدورها كان يحمل أبعادا درامية استطاعت تجسيدها، والتعبير عنها ببساطة
شديدة أما رزق وفتحى ورانيا فالفيلم لم يضف لهم شيئا".
وزهايمر "رغم نقاط ضعف السيناريو إلا أنه يعد من أفضل الأفلام التى
قدمها الزعيم مؤخرا والتى استعاد من خلاله الكثير من بريقه وأيضا تصدره عرش
الايرادات سواء داخليا أو خارجيا فى الدول العربية التى يعرض بها، ومن
اللافتات الجميلة التى وضعها الزعيم هو ارتدائه القفطان المغربى فى أكثر من
لقطة داخل الفيلم ولا أعرف إذا كانت تلك اللمسة عفوية من النجم الكبير، حيث
تصادف عرض الفيلم بالمغرب فى نفس يوم عرضه فى مصر، وتلك التفصيلة أرضت
الكثير من جمهور النجم الكبير والذى يعد من النجوم المصريين المعشوقين فى
المغرب.
"زهايمر" تأليف نادر صلاح الدين وإخراج عمرو عرفة وموسيقى عمر خيرت
وتصوير محسن أحمد وشارك فى بطولته العديد من الفنانين ومن إنتاج الشركة
العربية.
اليوم السابع المصرية في
22/11/2010
علا الشافعى تكتب: مهرجانات عربية أتلفها الهوى
بعد أزمة انسحاب ساندرا وبيان نجدت أنزور ضد مهرجان دمشق..
يبدو أن حال بعض مهرجاناتنا العربية سيظل كما هو محلك سر، طالما كل
شىء فيها يخضع للأهواء ولحكم شخص واحد يجامل من يجامل، ويحابى من يرغب أو
من يراهم مقربين إلى قلبه، أو يختار لجنة تحكيم تكون على هواه ويضمن من
خلالها توزيع الجوائز بما يرضيه؟ هذا هو ملخص المشهد العبثى الذى شهدته
أروقة الدورة الـ18 من مهرجان دمشق السينمائى الدولى والتى انتهت فاعلياتها
مؤخرا، عندما أصر رئيس لجنة التحكيم الروسى المخرج فلاديمير مينشوف على منح
الجائزة البرونزية إلى الفيلم السورى "مطر ايلول ".
ويبدو أن المخرج الروسى أصر بشدة على منح الجائزة إكراما للبلد المضيف
صاحب المهرجان والذى بالتأكيد أكرمه واستقبله بحفاوة شديدة متغاضيا عن
المعايير الفنية التى يجب أن تكون هى الفيصل وليس المجاملات ورغم اعتراض
عدد من أعضاء اللجنة التسعة ومن بينهم المخرج السورى نجدت أنزور والذى كان
يجد أن الفيلم لا يستحق، ونفس الحال بالنسبة للمخرجة المصرية ساندرا نشأت
والتى وجدت نفسها فى موقف لا تحسد عليه، نظرا لحالة الصمت التى انتابت باقى
أعضاء اللجنة، رغم كل ذلك كانت عجرفة المخرج الروسى وتعنته كفيلان بأن يقوم
المعترضون بإصدار بيان ضد ممارسة رئيس لجنة التحكيم غير المفهومة، ولم تكتف
ساندرا ونجدت بذلك بل أعلنا انسحابهما من عضوية اللجنة، ورغم كل هذه
التطورات وتجاوزات رئيس اللجنة إلا أن رئيس المهرجان لم يتدخل وترك الأمر
برمته لمزاج رئيس لجنة التحكيم وهو ما أدى إلى تفاقم الأمور وجاء المشهد
الأخير للمهرجان غير مرضٍ لأحد على الإطلاق، ويبدو أن رئيس اللجنة يتولى
مهمته للمرة الأولى لأنه معروف ضمنيا أن كل المهرجانات تشهد حالة من
المواءمات فى توزيع الجوائز وهذا لا يخفى على أحد حتى المهرجانات الكبرى
أحيانا ما تتحكم السياسة وعلاقات دول ببعضها البعض فى الشكل النهائى الذى
تخرج عليه الجوائز وتتوقف المسألة على حرفية رئيس لجنة التحكيم فى إدارة
هذه المسألة ودائما ما يكون هناك حد أدنى من المعايير الفنية.
فهل الأمور فى دورة مهرجان دمشق المنصرمة خرجت من سيطرة رئيس اللجنة
أم يعود إصراره على منح الفيلم السورى جائزة، لأن هناك من أفهمهه وأملى
عليه أن هذه هى عادة المهرجانات العربية وأن كل شىء فيها يخضع لأهواء
منظميها وأن عليه أن يكون كريما لأقصى درجة مع إنتاجات البلد المضيف؟ للأسف
هذا ما باتت تشهده مهرجاناتنا العربية، ولكن يبدو أن مهرجان دمشق السينمائى
الدولى بات يشهد الكثير من هذه الأزمات ولن ينسى أحد منا ما حدث مع الفيلم
المصرى خلطة فوزية فى العام قبل الماضى عندما تردد أن رئيس لجنة تحكيم
الأفلام العربية فى وقتها الفنان دريد لحام رفض منح الفيلم جائزة، ووقتها
حدثت مشادات وتردد أن هناك موقفا من الفن المصرى والسينما المصرية، ورغم
نفى النجم الكبير دريد لحام لهذ الكلام أو لاتخاذه مثل هذا الموقف؟ لكن لا
يستطيع أحد أن ينكر حجم الكوارث التى تشهدها بعض المهرجانات العربية فى
إملاء النتائج لأفلام وإنتاج بعينه، والمدهش أننا دائما ما نتساءل عن تراجع
الفن وقيمة الفنون عندنا؟ ويبدو أن الإجابة تتلخص فى مقولة السيد أحمد عبد
الجواد "بضاعة أتلفها الهوى" لتصبح مهرجانات أتلفها الهوى.
اليوم السابع المصرية في
22/11/2010 |