لم يكتف مهرجان إسكندرية لهذا العام بإعداد اختيار شديد التوفيق لأفلام
المسابقة الرسمية بل أتبعه باختيار مجموعة كبيرة من أفلام شديدة الأهمية..
أحس المسئولون عن الاختيار بحاجة الجمهور «خصوصا هذا الجمهور الذي يتابع
الأحداث السينمائية العالمية» إلي متابعتها وإرضاء فضوله لرؤيتها بعد
قراءته الكثير من التعليقات الفنية عليها.
من أهم هذه الأفلام وأكثرها تشويقا فيلم كارلوس ساورا الأخير الذي أنتجه
بالمشاركة مع إيطاليا دون جوان لموزارت التي أعدها سينمائيا حسب طريقته
وأسلوبه الخاص.. والتي تشكل حدثا موسيقيا وفنيا وسينمائيا خارقا للعادة
خصوصا أن المسئول عن التصوير فيها «ستورارو» هو واحد من أعظم المصورين في
تاريخ السينما.
تحفة رائعة
وقد سبق لنا في هذا المجال أن تكلمنا بإسهاب عن هذه التحفة الفنية الرائعة
التي اعتبرها الكثيرون جوهرة سينمائية نادرة.
من الأفلام المهمة الأخري.. التي يعرضها المهرجان الفيلم التركي «رجال علي
الجسر» وهو أحد سلسلة الأفلام الواقعية التي تعبر عن الواقع التركي المعاصر
من خلال رؤية شعرية واجتماعية نافذة.
الفيلم يروي قصة ثلاثة رجال من مهن مختلفة.. سائق تاكسي.. بما فيها من
المشاكل العائلية والمادية في مجتمع استهلاكي لا يرحم.. وعسكري مرور..
يواجه المجتمع والثاني في مدينة اكتظت بالناس والسيارات والمشاكل.. ويحلم
بالعودة إلي قريته بعد أن تحطم حلمه بجنة المدينة.. التي احرقته عوضا عن أن
تشفيه.
وأخيرا.. بائع متجول.. تختلف مهنته باختلاف المزاج العام فهو طارة يبيع
وردًا وطارة يبيع مناديل.. وأخري بضاعات رخيصة. يعيش حياته مطاردا من حين
إلي آخر ومن قبل الناس والدوة معًا إنه يحيا الحياة علي هامش الحياة ومن
خلال سباق درامي شديد الاتقان.. يتقابل مصير هؤلاء الثلاثة ويتفرق من خلال
مدينة تحولت إلي كورس تراجيدي يشحنه القلق علي الأحداث من خلال صورة براقة
لا تلف لحظة عن الإبهار.
فيلم مدهش بكل تفاصيله وشخصياته وبنائه.. كاد أن يكون الاختيار التركي
الرسمي للمسابقة.. لولا أن خطوه نحو الظلام أثار لجنة الاختيار بموضوعه
الحارق عن الأكراد والعراق والدور الإيراني فاستحوذ علي الاهتمام.. تاركا
رجال في الجسر يواجهون الجمهور دون دعاية كبيرة أو اطلالة خاصة.
الذي يحتفي هذا العام احتفاءً خاصا ومحقا بالسينما التركية هو فيلم
«توزموس» الذي يتمتع بصورة تخلب الألباب، عن الطبيعة التركية في قرية جميلة
تقع علي النهر.. ومن خلال قضية غرائبية بعيدة عن المنطق المعتاد.. تروي
وصول رجل خارق بإمكانه القيام بالمعجزات مما يشكل انقلابا حقيقيا في حياة
القرية وسكانها.
فلم تختلط فيه الروحانيات بالمعجزات من خلال خلفية سياسية وعاطفية عرف
المخرج الماهر كيف يولفها.
الضاحك الباكي
أما اليونان فتقدم بالإضافة إلي فيلمها الضاحك الباكي «صاحب العمارة» الذي
يمثلها في المسابقة فيلم آخر مثير باسم «أكاديمية أفلاطون» وهو فيلم نصف
كوميدي عن أزمة السكان اليونان مع جيرانهم الغرباء.. خصوصا المهاجرين
الألبان.. والعمالة الأجنبية.. بين يوناني شديد التعصب لأصوله اليونانية
ويأخذ موقفا متشددا من الألبان القادمين إلي أن يكتشف أن بدوره سليل أسرة
ألبانية مهاجرة.
فيلم عن الواقع المحلي في اليونان.. قاس من اتهامه ولكن شديد اللفت في عرضه
يمثل درسا قويا في كيف يمكن تقديم موضوع مغرق في دراميته بصورة سلسة ضاحكة.
وهناك فيلم فرنسي شديد التفوق ومن خلال أداء تمثيلي بعنوان «فرفشة شامبون»
ويروي علاقة رب أسرة يعمل «نقاشا» سعيدا في زواجه وأسرته إلي أن يتعرف
بأستاذة ابنه الصغير ويساعدها في عدة أعمال صغيرة تحتاجها في شقتها.. وتنشأ
علاقة حارة من الأستاذة التي أشرفت علي الثلاثين وهذا الرجل المتزوج
السعيد.. تنتهي نهاية غير متوقعة.
رغم نمطية القصة وعدم احتوائها علي أي عنصر جدية أو مفاجئ.. يشد الفيلم
انتباه المتفرج.. ويوقظ حواسه كلها وتستطيع الرومانسية الفرنسية ببراعتها
وذكائها ودقتها أن تسيطر علي مشاعر المتفرج.. الذي يجد نفسه مسوقا رغما عنه
إلي التعاطف مع العاشقين. رغم أسرة البطل الرائعة وسلوكها المتحضر ورغم
انزلاق هذه المعلمة الفاضلة إلي علاقة غير مشروعة تستحق الإدانة أكثر مما
تجلب التعاطف.
فيلم فرنسي عاطفي يعود بنا إلي الأيام الذهبية الفرنسية حيث كانت أفلام
الحب التي تأتينا من باريس كانت بمثابة دروس حياتية للعشاق في العالم أجمع.
وهناك أيضا فيلم يوناني آخر يستحق التأمل والمشاهدة إذ يبدو أن تركيا
واليونان رغم العداء التاريخي بينهما وجدا في مهرجان الإسكندرية أرضا
مشتركة لإبراز مقدرتهما السينمائية والرؤي الخاصة التي يقدمونها تجاه أكثر
من مشكلة حارقة تهدد بلادهم.
الفيلم يدعي «ثورات صغيرة».. وهو فيلم غريب إلي حد ما.. يقوم علي سيناريو
غامض يعوزه التوازن ليروي علاقة بين ممثلة مغمورة اعتدي عليها أبوها جنسيا
وهي مازالت مراهقة وترك هذا الاعتداء جرحًا غائرا في نفسها لا تتمكن من
نسيانه، ثم علاقتها برسام شاب يحاول إحياء لوحات فنان مجهول من القرون
الوسطي.
الفيلم ينجح في خلق أجواء شديدة الجمال وأداء شديد التأثير من الممثلة
الأولي ومشاهد رائعة سينمائية ولكنها جاءت متفرقة ومتباعدة إلي حد ما.
الحب المجنون
قد يكون الفيلم صعب المأخذ علي الجمهور العادي الذي تعود السهولة في السرد
وتعود ألا يتعب نفسه في تتبع ما وراء الأحداث، وما تعنيه الصورة من رموز..
ولكن الجهد الذي يمكن أن يبذله في فهم الفيلم لن يضيع هباء لأن المحتوي
العميق الذي تحمله أحداثه ستدفعه إلي التفكير طويلا بالفيلم بعد انتهائه من
مشاهدته، وقليلة حقا هذه الأفلام التي يمكن أن تترك في نفوسنا مثل هذا
التأثير.
وأخيرا لابد أن أشير إلي فيلم إسباني مثير هو «أمور لوبوس» أو الحب
المجنون.. الذي يتمتع بسيناريو شديد الاتقان وتصوير وديكور مدهشين.
ويستعرض الفيلم حالة مرضية شديدة الخصوصية عرضها الفيلم بأسلوب سينمائي
شديد الابتكار.. ومن خلال أداء تمثيلي مثير قد يكون الفيلم محتويا علي
مشاهد جنسية جريئة سمحت رقابة المهرجان الخاصة بعرضها نظرا لطبيعة موضوع
الفيلم والأسلوب الراقي الذي عولجت به هذه المشاهد.
الحب المجنون مثال آخر عن الحرية المطلقة في التعبير عن الجنس والتي بدأت
تمارسها السينما الأوروبية والأمريكية علي نطاق واسع.
نعم مائدة المهرجان السينمائي بالإسكندرية هذا العام كانت حافلة بثمار شتي
أرضت جميع الأذواق.
جريدة القاهرة في
28/09/2010
الواقع والأحلام في مهرجان
الإسكندرية السينمائي
بقلم : د. وليد سيف
منذ عودتي من بعثتي الدراسية في موسكو عام 2000 وأنا أتابع مهرجان
الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط بدأب وعن كثب. عشر دورات متصلة
أحرص فيها علي حضور الفعاليات من مقاعد النقاد والمتفرجين، أو بإسهامات
محدودة في كتابة الدراسات والمقالات. تراءت لي بالطبع طوال هذه السنوات ما
تصورت أنها عيوب وأخطاء يمكن تداركها، كما داعبت أحلامي أفكار كثيرة اقترحت
بعضها علي القائمين عليه من حين لآخر ولم ينصت لي أحد علي الإطلاق بالطبع.
لذلك وعلي الرغم من خبرتي الإدارية كنت أعتقد أن مهمتي كنائب رئيس للمهرجان
سوف تكون في منتهي السهولة وأنه أصبح بإمكاني أن أحقق كل أحلامي في النهوض
بهذا المهرجان وتجنب أخطائه المتكررة. كنت أعمل بمنتهي الحماس والتفاؤل
واستطعت أن أضع خطتي الكاملة المبدئية لجميع فعاليات المهرجان وبرامجه فور
أن توليت منصبي وبالتحديد في منتصف شهر مارس .
المسابقة الدولية
وفي خلال أسبوعين وبعد بضعة اجتماعات مع اللجنة العليا برئاسة ممدوح الليثي
تمكننا من الوصول إلي الشكل النهائي لخطة المهرجان. وبدأت الأعمال الفنية
مبكرا جدا وانتهت أيضا في وقت مبكر جدا وتم الاستقرار علي الأفلام وتوزيعها
علي الأقسام . ولم يبق سوي الجانب المالي والإداري والتنفيذي للمهرجان وكان
أمامنا متسع من الوقت أعتقد أنه كان كافيا ليظهر المهرجان في أفضل صورة
وبشكل غير مسبوق ولكني لا أنكر أنه فاجأتنا بعض المعوقات والمشكلات وخذلنا
بعض أفراد فريق العمل. وعلي الرغم من هذا فإننا تمكننا لأول مرة تقريبا من
عمر المهرجان من أن يصبح لدينا 14 فيلماً في المسابقة الدولية تمثل معظم
دول البحر المتوسط المنتجة للسينما بشكل منتظم أو شبه منتظم . وتم اختيارها
بعناية وتعبر كما وصفتها لجنة التحكيم الدولية في نصها الرسمي عن ذوق فني
راق وعن جهد كبير في الاختيار لأفلام رفيعة المستوي فنيا وتعبر عن قضايا
وصراعات اجتماعية وثقافية واقتصادية ملحة في منطقة البحر المتوسط وليست ذات
طابع محلي محدود . كانت لجنة التحكيم أيضا قد تم اختيارها بدقة شديدة لتضم
فنانين رفيعي المستوي في مختلف تخصصات العمل السينمائي. وكانت أفلام ولجان
الأقسام والبرامج الأخري مختارة بعناية. وشهدت مسابقة الأفلام القصيرة
نزاهة في الاختيار وفي الجوائز أيضا .
اعتراف بالخطأ
بذلت مع الزملاء جهدا كبيرا ووصلت إلي حالة من الرضا عن أدائي مع الاعتراف
بأخطائي. ولكن دعوني اعترف لكم أنني كنت أشبه بلاعب الكرة الذي بذل كل
طاقته في الملعب ولم يدخر جهدا ولو للحظة واحدة وتمكن من إحراز هدف أو
اثنين ولكن في الثواني الأخيرة واللحظات القاتلة أصاب مرماه هدفان نتيجة
أخطاء لم تكن في الحسبان . دعوني اعترف لكم كما اعترف ممدوح الليثي رئيس
الجمعية والمهرجان أن هناك أخطاء في المطبوعات . ودعوني اعترف لكم أن برامج
الندوات شهدت تبديلا وتغييرا في المواعيد وليس إلغاء كما يزعم البعض. كانت
أخطاء محدودة بالفعل ولكنها كانت فرصة لمن يريد تصيد الأخطاء لكي يطيح بكل
الجهد المبذول. ولكن إذا كنا نحن قد أخطأنا فدعوني أتساءل من الذي أصاب.
ودعوني اعترف لكم أن ما أغضبني وأصابني بحالة من الإحباط ليست هذه الأخطاء
ولكن هذا العزوف الكامل من جيل من شباب الصحفيين لم يحرص سوي قلة قليلة منه
علي متابعة العروض والبرامج والندوات. بل لم يكلف أحدهم خاطره بقراءة
المطبوعات واكتفوا بتناقل رصد الأخطاء المطبعية والإملائية بينهم التي ربما
لم يرصدها سوي واحد منهم فقط كي يريحهم من عناء القراءة .كنت أعتقد أن
أحدهم قد يشير إلي مقالة جيدة أو دراسة بذل فيها جهدا أو حتي ينتقد بعض
الآراء أو يختلف في وجهة النظر مع كاتب أو يراجعه في بعض المعلومات ولكن
شيئا من هذا لم يحدث . كنت أعتقد أن أحدهم قد يشير إلي المستوي الراقي
للطباعة ومستواها المتقدم وتقنياتها العالية أو إلي النشرة اليومية التي
كانت بمثابة مجلة يومية دسمة بما تضمه من نقد جاد وبما تحتويه من صور مدهشة
وبما تلاحقه من أحداث تنشرها بعد سويعات من وقوعها .
تأجيل الندوات
كانت قاعات العرض المخصصة للنقاد والصحفيين فارغة إلا من صناع الأفلام
وأعضاء لجان التحكيم وقلة من كبار النقاد والصحفيين. وكان حضور الندوات في
قاعة الفندق لا يتجاوز في حالات كثيرة أصابع اليد الواحدة . وعلي الرغم من
ذلك كان العشرات من الصحفيين ينفعلون ويغضبون عندما يعلمون بتأجيل ندوة أو
تغيير مواعيدها. لم ينشغل أحد بحضور ندوات الأفلام العربية والأجنبية التي
بذلت إدارة المهرجان جهدا كبيرا في استضافة صناعها وتكلفت خزينة الجمعية
مبالغ طائلة لاستضافتهم لإثراء الندوات . ولكن ما يجعلني أتفاءل ولو قليلا
بالمستقبل أن حضور الأفلام والندوات كان قويا في باقي مواقع المهرجان والذي
استطعنا هذا العام أن نحقق انتشارا كبيرا له في مختلف أنحاء الإسكندرية في
دور العرض والنوادي والشواطيء والمراكز الثقافية المصرية والأجنبية. ولكن
حتي رصد أخطاء المطبوعات لم يكن الشغل الشاغل للصحافة الفنية، بل كان الأهم
بالطبع هو انتقاد حفلتي الافتتاح والختام والسخرية من كم المكرمين
والفائزين بجوائز التميز من الفنانين المصريين. ولكن يبد وأن معظم من كتبوا
لم يكلفوا أنفسهم حتي عناء حضور حفلتي الافتتاح والختام واكتفوا بالاسترخاء
في الفندق وتجهيز حقائب العودة والتقاط خبر من هنا ومعلومة من هناك .
مأساة نصف ساعة
لم يجد البعض ما يكتبه فاعتبروا أن تأخر الحفل عن موعده نصف الساعة يعد
ارتباكا وفوضي مع أن هناك مهرجانات أخري يتأخر حفل الافتتاح فيها بالساعة
والاثنتين دون أن يعلق أحد . يكتب البعض أيضا العبارة المتكررة عن غياب
النجوم عن الحفلات ..بينما يكتب الآخرون علي النقيض تماما أن المهرجان شهد
كثافة مبالغ فيها من حضور الفنانين بلا داع . ولينشغل آخرون بالكتابة عن
أسماء أعلن حضورها ولم تحضر كما لو كان غياب فنان أو اثنين عن الحضور أمرا
كفيلا بإثارة أزمة أو الإساءة لسمعة المهرجان أو الفنان ذاته . أشار البعض
أيضا إلي غياب المخرج داود عبد السيد عن استلام جائزة فيلمه ولم يتنبه أحد
إلي أنها جوائز إعلانية مقدمة من اتحاد الإذاعة والتليفزيون للمنتجين وليست
للمخرجين .
ثم يأتي الحديث عن تسريب الجوائز. والغريب أن إدارة المهرجان لم تتسلم محضر
لجنة التحكيم النهائي بالجوائز إلا قبل المؤتمر الصحفي بأربع وعشرين ساعة
وأن اللجنة قبل ذلك لم يكن بإمكانها أن تعلن أي جوائز لأنها لم تكن قد
شاهدت كل الأفلام فمن أين يأتي التسريب؟. اعتقد البعض أن تكهن البعض بفوز
عمر الشريف بجائزة في التمثيل كان نوعا من التسريب مع أنه كان مجرد توقع
مبني علي منطق قوي جدا لمكانة الفنان الكبير ولقدراته الفنية ولأدائه
اللافت في فيلم (المسافر). وهو ما جعل اللجنة تراه أرقي من مستوي المقارنة
فمنحته جائزتها الخاصة وهي جائزة أساسية ضمن لائحة المهرجان وليست مجاملة
كما اعتقد البعض وليست جائزة أحسن ممثل كما كانت تروج الشائعة . لم يتحدث
أحد عن أن إشاعة فوز الفيلم بجائزة أحسن ديكور كانت كاذبة. ولم يذكر أحد أي
جائزة أخري كانت قد تسربت لأن معظمهم لم يشاهدوا سوي قلة من الأفلام . لم
يتحدث أحد عن نزاهة لجنة التحكيم وبعدها التام عن حتي شبهة المجاملة . فليس
من بينهم صديق لنا ولم يأت أحدهم علي سبيل المجاملة ليفكر في ردها لنا أو
للدولة المضيفة. وهو امر يحدث في كثير من مهرجانات الدنيا وهو ما لم يحدث
في هذا المهرجان. كان فيلم «المسافر» في رأيي يستحق أكثر من جائزة، ولكني
لم أصرح أو ألمح بهذا الرأي لأي من أعضاء لجنة التحكيم وأنا لا أعرف منهم
سوي هشام سليم الذي كان زميلي في لجنة تحكيم المهرجان الكاثوليكي .
اعتذارات
كانت من مشكلات المهرجان الكبري في نظر الصحافة هي اعتذار نجلاء فتحي كضيف
شرف واعتذار ليلي علوي عن رئاسة التحكيم . واعتذار فنان عن المشاركة في أي
مهرجان مهما كان شكل هذه المشاركة هو أمر وارد ومقبول ويحدث في كل مهرجانات
العالم ولا يشكل أي إساءة للمهرجان ولا للفنان . فللفنان ظروفه التي يجب أن
نحترمها وليس للمهرجان أي سلطة علي أحد . لم يتحدث أحد عن صواب اللجنة في
حل مشكلاتها المفاجئة ولا في اختيارها لمفيدة التلاتلي كبديل قوي لليلي
علوي رئيسا للجنة التحكيم . وهي فنانة سينمائية من الطراز الأول مخرجة
وكاتبة سيناريو ومونتيرة وتصنع أفلاما تتناول قضايا المرأة في دورة خاصة
بسينما المرأة .
لا أبرئ نفسي من أخطاء ارتكبتها وذكرت بعضها في هذا المقال . ولكني كنت
أتمني أن نستفيد من آراء شباب الصحفيين لنتعرف علي المزيد من أخطائنا ونسعي
لتصحيحها ولكن مع الأسف كانت معظم كتاباتهم لا تعبر سوي عن أخطائهم في
المعلومات أو تكشف عن تكاسلهم عن الحضور . وأخيرا يوجه لنا بعضهم اللوم
علي أخطائنا وينبهونا أنها تهددنا بأن نفقد صفة الدولية . ولكن ما لا
يعرفونه هو أن مهرجان الإسكندرية هو ليس مهرجانا دوليا أصلا ولكنه مهرجان
إقليمي . أرجو ممن يريد أن ينتقد الآخرين أن يتحري الدقة وأن يبحث عن
المعلومات التي تؤهله للنقد وأن يقرأ حتي ولو لائحة المهرجان التي لا
تتجاوز الصفحتين وأمره لله .
جريدة القاهرة في
28/09/2010
لنـــنــظــــر إلــــــي إيجابيات
المهــرجـان
بقلم : د.صبحي شفيق
المهرجان السينمائي، كأي مهرجان، هو تتويج أفلام أحدثت طفرة في لغة التعبير
البصري- السمعي وإلا فلماذا نقيم مهرجانًا؟
والمهرجان السينمائي، كأي مهرجان سينمائي، له خصائصه النوعية: في الولايات
المتحدة الأمريكية، مثلاً، «صان دانص» و«سيكاجو» مهمتها إلقاء الضوء علي
السينما الشابة، وهي ليست بالضرورة سينما الشباب.
كان في فرنسا، ديفيليه للنجوم ولكل الموضات الجديدة في السرد وفي التصوير،
وفي الأداء التمثيلي، وهذا الطابع الشمولي يتحقق في عدة أقسام للمهرجان:
«نظرة ما» للأفلام التي أضافت ما هو جديد إلي كل عناصر الخلق السينمائي،
وأسبوع المخرجين، وأسبوع النقاد يردد صدي نظرة ما.
ثم يقيم كل إقليم مهرجانا له هدف محدد: في مدينة نانت، عاصمة البريتون،
مهرجان القارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وفي إبان مهرجان
السينما من أجل السلام، وفي مونبيليه سينما البحر الأبيض، وفي ناني أفلام
التحريك إلخ إلخ، والأمثلة كثيرة كثيرة.
ما هي إضافتنا، نحن، إلي هذه البانوراما العريضة من تعدد الإبداع البصري-
السمعي؟
مهرجان وحيد
إزاء كل مهرجان يقام عندنا، يجول في ذهني هذا السؤال، ولا أجد الإجابة عنه
إلا في مهرجان واحد، هو مهرجان الإسماعيلية.
وهو المهرجان الوحيد في مصر الذي تتحقق فيه صفة الدولية، لأنه محدد بنوعيات
من الأفلام تلتقي مع مثيلاتها في شتي أنحاء العالم.
الفيلم الوثائقي بشقيه: «الطويل والقصير»، الروائي القصير، والتجريبي،
التحريك. وعرض إنتاج عام علي المستوي القاري، لهو مرآة عاكسة لما وصلت إليه
لغة التعبير البصري- السمعي في هذه الأنواع.
يلي الإسماعيلية مهرجان الإسكندرية المحور الرئيسي في عروض الأفلام أن تأتي
من أحد البلاد المطلة علي البحر الأبيض، وعندما خططنا لهذا المهرجان في
بدايته، كانت الفكرة المسيطرة هي إقامة حوار بين الحضارات المختلفة التي
تفاعلت لتخلق فكرًا جديدًا.
ورغم كل الظروف المادية، والدبلوماسية أيضًا، استطاع هذا المهرجان أن يتخطي
كل العقبات ليصمد مدي 26 عامًا. والذين ليسوا في «مطابخ» المهرجانات لا
يعرفون إنك لكي تجيء بفيلم، عليك أن تدفع تأمينًا يقدر بثمن النسخة، أي أن
عرض عشرة أفلام من إنتاج عام يكلف بضع ملايين من الجنيهات، فضلاً عن حقوق
المؤلف وضرورة كتابة عناوين فرعية، أسفل شريط الصورة.
ولا يحل هذه العقبة إلا «بروتوكول» يعفي المهرجان من كل شروطه علي أساس أنه
جزء لا يتجزأ من سياسة أوروبا الموحدة، ألا وهي الانفتاح علي جنوب البحر
الأبيض.
وهذا في تصوري الدور الذي يجب أن يلعبه مهرجاننا، وما أقوله يستند إلي
برامج دعم الإبداع السينمائي، وبرامج رفع مستوي العاملين في حقلي السينما
والفيديو، وبرنامج دعم المهرجانات.
وحتي يتحقق هذا، علينا أن ننظر إلي مهرجان الإسكندرية بعيدًا عن الرغبة في
التدمير، بعيدًا عن كل سلوك عدواني.
ما هو الإيجابي؟
أولاً عرض أفلام غير ما اعتاد جمهورنا «المبرمج» أن يشاهده وأقول «المبرمج»
لأن القنوات الفضائية وتليفزيوننا الأرضي، ودور العرض، لا تعرض سوي الأفلام
التي تدور حول البطل الأمريكي الذي لا يقهر، وحول ما يسمي بمحاربة الإرهاب
الدولي لا هذا النوع ولا ذاك يدخل في نسيج حياتنا.
أما ما يعبر عن معانتنا فهي الأفلام المجردة من نزعة الابهار وإغراء
النجوم، الأفلام التي ترينا كيف نعيش «الزمن» أي احتواء الواقع، لا أن نكون
في الزمن، بمعني أن الأحداث هي التي تحركنا، دون أن ندري.
في هذا العام عدة أفلام تستحق أن نتوقف عندها. منها الفيلم المغربي
«المنسيون» من إخراج حسن بن جلون. إنه يبدأ من قاع المجتمع المغربي،
بتقاليده القبلية الصارمة، وأيضًا بالانفراج في شكل رقص فلكلور، وغناء
تراثي يبدأ بعرس كل مفردات الموسيقي والغناء والرقص الشعبي هنا والناس
تتدافع كي تأخذ من الطعام والحلوي ما لا تتذوقه إلا في هذه المناسبة.
ثم، فجأة، يتحول العرس إلي تراجيديا، كيف؟ يكتشف «العريس» أن عروسته ليست
عذراء ياللفاجعة! فيترك العرس بناسه، ويهرب ويطرد أصحاب العرس المدعوين وهم
مازالوا يتناولون طعامهم. أما «الضحية» العروس، فتلوذ بالهرب، تبحث عن حبيب
لها في فيس، المدينة، لعلها تجد مأوي لديه، وتجد عنوانه لكنه قد رحل ولم
يترك عنوانًا جديدًا ويتلقفها سائق سيارة، عمله هو الإيقاع بالفتيات
لإرسالهن إلي الخارج، إلي بيوت الدعارة. والخارج، هنا هو بلجيكا. الفخ
المنصوب يتكرر مع فتاة أخري، وثالثة، وننتقل إلي بلجيكا، لنري المهاجرين
وهم يعملون في مصنع بأجور هي عشر الأجور التي شرعتها القوانين.
مصائر فردية. تتحول إلي سلع تجارة رقيق أبيض، وتجارة أيدي عاملة بأرخص
الأجور. وهذا هو العمق الحقيقي لحلم المغربي: أن يجد في أوروبا الآفاق وقد
فتحت علي مستقبل حافل، فإذا بها تضيق، وتضيق، لتحاصره وتقضي عليه. هذا مثل
لهذه النوعية من الأفلام.
مثل آخر، هو فيلم: «امرأة بلا بيانو» زوج وزوجة من بسطاء الناس، هي مزيلة
للشعر الزائد في أجساد النساء، وهو سائق تاكسي حياتها روتينية: الوداع
صباحًا بقبلات آلية، ليذهب كل منهما إلي عمله، أو بالأحري ليذهب الزوج إلي
عمله، بينما هي تذهب لأخذ طرد اشترت محتوياته عبر الإنترنت، وإذا بعاملة
الحصيل تخبرها بأن بطاقتها الائتمانية بلا رصيد، تحبط تعود إلي البيت
لانتظار زبائن جلسات التجميل، تحاصرها الأصوات، أصوات كل يوم الأصوات التي
حولت حاسة السمع لديها إلي طنين مستمر: كل شيء إلكتروني، مكنسة كهربائية-
ضجيج فرن ميكرويف- ضجيج محمول، تليفون أرضي، ماسحة زجاج، كل ما اخترعته
التكنولوجيا لتوفر وقت ربة البيت يتحول إلي ضجيج أصم لدي «روز».
وتحاول أن تهرب من كل هذا إلي الشارع إلي مكان تدخن فيه، لأول مرة يقودها
الشارع إلي حي العاهرات، يعترضها من يظنها منهن تركب الأوتوبيس، فتطرد
لأنها آتية من نفس الحي.
هذا هو عالم اليوم عالم تحول الإنسان إلي آلة، بينما الآلة هي السيد. عالم
الروبوت، أينما تذهب.
اتجاهات سينمائية
الأمثلة كثيرة، وأيضًا وجود أفلام لمخرجين لهم اتجاهاتهم وأسلوبهم الذي
أحدث ثورة في الإخراج، مثل المخرج الإسباني كارلوس ثاورا، وفيلمه «ادعي
جوفاني».
أما عالمنا العربي فيمثله الفيلم الرائع: «كل يوم إجازة»، للمخرجة
اللبنانية: «ديما الحر» إنها تعود إلي تيار بدأ ببرهان علوية في كفر قاسم
وقيس الزبيدي ونبيل المالح، وجوسلين صعب، ألا وهو تحول الحرب إلي عادة
يومية، كما في مشهد سائق شاحنة حربية، بدلاً من أن يحملها بالسلاح يحملها
بالدجاج، ثم يستخدمها كتاكسي لينقل أسرة إلي مكان وأخري إلي مكان آخر.
لست بصدد تحليل أفلام المهرجان، فكل فيلم يحتاج إلي دراسة مطولة، لكنني
أركز علي ما هو إيجابي.
وما هو إيجابي، حقًا الندوات حوار ساخن هجوم، دفاع، أي حياة حقيقية، ومن
أهم هذه الندوات الندوة التي أقيمت لتكريم مدير التصوير محمود عبدالسميع
ومهندس الصوت جميل عزيز وترجع أهميتها إلي أنها تلقي الضوء علي ما يسمي
بالكاميرا الحرة التي خرجت من الاستديو، ولم تعد أداة لوصف ما أمامها، بل
للنفاذ إلي مكونات ما أمامها. وهذا هو دور محمود عبدالسميع. أما جميل فقد
رسم صورة لما ستكون عليه سينما الغد، بعد نهاية عصور السينما الكيمائية
المعملية، كيف نحدد مسار الصوت مع شاشة أخري، ومع تكنولوجيا صورة جديدة
تمامًا.
من أهم الندوات بالمثل، تلك التي أقيمت لأسامة الشيخ لقد عرفته مهندسًا
دقيقًا أثناء تجربتي مع الـ
ART، وعرفته يحلم بتغيير كل ما في القنوات المتخصصة، عندما كان رئيسها-
وها هو يرأس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فما هو برنامجه؟
هذا ما تكشف عنه الندوة، وأهمها العودة إلي سياسة دعم الإنتاج السينمائي،
وهي السياسة التي وصفها ممدوح الليثي عندما كان رئيسًا لقطاع الإنتاج.
أما أفلام الشباب، فلا تجد نفسها إلا في حيز الأفلام القصيرة، وما يسمونه
أفلام الديجيتال، كأنما الديجيتال نوعية خاصة أو «صنف» من الإنتاج وليس
بداية الثورة التي ستجتاح كل ما هو تقليدي، لترسي أسس سينما خالصة.
وسأعود إلي هذه القضية بالتفصيل.
جريدة القاهرة في
28/09/2010 |