انتهي تصوير الفيلم وغادرت ماريلين وزوجها لندن ليقضيا بضعة أيام
في إحدي جزر المحيط الهادي وتمكن هدوء المكان وجماله من أن يعيد للعروسين
ما كان قد
انقطع بينهما من وصال وعادت ذروة الحب بينهما كأشد ما تكون.
ثم عادا إلي
نيويورك وقد صفت نفساهما وعاودتهما الألفة وكانا قد استأجرا شقة في أحد
أحياء
نيويورك الفاخرة لتكون عشا للزوجية.
وبدت ماريلين في تلك الأثناء، كأسعد ما
تكون المحبة وكأحسن ما تكون الزوجة فلم تتوان عن القيام بكافة
الأعمال المنزلية..
وهي مقبلة وسعيدة بذلك.. فمن أجل ميللر الحبيب يهون كل شيء بل بدا لماريلين
أن
الحلم الذي طالما تاقت نفسها إليه في سبيله إلي التحقق.. إنها في طريقها
لأن تكون
أما وهامت ماريلين في أحلام أمومتها المقبلة.
وحدثت نفسها أنها بلا شك ستكون
أحسن أم أنجبتها الأرض لقد عاهدت نفسها أن تغدق علي طفلها ما
حرمت منه هي في سنوات
الحرمان ستغرقه باللعب والحلوي والملابس والأطعمة الفاخرة كل تلك الأشياء
حرمت منها
في يتمها بل إن ماريلين قررت بينها وبين نفسها أن تظل تنجب بلا تحديد لعدد
أطفالها
فهي تريد أكبر عدد منهم بل تريد قبيلة من الأطفال، كم هي تعبد
الصغار.
فجأة
انهار كل شيء.. أحست ماريلين بالإجهاض وفقدت الجنين وهو مازال في أسابيعه
الأولي
وتكرر الفشل.. إن رحمها يلفظ أطفالها ويرفض الاحتفاظ بهم.. لقد حرمت من
مشاعر
الأبوة من قبل ونشأت يتيمة.. فهل عليها أيضاً أن تحرم من مشاعر
الأمومة وتظل عاقرا
جدباء.
كان ميللر لفرط حبه لماريلين يكاد قلبه يتمزق حزنا وهو يري آمالها في
الأمومة تتحطم.. إنه أب لطفلين ولا يعنيه أن تحمل ماريلين أو لا تحمل ولكن
شدة حبه
لها كانت تدفعه لأن يحاول مساعدة زوجته في تحقيق أملها الذي
يبدو أنه سيكون صعب
المنال، وكان صعبا بسبب كمية الخمور التي تتناولها ماريلين.. هذا رأي
الأطباء: إن
بحور الكحول التي كانت تدخل أمعاء ماريلين تكفي لأن تقتل الجنين في بطنها
حتي قبل
أن يأخذ شكل الجنين وفي كل مرة كان يحدث فيها الإجهاض كانت
ماريلين تسقط شبه
منهارة.. وبدلا من أن يحتويها ميللر بحنانه كان ينهال عليها بتوبيخاته
لإدمانها
الشراب.. هذا الإدمان الذي سبب الإجهاض.
نهاية الحلم.. وبداية
الانهيار
يئست ماريلين من تحقيق حلمها ووجدت نفسها تمثل دور الزوجة
المتفانية في خدمة زوجها وتكورت ماريلين علي نفسها نفسيا وكرهت كل ما في
حياتها حتي
تظاهرها بدور الزوجة المحبة وبعد أن كانت تحرص علي أن تعد
لميللر بنفسها يوميا ولو
طبقاً من السلاطة أهملت تماما شئون المنزل ملقية بذلك تماما علي عاتق الخدم
وهو أمر
كان لا يرضي عنه ميللر.
وجاء الصيف الثاني في عمر الزواج جاء مبشرا ومجددا
الأمل.. فقد حملت ماريلين مرة أخري ولكن فجأة وبلا أي مقدمات انهار كل
شيء.. وفقدت
الزوجة المدمنة حملها في ثوان وسقطت ماريلين فاقدة الوعي وحملوها إلي
المستشفي رقدت
ماريلين أياما في السرير الأبيض ثم عادت إلي منزلها عادت وهي
ماريلين أخري لقد فقدت
كل حوافزها في الحياة لماذا الحياة؟.. بل لماذا التأنق ولماذا التجمل ولمن
المجد
والشهرة؟.
وأخذت ماريلين تمضي ساعات نهارها مستلقية في فراشها وعيناها
مثبتتان علي سقف حجرتها تحدقان في الفراغ.. وقلت شهيتها حتي كادت تنعدم
وزاد نهمها
للشامبانيا وتضاعف مقدار ما اعتادت احتساءه منها.
بدأ القلق يعتري الزوج
المحب، في بداية الأمر أرجع السبب إلي تلك الحالة التي تحيط ماريلين في
ابتلاع
الحبوب المنومة والمنبهة والمقللة للشهية فهناك أكوام من الزجاجات الصغيرة
تشغل
المائدة التي تجاور فراش زوجته والتي اعتادت أن تبلع منها بغير
حساب.. ولاحظ ميللر
أن جرعات زوجته قد ازدادت دون استشارة طبيب وعرض ميللر علي ماريلين استشارة
أحد
الأخصائيين النفسيين درءا للانهيار العصبي الذي أصبحت قاب قوسين أو أدني
منه وتمنعت
ماريلين في أول الأمر ورفضت وهي تري نفسها عادية في تصرفاتها طبيعية في
سلوكها ولكن
تحت إلحاح ميللر، وافقت مكرهة.
بدأت ماريلين تنتظم في زياراتها العلاجية لدي
الأخصائي النفسي، وشيئا فشيئا أخذت تصرفات ماريلين تعتدل
لتفارقها ببطء الحالة التي
كانت تعتريها ويكاد الطبيب أن يضع يده علي أصل الداء لدي النجمة المشهورة
ولكن فجأة
انقطعت عن العلاج.. دون سابق إنذار.. ودون إبداء سبب مقنع، بل وأظهرت عنادا
قويا
ورفضا تاما لمعاودة زيارته.
ما فائدة العلاج.. بل ما فائدة الحياة
نفسها؟ كان هذا رد ماريلين اليائسة المنهارة وعلي زوجها
القلق.
- الصفعة ردا علي حب إيف مونتان!
طارت
ماريلين إلي هوليوود يرافقها ميللر.. بعد أن أبرقت لها شركة فوكس في
نيويورك فموعد
تصوير فيلم «البعض يفضلونها ساخنة» يقترب.. وظن ميللر أن الحياة في
الاستوديو التي
تحبها زوجته قد تنجح فيما فشل فيه الأطباء.. وتكون بلسما يعيد إلي زوجته
شفاء نفسها
وروحها ولكن لم يكن الأمر كما فكر الزوج فكادت ماريلين أن تدخل في أزمة
نفسية جديدة
وهي لم تكد تخرج من الأولي فقد أخذ العاملون في الفيلم يشجعهم في ذلك
المسئولون
يبدون تذمرهم من عدم التزام ماريلين بمواعيدها.. وعدم احترامها
لساعات التصوير فهي
متأخرة ساعات عن مواعيدها وتغادر الاستوديو في أي وقت وتطور الأمر يوما إلي
قيام
مواجهة صاخبة بين ماريلين وبين أحد كبار المسئولين في الشركة وعادت ماريلين
يومها
إلي المنزل لتغرق في الشراب وتتعلق برقبة زوجها كالقطة الغارقة التي تتعلق
برقبة من
تعتقد أنه سينتشلها.
إنه شعور قاس بالفعل أن تلاحظ أن جميع من حولك
يعادونك.
وأخذت ماريلين تبكي بشدة وهي تشكو لميللر قسوة العاملين
معها.
تم تصوير الفيلم علي خير حتي النهاية لتبدأ ماريلين في تصوير فيلم
جديد كان يشاركها بطولته النجم الفرنسي «إيف مونتان» كان عنوانه «دعنا نحب»
وكادت
ماريلين أن تصعق وهم يقدمون لها زميلها الأوروبي للمرة
الأولي.. إنه نسخة تكاد تكون
مكررة من «جو ديماجيو» نفس الوجه ونفس القامة بل نفس النظرات واللفتات
وكادت تقع
مغشيا عليها ولكنها تمالكت نفسها وشعور مبهم يعتريها ويشملها من قمة رأسها
إلي أخمص
قدميها إنه شعور يضع «إيف» في منزلة خاصة في نفسها وردت ماريلين ذلك الشعور
أول
الأمر إلي الشبه الذي يجمعه بزوجها السابق الذي مازال له في
نفسها مكانة خاصة وذلك
رغم الطلاق الصاخب الذي فرق بينهما.
وفي إحدي السهرات التي أقيمت علي شرف
النجم الفرنسي قامت ماريلين لتراقص إيف ويبدو أن الخمر كانت قد
لعبت برأس النجم
فتمادي في الاقتراب منها والتصق بها أثناء الرقص وبدا للرائي كأن إيف يحتضن
ماريلين
أو يكاد ولم يكتف بذلك بل امتدت يده أكثر من اللازم لتنزل علي ظهرها
العاري.. وكان
ميللر يراقب كل ذلك وهو بعيد هناك علي مائدته في أقصي القاعة
في ذلك المنتدي
الليلي.
وعاد الزوجان من سهرتهما وبمجرد أن أغلق ميللر الباب عليه وعلي
زوجته بادرها بلهجة تغلب عليها التهكم:
يبدو أن هذا الفرنسي معجب
بك.
وجاء رد ماريلين لينزل كالصفعة علي وجه زوجها:
لقد سئمت غباءك
وفضولك وغيرتك الحمقاء وعلي أن أقولها لك صريحة إنه يعجبني بل قد شاركته
ليلة دافئة
في الفراش منذ أيام إنها ليلة عرفت فيها الحب علي حقيقته.
وأفاقت ماريلين من
ثورتها علي يد ميللر.. وهي تهوي علي وجهها بصفعة قوية كادت أن تخلع رأسها
من فوق
كتفيها وبكل قوتها انقضت ماريلين علي اليد التي صفعتها غارزة فيها
أسنانها.
إنك مجنونة.. مجنونة.. وسيكون مصيرك حجرة في مستشفي
المجانين.
نطق ميللر بعبارته هذه وخرج ليضمد جرح يده وعاد يقول
لماريلين:
لقد انتهي كل ما بيننا منذ تلك اللحظة ولكني لن أغادرك قبل أن
أنتهي من الفيلم الذي أكتب قصته والذي تعاقدنا علي أن تقومي ببطولته.
إذن
فهذا يؤكد.. أنك لا تساوي شيئاً بدوني.. فأنت تخشي أن أرفض القيام بالدور
فيفشل
الفيلم.
هذا ما يصوره لك عقلك المريض ولكني اعتدت أن أشرف علي جميع أعمالي
وأتابعها حتي النهاية فأنا لا أقبل لأي عمل يمثلني أن يخرج أقل من المستوي
المفروض
لاسمي.
-
وداع سنوات الزوجية التي تحطمت
منذ تلك
اللحظة.. وتلك الصفعة بدا كأن شيئاً ما قد تحطم في علاقاتهما الزوجية شيء
تحطم ومن
المستحيل أن يعود كما كان وانتهزتها ماريلين فرصة لتعب فيها من لهوها وبعد
أن كانت
شبه محجمة عن لقاء أصدقائها عادت إليهم لترتاد معهم أماكن
اللهو وتصل الليل بالنهار
بين حفلة صاخبة وسهرة معربدة بل وتعدت ماريلين كل الحدود اللائقة ناسية أو
متناسية
أنها زوجة لرجل له كيانه في مجتمعه الأمريكي فطارت غير عابئة بشيء إلي إحدي
جزر
الباسفيك لتمضي أسبوعا برفقة صحفي دانمركي من أشد المعجبين بها.
وبمجرد
عودتها اتصلت من فورها بالصديق الأزلي والزوج السابق «ديماجيو» وطلبت منه
أن
يوافيها بأسرع ما يمكن ويطير إليها في هوليوود وأفهمته أنها في أمس الحاجة
لمشورته.
وبالطبع جاءها الصديق الودود ليشجعها بكل قوته علي
الطلاق.
أما عن العلاقة بين الزوجين فقد كانت فردية وكان الحديث بينهما شبه
منعدم وكانا يتبادلان الحوار الضروري عبر السكرتيرة أو الخدم ولم يكن
يجمعهما أي
شيء مشترك سوي اقتراب موعد بدء تصوير عملهما السينمائي الذي
أصر ميللر علي متابعته
حتي النهاية.
بدأت الصحف تشير إلي قرب طلاق النجمة الكبيرة والكاتب الشهير
وكانت تصرفات ماريلين وطريقة ارتيادها المجتمع الهوليوودي توحي بأنها
تستمتع
بحريتها الشخصية كأحسن ما تكون المرأة غير المتزوجة.. وذلك رغم
أن ميللر مازال
يشاركها المعيشة في منزل واحد وأخذت قصص غراميات ماريلين المتحررة تتردد
هنا وهناك
لتنقلها الصحف جاعلة منها مادة صحفية مثيرة وكان من أهم الأسماء التي
ارتبطت
ماريلين في علاقات غرامية تؤكدها الشائعات اسمي مونتجمري كليفت
وكلارك جيبل وأدي
ذلك إلي حملة هجوم قاسية علي ماريلين بقيادة قطة هوليوود المدللة إليزابيث
تايلور
فقد كانت إليزابيث مغرمة بزميلها كليفت.
أما بالنسبة لميللر فقد تطورت
الأمور لدرجة جعلته يخرج عما اشتهر به من حذر في تصريحات تؤكد
أنه لا يتوقع ولا
يأمل ولا يرغب في عودة العلاقات بينه وبين زوجته إلي سيرتها الأولي فأقدم
ميللر علي
عمل قد يكون وسطاً في مظهره ولكنه قوي في مغزاه لقد رفع صورة ماريلين من
علي مكتبه
وكان هذا التصرف من قبله لا يعني إلا شيئاً واحدا هو أن
ماريلين خرجت إلي الأبد من
حياة الكاتب الأمريكي.
ولما وصلت الأمور إلي هذا الحد رأي ميللر أنه من
المستحيل عليه أن يستمر في الكتابة في ظل المعيشة في المنزل الذي يجمعه
بماريلين
وكان يريد أن يسرع بالانتهاء من إعداد الفيلم حتي يبدأ التصوير
وتنتهي علاقته
بزوجته ولم يجد بدا من أن يرحل عن البيت فحمل حقيبة صغيرة تحتوي علي كل
ملابسه
وباليد الأخري أمسك بآلته الكاتبة وحقيبة أوراقه وغادر مسكن ماريلين.
من
مكانها الذي كانت ماريلين مضطجعة فيه علي أريكة في مدخل المنزل، ارتفع صوت
الزوجة
مودعة رفيق السنوات الخمس الأخيرة:
رحلة سعيدة ياسيد ميللر.
ثم أتبعت
عبارتها بضحكة طويلة.. جلجل رنينها وغطي علي صوت الباب وميللر يصفقه بشدة
خلفه.
وبخروج ميللر.. ودعت ماريلين ثالث أزواجها.. وودع المفكر الأمريكي
سنوات خمساً من عمره قضاها زوجا لأشهر شقراوات العالم.
- شريط
الماضي
أنا من مواليد برج الجوزاء.
همست ماريلين بذلك
للمنجمة العجوز التي جلست النجمة الكبيرة أمامها بخشوع مترقبة لما عسي أن
تنطق
به:
إذن عليك يا صغيرتي أن تحذري السيارات..
قالت المرأة العجوز التي
طبقت شهرتها الآفاق الأمريكية والتي جاءتها ماريلين من علي بعد
ساعات ست.. ثم
استطردت المنجمة ذات الصوت المرتعش قائلة:
إنني أكرر تحذيري عليك بالابتعاد
كلية عن القيادة فهناك حادث بشع سوف تتعرضين له إن لم تأخذي
حذرك.
ومدت
ماريلين يدها في حقيبتها وأودعت يد العجوز ورقة من فئة المائة دولار.. ودون
أن تلقي
عليها النجمة نظرة جرت إلي الخارج لتنطلق بسيارتها عائدة لمنزلها في بيفرلي
هيلز.
هذه العجوز مخرفة.. فلو كانت حقا قادرة علي استكشاف الغيب لأمكنها علي
الأقل أن تستشف من الماضي أو حتي الماضي القريب أنها لم تذكر شيئاً عن
خلافاتي
الزوجية ومصير تلك الخلافات.
بهذا أخذت ماريلين تحدث نفسه طوال الساعات الست
التي استغرقتها العودة وكانت ماريلين أمام عجلة القيادة تنهب
الأرض نهبا بسيارتها
الفارهة وكأنها تتحدي قول المرأة العجوز.. ومن ناحية أخري كانت في عجلة من
أمرها
بعد أن اشتقات إلي رفيقتها التي لا تمل صحبتها.. زجاجة الشامبانيا.
وفي هذه
الليلة لم تغمض عينا ماريلين إلا بعد أن أتت علي أربع زجاجات من مشروبها
المفضل.
وفي اليوم التالي استيقظت ماريلين ظهرا وشريط حياتها يتوالي أمام
عينيها واستعرضت حياتها وعدد الرجال الذين عبروها وابتسمت ابتسامة كلها
مرارة فلا
واحد من كل هؤلاء تمكن من فهمها فهما حقيقياً.. الجميع كانت
بالنسبة لهم مجرد أداة
متعة.. أو وسيلة منفعة لذا فلم يهتم أيهم بالتغلغل إلي داخلها وتفهم
متطلباتها
ورغباتها ولكن شريط الذكريات توقف عند واحد بعينه.. إنه «ديماجيو» إنه يكاد
يكون
الوحيد الذي فهمها بل تكاد تجده الوحيد الذي أحبها حبا حقيقيا
ولولا غيرته الحمقاء
التي أودت بحياتهما الزوجية لكانا الآن أسعد زوجين عموما كان «ديماجيو» هو
الرجل
الوحيد الذي دخل حياتها كزوج وحبيب وخرج منها ليظل الصديق الوفي المستعد
لتلبية
جميع أوامرها ثم دمعت عينا ماريلين النجمة الكبيرة والشريط
يتوقف عند صورة جوني
هايدن ثم قفز الشريط ليعبر فترة من حياتها ويتوقف عند ذلك الصحفي الدانمركي
الذي لم
تتعد علاقتها به الأيام الثمانية ذلك الذي نجح في حفر مكان عميق له في
ذاكرتها إنه
بلا شك رجل «شاذ» نعم شاذ.. أليس من الشذوذ أن يبدو أحد من
البشر غير مبهور بأجمل
نساء الأرض كما يطلقون عليها، نعم هذا الصحفي الدانمركي أفهمها بطريقة غير
مباشرة
أن المرأة التي تأخذ قلبه وتلهب خياله هي المرأة الرياضية ذات الجمال
الطبيعي..
والنضارة الحقيقية وليست تلك المرأة التي تعتمد علي مستحضرات التجميل
لوجهها ومشدات
لجسمها.. إنه يريد أن يقول عنها إنها امرأة زائفة الجمال لماذا جرحها هذا
الاسكندناوي بقوله هذا هل أراد أن يفهمها بطريقة غير صريحة أنه
ملَّها بعد هذه
الأيام الثمانية وابتسمت ماريلين فقد كان مبهورا بها طوال هذه
الأيام.
وبسرعة قفز ميللر إلي الصورة.. أين هو؟ لقد اختفي تماما وكأن الأرض
انشقت وابتلعته وتعجبت ماريلين هل نسي هذا الرجل أن هناك خمس سنوات تربطه
بها كيف
يمحوها تماما من وجوده كيف ينساها وكأنها غير موجودة علي سطح
الأرض قد يكون فشل
فيلمهما المشترك «اللا منتمي» هو السبب وراء اختفائه عموما فأيا كانت
الأسباب وراء
هذا التخفي أو الاختفاء فهناك حقيقة ستظل باقية.. وهي أنها وحيدة.. وحيدة
وفاشلة..
نعم فاشلة بالرغم من هالة نجوميتها الساطعة بل هي خائفة خائفة من المجهول..
إنها
خائفة وفي حاجة للحب والحماية.. إنها في حاجة لرجل.
وقعت عينا ماريلين علي
الساعة بجوارها أنها قضت أكثر من ثلاث ساعات وهي مستلقية في سريرها تستعرض
أحداث
حياتها وكان عليها أن تنهض لتستعد للخروج بسرعة فبعد ساعة موعدها مع فرانك
سيناترا
وهي متأكدة أنه لا يكن لها أي مشاعر حب ولكنه بلا شك متلهف علي
موعدها معه.. وكان
من الممكن أن تقع في هواه لولا هذا الغموض الذي يغلب علي كل تصرفاته
وحركاته حتي في
ظرفه وتظرفه فهو يبدو متصنعا فوجهه المشدود الفائق اللمعان يدل بوضوح علي
أثر
الكريمات أما قوامه الممشوق فيؤكد مقدار ما يبذله صاحبه من جهد
في التمرينات
العنيفة.. أما نظرته وابتسامته وصوته هذا الصوت الصبياني كلها تؤكد رغبة
صاحبها
المحمومة في الظهور بمظهر الصبي أو في الحقيقة بمظهر المتصابي أي ملخص
القول أن ما
يعانيه سيناترا من وجهة نظر ماريلين هو تصابيه وتمنعه.
ووجدت ماريلين نفسها
تستعرض مدعوي حفل اليوم الذي ترافق فيه سيناترا وتوقفت عند صورة من إحدي
الصور: «بيتر لوفورد» وهو صديق مقرب لسيناترا
ومتزوج من إحدي شقيقات الرئيس كيندي.. إن
لوفورد ثعلب كبير أول ما يلفت النظر إليه وجهه الذي به جراحات
الشد المتتالية وبيتر
ممثل قديم غير موهوب قام مرة بدعوتها للعشاء في منزله في غيبة من زوجته..
وبعد
العشاء ظن أن بإمكانه أن يختتم دعوته بليلة حب مع فاتنة هوليود وسمعت
ماريلين نفسها
وهي تردد بصوت عال من يظن نفسه هذا البيتر.
ولم تكن ماريلين تعرف أن بيتر
لوفورد هذا سيكون له في مصيرها أثر لا يمحي فعن طريقه يقود لها
القدر الرجل الذي
ماتت وقلبها ينبض بحبه.. الرجل الذي ماتت واسمه يتردد علي شفتيها.. روبرت
كيندي!
-
أجمل شقراوات أمريكا في فراش بارد ووحدة
قاسية
دعا سيناترا ماريلين لمنزل أحد أصدقائه قائلا: إنه صديق يقيم
حفلا كبيرا علي شرف المطرب العالمي.. ورجاها أن تشاركه الغناء في تلك
الليلة، كانت
ماريلين تعرف سبب ذلك فسيناترا الذكي يعلم تماما أن منظر باروكته المستعارة
يبدو
تحت الأضواء الكاشفة منفراً مما قد يفقده الكثير من معجبيه
ومحبي صوته لذا أراد من
ماريلين أن تجاوره الوقوف تحت الأضواء وتشاركه الاستعراض فتشد هي بجمالها
الأبصار
بينما يخطف صوته الاسماع ويشد الأذان، إنها قسمة عادلة لجأ إليها رجل ذكي
ذو صوت
رائع وعدد غفير من المعجبين.
لقد وافقت ماريلين علي دعوة سيناترا وهي تعلم
السبب الخفي وراءها فماريلين لها مبدأ لا تحيد عنه هو أنه لابد
أحياناً من مجاملة
الأصدقاء إذن فهي ستشارك سيناترا الغناء مجاملة له وحتي تلهي الأنظار عن
باروكته.
استعدت ماريلين لهذه الحفلة استعداداً خاصا فقد أرادت أن تكون
شديدة الجاذبية حتي تخطف الأبصار إرضاء لمرافقها في الاستعراض فرانك
سيناترا وبدلا
من إعداد ثوب جديد، كما اعتادت في كل مناسبة كبيرة رأت أن تكسر
القاعدة فلديها
الثوب الذي سيحقق غرض المطرب العالمي، إنه ثوب شفاف، يذهب بالألباب وسبق أن
ارتدئه
في أحد استعراضاتها في فيلم «البعض يفضلونها ساخنة» وأثار وقتها ضجة وظلت
الصحف
تعلق عليه وتتحدث عنه وكأنه هو نجم الفيلم وليس هي.
وفي ذلك الحفل بدت
ماريلين بثوبها الشفاف الملتصق بجسمها أكثر فتنة وجاذبية من أي وقت مضي
واستقبلها
الجمهور، بالتهليل والتصفيق.. إنه استقبال حافل، وفي نفس الوقت أكدت لها
نظرات
الرجال النهمة أنها مازالت تفوق فتيات العشرين نضارة وهي التي
تجاوزت الثلاثين
بمراحل، كما أن الزميل العزيز نجح أيضاً وشدت أغنياته اسماع الحاضرين وحظي
بتصفيق
وتهليل، إن دل علي شيء فهو يدل علي أن باروكته لم تنفر منه أحداً والفضل
بالطبع
يرجع لثوب ماريلين الشفاف.
ورافق سيناترا ماريلين حتي منزلها بعد انتهاء
الحفل، وعلي عتبة المنزل انحني علي يدها وقبلها قبلة عرفان
وتقدير واكتفت ماريلين
بأن ابتسمت له ابتسامة ضمتها كل ودها ثم شفعتها بعبارة:
عزيزي سيناترا..
الواجب أن أشكرك أنا.. فصوتك ساهم في إنجاح استعراضي، وطلب سيناترا من
ماريلين أن
يحتفلا لديها بنجاحهما في الداخل ولكنها أفهمته بطريقة لبقة أنها متعبة..
وبأمس
الحاجة إلي أن تنام ولكن الحقيقة.. أن سيناترا.. لم يكن يثير
فيها أي مشاعر
أنثوية.
نامت ماريلين ليلتها بعمق لم تعرفه من قبل، وكان عليها أن تستيقظ
مبكرة صباح اليوم التالي فهناك زيارة هامة ستقوم بها.. زيارة تعمل لها ألف
حساب..
إنها زيارة في مصح عقلي.
- في مصح عقلي نفسي
خرجت
ماريلين بسرعة من ذلك المصح النفسي وكانت قبعتها تخفي نصف وجهها بينما تقوم
نظارتها
السوداء الكبيرة بإخفاء النصف الباقي وألقت ماريلين نفسا أمام عجلة القيادة
وانتزعت
نفسها عميقا وكأنها تسترجع به ما فقدته من نفسها داخل هذا
المصح ثم نظرت إلي
رفيقتها في السيارة «بات» سكرتيرتها الخاصة وكاتمة أسرارها.
كم كانت شاقة
علي نفسي هذه الزيارة، يا إلهي كيف يحيا البشر داخل هذا المكان إنه أشبه
بحديقة
حيوان.
كانت كل ذرة في كيان ماريلين تهتز.. ولقد وترتها بالفعل هذه الزيارة
ولكن كان لابد منها، وبسرعة اتجهت ماريلين ناحية منزلها ومنظر زجاجة مثلجة
من
الشامبانيا لا يفارق خيالها، فالشامبانيا والشامبانيا فقط هي
الكفيلة بإعادة
السكينة إلي نفس النجمة المشهورة تلك السكينة التي فقدتها داخل ذلك المصح
النفسي..
إن كل الذي شهدته ماريلين بحديقة المصح
حيوانات مريضة عندما تراءي لها نزلاؤه في
صورة حيوانات.
ولكن ماذا كانت تفعل ماريلين داخل هذا المصح إنها كانت تقوم
بزيارة إحدي نزيلاته وتدعي «مسز مونريتس».
وكانت تلك السيدة التي ترجع مدة
احتجازها في المصح لسنوات طويلة قد أدعت أنها أم النجمة
الكبيرة وأعربت عن رغبتها
في رؤية ابنتها وعبثا حاول أصدقاء ماريلين المقربين أن يحولوا بينها وبين
تلك
الزيارة مؤكدين لها أن تلك المرأة لابد أن تكون كاذبة ولكن النجمة اليتيمة
كانت
مصرة فطول ما يقرب من ثلاثين عاما لم تفارق مخيلتها أبداً صورة
أمها وبعض الرجال
بملابسهم البيضاء يجرونها قهرا إلي سيارة مجهزة تجهيزاً خاصا إنها سيارة
المصح
العقلي.. وهؤلاء هم الممرضون الذين جاءوا يرافقونها.. بينما وقفت هي «نورما»
الصغيرة التي لم تتجاوز سنوات عمرها الخمس سنوات.. وقفت متشبثة بثوب أمها
محاولة
استردادها من هؤلاء القساة ذوي الملابس البيضاء الذين لم تشفع لديهم دموعها
ولا
صرخات أمها بينما عقل الطفلة الصغيرة، لا يستطيع أن يعي ما
يدور حولها، فهي لا تعي
إلا أن تلك المرأة التي ينتزعونها منها هي أمها وبعد ما يزيد علي ربع قرن..
وبعد
سنوات طويلة وبمجرد أن وصل نداء المرأة المجهولة إلي «نورما» التي تحولت
إلي
ماريلين وافقت ماريلين علي هذه الزيارة وقالت لأصدقائها الذين
حاولوا منعها عن
ذلك:
سواء كانت صادقة أو كاذبة.. سواء كانت هي بالفعل أمي أو لم تكن.. فلا
ضرر من الزيارات مادامت تلك المرأة قد طلبت رؤيتي ولم تطلب أكثر من ذلك ثم
استطردت
ماريلين وكأنها تحادث نفسها:
إن هناك شيئاً مجهولاً يدفعني لتلك الزيارة
هناك شيء قوي موجود بداخلي مكانه قلبي هذا الشيء يحثني علي
الذهاب إلي تلك
المرأة.
وبالطبع ذهبت ماريلين ويداها محملتان بصناديق الحلوي وباقات الزهور
هدية منها إلي من تزعم أنها أنجبت أجمل جميلات الأرض.
نزلت ماريلين من
سيارتها وألقت بحذائها بمجرد عبورها عتبة منزلها وجرت إلي صديقتها الدائمة
جرت إلي
زجاجة الشامبانيا وبسرعة فائقة أفرغت لنفسها الكأس الأولي وألقت به في
جوفها، ثم
نظرت إلي «بات» السكرتيرة والتي رافقتها في تلك الزيارة وقالت:
-
ألم تلحظي
يابات.. أن نوعية شعري هي نفس نوعية شعر تلك المرأة أنا أعتقد أنها أمي..
أو علي
الأقل إحدي قريباتي.
ثم استطردت ماريلين بصوت أقرب للهمس وكأنها تحادث
نفسها:
بات لقد أسعدتني بحق هذه الزيارة.. وأيضاً ارتاح ضميري.. ثم صبت
لنفسها كأسها الثانية وأفرغتها في جوفها بسرعة فائقة.. وفجأة فتحت من عينها
ونظرت
إلي سكرتيرتها وقد عل وجهها ابتسامة واسعة:
بات يجب أن تواظبي علي إرسال
النقود والورود والحلوي «لمسز مونريتس» وبصفة دورية، ثم أخذت
تكرر عبارة بصفة دورية
أكثر من مرة ثم قامت من مجلسها وهي تؤكد علي بات ألا تنسي هذا الأمر.
صباح الخير المصرية في
26/10/2010 |