لعل الحدث الأبرز
لدورة مهرجان أبو ظبي السينمائي الرابعة(14-تشرين الأول/أكتوبر 2010)، هو
ان جل جوائزه المهمة ذهبت الى بلد واحد إسمه لبنان، إذ فاز بهيج حجيج
بجائزة "اللؤلؤة
السوداء" لأفضل فيلم عربي عن شريطه "شتي يا دني"، وقدرها 100
ألف دولار أمريكي.
ومثله حصلت رانيا عطية والأمريكي دانييل غارسيا جائزة "اللؤلؤة السوداء" عن
شريطهما "طيب،
خلص، يللا" لأفضل فيلم روائي لمخرج عربي جديد، ضمن فقرة آفاق.
فيما نال ماهر
أبي سمرا مناصفة جائزة أفضل وثائقي من العالم العربي او عن العالم العربي
عن شريطه
"شيوعيين كنا"، بينما حصل محمد سويد على تنويه خاص من قبل لجنة التحكيم
عن عمله "بحبك
ياوحش".
صحيح ان ما حققته الأشرطة السالفة كبير ومهم. كون موضوعاتها
إقتربت من قضايا وأجواء محلية صرفة، وساجلت وتأملت المصائر و
توسلت التجربة
الإنسانية. وعبر إعادة صياغة فنية لما حدث في بلد ما زال يئن من وطأة حرب
أمتدت لـ 17
عاماً من الإقتتال الطائفي الأعمى، وكانت
بمثابة المرجع لما حدث وما ترتب عليه
من مرارات مقيمة. ومن خلال الضرب على ثنائية التقاطعات بين
الماضي القريب والحاضر
الملتبس، بين السياسة وموضوعها، بين الذاكرة الشخصية ولعبة الزمن.
المخطوفون
وقضيتهم كان عماد شريط حجيج. وذاكرة الطفولة في مدينة طرابلس الشمالية هو
ما إشتغلت
عليه رانيا عطية وزميلها الأمريكي دانييل غارسيا. في حين جاء
سؤال؛ لماذا يعود
الشيوعيون الى طوائفهم بعد تعقد مشهد الصراع السياسي في لبنان إبان الغزو
الإسرائيلي في العام 1982؟ ليشكل محور عمل ماهر أبي سمرا الوثائقي. إلا ان
الفضل،
أو في الأقل جزء آمنه، يعود الى مهرجان أبو ظبي السينمائي،
وصندوقه "سند"، في تعضيد
هذه التجارب السينمائية مادياً ودفعها لترى النور. ما قدمه صندوق "سند"، لم
يقتصر
على إشتغالات من بلد بحد ذاته. إنما وسع مساحة عطاءاته المادية لتشمل
إشتغالات
قادمة من رقعة جغرافية واسعة تمتد من مصر لسوريا وإيران وباكستان والإمارات
العربية
المتحدة والعراق.
ومن رحم "سند"، وغيره، ولد شريط "كرنتينة" الأخير لعدي رشيد،
عُرض ضمن فقرة آفاق جديدة. إلا انه حمل، أيضاً، إسم دائرة السينما والمسرح
العراقية
كجهة منتجة. فضلاً عن إسم، صندوق دعم تابع لمهرجان روتردام السينمائي
الدولي. ومع
ذلك، فقد بدا شريط "كرنتينة" خارجاً، او بالأحرى متمرداً، عن
سياقات مؤسسات دولتنا
العتيدة وتصوراتها للعمل الثقافي والفني. خارجاً لأنه قدم صورة أقرب لواقع
ونبض
اليوم منها الى الوعود الكاذبة والأعذار المتهافتة. ما بدأه رشيد في عمله
الأول
"غير صالح"(2005)، وقارب فيه ما ترتب من خراب ضرب مدينته بغداد في
الصميم إبان غزو
بلده العراق، يواصله في جديده. ومن تبعاته، كذلك، إنهيار قيميّ وأخلاقي شمل
الجميع
بأوساخه، من النهر الى القاتل المأجور. ما يقوله الشريط ونتابعه، هو في
حقيقة الأمر
صورة لبلد يحترق يومياً على يد الجميع. على صوت إنفجار يحصد
السابلة الأبرياء،
إغتيالات بكواتم صوت تستهدف الأساتذة الجامعيين والمفكرين، إستيلاء على
المال العام
والخاص تحت مسمى "الحواسم"، أيد خفية تدير لعبة الموت وتزرع الخوف في نفوس
العباد
خلف يافطة الأستاذ، وحضور أمريكي سافر في شوارع مدينة غدت نهباً للأغراب.
"كولاج"
ليوم بغدادي صرف، أبطاله قاتل مأجور (أداء جيد لأسعد عبد المجيد) يحتمي
في غرفة مطلة على باحة دار مستولى عليها بأمر الأستاذ. ومثله عائلة صالح
(حاتم
عودة) وزوجته كريمة (آلاء نجم) والشابة مريم والصبي مهند الذي
يعين عائلته عبر
العمل كدهان أحذية على حساب دراسته. ومع ذلك، فهذه العائلة هي الأخرى تنعم
ببركات
الأستاذ وستره. وطالب (حيدر منعثر) حامل البريد السري بين عالم نجهل خفاياه
وبين
أداته الجرمية. جرائم القاتل المأجور تحدد سلفاً وفق قائمة تعد
بعناية من قبل
الأستاذ، وهو ما نشاهده ظاهراً على الشاشة. ولكن من هو الأستاذ؟ هل له
علاقة بتسمية "شبل"
أرعن وقاتل عرفه العراقيون من قبل؟ أم انه كنية/إشارة لتناسل أساتذة جدد
يحتضنهم المشهد العراقي؟ إلا ان رشيد فعل حسناً، إذ أبقى لنفسه
فسحة التلميح دون
التصريح بمقاصده. وحده القاتل نعرف مواصفاته وخلفيته العائلية. فاشل في
دراسته،
فاشل في حبه، ليست له صداقات يعتد بها ومطرود من رحم عائلة. ومع تسلسل
أحداث
الشريط، نكتشف ان صدمة الشابة مريم وفقدانها النطق كان بفعل
إغتصابها من قبل والدها
كريم. ولتدارك فعلته الشنيعة، يلجأ الأب الى الصلاة من أجل طلب التوبة
والغفران
وعذره "ساعة شيطان". ما يدفعه، في آخر الأمر، الى طلب مساعدة مشعوذة تعلن
النبأ
الفضيحة بعد كشفها على مريم. بالمقابل، تقود الزوجة كريمة (أداء رائع
للممثلة آلاء
نجم) سذاجتها الى خيانة زوجها مع القاتل هرباً من يوميات ما
عادت تطيقها. لكنها
تكتشف ان لا فرق بين شارب وشارب، كما تقول في منولوغ يعبر عن حيرة. ولتبوح
بلوعتها
وحاجتها الى العيش الكريم والعمل وزيارة الصديقات والتحدث معهن، ليس كما
رسم لها
الرجال قدرها.
دراما لوثت الجميع دون أستثناء بآثامها. القاتل المأجور يُصفى
لانه نفذ عملية إغتيال خارجة عن الأصول كما يُقال له. وقد رأى
البعض، بان مشهد
أطياف من قتلهم، او خيب أمالهم، مثل الأب والأم والحبيبة، السابق لهذه
النهاية، كان
الحل الدرامي الأفضل لوضع خاتمة لحياة القاتل. بينما تقرر كريمة الهرب في
غبش ذات
نهار بصحبة مريم ومهند. أجتهد رشيد في كتابة نصه السينمائي
الثاني. لكن هناك إفتراق بين خطوط تواتر الفيلم وبنائه الدرامي والفني، إذ
جاء التصوير وكأنه تأطير لمشهد
فوتوغرافي يعتمد اللقطة القصيرة والمقربة الثابتتين، بدلاً من متابعة سير
أحداث
الشريط ومن زوايا تقارب نص السيناريو، كتابة المخرج نفسه، وأضفاء مسحة فنية
لما لم
تذكره الحوارات. والأخيرة غلبت عليها النبرة المسرحية، أداء
وقولاً، في أكثر فصولها
البعيدة عن البيت/ الوكر، لقاء القاتل مع حبيبته السابقة هناء في مختبر
الجامعة،
سؤال بائع الشاي وحواره مع صديقه القديم زياد. رغم ان الأخير يسره بخبر
عزمه أخيراً
بترك البلد بعد ان تحول الى "مقبرة"، وبيع داره الى "مناضل
قديم". فيما جاء توظيف
اغنية عفيفة إسكندر موفقاً جداً، إذ من خلالها أعاد المخرج
الحياة لإسم مطربة أطربت
وتغنى بها الكبار أيام عز ما عادت. بالمقابل حضرت مفردة "والعظيم" وكأنها
خارج سياق
مفردات بغداد الجديدة. ومثلها مفردة "فلم" التي جاءت في مفتتح الشريط،
بدلاً من "فيلم
". ولربما عذر رشيد ثقل دراما الموضوع الذي تنكب له. شريط "كرنتينة" مكاشفة
علنية، لما يمر به العراق من دون أحكام جاهزة. انه جزء منا، ونحن براء منه
في الوقت
ذاته. لكنه في المحصلة الأخيرة جهد مهم يضاف الى رصيد سينما تبحث لنفسها عن
دور
وقول. قول وعمل أهداه رشيد الى فنان عراقي غيبه الموت في
الغربة إسمه قائد
النعماني.
المدى العراقية في
11/11/2010
أحــــدب نـــوتــــردام 1939
عادل العامل
(
أخرج هذا الفيلم، و هو من نوع الدراما
التاريخية، المخرج الأميركي وليام ديتيريل، و مثّل فيه تشارلس لوتون، و
سيدريك
هاردويك، و توماس ميتشيل، و مورين أوهارا. و كانت مدة عرضه 117 دقيقة).
إن قلّةً من الناس
ستجادل في مسألة أن تكييف راديو RKO
عام 1939 لرواية فكتور هيجو (أحدب نوتردام)
للسينما كان أفضل التكييفات السينمائية الكثيرة لهذا العمل الكلاسيكي. و
نحن نقول
هذا آخذين بالاعتبار أمور الحريات المحسوبة من قبل كاتبي السيناريو سونيا
ليفين و
برونو فرانك لرسم موازيات بين باريس القرن الخامس عشر و أوروبا
القرن العشرين. و
هكذا، فإن كلود فرولو (و يمثله سيدريك هاردويك) وغد العمل الأدبي ، لا يعود
مجرد
منافق ديني غير قادر على السيطرة على رغباته الشهوانية. فهو، بدلاً من ذلك،
هتلر
عصبة دعاية، يحذّر من أن اختراع الصحافة المطبوعة خطرة في
كونها ستشجّع الحشد على
التفكير لأنفسهم، و يدبّرأمر اضطهاد و تدمير الغجر " غير المرغوب فيهم ".
وفي
النزعة ذاتها، جرى تحويل غرينغوار الشاعر ( أدموند أوبرين) إلى ناشط دعاية
، مصمم
على جلب الحقيقة غير المنمَّقة للباريسيين الجهلة. و قد
استُغني عن الكثير من قصص
هيجو المتداخلة في الرواية، فالأفضل التركيز على كواسيمودو المشوَّه بصورة
مخيفة (و
يقوم بدوره تشارلس لوتون)، و هو قارع أجراس كاتدرائية نوتردام، و وفائه
الشبيه
بوفاء الجرو تجاه الراقصة الغجرية المعرَّضة للخطر أيزميرالدا(مورين
أوهارا، في أول
ظهور لها في فيلم أميركي). و يقوم المخرج وليام ديتيريل هنا بإظهار
الانفصال الكبير
بين الأغنياء و البائسين في مدينة باريس المسوَّرة في لقطات عريضة
ديناميكية
المشاهد.
المدى العراقية في
11/11/2010
المخرج عباس كيروستامي:
أؤمن بأن للسينما قوى
سحرية
ترجمة: نجاح الجبيلي
إن الفيلم
الجديد لعباس كيروستامي "نسخة مصدقة" هو ماكر يكتنفه الغموض وهنا تكمن
المتعة. تدور
قصته حول مالكة غاليري ( التي أدت الدور بشكل ساحر جولييت بينوشي) ومؤلف
بريطاني
(
يؤدي الدور وليم شيميل) الذي تلتقيه في إيطاليا و "تخترع" ،في حديث
ساخر في تلال
توسكانيا، زواجاً عمره 15 سنة. وقد جعل مشاهدي "كان" يتجادلون إن كان
الاثنان
متزوجين حقاً أم أن قصتهما فعلاً هي مجرد "نسخة".
وإن كانت فعلاً
مجرد نسخة فماذا يهم في الواقع- أو ماذا يعني أيضاً؟ يبدأ الفيلم بمناقشات
حول الفن
بينما الاثنان يتجولان أمام اللوحات والتماثيل. يقول الرجل في
الفيلم:" أحياناً
تكون النسخة أصدق من الأصل".
يمنحك الفيلم متسعا من الوقت كي تتأمل وكأنه يطارد
حديث الرجل و المرأة بهدوء في السيارات والفنادق والغاليريات
والأرياف وكل واحد
يستجيب للآخر بصوتين هادئين ويذكرنا بفيلم "هيروشيما حبيبتي" أو "رحلة في
إيطاليا".
تضم اللحظات الحية تجوال كيروستامي المميز في سيارة إضافة إلى الحديث
المليء بالضجة
والضحكات مع مالك المطعم الإيطالي المزدحم. يدور الحديث أحياناً حول الحب-
بينما
يستمر زفاف شبان مسرورين خارج النافذة- أو حول الفن بينما
جوليت تلاطف تمثالا –
وعند بلوغ النهاية يدور حول كل فهم المرأة للعلاقة القديمة الفاشلة
المفترضة التي
استمرت 15 سنة.
إذا ما كان السرد هو نسخة ( أي عن الحياة الزوجية) فهل يوحي
كياروستامي بأن كل العلاقات بين الرجل والمرأة يمكن التنبؤ بها؟
الرجل المتحفظ
والمرأة العاطفية – هل هناك حاجة إلى الاتصال بينهما؟ يبدو الفيلم تأملاً
غنائياً
في مراحل الحياة التي تبدأ بالزفاف وتنتهي بالإقصاء.
وثمة سؤال اتهام: قد يكون
هناك شيء مثير للاعتراض حول إعادة خلق نسخة المرأة المكررة التي تطلب
الاعتراف
والعاطفة من الرجل – كما أشارت أكثر من امرأة شاهدت الفيلم.
إن حقيقة هذه النسخة
قابلة للنقاش.
أجاب كياروستامي ،الذي يضع نظارة شمسية سوداء غامضة مثل فيلمه:"
اعتقد أن الطريقة التي تنظر بها إلى هذا الفيلم أما كونه استرجاعاً قبل
15سنة أو
كتاباً سريعاً بعد خمس عشرة سنة. لا يهم إن كانت قصة حقيقية وإذا ما رأيتها
تمثيلاً
مسرحياً فهو أمر صحيح. تأتي الإثارة من قصة حقيقية حدثت في
إيطاليا، لكن ربما تكون
السيدة المتورطة في القصة غير مميزة لنفسها. إنها قصة شخصية بالنسبة للبعض
أما أنا
أو هي".
·
هل يدور فيلمك
عن الحب؟ هل التحدث عن الحب يعني أننا واقعون فيه؟
-مباشرة
في البداية يتناقش
الرجل والمرأة حول القضية. لن يذكرا الحب بصورة مباشرة لكن جوليت تذكر
أختها التي
تحب زوجها المتلعثم وتعده مثالياً. كان من المهم جداً أن يبدآ بهذه
المناقشة ملمحين
إلى الحب. لا أعرف إن كان الحوار هو الذي جعلهما يقعان في الحب. نستطيع أن
نقع في
الحب بسبب النزاع والاختلافات أو سوء الفهم أو بسبب صوت
الأمواج.
·
هل ترغب في
أن يتقمص المشاهد مع شخصيتيك كرجل وامرأة كونيين؟
-
حسن، إنها ليست ضرورة. ربما
بعض الناس سوف يرون أنفسهم بينما الآخرون لن يتقمصوا هذه النزاعات. لكن
اعتقد بأن
تجربة أي شخص سوف تجعلهم يربطون هذا النقص بالفهم المشترك. لماذا لا تحمل
جوليت
اسماً؟ فضلت أن لا تحمل اسماً لهذا فإن أي امرأة في الجمهور
يمكن أن تتطابق معهما.
رغبت من الرجل أن لا يحمل اسماً أيضاً لكنه مؤلف.
·
هل إيطاليا نسخة
أيضاَ؟ لدينا الجبال المألوفة في توسكانيا والمناقشة حول النبيذ...
-إيطاليا
هي
الشخصية الكاملة في الفيلم. لها مبرر وجودها وحضورها وحواراتها الخاصة. كنت
أريد من
إيطاليا أن تكون الشخصية الثالثة. نسخة؟ وليم وجولييت ليسا نسختين. ولا
إيطاليا.
إذا ما كانا نسختين فإنهما يمتلكان أصالتهما الخاصة.
·
هل كان فيلمك
نسخة من الأفلام الأخرى؟ البعض وجد في نغمته تذكيراً بالموجة
الفرنسية الجديدة أو
وودي الآن...
-لا
اعتقد أنك تستطيع أبداً أن تؤكد أن فيلماً هو نسخة لفيلم آخر.
إنه نسخة غير خالصة. العمل يصبح مستمراً؛ إنه يقع في اتجاه وموجة. إذا ما
أخذت
الفترة الانطباعية تستطيع أن تقول بأنهما في حالة نسخ أو تستطيع أن تقول
أنهما كانا
جزءاً من موجة. الناس قالوا بأنّ فيلمي نسخة من فيلم "رحلة في إيطاليا"
لروسلليني
أو فيلم "مشاهد من زواج" لأنغمار برغمان. والآخرون أيضاَ نسخوا أفلامي لكن
نسخة
الفيلم ليست دائماً أصلية. هناك أيضا ترابط بين الفيلم وفيلمي السابق
"شيرين". إذا
ما فهمت هذه المرأة فإنك سوف تفهم المرأة الأخرى.
·
هل تستطيع
التعليق على معنى المشهد الأخير في فيلمك؟ الرجل ينظر إلى نفسه
في المرآة فما الذي
يحدث؟
-
إنه لا ينظر كثيراً إلى نفسه بل إلى المُشاهد. كل ما أراه في وجهه هو
أنه منسحق بما يراه. بعد أن تكشف المرأة عن عواطفها وروحها لا
يستطيع فقط أن يتخلى
عنها ولا يمكنه أن يبقى معها بسهولة أيضاَ. لا يمكن أن يكون نرجسياً مركزاً
على
ذاته. حتى لو كان نرجسياً فإن وقوعه في موقف كهذا يجعله يشعر. إذا ما
أثارتك جوليت
بتلعثمها بنطق كلمة جيمس فأنها لم تثره أيضاً.
·
هل تعتقد أن قوة
السينما نسخة أم أصلية؟
-
دائماَ اعتقد أن السينما لها قوى
سحرية.
المدى العراقية في
11/11/2010
أهلاً بكم في «عيادة الدكتور كاليغاري»
التعبيريّة في «متروبوليس» على أنغام إلكترونيّة
يزن الأشقر
تستعيد صالة الفن والتجربة الوحيدة في بيروت إحدى روائع السينما الألمانيّة
الصامتة، في نسخة 35 ملم مستحدثة. ويترافق العرض مع عزف حيّ لفرقة «مونما»
اللبنانيّة، ما يعطي التجربة بعدها الخاص، في إعادة قراءة هذا العمل
الكلاسيكي الذي مهّد لأفلام الرعب، بتناوله الجانب المظلم من الإنسان، في
أجواء كابوسيّة لا تنتهي
جمهور السينما في لبنان على موعد مساء الأحد مع واحدة من المحطات الأساسيّة
في تاريخ الفن السابع. إنّه فيلم روبرت فينه «عيادة الدكتور كاليغاري»
(1920) الذي تعرضه صالة «متروبوليس أمبير صوفيل»، بدعم من «معهد غوته»، في
نسخة 35 ملم مستحدثة، وبمرافقة موسيقية حيّة لفرقة «مونما» (راجع المقال
أدناه). من دون أدنى شك، يعدّ هذا الفيلم الصامت من روائع السينما
التعبيريّة الألمانيّة، وإحدى العلامات الفارقة التي مهّدت لما عرف
بالأفلام السوداء، في هوليوود الأربعينيات، وسينما الرعب عموماً.
تعود السينما الألمانية الى زمن اختراع الكاميرا، والتباشير الأولى للسينما
في أواخر القرن التاسع عشر، حين اخترع الإخوة سكلادونوفسكي النسخة البدائية
من جهاز العرض السينمائي. لكنّ انطلاقتها الفعلية كانت بين انتهاء الحرب
العالمية الأولى وصعود النازية. حفلت السينما التعبيرية حتى منتصف
العشرينيات، بأسماء مثل روبرت فينه، وفريديريك ويلهيلم مورنو، وكارل بويزي،
ثم فريتز لانغ، وأرنولد فانك وغيرهم.
لم ينجُ الفيلم في زمنه من الرقابة التي أدّت الى تحوير فكرته الرئيسيّة
نشأت الحركة التعبيرية في ألمانيا كرد فعل على المذاهب الانطباعية
والطبيعية قبل الحرب العالمية الأولى، وامتدت إلى أنحاء أوروبا. وجاءت
تعبّر عن علاقة مغايرة للواقع، في الرسم والأدب والمسرح، تعكس القسوة
والخوف والقلق الفردي، وتطلق العنان للمشاعر المكبوتة والتهويمات بصورة
عاطفية ديونيزوسية. وامتد أثر هذه الحركة ليشمل الفن السابع أيضاً. لم يكن
سهلاً على السينما الألمانية التعافي بعد أجواء الحرب العالمية الأولى، لكن
التضخم الاقتصادي الذي حصل في جمهورية فايمار مكّن صنّاع الفنّ السابع من
اقتراض العملة الألمانية قبل انخفاض قيمتها سريعاً. هذه الفترة الاقتصادية
التي عاشتها ألمانيا، أعطت دفعاً لإنتاج أفلام ذات كلفة منخفضة. كل ذلك
أسهم في خلق أجواء مكّنت الحركة التعبيرية الألمانية من الازدهار، لتبلغ
أوجها في برلين العشرينيات. فأجواء ما بعد الحرب سوداوية وكئيبة، والرغبة
كبيرة في التعبير الإنساني ودفن الماضي. لكن التنافس مع أفلام هوليوود ذات
الإنتاج الضخم، كان أمراً صعباً. هكذا، استبدلت التصاميم الباهظة بالرموز
التعبيرية، والديكورات الخادعة، والرسم على الأرضيات والجدران، واللعب على
الضوء والظلال... وانطلقت تلك الموجة السينمائية التي أحدثت، رغم قصر
مدتها، ثورة يمكن رؤية آثارها ممتدة إلى السينما الحديثة حتى اليوم. في
«عيادة الدكتور كاليغاري»، يمتزج الواقع بالهلوسة. منذ اللقطة الأولى،
يضعنا روبرت فينه مباشرةً في عالمه الكابوسي المزعج. رجلان متفاوتان في
السن يجلسان على قارعة طريق، يحذّر الأكبر سناً صديقه من الأرواح التي تسري
في هذه المنطقة. تظهر فجأة امرأة بملابس بيضاء تسير أمامهما من دون أن
تعيرهما أدنى اهتمام. ثم يخبر الراوي فرانسيس (فريديريك فيهير) وهو الرجل
الأصغر سناً، أنّه صادف موقفاً مثيراً مع المرأة، لتبدأ رواية الفيلم. في
قرية هولستينوال الجبلية الألمانية، يصل الدكتور كاليغاري (فيرنر كراوس)
ليقدم عرضه المتجول المثير مع مساعده سيزار (كونراد فيت) الذي يتنبأ
بالمستقبل أثناء نومه. بعد تصريح العرض من قبل آمر القرية الذي يُقتل بعدها
في حادث غامض، يذهب فرانسيس برفقة صديقه ألن لمشاهدة العرض المدهش. هناك،
يطرح فرانسيس سؤالاً على سيزار: كم سنة بقي له أن يعيش، فيجيبه بأنّه سيموت
قبل فجر اليوم التالي. تتحقق النبوءة، وتمضي الأحداث الكابوسية تباعاً حتى
نهاية الفيلم غير المتوقعة. إلى جانب نهايته المثيرة التي أصبحت علامة
فارقة في السينما، ما يثير الدهشة في هذا الشريط حتى أيامنا هذه، هو
احتفاظه بتأثيره كمثال أوّلي على سينما الرعب. إضافةً الى الحبكة المثيرة،
يسهم الديكور التعبيري الورقي بصورة أساسية في صناعة أجواء الفيلم
السوداوية. وإذا كانت تحفة المعلم الألماني فريتز لانغ «M
الملعون» (1931) التي جاءت في فترة ما بعد التعبيرية قد جمعت بين التصاميم
الواقعية الباهظة والأساليب التعبيرية، فإن فيلم روبرت فينه «كاليغاري»
يبدو بدائيّاً وبسيطاً. وقد استخدم أسلوب التضخيم، والتصوير المخادع
للشوارع المائلة، والحجرات الضيقة، ولقطات الزوايا المستخدمة بكثرة، وصولاً
إلى الظلال التي رسمت على الجدران والأرضيات... كل تلك العناصر والتقنيات
صنعت بيئة شاذة تمثّل دوراً رئيسياً في رسم أحداث الشريط. ولا شك في أن
الفيلم يحمل بعداً سياسياً أيضاً، إذ يقوم خطابه ضد السلطة وخداعها.
السيناريو الذي كتبه النمسوي الشهير كارل ماير وزميله البوهيمي هانس
هانوفيتز، لا يزال يثير خلافاً حول طبيعة شخصية كاليغاري ومحيطها السياسي
الذي خضع لدراسات عدة. حتى في عصر السينما الصامتة، لم ينجُ الفيلم من
الرقابة التي أدت الى تحوير فكرته الرئيسية، وتعديل المشاهد الأولى
والأخيرة، بعدما تعرض الإنتاج لضغظ سياسي، خوفاً من أن يفهم الجمهور أنّ
السلطة مجنونة. لكن رسالة الفيلم تبقى كما هي، وقد تبدو لنا أكثر من راهنة:
تسليط الضوء على الجانب المظلم من الإنسان في هذيان وخداع وجنون.
الأخبار اللبنانية في
11/11/2010 |