تمضي الحياة معكوسة أو مستعادة، ويمكن للبيض أن يكون مجازاً لمنتصف العمر،
بينما تمسي المراهقة بيضاء كالحليب، إلى أن نصل إلى عسل الطفولة.. بمثل هذا
الاختزال يمكن توصيف ثلاثية المخرج التركي سميح قبلان أوغلو (1963): «بيض»
،2007 و«حليب»، ،2008 و«عسل» ،2010 الذي نال عليه جائزة الدب الذهبي في
الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي.
بينما يحضر الاسترسال حين تعقّب العوالم التي يقدمها أوغلو في ثلاثيته،
ووضعها في سياق منجز السينما التركية، إلى جانب أفلام مخرج بحجم نوري جيلان
له أن يشكل مع أوغلو أبرز السينمائيين الأتراك حالياً، ومعهما جيل جديد من
السينمائيين يجتمع على حساسيات متناغمة ومتشابهة مع أوغلو وجيلان، تستثمر
في البيئات وتنويعاتها العرقية والمناخية، والإيقاع البطيء واللقطات
الطويلة، والرهان على المشهدية وبلاغيات الصورة مع التقشف ما أمكن في
الحوار، الخصائص التي يمكن تتبعها في تجارب إخراجية ظهرت في السنتين
الأخيرتين مثل أوزغان ألبير في أول أفلامه «خريف» الذي يروي قصة معتقل
سياسي وعودته إلى قريته، وفيلم ييشيمم أوسطا أوغلو «صندوق باندورا» ورحلة
بحث الابناء الثلاثة عن أمهم المفقودة، وبدرجات أقل في فيلم «10 حتى 11»
لبيبلين إسمر، فالرهان هنا على مصير مدحت المحاصر بالتذكارات، وكذلك الأمر
مع فيلم «المسبحة الخطا» لمحمود كوشكان، حيث يقع مؤذن شاب في غرام امرأة
كاثوليكية.
الفيلم القصيدة
مع سميح قبلان أوغلو يمكن الحديث عن «الفيلم القصيدة» التوصيف الذي يميل
إليه أوغلو نفسه وهو يرى في الفيلم حساسية شبيهة بالقصيدة يمكن لفاصلة في
غير مكانها أن تسيء إليها، وفي تتبع ذلك في ثلاثية يوسف فإن التكثيف
والاختزال سيكونان عنصرين حاسمين في السرد البصري، ودائماً مع لقطة
افتتاحية طويلة، ففي «بيض» نرى امرأة عجوزاً قادمة من بعيد باتجاه
الكاميرا، إلى أن يحتل وجهها الكادر في لقطة قريبة جداً، ثم تخرج من الكادر
دون قطع ونشاهدها تعود من طريق أخرى موازية للتي جاءت منها، بعد ذلك سنعرف
أنها أم يوسف التي تتوفى.
في «حليب» رجل جالس إلى طاولة يكتب في دفتر صغير، ثم نراه يعلق امرأة من
رجليها إلى شجرة وقدر يغلي تحتها وعلى شيء من تعزيمها فتخرج أفعى من فمها،
الأفعى التي سرعان ما تحضر في سياق الفيلم مع أم يوسف، والرجل الذي يقوم
بتعزيم المرأة هو المنقب عن الآبار الذي يرافقه يوسف، والذي نتعرف إلى ابنه
في «بيض» الذي يكون عاشقاً لقريبة يوسف.
اللقطة الافتتاحية الأطول ستكون في «عسل» حيث والد يوسف مع حماره قادم من
بعيد، وما إن يقترب حتى ينظر إلى أعلى ويبدأ بتسلق شجرة عالية بحبل سرعان
ما يتمزق فيبقى معلقاً بين السماء والأرض إلى أن نعود إليه في الجزء الأخير
من الفيلم.
تنقلات شاعر
تنقلات يوسف في الأفلام الثلاثة تنقلات الشاعر، فهو رجل (نجاة أسلر) في
أواخر الثلاثينات في «بيض»، يعود إلى قريته ليشهد دفن أمه، يحمل بيضة حمامة
في راحة كفه سرعان ما تنكسر في واحد من مناماته بينما نجده في آخر عالقاً
في بئر يصرخ ولا أحد يسمعه، وايلا (سعدة اكسوي) الفتاة التي كانت تعتني
بوالدته لا تعثر على بيضة في قن الدجاج إلا في آخر الفيلم.
تستمر حياة يوسف كاملة وهو يمدد إقامته في القرية من أجل أضحية أوصت بها
أمه، حياته وأيلا، وكل ذلك قد يسرد بلقطة واحدة أو عبارة في حوار مقتضب مع
صديق قديم، كأن نتعرف إلى حبه الأول، وأنه شاعر، وكل ما خلفه وراءه بعد أن
ذهب إلى اسطنبول ولم يزر قريته لأكثر من 10 سنوات.
أم يوسف المتوفاة في «بيض» توجد في «حليب» وابنها دائماً غارق في الكتب
والكتابة، وتفتش في أول قصيدة تنشر له عن الفتاة التي يحبها، وهو يساعدها
ما أمكن في أعمالها ويبيع الحليب، الذي سرعان ما تهمله أمه حين تقع في غرام
ناظر محطة القطار، وليعيش يوسف بعد ذلك سلسلة من الخيبات وصولاً إلى
اكتشافه أنه مصاب بالصرع حين يعفى من الخدمة العسكرية.
يوسف يتيم الأب في «حليب» نتعرف إلى والده في «عسل»، وهو يجد صعوبة في
النطق، ولا يتكلم مع والده إلا همساً، ذلك أن الأحلام لا تروى إلا همساً،
ولعل الفيلم لا تفارقه للحظة الأجواء الحلمية، يوسف (بورا ألتس) لا يقوى
على حفظ شيء إلا قصيدة يسمع فتاة في المدرسة ترددها، فهو ملاصق لوالده، يجد
فيه كل عالمه، بينما نسر أبيه يرافقه في طريقه إلى المدرسة، التي ما إن
يعود منها حتى يمضي معه ويساعده في كل ما يقوم به، لكن الأب يمضي في رحلة
بحثه عن العسل ولا يعود، فهو سيسقط من على الشجرة التي يتدلى منها في بداية
الفيلم.
الأفلام الثلاثة متصلة ومنفصلة في آن، تجتمع على جماليات يتسيدها السرد
البصري في غياب تام للموسيقى التصويرية، والعشرون دقيقة الأخيرة من «حليب»
لا تتردد كلمة واحدة فيها، ليتولى المشاهد سرد كل شيء، وفي استثمار للطبيعة
والتقاط نبضها المتناغم ونبض الشخصيات، لنكون أمام ثلاثية حياة كاملة.
الإمارات اليوم في
28/09/2010
'وجوه
من القدس'، بانوراما سينمائية لشهداء فلسطين
الفيلم الذي احترق مرة وأنتج مرتين وحصل على حفنة من
الجوائز
القاهرة ـ من كمال القاضي
في أعقاب هزيمة 67
أخذت إسرائيل والدول الحليفة تشن هجوما سافرا، ضد مصر والعرب وتسخر من فكرة
القومية
العربية وتزعم سقوط دولة فلسطين وتلاشي شعبها الذي محته الحرب وسحقته
الهزيمة بعد
انكسار جمال عبدالناصر، الذي شبهته وسائل الإعلام الغربية آن
ذاك بالأسد الجريح، في
الوقت الذي كان فيه إحساس الجماهير يتدفق بالحماس والوطنية والرغبة العارمة
في
الأخذ بالثأر ورد الاعتبار، توحدت المشاعر والنوازع لدى كل الفئات من مختلف
الطبقات
بكافة المجالات وجاء إحساس المخرج السينمائي الكبير أحمد فؤاد درويش صادقا
كأحاسيس
الملايين من أبناء الشعب المناضل يحاول إيجاد فرصة للتكاتف مع أشقائه لصد
الحملات
الهجومية والرد على الأكاذيب الصهيونية، فطرأت على ذهنه فكرة
عمل فيلم وثائقي يجسد
فيه تاريخ الحضارة العربية الفلسطينية ليكون رداً رادعاً على 'غولدا مائير
وليفي
أشكول'، اللذين يتزعمان حملات التشهير والهجوم، فقام بكتابة السيناريو
وعرضه على
وزير الثقافة الذي أعجب به وأمر بانتاجه على الفور وبدأ العمل
في جمع اللوحات
التشكيلية لكبار الفنانين العرب من لبنان والأردن وفلسطين وسورية ومصر، فقد
كان
ثروت عكاشة شديد الثقة بالمخرج الشاب ويعرفه منذ أن كلفه بتأليف كتاب عن
سينما
الأطفال تولت نشره الهيئة العامة للكتاب، وأصبح مرجعاً مهماً
فيما بعد، لذا تحمس
عكاشة للفيلم ورصد له ميزانية 3500 جنيه، وأنتج الفيلم الذي وضع له
الموسيقى
التصويرية المؤلف الموسيقي الراحل جمال عبدالرحيم واختار له اسم 'وجوه من
القدس'،
وهو الاسم الذي صار بعد ذلك عنوانا لمقطوعة موسيقية لجمال عبدالرحيم مضافا
إليه
كلمتي شهداء العرب، احتوى الفيلم على أهم اللوحات التشكيلية لأكبر الفنانين
التشكيليين في مجال النحت والحفر الغائر والبارز والتصوير
الزيتي لمصطفى الحلاج،
وإسماعيل شموط وتمام الأكحل، الرسامة الفلسطينية الشهيرة، وتم التصوير
باستديو نحاس
بالتعاون مع فريق عمل متميز من الفنانين والفنيين كان من بينهم المخرج علي
الغزولي
مديرا للتصوير حينئذ وجميل عبدالعزيز أحمد وأدار انتاج الفيلم
مناضل قديم هو
إسماعيل جبر، الكل كان يعمل بروح المقاتل يشعر بالمسؤولية تجاه وطنه وفنه
إلا أن
الفرحة لم تكتمل فقد سعى مدير المعمل بالتأمر مع رئيس مجلس الإدارة لإجهاض
الحلم
وإحباط النجاح، وتمكنا من حرق الفيلم داخل معمل التحميض قبل أن
يرى النور وأبلغا
المخرج في الوقت الذي كان يستعد فيه لزيارة الوزير لإبلاغه بانتهاء العمل
في الفيلم
ودعوته لتحديد موعد لرؤيته، جن جنون أحمد فؤاد درويش وأسرع إلى مكتب الوزير
ليبلغه
بالكارثة وضياع المجهود الشاق وساعات العمل المتواصل ليل نهار، اندهش
الوزير ثروت
عكاشة من هذا الموقف وسأل عن ملابسات الواقعة فلم يجد جواباً
شافيا وخرج من مكتبه
متوجها الى مكتب رئيس مجلس الإدارة، وفي طريقه ذهب إلى المعمل والتقى
بالمدير
المتواطئ، وأكد له الأخير أن رئيس مجلس الإدارة هو الذي حرضه على حرق
الفيلم.
تلقى هذا الاعتراف كالصفعة واستأنف مشواره الى مكتب رئيس مجلس الإدارة
في ساعة متأخرة من الليل تحيطه الكلاب الضالة الرابضة في الطريق المتصل بين
استديو
مصر بشارع الهرم والمكتب في استديو الأهرام، وبدون استئذان دفع درويش الباب
واقتحم
عليه مكتبه ودارت بينهما معركة شرسة بوجود مخرجين كبيرين هما
'ي ش'، 'أ ف' اتهمه
بعدها العاملون بالمؤسسة العامة للسينما بالجنون، لكن يبدو أن أشياء كثيرة
لم تستقم
الا بالجنون فبعد هذه الواقعة الشهيرة التي ظلت حديث الوسط الفني لفترة
طويلة أصبح
كل ما يطلبه درويش حجاب على حد قوله، فقد أعيد حسب قوله أيضا
من نفس رئيس مجلس
الإدارة وبقرار من الوزير انتاج الفيلم للمرة الثانية، وهو شيء لم يسبق
حدوثه من
قبل، حيث أنتج الفيلم بميزانية 7500 جنيه في عام 1968 وكانت مدته 14 دقيقة،
وبعد
عناء شديد ومعارك طاحنة تم الانتهاء من إنتاج الفيلم للمرة
الثانية وشاهده وزير
الثقافة وطاقم من رجال الدولة في عرض خاص وأشادوا جميعا بمستواه الفني
والتكنيكي
وحقق رواجاً كبيرا ورقما قياسيا فقد اشترت منه جامعة الدول العربية في عام
1969
(400
نسخة) وأهدت وزارة الثقافة نسخة خاصة للرئيس جمال عبدالناصر، وهو
الفيلم
الوحيد الذي وجد في مكتبته بعد الوفاة واختير الفيلم كذلك في العديد من
المهرجانات
الرسمية بالخارج فشارك في مهرجان برلين بألمانيا الغربية ومهرجان كارلو
فيفاري
بتشيكوسلوفاكيا وليبزج بألمانيا الشرقية وكراكوف ببولندا وحصل
على جائزة أحسن إخراج
ثم جائزة اليونسكو كأحسن مخرج من كراكوف، وقد طبعت منظمة التحرير
الفلسطينية مجموعة
نسخ منه وزعتها على الدول العربية والأوروبية، كما تناوله عدد كبير من
النقاد وقتها
بالتحليل والنقد، كان أهمهم د. غالي شكري وكمال الملاخ، ويأتي فيلم 'وجوه
من القدس'
على رأس قائمة الأفلام الوثائقية التي قام بانتاجها المخرج أحمد فؤاد درويش
فهو أول
تجاربه في هذا المجال، تلاه بعد ذلك رصيد ضخم من الأفلام الناجحة تزيد على
69
فيلماً يعدها السينمائيون والمؤرخون الفنيون وثائق تاريخية
مرئية في افلام المعرفة
تفخر باقتنائها السينما المصرية.
يناقش الفيلم الوثائقي المهم الذي صاحب انتاجه
وعرضه العديد من العواصف والأنواء، الواقع الفلسطيني بالموسيقى
واللوحات التشكيلية
في تجربة سينمائية فريدة تعتمد فقط على الصورة من دون اللجوء إلى رطانة
الحوار، حيث
كل شيء مؤكد ولا يحتاج لجمل حوارية تبثه أو تلعب دور الوسيط في توصيل
معانيه
للمشاهد، هكذا كان الهدف من غياب الحوار نهائيا، اللهم غير
التعليق المصاحب للصورة
التي تم التعبير عنها والتعويض عن معانيها ومقاصدها السياسية بلقطات عامة
لشواهد
الشهداء الفلسطينيين في المقابر التي حوت جثثهم وكانت دليلا على بطولاتهم
في معارك
النضال والشرف عبر أزمنة مختلفة ومواقع عديدة لم يشأ المخرج أن
يحددها لتشمل كل
العهود وتبرهن على طول المسيرة النضالية من دون تحديدها بأطر ومواقيت
وفترات
بعينها، فالمعركة مستمرة لحين استرداد الأرض وعودة الحقوق لأصحابها، الشيء
الوحيد
المحدد في البانوراما الإنسانية هو ذلك اليقين الظاهر في
إشارات الشهداء المرفوعة
أصابعهم للسماء تشير بعلامة النصر وتبرهن على حياتهم الأبدية في جنات الخلد
فهم عند
ربهم يرزقون، وقد أغنت الموسيقى التصويرية البديعة عن أية إضافات أخرى فوق
هذا
المعنى وبقيت القضية عنوان كل مشهد وكل شهيد.
القدس العربي في
28/09/2010
فنانون ومنتجون ونقاد يوجهون أصابع الإتهام للحكومة
السينما المصرية أزمة عناوينها الإنتاج والاحتكار والشللية
القاهرة ـ دار الإعلام العربية
لا يشفع التاريخ للسينما المصرية أن تتجاهل الحاضر والمستقبل، ولا يغني
مجدها السابق وعطاؤها الممتد لأكثر من مئة عام أن تفسح الطريق أمام
المرتزقة والفشلة وأرباع الموهوبين ليقودوا هوليوود الشرق، و ليقدموا
غثاءهم كواجهة للسينما المصرية التي باتت تختنق بأزمة قد تصيبها بالسكتة
الإنتاجية بعد أن تراجع إنتاجها من أكثر من مئتي فيلم في العام إلى أقل من
عشرة أفلام.. وهذا بالطبع بخلاف القيمة الفنية بين السابق والحاضر.. لعل
أولى خطوات العلاج هي اعتراف القائمين على السينما المصرية بأنها تعيش حقا
أزمة خانقة...السينما المصرية بين الأصل والواقع كان محور السطور التالية.
عندما تراجع إنتاج السينما المصرية في مطلع التسعينات إلى نحو 50 فيلما في
العام، علق وقتها الفنان الراحل فريد شوقي قائلاً: »هذه كارثة، كيف يحدث
ذلك في وقت كنا لا نرضى بأقل من مئة فيلم في العام«.. فأين ملك الترسو الآن
ليرى تراجع الإنتاج إلى نحو عشرة أفلام، وفي أحسن الأحوال وصل هذا العام
إلى 20 فيلماً، وحتى هذا العدد المتدني يفتقر إلى كثير من العوامل مثل
الفكرة والجودة والتطوير والمواكبة من حيث الموضوع أو الجوانب الفنية
الأخرى.
وهذا ما أشار إليه المهتمون بصناعة السينما منذ فترة طويلة، فرغم أن الكل
يعترف بأن هناك أزمة حقيقية فإن الصمت والسلبية في مواجهة الأزمة هما
الأزمة الأكبر والأخطر.. مؤكدين أن الدولة والمنتجين والنقاد والخبراء
والنجوم والمخرجين جميعاً من أهم أسباب الأزمة، وبدلاً من وضع الحلول
والبحث فيها يقومون بتعميقها من خلال قرارات خاطئة وممارسات سلبية، حيث
أصبحت الدولة وكأن الأمر لا يعنيها، والمنتجون لا يهمهم إلا الكسب المادي
بأي وسيلة، والنجوم يقبلون العمل وفقا للعائد المادي دون النظر لموضوع
العمل وقيمته.
تضارب سياسات ومصالح... وأشار أغلب المعنيين بأزمة السينما المصرية إلى أن
تضارب السياسات وعدم الاستقرار واحتكار البعض للسينما وعدم فتح أسواق جديدة
للفيلم المصري في الخارج وزيادة العمالة الإدارية كلها عوامل أدت إلى هذا
التدهور. وطالبوا بتضافر الجهود لتجاوز هذه الأزمة. هذا ما يؤكده الناقد
نادر عدلي الذي قال بأن احد أسباب أزمة السينما المصرية هو القلق والخوف من
جانب المنتجين واللذان أديا إلى هروبهم من الساحة خاصة في ظل القرارات
المتضاربة التي تصدر من الدولة ما فتح الباب أمام كل من هب ودب ليمارس
الإنتاج، كذلك لا يوجد تحفيز للمبدعين الذين يقدمون أعمالاً كبيرة وجيدة
خاصة المنتجين، مشيراً إلى أن المنتج والمخرج أصبحا لا يملكان قرارهما في
ظل رقابة صارمة.
وأشار إلى مشكلة أخرى تكمن في وجود جهات كثيرة رسمية معنية بالسينما، لكنها
كالجزر المعزولة عن بعضها، فالكل يعمل وحده دون تنسيق مع الآخرين رغم أن
ذلك يؤدي إلى تضارب في القرارات والتشريعات والضرائب والرقابة وغيرها، فلا
بد من تنسيق وسن قوانين تربط هذه الجهات ببعضها.
دعم الدولة
فيما أكد المنتج محمد مختار أن الحل هو دعم الدولة للسينما، موضحا: تجاهل
الدولة دور السينما أضعفها بشكل كبير، وأدى إلى عزوف القنوات الفضائية عن
شراء الأفلام في ظل وجود الإنترنت، فلا بد من العمل على إعادة السينما إلى
سابق عهدها وتحسين صورتها أمام العالم.
أشار مختار إلى أن بيع وشراء الأفلام كان يتم على أساس اسم النجم، لكن الآن
النجوم هربوا إلى التليفزيون لارتفاع أجورهم في الدراما، ما انعكس سلباً
على توزيع وبيع الأفلام، بالإضافة إلى أنه ليست هناك علاقة بين الدولة
والقائمين على صناعة السينما، ما أدى إلى تضارب في الأفكار والتعامل، كذلك
اعتماد السينما على أسماء نجوم بعينهم دون إتاحة الفرصة للشباب بالشكل
الكافي لتحمل مسؤولية بطولة أفلام لتوسيع قاعدة النجومية الحقيقية.
أزمة اقتصادية
واعترف المخرج سعيد حامد أن هناك ضرورة ملحة لطرح موضوعات جادة تناقش قضايا
الناس بمسؤولية ومهنية عالية، وهذا في حد ذاته سيعيد للسينما جمهورها كخطوة
أولى، ومنها يمكن استعادة الكوادر الإنتاجية الجادة والمؤمنة بقضية السينما
وسقوط الدخلاء الذين قادوا هذه المرحلة في غياب أصحاب المهنة الأساسيين،
وبالتالي تتحسن الصورة ويمكن أن ترى الأشياء بوضوح، ولذلك يفترض على سينما
اليوم أن تعكس الواقع المعاش حتى لا تتسع الفجوة أكثر بين المنتجين صناع
السينما.
وشخّص الفنان محمود ياسين أزمة السينما المصرية بأنها أزمة اقتصادية من
خلال سيطرة رؤوس الأموال التي تقوم عليها صناعة السينما، موضحا أن هناك من
يرمي باللائمة على النجوم الشباب، لكن ليس للفنانين الجدد يد في هذه الأزمة
فهؤلاء لديهم القدرة العالية والموهبة الكبيرة التي نضمن بها مستقبلا أفضل
للسينما.. وأشار إلى أن الجميع ينظرون للأزمة بمنظار ضيق لأن هناك قضية
مهمة وهي قضية التسويق ومشكلة عدم وجود استوديوهات كبيرة في مدينة الإنتاج
الإعلامي، وطالب ياسين بأن تكون السينما تحت سيطرة القطاع العام، خاصة أن
مصر زاخرة بالكوادر المهنية النادرة، التي إذا وجدت الاهتمام والمناخ
والمعينات الجيدة يمكن أن نصل إلى أعلى درجات الرقي.
كوادر فنية مؤهلة
فيما قال الفنان محمود حميدة ان انعدام التنظيم وبعض السياسات الخاطئة هما
السبب فيما آل إليه قطاع السينما، خاصة في ظل تدخل الدولة التي تطالب
بتنشيط العمل دون أن تهتم بالمشاكل التي تواجه هذا القطاع المهم، وما يحدث
به من خسائر للدولة دور فيه، وقال: ليست هذه المشكلة وحدها لكن في أغلب
الأحيان نجد أن بعض الأعمال تتوقف بعد أن تكون قد قطعت الجهات المنتجة فيها
شوطاً بعيداً في تنفيذها، مشيراً إلى أن هذا الوضع أدى إلى عزوف المنتجين
خوفا من الخسائر، وحتى القلة الباقية أصبحت تعمل بحذر شديد.
وأضاف حميدة إن هناك مشكلة حقيقية يجب الاعتراف بها أيضا، على رأسها عدم
وجود عمالة فنية مؤهلة في الوقت الراهن وزيادة العمالة الإدارية بشكل لا
يتناسب مع حجم النشاط السينمائي، وأكد أن الأمر يتطلب دراسات جديدة، لأن
المخاطر التي تهدد المنتجين قائمة دون تغيير، وتساءل: الكل يتحدث عن أزمة
لكن لم يبحث أحدهم كيفية العمل لتجاوز المخاطر التي تهدد صناع السينما،
فكيف نصل إلى نتائج لحل المشكلة ونحن نختلف حتى على هوامش الأشياء؟
فيما اتهمت الفنانة نبيلة عبيد بعض القطاعات باحتكار النشاط السينمائي،
وقالت: حاليا السينما في ظل هذه الاحتكارية فقدت بريقها لدى الجمهور مثلما
فقدت ثقة الموزعين في الخارج، وستخسر كثيرا إذا لم تتضافر الجهود لإيجاد
صيغة جديدة تتواكب مع واقع اليوم لتؤهلنا للمنافسة، والكل يعلم بأن السينما
المصرية ظلت هي الرائدة طوال تاريخها، لكن الجماهير اليوم أصابها الملل من
حال السينما وما تقدمه وحتى السوق الخارجية أصبحت تبحث عن غيرنا.
أزمة التمويل
فيما انتقد المخرج خالد يوسف الدولة، ووصفها بأنها واحدة من الأسباب
الرئيسية في أزمة السينما، وقال: لا بد من الاعتراف بأن التمويل السينمائي
أمر مهم جدا، لأن الأفلام التجارية تسعى للربح فقط دون الاهتمام بالقيمة
الفنية للعمل، وفي هذه الحالة تفقد هدفها، فالحكومة ظلت تُسِنّ تشريعات
بشأن السينما دون مشورة أهلها، فتراكمت هذه القرارات والتشريعات، وأثرت
سلباً على مسار السينما خاصة أنها جميعا تحُدّ من حرية التعبير والإبداع.
ورأى يوسف أن الحلول ممكنة إذا تضافرت الجهود في كل القطاعات المعنية بهذا
القطاع، وأكد ضرورة قيام الدولة بدورها في دعم المنتج المصري، فهو بالتأكيد
يحتاج للحماية مثلما يحدث في كل دول العالم، واستغرب فرض ضريبة الملاهي على
السينما، مشيرا إلى أن السينما تمثل قيمة ثقافية لها تأثيرها القوي على
المجتمع، فكيف تتعامل الدولة مع السينما وكأنها صناعة ترفيهية؟ وقال للأسف
البعض أصبحوا حريصين على مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولذلك
الأمر يحتاج إلى وقفة جادة.
تراجع
وفقا لتقارير سابقة كانت قد رصدت نشاط السينما المصرية في فترات سابقة كشفت
أنه خلال 9 أعوام في الفترة من عام 1983 إلى 1992 قد أنتجت مصر 748 فيلما،
بينها 96 فيلماً عام 1986 و82 فيلماً عام 1988 و91 فيلماً عام 1989 و70
فيلماً عام 1987 و76 فيلماً عام 1985.
وهذا يؤكد أن فترة الثمانينيات كانت تمثل آخر مراحل ازدهار الإنتاج في مصر،
خاصة أن السنوات الثلاث الأولى في التسعينيات شهدت إنتاج 77 فيلما عام 1990
و56 فيلماً عام 1991 و66 فيلماً عام 1992، وشهدت بعدها السينما تراجعا في
عدد الأفلام المنتجة حتى بلغت بين 15 و20 في الألفية الثالثة.
البيان الإماراتية في
28/09/2010 |