رغم أهمية المركز القومي للسينما ومساهمته في صناعة السينما المصرية،
فإن
البعض يجهل طبيعة عمل هذا المركز وأهميته، والدور المنوط به.
«الجريدة» ناقشت هذه الأمور مع رئيس المركز د. خالد عبد الجليل الذي
يشغل
أيضاً رئاسة قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما.
·
حدِّثنا بدايةً عن طبيعة الدور
الذي يقوم به المركز القومي للسينما؟
المركز هو الجهة الرسمية في وزارة الثقافة التي تتولى الأنشطة التي
تربط الدولة
بصناعة السينما: المهرجانات، الدعم والاستيراد والتصدير، الثقافة
السينمائية
والأرشيف القومي.
·
كيف إذن للمركز المنوطة به إدارة
المهرجانات ألا تكون له علاقة بمهرجان القاهرة
أو الإسكندرية السينمائي الدولي؟
هذه المهرجانات تابعة لجهات أخرى مثل جمعية نقاد وكتاب السينما، أما
المركز
فيقيم مهرجاناً واحداً هو مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، إذ يموّله
ويشرف
على تنفيذه.
·
لكن في ختام الدورة الأخيرة
لمهرجان الإسماعيلية أكد رئيس المهرجان علي أبو
شادي، أن وزارة المالية دعمت المهرجان بـ900 ألف جنيه، ما جعله
مستقلاً عن المركز
القومي للسينما، فما تعليقك؟
لا تعليق. الحقيقة، أن وزارة المالية خصّصت هذا المبلغ للمهرجان من
ضمن ميزانية
المركز، وقد طلبتُ شخصياً هذه الميزانية، لأن المهرجان جزء من أنشطة المركز.
ما رأيك في الطلب الذي تقدّم به عدد من التسجيليين باستقلال المهرجان
عن المركز
القومي للسينما؟
لن أعلّق على هذا الأمر، فمن حق كل شخص المطالبة بما يريد.
·
إنتاج الأفلام التسجيلية
والقصيرة أحد أهم أدوار المركز، مع ذلك إنتاجه منها
قليل، ما ردك؟
هذا ليس صحيحاً، فقد أنتج المركز 14 فيلماً عام 2009، و13 فيلماً هذا
العام.
·
لماذا لم نرَ أفلاماً من إنتاج
معهد السينما في مهرجان الإسماعيلية سواء العام
الماضي أو هذا العام؟
عرضنا جميع الأفلام المنتجة على لجنة مشاهدة المهرجان في العام الماضي
ولم تختر
أي فيلم، أما هذا العام فقد طلبت إدارة المهرجان فيلم «أوقات» من دون
مشاهدة.
·
هل تتفق معي على أن مستوى الفيلم
ضعيف؟
بالفعل، مستوى الفيلم ضعيف ولا يليق بمستوى المهرجانات، وهو ليس
تجريبياً كما
صنّفوه في المهرجان، بل مزج بين التحريك والواقع.
·
ضعف المستوى اتهام دائم يواجه
الأفلام التي ينتجها المركز، فما ردك؟
هذا الكلام غير صحيح، فالمركز ينتج أفلاماً قوية جداً، والدليل أن ثمة
عدداً
منها اختارته لجنة المشاهدة التابعة للجنة العليا للمهرجانات لتمثيل مصر في
المهرجانات الدولية، منها: «الربيع 89» الذي حصل على شهادة تقدير في مهرجان
أبو
ظبي، و{أقل من ساعة» الذي نال جائزة أفضل فيلم روائي قصير في
مهرجان دولي للأفلام
التسجيلية والقصيرة.
·
بماذا تفسّر تجاهل مهرجان
الإسماعيلية أفلام المركز وعدم قبولها ضمن فروع
مسابقته؟
كل مهرجان يختلف عن الآخر في نوعية الأفلام التي يقبلها، وهذه هي حال
جميع
المسابقات حيث يكون الاختيار نسبياً.
·
لماذا لا يهتم المركز بالسينما
التسجيلية المستقلة على رغم أنها إحدى مهامه؟
هذا الكلام أيضاً غير صحيح، فقد نفّذنا ما يسمى بليالي الأقاليم
لأفلام الشباب
المصوّرة بكاميرات الديجيتال، وتنقلنا بها بين معظم أقاليم مصر: الفيوم
وأسيوط وكفر
الشيخ، وأقمنا على هامشها ورشاً لتعليم فنون السينما صنعنا من خلالها 24
فيلماً
تسجيلياً من إنتاج هذه الورش.
·
ماذا عن اتفاقية التعاون
السينمائي بين مصر وفرنسا، وما الفائدة التي قد تعود
على السينما المصرية؟
تتكوّن هذه الاتفاقية من ثمانية بنود تتعلق بتسهيلات التصوير والإنتاج
المشترك
والدعم وتبادل الخبرات الفنية، وكان من نتائجها مشاركة فرنسا كضيف شرف في
مهرجان
الإسكندرية السينمائي الأخير بعدد من الأفلام ونجوم السينما الفرنسية من
دون أي
مقابل، كذلك ستشارك بقوة في مهرجان القاهرة المقبل. أقيمت
أيضاً ورشة لدعم الأفلام
المصرية في مهرجان «كان» تحت مظلة المركز القومي للسينما وغرفة صناعة
السينما.
·
متى سينفَّذ مشروع السينماتك
الذي أُعلن عنه؟
هذا المشروع أيضاً كان نتاج اتفاقية التعاون السينمائي بين مصر
وفرنسا، إذ زارت
رئيسة قسم الأرشيف وحفظ التراث في المركز الوطني الفرنسي للسينما مصر
وعاينت قصر
عمر طوسون الذي اختاره وزير الثقافة المصرية فاروق حسني ليكون قصراً
للسينماتك
ومتحفاً للسينما، وسيصل إلى القاهرة خلال هذا الشهر أحد
الخبراء الفرنسيين الكبار
في صنع هذه التقنيات ليشارك في ورشة العمل التي ستعدّ القصر.
·
بعد قرار وزير الثقافة بإعادة
الدعم السينمائي إلى المركز القومي للسينما، كيف
سيصل هذا الدعم إلى مستحقيه؟ وهل ترى أن 20 مليون جنيه سنوياً
كافية لإنقاذ السينما
من كبوتها؟
20
مليون جنيه ليست قليلة بشرط توزيعها على أفلام تستحق الدعم من
خلال لجنة فنية
متمكّنة ومحايدة، وقادرة على الاختيار السليم، على أن يكون الاختيار
مرتبطاً
بالمشروع ككل وليس بالسيناريو فحسب، أي أن تحدّد جميع عناصر الفيلم من
إخراج وإنتاج
وتوزيع وغيرها، ولا بد من تحديد فترة زمنية لتنفيذه، وبعدها يُسحب الدعم
لفيلم آخر
وهكذا.
·
ما خططك المستقبلية لتطوير
المركز القومي للسينما؟
أحلامي للمركز كبيرة، ولكن المشكلة أنها تحتاج الى استراتيجيات طويلة
المدى
لتحقيقها. لديَّ خطة طموحة لإعادة هيكلة المركز ولمّ شتاته ليتحول إلى مظلة
يندرج
تحتها كل ما يربط الدولة بصناعة السينما، كذلك سأعمل على عقد اتفاقيات
تعاون مع
جميع الدول الكبرى لتطوير صناعة السينما في مصر.
·
من واقع رئاستك لقسم السيناريو
في معهد السينما، هل أنت راض عن أحوال
المعهد؟
معهد السينما أول معهد في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط لتعليم
السينما،
ويضمّ عدداً كبيراً من الخبرات القادرة على تخريج دفعات من السينمائيين
المتميزين،
وإن كان يحتاج إلى تطوير تقني خاص بالآلات والمعدات الفنية ليواكب تطور
التكنولوجيا.
الجريدة الكويتية في
21/10/2010
يوسف وهبي... المشخّصاتي العظيم
محمد بدر الدين
أدى يوسف وهبي (14 يوليو 1898 ـ 17 أكتوبر 1982) دوراً كبيراً في
المسرح
والسينما، إنه دور الرائد الذي يشقّ الطريق وينحت في الصخر راضياً مرضياً
لأجل هدف
ورسالة، مدفوعاً بملكات وموهبة قوية أهّلته للارتقاء بصورة الفن وقيمته،
وتطوير
الحياة الإنسانية والمجتمع بالسبل والوسائل كافة من بينها
وسيلة التعبير والتجسيد
الفني التي تراوحت بين المسرح والسينما لاحقاً.
كان وهبي يشير مراراً إلى وضع الفن في المجتمع قبل أن يحتضنه جيله
الرائد
قائلاً: «قبلنا لم تكن تقبل المحاكم الشهادة من اثنين... القرداتي
والمشخصاتي!».
لكن وهبي صار المشخصاتي العظيم، في المسرح والسينما، ومخرجاً في كل
منهما
ومنتجاً لأفلام من بينها «أولاد الذوات»، أول فيلم عربي ناطق (1932)، وهو
مقتبس عن
إحدى أنجح مسرحياته وقد كتب بنفسه النص للسينما.
أخرج وهبي 30 فيلماً وكتب ما لا يقل عن 40 فيلماً وشارك في تمثيل ما
لا يقل عن 60
فيلماً، ولديه رصيد مسرحي يبلغ 320 مسرحية.
درس وهبي التمثيل في إيطاليا وتتلمذ على يد الفنان الإيطالي كيانتوني،
وبعد
مواجهة ظروف حاولت أن تعيق موهبته من بينها رفض الأسرة العريقة، التي ينتمي
إليها
في مدينة الفيوم حيث نشأ، انخراطه في الفن، استطاع أن يتألق ويحقق رغبته،
وكانت
الذروة تأسيس «مسرح رمسيس» (1923)، الذي ضم الشوامخ: حسين
رياض، أحمد علام، فتوح
نشاطي، عزيز عيد، مختار عثمان، زينب صدقي، أمينة رزق، فاطمة رشدي، وعلوية
جميل.
كذلك أنشأ يوسف وهبي شركة إنتاج أفلام سينمائية باسم «رمسيس» (1930)
بالتعاون مع
صديقه المخرج السينمائي محمد كريم، وكان أول إنتاج له فيلم «زينب» (1930)
من إخراج
محمد كريم عن قصة للدكتور محمد حسين هيكل، وهو الأول في إنتاجنا الروائي،
ثمّ
«أولاد
الذوات» (1932) من إخراج كريم أيضاً، ثم كتب فيلم «الدفاع» (1935) وأخرجه
بالتعاون مع المخرج نيازي مصطفى، لينتج بعد ذلك «المجد الخالد» (1937) وفيه
كان
مخرجاً وكاتباً وبطلاً.
أدى وهبي بطولة ثلاثة أفلام مهمة من إخراج توغو مزراحي وبطولة نجمة
الطرب
والتمثيل الرائعة الساطعة ليلى مراد: «ليلة ممطرة» (1939)، «ليلى بنت الريف» (1941)،
و{ليلى بنت المدارس» (1941).
في عام 1944 أخرج فيلم «غرام وانتقام» وتقاسم بطولته مع أسمهان، وهي
بدورها إحدى
أساطير الطرب العربي. لكن الفيلم كان عملها الأخير، إذ أودت حادثة بها قبيل
الانتهاء من التصوير، فحملت نهاية الفيلم مرثية حزينة مؤثرة لها.
شاع خطأ ربط وهبي بمدرسة واحدة تحتفي بالأداء المسرحي الذي لا يخلو
بحكم طبيعة
المسرح من المبالغة والصوت العالي بغية التأثير وإيصال الفكرة، لكن أفلام
وهبي
السينمائية في مراحله أو محطاته الأخيرة تؤكد طبيعة أدائه القابلة للتنوّع
والتطوّر
باستمرار والتي يسيطر عليها الحس المرهف والدقيق. وليس أدلّ
على ذلك مما رأيناه في
فيلميه الشهيرين من إخراج فطين عبد الوهاب، قطب السينما الكوميدية الراقية:
«إشاعة
حب» (1960) مع سعاد حسني وعمر الشريف وعبد المنعم إبراهيم، و{اعترافات زوج»
(1964)
مع فؤاد المهندس وشويكار وهند رستم وماري منيب.
هنا نرى وهبي في أداء جديد عصري وروح كوميدية جميلة ويكشف عن إمكانات
اتسعت
وامتدت من التراجيديا والميلودراما في مسرحه القديم إلى روح الفكاهة
والسخرية
العذبة في هذه الأفلام، إلى جانب أدائه الراقي الذي لا ينسى في أفلام حديثة
مثل
«حياة
أو موت» (1954)، «الناس اللي تحت» (1960)، «الاختيار» (1971) و{إسكندرية
ليه» (1979)
مع المخرج يوسف شاهين... وغيرها.
أحبّ وهبي الناس وعبّر عنهم في فنه ودعا باستمرار إلى مجتمع تعلو فيه
قيم العمل
والعدل، ووقف دائماً في صفّ البسطاء والمظلومين في أعماله الدرامية فأحبه
الناس
وشعروا بصدقه. لذلك أطلق عليه لقب «فنان الشعب» و{عميد المسرح العربي»،
ويظل في نظر
الناس دوماً أحد الفنانين الخالدين.
يوسف وهبي نجم كبير أعطى بلا حدود، وهو أحد الرواد والقادة الوجدانيين
الذين لا
نتصوّر الفن والوطن من دونهم!
الجريدة الكويتية في
21/10/2010
"سمير و شهير و بهير" ثلاثي لا يعرف المستحيل
بقلم: د. وليد سيف
ربما يري البعض فيلم "سمير و شهير و بهير" عملا سينمائيا فقيرا .
وربما ينظر إليه البعض كفيلم كوميدي بسيط . بإمكانه إثارة بعض الضحك . و
لكنه لا يستحق الكتابة عنه بجدية . ولكني في الحقيقة أراه فيلما مهما جدا .
ويستحق أكثر من مقال لتناوله من كافة جوانبه . هذا الفيلم هو العمل الأول
لمخرجه معتز التوني . ولكنه الفيلم الروائي الثاني لمؤلفيه و أبطاله : أحمد
فهمي وهشام ماجد وشيكو. ويرجع لقائي الأول مع هؤلاء الشبان الثلاثة إلي
مايقرب من ستة أعوام حين شاهدت علي أحد المقاهي ما يشبه حلقة من برنامج
بعنوان " رجال لا تعرف المستحيل " . تتضمن تناولا كوميديا ساخرا لأحد
أفلامنا القديمة المشهورة . كانت وجوه الممثلين غير مألوفة علي الإطلاق . و
كان أداءهم التمثيلي ركيكا و الصورة باهتة و التقنيات ضعيفة جدا .
ولكن ما لفت نظري هي قدرتهم العالية علي كتابة المواقف المبتكرة و
الساخرة و براعتهم في النظر من زاوية جديدة إلي أعمال و مواقف بعينها . كنا
نعتبرها من كلاسيكيات السينما المصرية . دون أن نتأمل ما فيها من مبالغة أو
إستخفاف بالعقول أو طرح ساذج جدا لأمور جادة جدا . إعتقدت ساعتها أن هذا
البرنامج تبثه إحدي القنوات الفضائية الجديدة الفقيرة . و لكن بعد فترة
شاهدت علي أحد مواقع الإنترنيت حلقات أخري . و علمت أن هؤلاء الشباب يقومون
بتصوير أعمالهم بأنفسهم . و بإمكانياتهم المحدودة يسعون لتسويقها و عرضها .
و لم تمر إلا سنوات قليلة حتي إستطاع الثلاثة أن ينجزوا فيلمهم الروائي
الاول " ورقة شفرة " وهاهم يواصلون نجاحاتهم في فيلمهم الثاني " سمير و
شهير و بهير " .
في هذا الفيلم نتابع حكاية شيقة جدا عن إخوة ثلاثة غير أشقاء في عمر
واحد . و لدوا في يوم واحد لا يتكرر إلا كل أربع سنوات . هو التاسع و
العشرين من فبراير . و يبدأ الموضوع بفرض تساءل غير بريء . بأسلوب غير
مباشر حول كيف ولد هؤلاء الثلاثة في يوم واحد من أب واحد لا يكادوا يعرفوا
عنه أي شيء . لا تهتم كثيرا . فسوف تصل إلي الإجابة في النهاية . و لكنك لن
تنشغل بهذا السؤال كثيرا وسط تزاحم الأحداث . و توالي المواقف و كثرة
الشخصيات و تنوع البيئات .
قليل من التشتت
فكل شاب من هؤلاء يعيش مع أم تنتمي إلي وسط إجتماعي مختلف . و لكل
حكايته و عالمه المضحك . فهناك الصحفية المغمورة في جريدة صفراء و
الكومبارس السابقة التي أصبحت ممرضة و أخيرا الأرستقراطية و التي تثير
السخرية أيضا بإمتلاكها مصنع للملابس الداخلية . سوف يشغل تقديم هذه
الشخصيات مساحة كبيرة من السيناريو . ربما تصيبك بقليل من التشتت أو تشعرك
بحالة من الملل مع قدر من الترهل يعاني منه السيناريو و بسبب الإيقاع و
الإنتقالات الركيكة و بعض مناطق الإسترسال في الإضحاك قبل أن تدخل في موضوع
الفيلم .
وتنطلق الأحداث مع الأزمة التي يعاني منها الثلاثة الذين أصبحوا
زملاءا في كلية هندسة واحدة حين يضطروا مجبرين إلي الإشتراك في مشروع واحد
. وتسوقهم رحلة البحث عن المشروع إلي ركوب آلة الزمن بطريق الخطأ. والوصول
بمحض الصدفة إلي يوم مولدهم مصادفة غير مبررة ولكنها مقبولة. ولنعرف معهم .
بل ونراهم يشاركوا بأنفسهم مجبرين في صنع الأقدار التي تجعل والدهم المولع
بالنساء . يتزوج من أمهاتهم الثلاثة في ليلة واحدة . و بأسلوب بارع . في
سيناريو يمتليء في نهايته بمفاجأت و تقلبات ماهرة في الاحداث . الأهم من
هذا أن خلال هذه الرحلة يثبت سمير و شهير و بهير أن الحياة في أيام كفاحنا
الصعبة كانت أسهل . و أن أبناءنا الذين لا نتوقف عن لومهم و السخرية من
كسلهم بإمكانهم ان ينجحوا فيها . و أن يحققوا المستحيل الذي عجزنا نحن عن
تحقيقه . فأحدهم أصبح كاتب عبد الحليم المفضل و الثاني يطارده يوسف شاهين
للقيام ببطولة فيلمه و الثالث إبتكر موديلات جذابة جدا من الملابس الداخلية
.
وهكذا نري أن في هذا السيناريو قرر الثلاثي أن ينتقلوا بأنفسهم إلي
زمن شديد الإغراء و الجاذبية بالنسبة لهم كفناني كوميديا من الطراز الأول .
ليعيشوا في أجواء فنه و أزيائه و أحداثه الرياضية . إنه زمن السبعينات أو
زمن جيل الآباء أمثالي - الذين لا يتوقفون عن الزهو بأمجادهم و إجترار
ذكرياتهم الجميلة فيه بحالة من الحنين و الحماس و التقدير .
مكر الأبناء
ولكن هؤلاء الأبناء الماكرين يروا فيه ما لم نره نحن . و يكشفوا عنا
ما نخفيه عن أنفسنا من مهازل عشناها و أخطاء إرتكبناها . ويأخذون بأيدينا
لنطل علي هذا الزمن بعيونهم الساخرة . التي لا تخلوا من حقيقة و موضوعية .
فنري كل هذا الكم من السوالف الغريبة و الشعور المتهدلة و الكانيش الضخم
والقمصان المشجرة و¢ البنطلونات رجل الفيل¢ و الأحذية ذات الكعوب العملاقة
و الجيبات القصيرة والألوان العجيبة و الرقص المجنون . إنها حقا تلك
الأجواء التي عايشناها و عشقناها .. عالم غريب ومتنافر من الموضات و
الألوان يقدمه هذا الفيلم في جهد متميز للإستايليست ريم العدل و الديكورات
لأحمد عزب . ليطرح لنا في خبث صورة واقع غريب كنا نعيشه ومظهر شاذ كنا
نألفه وملابس مضحكة كنا نرتديها .
ولكن هل هذا كل ما في الأمر ؟ ..وهل المسألة ببساطة أن هناك جيل يسخر
من جيل . في الحقيقة أن صناع هذا الفيلم و بفضل حرصهم علي صنع المواقف
الجادة وحسهم التأملي الساخر ربما دون أن يدروا تمكنوا من أن يحققوا رؤيا
لا تخلوا من عمق بل و نقد لذاتهم و وزمانهم أيضا في أغاني العنب والحمار و
مطربات الكليبات الفاضحة . كما تمكنوا من أن يطرحوا بخفة دم عالية صورة لهم
هم أنفسهم ولجيلهم و لرحلة كفاحهم العشوائية . وللنجاح الذي أصبح حليفا لهم
بالفعل لأنهم حقيقة شباب لا يعرف المستحيل . و كذلك أيضا بإمكانيات محدودة
جدا . فالفيلم يبدو فقيرا جدا ليس في ميزانياته و لكن في فنياته و تقنيات
إخراجه و التي سيطرت عليها اللقطات العامة و المتوسطة . ولم يلجأ مخرجه إلي
اللقطات القريبة و التفصيلية التي تبدو لازمة في الفيلم الكوميدي لإبراز
الموقف و لتصعيد الضحك.. وكذلك في أسلوب تصويره الذي لم يحفل كثيرا
بجماليات اللون و الضوء . وما يمكن أن تفرضه من حالة من المرح و التألق
تتناسب مع طبيعة الفيلم الكوميدي . ما لم تتعارض مع درامية الموقف .
ربما يري البعض أن جمال الفيلم يكمن في بساطته و في قدرته علي التعبير
عن أفكار صناعه بعفويتها كما هي . ولكني أري أن السينما فن إبهار بصري
بالدرجة الأولي و أن فيلم يخترق بأحداثه الزمن كان بإمكان صورته أن تكون
أكثر جاذبية و تقدما و تحليقا في الخيال . يتجاوز حدود خيال صناعها . و
لكني في النهاية لا أملك سوي أن أحيي هؤلاء الشباب . و أتمني لهم أن يقدموا
أعمالهم في ظروف إنتاجية وتنفيذية أفضل . فقد أثبتوا بالفعل أنهم رجال لا
يعرفون المستحيل .
مجلة شاشتي المصرية في
21/10/2010
واقعية السينما الإيطالية وأثرها على سينما العالم
أحمد فاضل
تعيش السينما العالمية الآن مخاضا متخلفا عما كانت عليه في سنوات
واقعيتها أبان الأربعينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي ، فقد بتنا
نشهد واقعية جديدة ترتدي ثوبا ممزقا إذا جاز لنا التعبير نتيجة لتمزق
المجتمعات والذي انعكس سلبا عليها ، فبعد ان نفضنا عنا غبار حربين كونيتين
وتكحلت عيوننا بأفلام حملت الينا رائحة الحياة الجديدة سرعان ما أزكمتها
رائحة آسنة لموجة من الأفلام إتسمت بالفوضوية وبتنا لانستطيع الفكاك منها .
نسوق هذه المقدمة بعد ان توارت الواقعية الإيطالية في السينما وظهور
طلائع فوضاها التي كانت تحفل بها إيطاليا قبل ان تعرفها في أربعينيات القرن
المنصرم ، ففي الوقت الذي كانت السينما تلك تضج بالدعاية الفاشستية وبأفلام
التسلية والملهاة التي تصور البرجوازية الصغيرة ، البعيدة عن الواقع ، كان
هناك مجموعة من السينمائيين الإيطاليين العظام يعيشون على الهامش ويحضّرون
لثورة سينمائية ستلقي بظلالها على تاريخ السينما إلى الأبد ، وقد عُرفت هذه
الثورة بالواقعية الإيطالية الجديدة التي جاءت كنتيجة مباشرة للأسس
والنظريات التي نشرها عرابوها في مجلة السينما عام 1942 اثناء الحكم الفاشي
.
منذ ذلك التاريخ تغير شكل السينما الإيطالية فانقلبت الملهاة الى
مأساة تصور الواقع بكل تجلياته المؤلمة ، وكان التميز لثلاثة مخرجين هم "
روبيرتو روسيليني " و " لوتشيانو فيسكونتي " و " فيتوريو دي سيكا " ، الأول
بفيلمه النضالي " روما مدينة مفتوحة " والثاني بفيلم " إحساس " أما الثالث
فقد قدم في العام 1948 فيلم " سارق الدراجة " الذي اعتبر ذروة ما وصلت اليه
الواقعية الإيطالية .
دي سيكا اعتمد على قصة الكاتب الإيطالي لويجي بارتوليني" حرامي
الدراجة " وتعاون مع خمسة من كُتاب السيناريو ليصوغوا في النهاية سيناريو
الفيلم الذي يحكي قصة بسيطة ومأزقا بسيطا يعيشه رجل فقير معدم وعاطل عن
العمل في مدينة " روما " بعد الحرب العالمية الثانية ، في البداية يعثر هذا
الرجل على فرصة للعمل كأجير في إحدى الشركات بمقابل نقود زهيدة ويُشترط
لحصوله على الوظيفة ان يمتلك دراجته الخاصة ، فيؤكد للمسؤولين بأن لديه
واحدة لكن في الحقيقة ان دراجته محبوسة الآن في محل للرهونات ، ولن يُفك
اسرها إلا بعد دفع مبلغ معين فيستنجد بزوجته من أجل أن يبيع آثاث المنزل
ويسدد من ثم ما عليه من ديون ويطلق سراح الدراجة وهكذا يتم الأمر ، وفي أول
يوم له في عمله الجديد تسرق دراجته فيبدأ في رحلة بحث عسيرة عن هذه الدراجة
المسروقة .
قدم دي سيكا في فيلمه هذا بانوراما حية لما يعيشه الإيطاليون بعد
إنتهاء الحرب العالمية الثانية وما يقاسونه من شظف العيش والفوضى العارمة
التي خلفتها وكأن المشهد يعيد نفسه في بقاع كثيرة شهدت حروبا كالعراق
وافغانستان وما جلبته من كوارث إنعكست أولا على المواطن ذاته الذي بدأ
يقاسي الأمرين نتيجة تدمير البنية التحتية ودخول عصابات القتلة من
الارهابيين الذين تربصوا الدوائر بتلك البلدان .
نقل دي سيكا طاقم فيلمه من الممثلين الى اماكن حقيقية في روما تعرضت
للتدمير ، فوسط بنايات آيلة للسقوط ومكبات عديدة من الأزبال دارت كاميرته
لتصور أولئك الناس الذين يفتشون في القمامة علهم يعثرون على ما يسد جوعهم
ويبقيهم احياء ، تلك كانت الشرارة الحقيقية الأولى لواقعية السينما
الإيطالية التي زحفت الى بقاع كثيرة من العالم منها منطقتنا العربية في مصر
التي عرفت تلك الواقعية على يد المخرج كمال سليم في فيلمه " العزيمة "
المنتج عام 1939 الذي اضطلع ببطولته " حسين صدقي " و " عزيزة أمير " ،
والعراق متمثلة بفيلم " سعيد أفندي " للمخرج " كاميران حسني " بطولة رائد
المسرح " يوسف العاني " و الممثلة الراحلة " زينب " عام 1957 .
في سارق الدراجة حولّ فيتوريودي سيكا هذه الآلة الى مغناطيسية جذبت
حولها كل تلك الشخصيات وابرزت الصراع النفسي الذي يجتاح الفرد الإيطالي
المسحوق واصبحت بالتالي نقطة انطلاق دي سيكا لرسم حجم اليأس والمعاناة
اللذان يسيطران على إنسان القرن العشرين في صراعه الأزلي مع هذا الواقع
الذي كشر عن أنيابه عن حروب لاتنتهي في بقاع شتى من هذا العالم .
اختار دي سيكا لفيلمه لامبرتو ماجوراني بدور الأب الذي لعبه ببراعة مع
انه لم يكن ممثلا محترفا بل كان عاملا في أحد المصانع ، هذا الأمر لايبتعد
عن إنزو ستايولا الذي تقمص دور الإبن دون ان تكون له دراية في التمثيل لولا
دي سيكا الذي علمه كيفية الوقوف أمام الكاميرا .
حاز الفيلم على جائزة الأوسكار الفخرية عام 1948 وكذلك جائزة مهرجان
لوكارنو عام 1949 ، وجائزة بافتا في السنة نفسها ، وجائزة غولدن غلوب
الذائعة الصيت لأفضل فيلم اجنبي .
الإيطاليون الجدد أعادوا صورة هذا الفيلم على شريط دي في دي صدر مؤخرا
وتربع على سوق بيع هذا النوع من الأفلام كبادرة لاستعادة زمن الواقعية
الجديدة التي غزت العالم لكنها في النهاية اصبحت حلما يراود جمهورها الذي
احبها كلما أراد العودة اليها .
أدب وفن في
21/10/2010 |