حذر المخرج داوود عبد السيد من بروز طبقة جديدة في المجتمع المصري
تسعى للربح السهل والسريع على حساب الطبقات الكادحة والمهمشة في البلاد.
وخلال حديثه لـ "العربية.نت"، اعتبر مخرج "الكيت كات" أن هذه الطبقة
الصاعدة التي وصفها "بالانتهازيين الجدد" تمثل خطورة على البيئة الاجتماعية
في مصر لما تعتمده من أساليب غير أخلاقية في سبيل تحقيق أهدافها في ظل غياب
رقيب ورادع لها.
وأضاف قائلا: "هذه الطبقة تعمل بلا قانون وتعتمد الصيد الجائر وتستنزف
الطبيعة البشرية".
وأكد أن فيلمه "رسائل البحر" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لأيام
قرطاج السينمائية يمثل انتصارا للطبقة المهمشة في مصر.
وقال"ولدت في طبقة متوسطة لكن ذلك لايمنعني من الحديث عن المهمشين".
واعتبر أن مشكلتهم الأساسية تكمن في غياب التنظيم في مابينهم وجهلهم
لحقوقهم وكيفية الحصول عليها بطريقة عقلانية.
مناصرته لحقوق المرأة
واعترف عبد السيد بتحيزه الشديد لقضايا المرأة ومناصرته لحقوقها
وحرياتها شرط محافظتها على خصوصيتها، واستنكر في المقابل أن تقف شرعية
الزواج على عقد مبرم بين طرفين.
واستدل في هذا الخصوص بظاهرة تزويج الفتيات القاصرات في مصر لأثرياء
عرب في أعمار آبائهن بموافقة أسرهن كحل لمواجهة ظروفهم الاجتماعية الصعبة،
واعتبر هذا الزواج بمثابة صفقة لشراء الرقيق الأبيض.
ونقد بشدة الاتجاهات الدينية التي وصفها "بالمتخلفة" حيث تركز من جهة
على المنحى القانوني لشرعية الزواج، ومن جهة ثانية ترفض إصلاحه وتعديله.
وبين عبد السيد سبب قلة أعماله السينمائية يرجع إلى صعوبة إيجاد
التمويلات الإنتاجية الكافية ولحرصه على التريث في سبيل تقديم عمل لا ينزل
عن القيمة الفنية التي طالما ارتبطت بأغلب أعماله. وأضاف" أنا أهتم بالبعد
التجاري والجماهيري والفني وأحاول التوفيق بين هذا الثالوث رغم صعوبة
تحقيقه".
واعتبر أن العقلية التجارية المهيمنة على قطاع صناعة السينما في مصر
غلبت المصالح الاقتصادية على الجانب القيمي.
واستغرب من الرقابة التي تفرضها الدولة المصرية على الأعمال
السينمائية حتى تنسجم مع سياستها ومصالحها، وبالمقابل ترفض دعمها وتمويلها
عملا بشعار "أراقبك لكن لن أدعمك لتصنع ما هو أفضل".
ترشيح "رسائل البحر" للجائزة الذهبية
وحظي فيلم"رسائل البحر" الذي عرض في إطار أيام قرطاج السينمائية
بإعجاب الجمهور ورشحه الكثيرون لنيل الجائزة الذهبية للمهرجان.
وتدور أحداثه حول شخصية شاب اسمه "يحي" متخرج من كلية طب ويعاني من
مشاكل في النطق حالت دون استمراره في شغله كطبيب نتيجة نظرات الاحتقار التي
يرمقها به زملاؤه في المستشفى ليجد نفسه في عالم البحر والصيادين وينخرط في
همومهم ومشاكلهم اليومية.
ويقوم ياسر ياسين بدور "يحي"، ويشاركه في البطولة كل من الممثلة بسمة
وصلاح عبد الله ومحمد لطفي.
موقع "العربية" في
31/10/2010
عن مؤسّس «فيس بوك»
«الشبكة الاجتماعية»..قصّة الـ 500 مليون صـديق افتراضي
زياد عبدالله
ليس بكائن اجتماعي أبداً، لكنه سيبرع في تقديم أهم أداة للتفاعل
الاجتماعي، شبكة اجتماعية سيعلق في شباكها الملايين حول العالم، لا بل مئات
الملايين، سيتحول الأمر إلى هوس اجتماعي، إلى شيء لا غنى عنه، له في الوقت
نفسه أن يجعل من العزلة أداة للتواصل، وفي استكمال لعالم لا شيء يحدث فيه
إلا على شاشة الكمبيوتر، والحياة دائماً افتراضية، بما يجعل الافتراضي
طاغياً على الواقعي، وفي تداخل بينهما، حيث الكمبيوتر مساحة كاملة لفرض
واقع جديد على الدوام.
لن يكون ذلك إلا بإيحاء من فيلم ديفيد فينشر
The Social Network «الشبكة الاجتماعية» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، والذي
بدوره لن يكون بحال من الأحوال مجرد فيلم عن مؤسس «فيس بوك» مارك زوكربيرغ،
مع أنه كذلك، كونه يحمل ايضاً مقاربة لنبض العالم الذي نحن فيه، أخلاقياته،
عوالمه، ما يسوده وما يبتعد عنه، وفي اتساق كامل مع ايقاعه، بما يدفع الى
اعتبار فيلم فينشر أول فيلم يقدم ما كان بعيداً عن السينما، ولم يبقَ كذلك
مع هذا الفيلم.
كما نعرف عن أفلام فينشر فإن «الشبكة الاجتماعية» لن يخرج عن ايقاع
أفلام هذا المخرج الأميركي، سيكون محكماً ومتسارعاً، وفي استثمار تام
للسيناريو المميز الذي كتبه أرون سوركين في معالجته السينمائية لكتاب بن
مزريك «ملياردير بالمصادفة»، وسيمضي الفيلم بما يجعلنا بداية نظن اننا في
خط أفقي واحد من تتابع الأحداث، لكن سرعان ما يمسي الأمر استعادياً، بمعنى
أننا سنكون أمام محاكمتين أو جلستي تسوية قانونية بين زوكربيرغ ودعويين
قضائيتين تشكلان معبراً إلى الخوض بمصادر زكربيرغ في تأسيسه موقع «فيس بوك»،
ومن ثم خلافه مع شريكه أو مدير الموقع المالي صديقه ادواردو (اندرو غارفيلد)،
حيث سيضيء الفيلم كل المعاير التي تؤدي إلى مقاربة زوكربيرغ لكن بتكثيف
مفرط، بمعنى أن كل شيء يقدم كمقترح سريع له أن يجيب عن التساؤلات الكثيرة
التي يحملها، دون أن يبقى أي سؤال دون إجابة. إجابات ستكون في النهاية
خاطفة وسريعة لا تقال مباشرة أو بعبارات واضحة وسريعة، فنحن سنعرف من أين
نبعت فكرة إنشاء زوكربيرغ «فيس بوك» من خلال النزاع القانوني مع من طلبوا
من زوكربيرغ انشاء شبكة اجتماعية خاصة بجامعة هارفرد وهي «هارفرد كونكشين»،
بينما زوكربيرغ مصرّ على أن «فيس بوك» هو الابن الشرعي لـ«فيس ماش». لنمضِ
إلى الفيلم من بدايته، كون هذه البداية ستكون النقطة التي ستبقى متواصلة
على امتداد الفيلم، إنها البداية التي ستكون بمثابة اقتحام لكل ما يليها،
بداية هادئة تضعنا أمام حوار بين مارك زوكربيرغ (جيسي ايزربيرغ) وحبيبته
اريكا (روني مارا)، هذا الحوار سيكون محتشدا بكامل عناصر الفيلم، وتمهيداً
كاملاً لدوافع زوكربيرغ نحو ما سيقدم عليه. زوكربيرغ يتكلم بسرعة كبيرة،
أجوبته ذكية ورشيقة، بينما اريكا تريه ما هو عليه، والتي ستقرر بناءً على
حوارهما الانفصال عنه، سيصاب زوكربيرغ بالخيبة، سينتقم افتراضياً وعبر
الانترنت، سيشتم اريكا، سيعتبرها «ساقطة»، الأمر الذي لن تغفره له كون ما
يكتب على الانترنت يكتب «بالحبر وليس بقلم رصاص»، كما ستقول له في منتصف
الفيلم.
سيجد زوكربيرغ ما يفرغ به شحنة غضبه، سيسطو على موقع جامعته ومواقع
أخرى، ويأخذ صور الفتيات فيها ثم يضعها على موقع جامعة هارفرد، حيث تظهر
دائماً للمتصفح على الشاشة صورة فتاتين أن يختار أيهما أجمل وفي تتابع لا
ينتهي من الصور، فمن يختارها المتصفح سرعان ما تظهر إلى جانبها صورة جديدة
للمقارنة، وهكذا يحقق دخول 22 ألف متصفح إلى هذا الموقع خلال ساعتين، ويسمي
ذلك «فيس ماش»، البذرة الأولية لموقع «فيس بوك». نعود إلى الحوار بين
زوكربيرغ واريكا، حيث تندر الأول على المجذفين سيضعنا أمام أمهر من يقود
بالتجذيف في القوارب السريعة في هارفرد، واللذين سيدفعهما ما قام به
زوكربيرغ في «فيس ماش» إلى سؤاله أن ينشئ شبكة اجتماعية هي «هارفرد كونكشن»
تصل بين طلبة هذه الجامعة، لكن زوكربيرغ سيقوم بإنشاء «فيس بوك» بدلاً من
ذلك، كما لو أن طلبهما قاده إلى انشاء ذلك، طبعاً هذا سيكون مستعاداً من
خلال المنازعة القانونية التي تجري بينهم بخصوص حقوقهما في «فيس بوك»، كذلك
الأمر مع صديقه أدواردو الذي سيجد زوكربيرغ نفسه في صراع معه بخصوص حقوقه
أيضاً في «فيس بوك»، كون أدواردو كان ومن البداية الممول الوحيد لمشروع
زوكربيرغ. لن أخوض بالمزيد من أحداث الفيلم، لكن تجدر الإشارة إلى أننا
وطيلة الفيلم سنقع أمام اكتشافات متوالية لما قام به زوكربيرغ للحفاظ على
امتياز كونه المؤسس الرئيس للموقع ومديره وصاحب الحصة الأكبر فيه، مثلما هو
الحال مع المقال الذي نشر في الصحافة عن ادواردو بخصوص علاقة الأخير
بالحيوانات، أي قصة الدجاجة التي يطعمها لحم دجاج، وصولاً إلى شريكه الجديد
شون باركر (جوستين تمبرليك) والمخدرات التي يتورط فيها هذا الأخير لدى
احتفاله بوصول «فيس بوك» إلى المليون مشترك، باركر الذي يستثمر زوكربيرغ
قدراته التسويقية وينحّيه جانباً عند شعوره بسطوته، وكل ذلك سنكتشفه
تلميحاً أو خطفاً، فحين يتصل باركر بزوكربيرغ ويخبره بأنه في قسم الشرطة
نرى زوكربيرغ يتصفح بطاقته المكتوب تحتها مدير «فيس بوك»، الآلية التي
ستتكرر في أكثر من موقف.
فيلم «الشبكة الاجتماعية» يأخذنا إلى الملمح الرئيس المشكل لعالم
اليوم، عالم «فيس بوك» شاغل البشر ومالئ الدنيا، الشبكة التي تخطى عدد
المشتركين فيها الـ 500 مليون مشترك، عالم الأفكار الصغيرة التي سرعان ما
تطغى على ما عداها، وتفرض على الأرض معطيات يمكن لزوكربيرغ أن يبشر من
خلالها بـ«الشفافية الراديكالية» أو أن تتحول الحياة إلى فعل مشاركة من
خلال العزلة، والالتصاق بالشاشة أكثر، وغير ذلك مما يمكن الحديث عنه في
مسعى لأخذ الفيلم إلى مساحة نقوده إليها، بحسب ما نعاين فيه المستجد في هذا
العالم. لكن الفيلم أولاً وأخيراً عن زوكربيرغ، إنه الكائن غير الاجتماعي
الذي يخلق عالماً أو شبكة اجتماعية، على مبدأ «باب النجار مخلوع»، وفي تتبع
لمثل آخر «الحاجة أم الاختراع»، ومن هنا ستكون «الإنترنت»، عالم مواراة،
أداة يمكن لنا أن نصنع ما نشاء بها، فزوكربيرغ الذي لا ينجح بالانتساب لأي
نادٍ اجتماعي ويحسد أدواردو على انتسابه إلى نادٍ يهودي سيجد النادي الخاص
به، كما هو «نادي القتال» ربما في فيلم فينشر الشهير ، لكن دون أدوات
تمردية، بل في اتباع لما يبدو نيات حسنة، لكنها في العمق تعويضية، ثم ان
الانتشار الهائل لـ «فيس بوك» دون «أل» التعريف التي ينصح باركر بإزالتها
فيفعل زوكربيرغ سيكون محط تساؤل، كونه ليس الأول من نوعه ونحن نتكلم على
سبيل المثال عن «ماي سبيس» السابق له، وبالعودة إلى الدوافع فإن الحاجة
ستكون نقصاً، وسيبقى زوكربيرغ يفكر بإريكا التي سنجده يرسل إليها دعوة
لتكون صديقته على شبكته الاجتماعية، الأمر الذي يبقى معلقاً، ولنضيف إلى
الحاجة انتقامات زوكربيرغ التي تطال كل من حوله بهدوء وخفة، بما يوحي بأنه
لم يفعل شيئاً، ولا علاقة له بذلك، إنه الذكي البارد الطامح والقادر على
استثمار الجميع في خدمة تطلعاته، ومن ثم الاستغناء عنهم جميعاً لدى
استنفادهم، ليكسب 500 مليون صديق افتراضي (عدد مشتركي «فيس بوك») ويخسر كل
صداقاته الحقيقية.
الإمارات اليوم في
31/10/2010
فيلم للجزائري مؤنس خمّار
«العابر الأخير».. روح الفنان الهائمة
زياد عبدالله
يمكن أن تقول كل شيء في فيلم مدته سبع دقائق، أن تمضي في الزمن كيفما
تشاء بالقفز من فوقه، أو استعادته، تقديمه وتأخيره، وبالتأكيد سيكون هنا
الحديث متعلقاً بالفيلم القصير، والمساحة الزمنية التي يتيحها وكيفية
استثمارها سينمائياً، ولتكون الكلمة المفتاح في كل ذلك «التكثيف»، أن تصنع
الدراما في اطار زمني يطالبك بأن تكون مكثفاً، ولنمتلك في هذا المنحنى
فيلماً جزائرياً يقودنا إلى ما تقدم، فيلم بعنوان «العابر الأخير» للمخرج
مؤنس خمّار في أولى تجاربه السينمائية والذي نال عليه جائزة أفضل فيلم عربي
قصير في الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي التي انتهت منذ ما يقرب
الأسبوع.
لكل فيلم بنيته، القصير مثلما هو الطويل، في القصير الاستثمار سريع
ومكثف للعناصر، ومفضوح بفداحة لدى إلصاق عناصر لا حاجة لنا بها، وليكون
فيلم «العابر الأخير» عبوراً متقناً نحو تقديم حياة انسان كاملة في سبع
دقائق لا أكثر، إننا أمام شاب يقطع شوارع الجزائر العاصمة، وهو يتفقد
اعلانات عن عرض مسرحي لفنانة ملقبة بالأميرة، ومن ثم نقع على شاب وشابة
أمام البحر ومن خلفهما يحضر الشاب سابق الذكر يتوقف لثانية، ومن ثم يركض
بأقصى سرعة ويقفز إلى البحر حيث يموت، وليتجمع الناس وسط ذهول من شهدوا ذلك
من صيادين وغيرهم، ومن بين الجمهرة المجتمعة يخرج الشاب مجدداً ويمضي يتجول
مجدداً بوصفه الآن روحاً هائمة، لها أن تضعنا مباشرة أمام حياته، أمام
سلسلة من الفشل المتواصل، ولنتعرف من خلال الرداء الذي يرتديه إلى أنه ليس
إلا نادلاً في المسرح، وذلك من خلال رؤيتنا الأميرة التي تكون اعلاناتها في
كل مكان، الأميرة التي تختلف مع صاحب المسرح وتكسر فنجان قهوة، فيأتي من
يرتدي لباساً مشابهاً للشاب المنتحر ويقوم بجمع قطع الفنجان المكسورة.
سيعود الشاب إلى امرأة يحبها لكنها حامل، سنجده على خشبة المسرح يقدم
عرضاً راقصاً، لكن قد أمسى رجلاً بلا ظل، وهكذا وصولاً إلى اكتمال ما كانت
عليه حياة هذا الشاب قبل اقدامه على الانتحار، إنه المطمح الفني المصطدم
بواقع مر، العجز، وخيانة كل شيء له، هو الذي يعيش المسرح يومياً وليس بأكثر
من نادل وفي داخله الكثير ليقدمه، إنه فيلم عن روح الفنان الهائمة، الروح
التي تبقى كذلك من وطأة الواقع عليها، والتي لن تشفى حتى وإن انتحر صاحبها.
الفيلم مبني بتتابع جميل، واستثمار كامل لكل عناصره، بما فيها
الموسيقى التصويرية لزياد الرحباني وصوت فيروز الذي يرافق الروح الهائمة،
ولهذا التناغم أن يهدينا في النهاية فيلماً يضيء تهميش الفنان، عبوره الذي
ليس للمدينة أن تعرفه إلا بالانتحار ربما.
الإمارات اليوم في
31/10/2010
ثورة السينما الأمريكية ضد 'بوش' تبدأ بـ'اللعبة العادلة'
خالد النبوي يناضل على أرض صلاح الدين
القاهرة ـ من كمال القاضي
لا شك أن السينما
كانت أكثر جرأة من السياسة، حين كشفت عن الوجه القبيح للحرب الأمريكية على
العراق
في العديد من الأفلام التي ناقشت القضية من زاوية محايدة، بعيدا عن شروط
التمويل
الأجنبي التي فرضت في بعض التجارب، وجعلت من محاربة الإسلام
فرض عين على كل أمريكي،
هذه التجارب أو المحاولات لم تأبه بها الحركة النقدية، وتركتها تموت
تلقائيا بفعل
التجاهل والإهمال، أما ما يستحق الالتفات والتدقيق فتلك الأعمال الكبرى
حاملة وجهة
النظر التاريخية والمشاركة في عملية التنظير السياسي، وسجال
الآراء الذي خلق حراكا
ثقافيا وسينمائيا راقيا، لتتبين الحقيقة من الخيال ويقف جموع الناس على أصل
المؤامرة الكبرى، سواء في ما يخص العراق أو غيره من دول المنطقة، وبالطبع
كان
الإرهاب هو محور الأحداث في كل الأفلام فقد أوعزت الإدارة
الأمريكية في فترة حكم
بوش الصغير بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر لشركات الانتاج العالمية بأن الشرق
الأوسط هو
الموطن الأصلي للإرهاب، وبالتالي جاءت معظم الأفلام عاكسة لهذا التصور، وهي
اللعبة
التي أراد بها دبليو بوش حشد الرأي العام في اتجاه الحرب، ولكن
رغم ذلك فطنت بعض
الشخصيات من كبار المثقفين إلى خطة الرئيس وأعملت عقولها في الاتجاه
المضاد، فكان
من نتاج ذلك فيلم المخرج الكبير مايكل مور '11 سبتمبر' الذي أعاد قراءة
الحدث في
ضوء معطيات جديدة وخفف من حدة العداء الغربي للعرب، وأعطى
للعقل فرصة أن يلعب دورا
في تحديد المسؤولية، وقد لاقت صيحة مور صدى واسعا في الشارع الأمريكي وبدأت
حركة
مناهضة جديدة تلوح في الأفق ضد الإدارة المستبدة، ربما جاء التعبير عنها
واضحا في
انضمام مخرجين آخرين لمايكل مور أبرزهم ميل جيبسون، المخرج
والنجم الكبير الذي جاهر
برأيه المعادي لسياسة بوش الابن، ورفضه الحرب على العراق في ما بعد،
واعتبارها نوعا
من البلطجة وانتقاصا من حقوق دولة ذات سيادة، وقد دفع جيبسون ثمناً لهذا
الموقف،
رغم دعاوى حرية الرأي والتعبير داخل امريكا، فأبسط الأضرار
التي لحقت به تواري
الأضواء عنه لفترة غير قصيرة وتحجيم توزيع أفلامه في عدد كبير من دول
العالم،
لاسيما فيلمه الأِشهر 'آلام المسيح'، بيد أن هذا التضييق لم يزعج ميل
جيبسون واستمر
في معارضته للبيت الأبيض، قبل أن تنتقل السلطة للرئيس الجديد باراك أوباما،
ونستطيع
القول انه بفضل مور وجيبسون تصاعد تيار السينمائيين المعارضين بالولايات
المتحدة،
وأصبحت هناك كتلة قوية من المبدعين باتت تعيد النظر في إشكالية الهيمنة
الأمريكية
على الشرق الأوسط وتفرض صيغة مختلفة للتعامل والحوار مع الدول
ذات الحضارات، بل
هناك من تجاوز المفهوم الى تعرية السياسة الأمريكية بالكامل وفضح ممارساتها
في
الفترة الماضية بالصوت والصورة، عبر أفلام تدين بشكل صريح العدوان على
العراق،
وتعتبره عملية انتحار جماعية للجيش الأمريكي، تسبب فيها رجل
أرعن وكذاب، وهو المعنى
المقصود به بوش من دون مواربة في فيلم 'لعبة عادلة' للمخرج دوج لمان، الذي
عرض
مؤخرا ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي وشارك في بطولته النجم المصري
خالد
النبوي، مؤديا دور رجل عراقي عانى من ويلات الحرب وذاق مرارتها
جراء كذبة كبرى
اقترفها رئيس أكبر دولة في العالم وروج لها حتى صارت من فرط تكرارها في حكم
الحقيقة، قبل أن تظهر الوثائق وتصير الفضيحة على الملأ، إذ لم تكن هناك
أسلحة دمار
شامل في حوزة العراق مثل التي تمتلكها إسرائيل وتغض أمريكا
الطرف عنها تعاميا أو
استثناء، الأمر الذي يثبت منطقية السينما في شهادتها المبكرة، حين أوضحت من
خلال
أفلام روائية وتسجيلية ان الهدف ليس أسلحة الدمار او تنقية المنطقة من
السلاح
النووي، وإنما الأطماع الأمريكية والسيطرة على حقول النفط
العراقي ومحاولة إعادة
الهيكلة السياسية وترسيم الحدود الجغرافية، هي مفردات الأجندة وملاح
الهندسة
البيانية في خطة بوش وتوني بلير وكوندوليزا رايس، ثلاثي الشر وأقطاب التآمر
في
معركة التدليس والخيانة ضد بغداد، لقد أنفقت الولايات المتحدة
الأمريكية والاتحاد
الأوروبي مليارات الدولارات على انتاج أفلام لإقناع العالم بشرعية الحرب
على العراق
واستخدمت أرخص أساليب الدعاية لتشويه صورة صدام حسين ووصفه بالديكتاتورية
والدموية،
ولعل فيلم 'عبور التراب' كان نموذجاً لفجاجة السينما الممولة في تناولها
لمثالب
الرئيس العراقي السابق وفرضيتها بضرورة غزو العراق واحتلاله،
وليس هذا هو الفيلم
الوحيد، فما أطلق عليه اسم 'الفجر' أو 'الفجر الجديد' أو ما شابه كان أيضا
فيلماًَ
ممولا يهدف لذات الأبعاد ويلف ويدور حول القضية نفسها!
احتل الواقع الفلسطيني
كذلك موقعه على خارطة السينما العميلة وظهرت أفلام أمريكية وأوروبية تعطي
لإسرائيل
الحق في الاحتلال، وليس هذا فحسب، وإنما تدين المقاومة الفلسطينية وتصفها
بالإرهاب
حتى باتت المقاومة والإرهاب في الذهنية الغربية مرادفين لمعنى
واحد، لأن السينما
الضالة والإعلام المزيف سبقا الحقيقة إلى عقل المشاهد، وثمة مغالطات أخرى
كثيرة
تسللت عبر الشريط الفضي فنالت من صحيح الدين والعقيدة وسخرت منهما وصورت
الإسلام
بشكل خاطئ على انه دين الشعوذة والخرافة، ورأت في المسلم شخصا
أحمق ومتخبطا مستخدمة
للدلالة عليه صورا نمطية للحية الكثة والجلباب القصير والعمامة في كثير من
الأحيان،
ولعلنا نذكر فيلم 'الرحلة الكبرى' الذي يناقش في سياق اجتماعي فريضة الحج
وطبيعتها
وما ترمز إليه، نفس الشيء بالنسبة لفيلم 'ليلى تقول'، ذلك الذي يعرض نموذجا
لفتاة
تتحرر من القيود الاجتماعية والدينية وتعمل على إشباع رغباتها الأساسية
بعيدا عن
الكبت وأعراضه الجانبية، ويضع الفيلم الفتاة في مواجهة مع عناصر أخرى تربت
في مناخ
مختلف ليحسم الصراع في النهاية لصالح الحرية المطلقة!
تلك هي نوعيات السينما
الغربية التي تمثل من وجهة نظر صناعها كاسحات ألغام تفجر قنابل الجهل
المزروعة في
حقول الشرق وتعيد حرث التربة من جديد، لزراعة ثقافة بديلة لجيل آخر يسهل
التواصل
معه، ومن هنا يتأكد لنا ان دائرة الإبداع أو الصناعة
السينمائية وإن اتسع محيطها
تصبح نتائجها في النهاية داخل خانة واحدة تختلط فيها السياسة بالثقافة
بالدين
أحيانا.
القدس العربي في
31/10/2010 |