الأميركي:
في شمال السويد، شتاء، الثلج يخيم على المكان فيلونه بلونه الباهر،
ويفرض سكونه عليه وعلى ذلك البيت الريفي الهادئ، المعزول، الذي كان ينبعث
منه ضوء خافت يكفي ليولد فينا احساسا بأن حالة رومانسية يعيشها رجل وامرأة
بين جدرانه. خارجه وأثناء نزهتهما في الغابة البيضاء، ورغم السعادة الطاغية
عليهما، نلاحظ تعابير مختلفة على وجه جاك (الممثل جورج كلوني) تكسر
الانطباع الرومانسي لتستبدله بآخر يطغى عليه الحزن والهم. كل هذه التفاصيل
تنقلها كاميرا المخرج أنتون كوربين وكأنها تكتب شعرا على الورق. التفاصيل
ودقتها هما الميزة الأكبر لعمل هذا السينمائي، ولهذا لا يبدو مستغربا أبدا
ان نشعر بإختلاف بطل هذا الشريط وهو القاتل المحترف عن بقية الشخصيات
«النمطية» التي كثيرا ما تظهر في أفلام مغامرات أخرى، أبطالها قتلة مأجورون
أيضا، يقدمون غالبا وكأنهم أشرار ولدوا هكذا، ينفذون دوما ما يطلب منهم،
يقتلون بدم بارد ولا مكان في دواخلهم للندم أو الاحباط! على عكس جاك أو
أدوارد، البطل يحمل الاسمين معا، ولا نعرف من منهما الحقيقي، وهو دائم
القلق متوتر ووحيد.
وإذا كانت علاقة البطل بالمرأة التي شاهدناها في الدقائق الأولى من
الفيلم تنقض هذا الوصف، فإن ظهور رجال مسلحين في المكان نفسه، يعود ليتطابق
مع ملامح شخصية جاك. بوصولهم تغير المشهد كله، وعندما بدأوا اطلاق النار
عليهما تحول المكان الى ساحة شهدت تصادما دراماتيكيا انتهى بمقتل بعض
السويدين المهاجمين وهروب بعضهم الآخر، فيما المفاجأة الكبرى جاءت من
«الأميركي» الذي طلب من صديقته الاتصال بالشرطة، وحالما استدارت للذهاب الى
البيت أطلق بنفسه النار عليها ليرديها.
صورتها وهي ممددة والدم ينزف من رأسها ستبقى عالقة في خياله حتى بعد
هروبه من السويد في طريقه الى الاختفاء في قرية صغيرة من قرى جبال أبروزا
الايطالية. بعد عشرين دقيقة وبوصول جاك أو أدوارد كما قدم نفسه للناس بصفته
مصورا أميركيا جاء يصور المنطقة الجميلة، سيزداد ايقاع الفيلم بطئا،
وسيزداد الاحساس بالعزلة، ولولا التغيير في الخطة الموضوعة له واستبدالها
بمهمة جديدة تمثلت بتكليفه في صناعة بندقية خاصة للقنص، تستخدم عادة في
الاغتيالات، لولاها لازدادت حدة الكآبة عنده وتضخم الاحساس بالذنب في داخله
بسبب قتل صديقته في الشمال السويدي. انشغاله بالعمل اليدوي ساعده كثيرا،
لكن الشيء الذي أحدث تغيراً في حياته جاء عن طريق بائعة الهوى كلارا (فيولانتتي
بلاسيدو). لقد أحبها ووثق بها كما لم يثق بإمرأة من قبل. علاقته بها كسرت
سلوكا غامضا كان يدفعه سرا الى الابتعاد عن العلاقات العاطفية الحقيقية.
كان ثمة شيء غامض في ماضيه يدفعه الى الهروب من أي علاقة انسانية، وهذا ما
أوصله لنا، أو بتعبير أدق سربه لنا، المخرج انتون كوربين بطريقة حاذقة
مستندا الى مبدأ يقول: الصمت العميق يعبر
أحيانا أكثر من الكلام المباح ألف مرة! والبطء في حركة الشريط، اسلوبا،
قد يعوض عن الحركة وديناميكيتها ألف مرة، وهذا ما حدث في «الأميركي». لقد
ساعد اسلوبه في ايصال حالة جاك الانطوائية والتي ظهر من خلالها كذئب وحيد
هائم في البراري. ايقاع الحركة القريب من ايقاع الحياة نفسها، في قرية
جبلية بعيدة عن المدن الكبيرة، جعلتنا نقترب من العالم الداخلي الذي كان
يعيشه القاتل، رغم عدم فهمنا الأسباب التي دفعته للذهاب الى السويد أو حتى
معرفة طبيعة المهمة التي كلف بها، لقد صار واضحا ان الرجل موزع بين أكثر من
قوة جاذبة: المرأة، المهنة والماضي المقرون بها، والخوف من العدو الذي قد
يظهر من دون موعد مسبق، كما ظهر في القرية ذاتها حين هاجمه السويديون
انفسهم وأرادوا التخلص منه. وعلى الخط نفسه دخلت امرأة جاءت تأخذ البندقية
التي صنعها بطلب من رئيسه، لكن مهمتها لم تتوقف عند هذا الحد. رئيسه الذي
كان يزوده هاتفيا بالمعلومات اقتضابا، كلف المرأة نفسها بقتله. وبدون حركات
عنفية وفي غياب البطل السوبرماني تنتهي حكاية الأميركي بطلق ناري أحدث جرحا
أجل موته دقائق قليلة كان يتمناها جاك للوصول الى المكان الذي كانت كلارا
تنتظره فيه. سربنا ربما كثيرا من الحكاية، لكن صدقوني ان هذا ليس مهماً، ما
يهمنا كثيرا هو القوة التعبيرية في هذا المشهد وبقية مشاهد الفيلم الذي
اهتم بالتفاصيل وترك الحكاية تأتي ببطء من دون أن تكون هي الأساس في بنائه.
لقد كانت جزءاً من مكونات اجتمعت بانسجام في «الأميركي»، لهذا جاء غنيا
ومختلفا، لعب فيه جورج كلوني دورا متميزا، وحضوره فيه كان قويا، ومع هذا
فـ«الأميركي» خاص، قد يحبه البعض وقد يجده البعض الآخر مملا. إنه مثل غيره
من الأفلام ذات الأسلوب المختلف والتي يحدد قبولها مزاج وذائقة المتلقي في
الدرجة الأولى، وبالتالي فالبطل أو الممثل النجم لن يكون حضوره فيها كافيا
لاحداث الاجماع، فأسلوب أنتون كوربين كما قلنا خاص ومن يريد الذهاب الى
«الأميركي» عليه أولا أن يقبل بدفع ثمن تذكرة لفرجة مختلفة، الكاميرا فيها
سيدة الموقف، فهي من يلتقط الاحساس وهي التي تنقله بطريقتها الخاصة، وليس
الممثل لوحده ولا طبعا الحركة العنيفة والمؤثرات الصوتية المضخمة لأصوات
الرصاص وتصادم السيارات، لأن هذه كلها كانت فرصها ضعيفة فيه، فيما السينما
الجامعة للتقليدي والخاص والمشغولة بأسلوب أخاذ هي الأكثر حضورا.
العراق في أبو ظبي
الحضور العراقي واضح في الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي
الذي يبدأ أعماله في الفترة الممتدة بين الرابع عشر من الشهر الحالي حتى
الثالث والعشرين منه. فعلى مستوى المشاركة سيعرض المهرجان مجموعة من
الأفلام العراقية منها الفيلم الروائي الطويل الثاني لعدي رشيد «كارنتينا»
الذي حظي بدعم مالي لتكملة انتاجه ضمن الدورة الأولى لصندوق التمويل
السينمائي «سند» الذي أطلقه المهرجان في العام الجاري. قدم هذا الصندوق
منحاً مالية، وصلت قيمتها إلى 500 ألف دولار أميركي، استفاد منها 28 فيلماً
من الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة المميزة لمخرجين جدد أو مكرّسين من
العالم العربي. والدعم خصص لتمويل النتاجات السينمائية في مرحلتي «التطوير»
و«الانتاج النهائية»، إذ تصل قيمة منحة مرحلة التطوير الى 20 ألف دولار،
فيما تصل منحة مرحلة الإنتاج النهائية الى 60 ألف دولار. ومن بين العراقيين
المستفيدين الاخوان عطية ومحمد دراجي إذ دعمت «سند» فيلمها الوثائقي «في
أحضــان أمـــي» وضمن برنامج «خرائط الذات» الذي ينظمه المهرجان بالشراكة
مع متحف الفن الحديث (MoMA)
ومؤسسة آرت إيست في نيويورك تحت عنوان «التجريب في السينما العربية منذ
الستينيات وحتى الآن». وسيعرض فيلم «اليازرلي، سوريا 1972» للمخرج قيس
الزبيدي والذي عُرض لمرة واحدة فقط في سوريا، وهو فيلم يمضي في تتبع دواخل
فتى وما يمليه عليه مصيره المحفوف بالفقر والعمل الشاق من اضطرابات، وهو من
الأفلام التي لم تنل فرصتها بعروض وافية. كما اختير المخرج قاسم عبد في
إحدى لجان تحكيم المهرجان، فيما يتولى انتشال التميمي مسؤولية تنسيق
برنامجه العربي.
الأسبوعية العراقية في
10/10/2010
فيلم «بدل» لابتسام مراعنة
أن تصور السينما عيش الفلسطينيين وتظلّ سينما فلسطينية!
بشار إبراهيم
يندر أن تمرّ مناسبة ذات علاقة بالحوار عن السينما الفلسطينية، ندوة،
أو حلقة نقاش، أو جلسة تعقيب على فيلم، دون أن يتم توجيه سؤال، على الأقل،
يريد معرفة إذا ما كانت أفلام السينما الفلسطينية، جميعها، تتجه نحو
الموضوع الصراعي، فقط، وتتجاهل بالتالي الوقائع الاجتماعية!
هل السينما الفلسطينية مرتبطة بالموضوع الصراعي دائماً؟ أليس ثمة
قضايا اجتماعية ملحّة يمكن للسينما تناولها؟ أليس ثمة مشكلات يومية
وحياتية، من الضروري، بل والطبيعي، للسينما أن تدلي بدلوها إزاءها؟
ستبدو هذه الأسئلة محقة تماماً.. فالسينما الفلسطينية كفّت، منذ ثلاثة
عقود على الأقل، عن أن تكون «سينما الثورة»، وباتت تطمح بشكل دؤوب كي تكون
«سينما شعب»، له من السمات ذاتها، التي تتمتع بها سائر الشعوب، على الرغم
من الخصوصية الفريدة للشعب الفلسطيني، الذي لازال يعاني من آثار الاحتلال
الإسرائيلي لأراضيه، وتدمير كيانه الاجتماعي، وتشكيلاته السياسية، وتمزيقه
ما بين جزء أول يعيش في إطار الدولة التي قامت على أنقاض وطنهم، ويحملون
جنسيتها وأوراقها القانونية، وجزء ثان يقيم بين أيدي جيش الاحتلال،
وحواجزه، وخلف جدرانه، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجزء ثالث يعيش في
الشتات والمنافي!
ولعل في مضي السنوات، وتكرارها، حتى بلغت ما يزيد على ستين عاماً خلف
خط النكبة، وأربعين عاماً خلف خط النكسة.. وبالنظر إلى الممارسة السياسية،
هنا، والكفاحية الثورية هناك، ثمة ما أسس لإعادة تفاعل الشعب الفلسطيني
بتشتته المرير، ليس على المستوى النظري الوجداني، فقط، بل أيضاً على أرض
الواقع. فسواء تحدثنا عن فلسطينيي 48، أو فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع
غزة، أو فلسطينيي الشتات، فإن أشكالاً من استعادة الوعي الجمعي الفلسطيني
تمّت خلال عمر النكبة هذا، كانت التجربة التنظيمية الثورية عمادها، إضافة
إلى أشكال من العمل الأهلي، على محدوديته!
بمواجهة هذا كله، كان من المنطقي أن تفعل الموروثات الشعبية، والتراث
الشفهي، والعقائد الدينية، والمعتقدات الاجتماعية، فعلها، وأن تستعيد أشكال
حضورها وتأثيرها، مداً وجزراً، بالتناوب مع المد والجزر الذي أصاب الحركة
التنظيمية، والفعل الكفاحي، والعمل الثوري. وبمقدار التراخي الذي أصاب حركة
الصراع، والقوى المحركة له، كان لا بد لشتات الشعب الفلسطيني، وكل جزء حسب
واقعه الذاتي والموضوعي، أن يستعيد مخزونه الشعبي. هذا ما يفسر لنا تقدم
الغيبيات الدينية والأسطورية مع تراجع قوى اليسار، واستعادة عادات الثأر،
وجرائم الشرف، والتحزب والاصطفاف العائلي والعشائري والقبلي، مع تفكك منظمة
التحرير الفلسطينية، وتراجع قواها اليسارية العلمانية تحديداً.
هل كان من الممكن للسينما الفلسطينية أن تبقى، بأفلامها كافة، بعيداً
عن هذا الحراك كله، وأن تبقى ذاهبة في قولاتها حول الصراع، والاحتلال،
دونما أي التفاتة لما يجري في الواقع الفلسطيني، سواء بسبب الطبيعة
الجوهرية للشعب الفلسطيني، باعتباره كان عند لحظة النكبة مجتمعاً فلاحياً
ريفياً محافظاً، في غالبيته الأعم، تتنازعه كما سائر المجتمعات العربية،
اتجاهات التنوير والتحرر الاجتماعي والفكري، من جهة، بمواجهة قوى المحافظة
والانغلاق والاقتداء بالسلف، من جهة أخرى!.. أو بسبب المؤثرات المتعددة
المستويات التي كان لا بد لها أن تترك تأثيراتها، بشكل أو بآخر، هذه التي
كان لها بمجموعها أن تعيق الشعب الفلسطيني عن تقدمه وتطوره الحضاري.
صحيح، أنه لم يُتح للشعب الفلسطيني أن يمضي على طريق الاستقلال
الوطني، والتحول الديمقراطي، والتحرر الاجتماعي، إذ سرعان ما باغتته
النكبة، مدمرة تشكيلاته السياسية، وبنيانه الاجتماعي، وسوقه الاقتصادي،
وسجالاته الفكرية، ليغرق طوراً في محاولات استرداد الوعي من الصدمة لإدراك
ما حصل، ومن ثم البحث عن السبل لاستعادة الحضور والمكان، والعمل على التحول
من «لاجئون«، إلى «عائدون«، ثم إلى «فدائيون«.. ولكن الصحيح أيضاً أن ثورته
المسلحة، التي انطلقت محمّلة بكل ذلك الإرث التاريخي، والموروث الاجتماعي،
على تخلف الكثير من تفاصيله، ورجعيته، ما كان من المقدر لها أن تنتهي إلى
شيء حقيقي، على الأقل بسبب غياب الربط العميق ما بين ثالوث «الوطني،
الديمقراطي، الاجتماعي«.
سيكتشف الفلسطينيون، بعد شوط التجربة، أن ما زال لديهم أشياء جارحة من
التخلف الاجتماعي الموروث من عصور الانحطاط العتيقة!.. اكتشف الفلسطينيون
أن لديهم شيء من جرائم الشرف، تلك التي تناول واحدة منها، المخرج نزار حسن،
في فيلمه الوثائقي الطويل «ياسمين« عام 1995. وسيكشف فيلم «عجمي«، الروائي
الطويل للمخرجين اسكندر قبطي ويارون شاني، عام 2009، أن جرائم الثأر ما
زالت تفعل فعلها في المجتمع الفلسطيني، وتشكل عيباً صارخاً في بنيته
وعلاقاته صورته. وذاك ما فعله المخرج ميشيل خليفي، عام 2009، في آخر
أفلامه، الروائي الطويل «زنديق«. وما بين هذه الأفلام ستقدم المخرجة ابتسام
مراعنة فيلمها الوثائقي الطويل «بدل« عام 2005.
لن يتطرق فيلم «بدل« لأي من الجوانب الصراعية، ولن يلمح في شيء إلى
وجود احتلال، أو وجود إسرائيل ذاتها على الرغم من أن مجريات الفيلم تدور في
قرية قريبة من حافة المتوسط، بالقرب من حيفا. الفيلم يصب اهتمامه، كما يفصح
عنوانه، حول موضوعة اجتماعية ذات علاقة بنمط من الزواج، يقوم على «البدل«،
وهو النمط المعروف في الأرياف، في عدد واسع من البلدان العربية، وربما
المشرق الإسلامي، حيث يجري تبادل الزواج بين شاب وفتاة من أسرة، مع شاب
وفتاة من أسرة أخرى، ويتم التخلص بالتالي من عبء المهر.
تبدأ المخرجة فيلمها بقص حكايتها الشخصية مع البدل، أنها كانت في
الرابعة والعشرين عندما عرض عليها البدل، ولكن الأمر لم ينجح لثلاثة أسباب:
«كبيرة السن، سمراء البشرة، ندبة في اليد«. وسيكون هذا مفتاحاً لائقاً
للفيلم، إذ تقدم المخرجة نفسها دليلاً وشاهداً حياً على واقعة «البدل«، وأن
نجت منها، أو لم تنل نصيبها!
بمهارة احترافية عالية، تبني ابتسام مراعنة فيلمها هذا، وقد هيأت لها
الصدفة التاريخية أن يكون موضوع البدل حار الحضور في بيت خالها، ولكن هذه
المرة من خلال رغبة ابن خالها الأرمل «وجيه» بالزواج بعد رحيل زوجته، وقد
تركت له ثلاث بنات بلغن سن الزواج.
والدة وجيه؛ أي زوجة الخال، والتي ستبدو في الفيلم حاكمة بأمر البيت،
ومالكة قراره، والتي سبق لها أن عقدت أكثر من زواج بدل في بيتها، تقرر أن
زواج ابنها وجيه، سيكون من خلال البدل، ولكن عبر ابنته الكبرى «ميادة»
البالغة 21 عاماً، والمؤهلة، والمستعدة تماماً للزواج.
الصدفة التي هيأت للمخرجة هذه الواقعة الاجتماعية، شاءت استكمالها
بحقيقة أن الفتاة «ميادة تفتقد الكثير من مقومات الجمال الخارجي، والمقاييس
المرغوبة لدى طالبي الزواج. هكذا سنشاهد عبر الفيلم محاولة واحدة لعقد زواج
البدل، ورفضاً واحداً على الأقل للمبادلة بهذه الفتاة غير الجميلة.
لن تشغل المخرجة حالها، أو فيلمها، بتحليل هذه الظاهرة الاجتماعية،
ولا بدراستها، أو العودة إلى أسبابها، أو مرجعيتها، أو دوافعها، اقتصادية
كانت أو اجتماعية، ولا موقف الفقه الاسلامي منها.. ما يشغل الفيلم ومخرجته،
طيلة 54 دقيقة، هو القيام بعملية الرصد والمتابعة، والتأمل والمشاهدة،
والملاحقة والمساءلة، والاستفهام والاستفسار.. حتى أن الاستطرادات التي
حواها الفيلم، من قبيل حكاية انتحار الخال، بسبب من وقوعه في عشق زوجة
ابنه، أو حكاية الجارة ميرفت وزوجها، أو عمل والدة المخرجة خاطبة تقليدية
في مجتمع محافظ، لم يكن سوى أشكال من التأثيث الذي يغني الفيلم بتفاصيل
تمنحه المزيد من الحيوية والواقعية.
بحيوية كبيرة تنتقل الكاميرا في تفاصيل المكان؛ بؤرته الأساسية «بيت
الخال أبو وجيه»، بغرفه المتعددة، ومرافق من المطبخ إلى الشرفة إلى
الإطلالة على الساحة التي قلما يظهر فيها بشر أو عابرون.. تماماً كما تُحسن
المخرجة إدارة شخصياتها بدءاً من زوجة الخال «أم وجيه»، المرأة الفلسطينية
القوية الحضور، بشخصيتها، وقناعتها، وقدرتها المتدفقة على الكلام، والدفاع
عن وجهة نظرها، ومحاكمتها للمسائل التي وعتها طيلة عمرها، ومن ثم الحضور
المميز للفتاتين (ميادة، ملاك)، ابنتا وجيه، واللتان ستشكلان وجهة النظر
الأخرى، الموازية لموقف جدتهما «أم وجيه»، والرافضتان بتفاوت، أو بتناغم
لما هما فيه من بؤس حال، ومرارة مصير.
الشخصيات الذكورية في الفيلم ستبدو ضعيفة، مرتبكة، وحتى منصاعة!..
فالابن البكر للأسرة، الأرمل «وجيه»، والباحث عن الزواج، لا يأخذ مكانته
ولا يمارس دوره. إن تأثير حضوره، ورغبته، أكثر فعلاً منه. هو السبب الذي
يقود الأسرة للبحث عن زواج البدل، ولكنه لن يقوم سوى بالتعبير عن رغبته
بالزواج، وعلى الأسرة أن تبحث عن مخرج، يحقق له هذا الحق.
وحتى الابن الآخر في الأسرة؛ «عبدالله»، والذي لن نراه إلا لماماً،
والذي سبق الزواج بطريقة البدل أيضاً، لن يكون له حضور أكثر من تهافته أمام
دفاعات والدته «أم وجيه»، عندما عبر متردداً عن عدم رضاه عن زواج البدل،
فكانت أسئلة والدته الصاعقة، التي جعلت يتراجع مقراً بأنه زواجه عبر البدل
كان ناجحاً، فيما تقر زوجته أن أسرتها هي أيضاً عرفت الكثير من زيجات
البدل.
«ميادة وملاك»: 21 عاماً، و18 عاماً، هما من سيكون لهما دور واسع في
ثنايا الفيلم، وتفاصيله. إنهما الضحية في كل حال، سواء نجحت صفقة الزواج
بالبدل، أو فشلت. في هذه البيئة الاجتماعية المحتقنة بالفقر، وبؤس الحال،
والعادات الاجتماعية الموروثة من عصور انحاط مديدة، لن يكون للفتاة فرصة أن
تحب، أو أن تختار.. ليس فرصة أن تقبل أو ترفض، أو تطالب بشيء من حقوق
الزوجية.. ما عليهما هو الانصياع الكامل لبنود الصفقة؛ صفقة البدل!..
كان يمكن لفيلم «بدل« أن يكون مرافعة قوية بصدد حقوق المرأة،
وأحلامها، وأمنياتها، ورغبتها بالتحقق، وفضحاً لنمط من الزواج يقوم على
تشيؤ المرأة، وجعلها سلعة للتبادل!.. ولكن المخرجة ابتسام مراعنة جعلت
فيلمها، وربما عن قصد منها، إطلالة وثائقية قوية، على عالم المرأة
الفلسطينية، المرصودة بالكثير مما يقف حجر عثرة أمام تطورها، وأخذها
لدورها.. الأمر الذي يمكن له أن يفسر الكثير من جوانب التخلف، أو التهافت،
الذي نشهده.
المستقبل اللبنانية في
10/10/2010
السيناريست والناقد البحريني أمين صالح:
مصطلح السينما
الخليجية غير دقيق
أجراه: حميد عقبي
تعرفت على امين صالح للمرة الاولى عندما التقيت بالشاعر
البحريني قاسم حداد وقال لي امين صالح جعلني احب السينما وخصوصا افلام
بيرجمان
وتاركوفسكي ومن يومها تطلعت لمعرفة هذا الرجل. وعند زيارتي
للقاهرة التقيت باستاذ
بالمعهد العالي للسينما وقال لي نحن ندرس كتاب السينما التدميرية للناقد
الأمريكي
فوغل وانصحك بقراءته وهو ترجمة امين صالح. ثم كان اللقاء الاول في ابو ظبي
خلال
مشاركتي بفيلمي الرتاج المبهور في مسابقة افلام من الامارات
2005 وبعدها تعددت
لقاءاتي به في مختلف المحافل والمهرجانات العربية والخليجية. هو شخص متواضع
يهرب من
الاضواء والشهرة والحوارات الصحفية ونجحنا ان نستضيفه في هذا الحوار للغوص
بشكل
معمق ومختصر في مختلف الاشكاليات وخصوصا ما يمس السينما الخليجية
والبحرينية
..تعالوا بنا نبحر مع هذا الرجل الذي تحدث بكل صراحة وبساطة ...فاليكم
الحوار.'
·
'أمين'صالح'ناقد
وأكاديمي'سينمائي نشر'العديد من'الكتب.. نود أن نتعرف
على هذه الزاوية وندع لكم الحديث عن أهم نتاجاتكم الأكاديمية
والنقدية..
*
لست
ناقدا سينمائيا ولا أكاديمياً. حبي للسينما واهتمامي البالغ بالأفلام
وخالقي
الأفلام جعلني أكتب في السينما مقالات هي تعريفية أكثر من
كونها نقدية، وأترجم
الموضوعات التي تثير اهتمامي، خصوصاً تلك التي تفتح آفاقاً جديدة غير
مألوفة، أو
تشير إلى طرق غير مطروقة.
من الكتب التي ترجمتها: السينما التدميرية للناقد
الأمريكي أموس فوغل، وعنوانه الأصلي 'السينما بوصفها فناً تدميرياً' /
النحت في
الزمن للسينمائي الروسي أندريه تاركوفسكي/ الوجه والظل في
التمثيل السينمائي/ حوار
مع فلليني (وهو عبارة عن حوار مطول أجراه الناقد الإيطالي جيوفاني جرازيني/
عالم
ثيو أنجيلوبولوس.. إضافة إلى 'الكتابة بالضوء' وهو عبارة عن تجميع لمقالات
مؤلفة
ومترجمة.
وعن المشاريع الجديدة: هناك كتاب عن الألماني فرنر هيرزوغ (وهو عبارة
عن حوار مطوّل) وآخر عن عباس كيارستمي (ترجمة وإعداد).
·
'أنتم
متابعون لمسيرة
السينما الخليجية منذ مسابقة أفلام من الإمارات، هل ترون تحسناً في الأسلوب
والمضمون في أفلام الشباب الخليجي اليوم؟
*
لا أستطيع الزعم بأني متابع جيد
لمسيرة السينما في الخليج (لا أميل إلى مصطلح السينما الخليجية
لأنه غير دقيق). لكن
من خلال مشاهدة عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة، أنتجها سينمائيون في دول
الخليج،
بإمكان المرء أن يقرر أن هناك محاولات طموحة، وتوجهات جادة لتحقيق أفلام
تريد أن
تقول أشياء عن واقعها، وأن تعبّر بأدواتها البسيطة وإمكانياتها
المحدودة عن هموم
معينة أو عن أحلام معينة. أعتقد أن الغالبية من صنّاع الأفلام يعانون من
ندرة أو شح
الإمكانيات المادية الداعمة لمشاريعهم، إضافة إلى غياب أو ضعف قنوات العرض
والتوزيع، وقلة العناصر الفنية المؤهلة.
من جهة أخرى، لا نستطيع أن نقول إن هناك
تحسناً على مستوى الأسلوب والتقنية، كما لا نستطيع أن ننكر بأن
هناك عددا من
الأسماء التي تحاول جاهدة، وبجدية، أن تقدم شيئا مختلفاً، على مختلف
الأصعدة،
وملفتاً على مستوى التقنية والمضمون. التحسن والتطور لا يتحققان إلا عبر
تراكم
التجارب وتعدد المحاولات.
·
'في
إحدى الفترات كانت الأفلام التجريبية والحديث
عنها في المنتديات وميلاد بعض المحاولات التجريبية لكن سرعان
ما اختفت هذه الظاهرة،
ما الأسباب من وجهة نظركم وهل من أفلام جيدة ظلت بالذاكرة في هذا الاتجاه؟
*
لدي
تحفظ بشأن مصطلح الأفلام 'التجريبية'، كما الحال مع مصطلح المسرح
'التجريبي'، وذلك
بسبب غموض المصطلح ومعناه. كل فنان يجرّب أدواته ويشتغل على العناصر
والمصادر
المتاحة له، محاولاً أن يبتكر شيئاً جديدا ومختلفاً وغير
مألوف، وهذا يحدث قبل
اكتمال العمل الفني، وبمجرد أن يقدّم العمل للجمهور، لا تعود صفة التجريبية
سارية،
ونبدأ ـ كجمهور - في تقييم العمل على أساس أنه عمل فني وليس عملاً تجريبيا،
فالمحصلة النهائية هي موضع التقييم. إن صفة التجريبية تُطلق
على عمل لم يكتمل بعد،
عمل لا يزال خاضعاً للبحث والتجريب. بالتالي لا أستطيع أن أقول عن عمل ما
بأنه
تجريبي والآخر غير تجريبي، فكل الأعمال هي تجريبية، لكن قبل أن تكتمل في
صيغة
نهائية.
وإذا افترضنا جدلاً بأن هناك أفلاما تجريبية، قائمة على توظيف تقنيات
غير مألوفة أو التلاعب البصري أو استنطاق علاقة مغايرة بين الصورة والصوت،
وأمور
أخرى تفضي إلى وصف الفيلم بالطليعية أو ما شابه، فإنني شخصياً
لم أصادف أفلاماً في
دول الخليج ترتكز على مثل هذه المظاهر ويمكن اعتبارها 'تجريبية'، فأغلب
الأفلام
التي شاهدتها كانت تسعى إلى التواصل مع الجمهور عبر لغة بسيطة، غير مركبة،
وبعيدة
عن التلاعبات البصرية. هذا ضمن حدود معرفتي.
·
'هناك
نقاد'يبالغون'أحيانا'بوصف'بعض'الأفلام الخليجية.. أتذكر احدهم كتب عن فيلم
قصير
واعتبره معجزة خارقة.. وهناك شباب خليجي لا يقبل النقد
الموضوعي.. ما تقييمكم لهذه
الظاهرة وما نصائحكم للنقاد والشباب السينمائي؟
*
لست مؤهلاً لإبداء النصح، ولست
في موقع الوصي. من المعروف أن لكل حركة مناصرين وأعداء لا
تنقصهم الحماسة. قد يبالغ
ناقد في تقييمه لفيلم ما، وقد يبالغ السينمائي في الثقة بنفسه، هذه أمور
تحدث..
ونحن لا نستطيع أن نعمّم حالة ما على الكل.
لا شك أن هناك من يتسم بالغرور
والادعاء، لكن هناك أيضا المتواضع والذي يريد أن يستفيد
ويتعلم. لا أظن أن هناك
موقفاً جماعياً يتخذه الشباب من النقد. من جهة أخرى، لم ألمس اهتماماً
حقيقياً من
النقاد العرب بتجارب الشباب في مجال الفيلم القصير، هناك اقتراب محدود
وخجول من هذا
المجال، لعله راجع إلى روح التعالي والاستهانة. على أية حال، أنا على قناعة
بأن من
بين مختلف تجارب السينمائيين في الخليج سوف يطلع واحد أو
اثنان، أو ربما أكثر، من
الأسماء التي سوف تفرض نفسها إبداعيا في الساحة السينمائية.. وهذا بحد ذاته
مكسب.
المهم أن تتاح لهؤلاء الشباب حرية العمل
بلا كوابح أو محاذير أو حتى نصائح.
·
الخليج العربي بشكل عام يمتلك
إمكانيات مادية ويستثمر جزءا منها في دعم
الإبداع السينمائي... ما المطلوب بالضبط من الحكومات الخليجية للنهوض بالفن
السينمائي بالخليج؟
*
إذا كان علينا أن نطلب من الحكومات شيئاً لأجل الفن
السينمائي فبالتأكيد سوف نطلب الدعم المادي والمعنوي، وتيسير سبل الإنتاج،
وتمويل
المشاريع السينمائية، لكن لا أحد يضمن أن هذه الحكومات سوف
تستجيب أو
تكترث.
·
كتبتم'عن تاركوفسكي
وكياروستامي.. فهل تأثرتم بهما في كتاباتكم
لعدد من السيناريوهات، ولماذا لم نحس بشكل واضح بهذا التأثر.. هل كان
الإخراج غير
جيد للسيناريوهات التي كتبتموها؟
*
الاهتمام بأفلام وكتابات وآراء مخرج معين، لا
يعني التأثر المباشر إلى حد المحاكاة. شخصياً أتأثر بالعديد ممن أقرأ لهم
أو أشاهد
أعمالهم أو أستمع إليها. لست ممن ينكر التأثر، على العكس،
أراها حالة صحية وضرورية.
في كتابة السيناريو قد لا يبدو هذا التأثر جلياً، لأن الفيلم هو وسط
المخرج، قبل كل
شيء، والتأثر يبدو واضحاً في الأسلوب، في التقنية، في تحريك الكاميرا
وكيفية توظيف
الميزانسين، وغير ذلك.
·
لكن لماذا تريد من السيناريو
الذي أكتبه أن يكون على
شاكلة أفلام تاركوفسكي أو كيارستمي؟ لم لا يكون شيئاً آخر؟ وهل إذا لم تجد
لمسات
تاركوفسكي أو كيارستمي فإن ذلك يعني تقصيراً أو إخفاقاً أو خطأ لا بد من أن
يتحمله
الكاتب أو المخرج؟
*
البعض ينظر للعناصر الجمالية بأنها عناصر تكميلية
وأحيانا مزعجة ويتجهون للمباشرة والقصة، والبعض يجهل فعلا ان السينما لغة
تعبير
شعري وإنساني.. هل هذا ما ينقص السينما العربية أم ان لديكم
وجهة نظر اخرى؟
·
بالطبع ينقص السينما العربية
الكثير لكي تتطور وتؤكد حضورها محلياً وعالمياً، سواء
على صعيد الفكر والرؤية، أو على الصعيد الجمالي.
كلامك عن أن البعض ينظر إلى
العناصر الجمالية بنظرة استخفاف وانزعاج هو أمر غريب، ولا
أعتقد أنه يصدر عن شخص
فنان يمتلك حساسية فنية عالية، ويدرك أنه يتعامل مع شكل فني له جمالياته
الخاصة. في
رأيي، لا ينبغي التوقف عند أفراد يجهلون ماهية السينما، ومنحهم أهمية
بمناقشة
أطروحاتهم البائسة، فالنقاش في مثل هذه الحالة مضيعة للوقت.
·
مهرجانات
سينمائية خليجية كثيرة بمنطقة الخليج وقليلة أو'معدومة تقريبا
المؤسسات
الأكاديمية.. هل ممكن أن تعوض المهرجانات النقص في المجال الأكاديمي؟
*
بالتأكيد
لا.. كلنا نعلم بأن المهرجانات هي فعالية تهدف إلى إقامة مسابقات، وتسويق
الأفلام،
مع الاهتمام بتظاهرات معينة وإتاحة الفرصة للسينمائيين بالالتقاء بالجمهور
والنقاد
والصحافيين. بينما المؤسسات الأكاديمية، من بينها المعاهد
السينمائية، تسعى إلى
التعليم والتثقيف. بالتالي، لا يمكن للمهرجان أن يعوّض عن النقص الأكاديمي،
أو يكون
بديلاً لغياب المعهد أو الثقافة السينمائية.
·
السينما فن جماعي لكننا
نلاحظ في العالم العربي، والخليج بشكل خاص، فنا فرديا أي أن الشخص الذي
يمتلك
إمكانيات ينتج عملا ويكون هو المخرج والمنتج والكاتب والممثل
والمونتير ...ما أسباب
وجود مثل هذه الظاهرة من وجهة نظركم وهل من أمل في حدوث تحولات مهمة في
المشهد
السينمائي الخليجي؟
*
بالفعل، السينما فن جماعي يعتمد على عناصر فنية مؤهلة في
مختلف مجالات العمل السينمائي، لكن في حالة عدم توفر عدد من هذه العناصر
الماهرة أو
المؤهلة (أتكلم هنا عن السينما في الخليج) فسوف يضطر الفرد أن يقوم بمهمات
أخرى إلى
جانب الإخراج.. وهذا أمر مشروع ولا يتناقض مع العمل السينمائي:
لنتذكر فقط (وأنا
هنا لا أعقد مقارنات) أن كيارستمي يكتب وينتج ويخرج ويصور ويمنتج أفلامه،
كذلك فعل
ستانلي كوبريك وغيرهما. المسألة لا ينبغي تناولها بهذه الحدّة والصرامة
والتزمت،
فليس شرطاً أو قانوناً أساسياً أن يكتفي المخرج بالإخراج فقط.
السينما حقل حر ومرن
ومفتوح على مداه، ومن العبث تكبيله بالقوانين والوصايا والشروط وما يلزم
وما لا
يلزم.
·
ما'تقييمكم'وقراءتكم'للمشهد'السينمائي البحريني وهل سنرى'أفلاما'جديدة
وتطورا في'المهرجانات'القادمة؟
*
في البحرين هناك من خاض تجربة الفيلم الدرامي
الطويل منذ سنوات، مثل بسام الذوادي، الذي حقق أول أفلامه 'الحاجز' في
1990، وكان
عليه أن ينتظر عشر سنوات حتى ينجز فيلمه الثاني 'الزائر' ثم
'حكاية بحرينية'.
ومؤخراً قام المخرج الشاب حسين الحليبي بتحقيق فيلمين طويلين هما 'أربع
بنات' (2008)
و'حنين' (2010)، وهو لا يزال يحاول اكتساب الخبرة الفنية.
أما في ما
يتعلق بالأفلام القصيرة، فقد ظهرت أسماء واعدة ومبشرة سيكون لها شأن إن
ساعدتها
الظروف على الاستمرار، مثل محمد جناحي وحسين الرفاعي ومحمد راشد بوعلي وعلي
العلي،
وآخرين.
ولا أظن أن المجال هنا يتسع لتقديم قراءة أو تقييم للتجربة، نظراً إلى
تشعب المشهد، وتفاوت المستويات، وتعدد المشكلات. وأي اختزال أو إيجاز ربما
يعطي
انطباعا غير دقيق.
الوضع السينمائي في البحرين، في الآونة الأخيرة، يمر بأزمة،
الإنتاج تقلص كثيرا بسبب غياب الدعم المادي، والتجارب باتت معدودة وأكثر
تواضعاً..
ما الحل؟ هناك حلول لكنها غير قابلة للتنفيذ.. الآن على الأقل.
·
أمين'صالح،'هل
ممكن أن يخوض'محاولة إخراجية أم'أنه'يتوقف'عند'السيناريو؟
*
رغم ميلي إلى
الإخراج، إلا أني قانع ومكتف بمهمتي ككاتب للسيناريو. مهنة الإخراج لا تعود
تصلح
لمن هم في سني. الإخراج يقتضي حركة ونشاطاً وحيوية وسرعةً وقوة احتمال
ومرونة
ومساومات، وكلها صفات قد لا تتوفر في شخص مثلي، لذلك أميل إلى
الكتابة التي اعتدت
عليها وإن كانت تفرض عليك العزلة لبعض الوقت، وضرورة أن تهيئ نفسك لإجراء
عدد من
التغييرات على نصك والتي يفرضها عليك الآخرون.
·
ظهور المرأة والاشتغال على
الجسد الأنثوي بالسينما الخليجية ما زال متواضعا بل اقل من ذلك، ما الأسباب
من وجهة
نظركم؟
*
لم أفهم المقصود بالاشتغال على الجسد الأنثوي، هل هو تصوير وضع
المرأة
من الجانب الحسي، الإيروتيكي.. مثلاً؟
أعتقد أن هناك اهتماماً بقضايا المرأة،
اجتماعياً، ضمن العلاقات الأسرية أو في العمل، أو كطاقة روحية،
في الأعمال 'الخليجية'.
ربما ليس بالكثافة المطلوبة، وذلك بسبب قلة الأعمال من جهة، والمحاذير
المفروضة رقابياً من جهة أخرى، حيث لا يتوفر (خصوصاً في السعودية) العنصر
النسائي
إلا في حالات نادرة.
·
المناخ النقدي العربي ملوث ومهنة
النقد كما يقول
البعض مهنة من لا مهنة له وظهرت ظاهرة السرقات والسطو .. ما تقييمكم لهذه
الظاهرة
والحلول للخروج من هذه الدائرة؟
*
لا أميل إلى التعميم، والقول بأن المناخ
النقدي ملوث لمجرد أن شخصاً أو اثنين أو أكثر يمارسون الكتابة
الصحفية، بتوجهات غير
مسؤولة، تحت اسم النقد. أو لمجرد أن شخصاً يعتبر نفسه ناقداً ويستغل وظيفته
للاكتساب والارتزاق عن طريق كيل المديح لمن لا يستحق المديح، أو التشهير أو
ما شابه
ذلك. هناك نقاد يمارسون عملهم بصدق وإخلاص، واعون لدورهم
ومحبون للفن الذي يستحوذ
على تفكيرهم. وبفضل هؤلاء نستطيع أن نميّز بين الجيد والرديء، بين الجاد
والعابث.
وليس صحيحاً أن النقد مهنة من لا مهنة له، فالنقد علم وفكر وسلوك
حضاري
وضرورة ثقافية وحاجة إنسانية. بين النقد والنتاج الفني تفاعل وجدل وحوار
ثري.. وأنا
هنا بالطبع أتحدث عن الناقد الحقيقي.
أما عن ظاهرة السرقات والسطو فهي ليست
جديدة بل تمارس منذ زمن، وفي مختلف حقول المعرفة. ولا أعرف إن كان النصح أو
الفضح
ينفع في هذه الحالة، أو إن كانت هناك إجراءات رادعة. لست قاضياً ولا أحب أن
أمارس
دور القاضي.
·
'ما'هو'أفضل'مهرجان'سينمائي'خليجي
ولماذا؟
*
لديّ تحفظ على
هذا السؤال، ولا أعتقد أن إجابتي ستكون مفيدة وداعمة لأي جهة.
·
كلمة'أخيرة'تودون'توجيهها'من'خلال هذا'المنبر..
-
أحييك وأشكرك أيها
الصديق..
aloqabi14000@hotmail.com
القدس العربي في
10/10/2010
|