أخيرا أتيحت لي الفرصة لمشاهدة الفيلم المغربي
"كازانيجرا" لمخرجه نور الدين لخماري، وهو الفيلم الذي أثار ولايزال،
الكثير من
الضجيج من حوله، والكثير من الاختلافات أيضا، كما تعرض للهجوم من بعض من
اعتبروه
مسيئا للمدينة التي صور بها وهي مدينة الدار البيضاء.
هذا النوع من الجدل سيظل
إلى حين، يصبغ الخلافات التي تنشأ في بلادنا العربية حول الأعمال الفنية،
وبوجه
خاص، السينمائية منها، والسبب يعود إلى كون الكثير من
المتابعين لا يستطيعون حتى
يومنا هذا، تفهم فكرة أن العمل الفني شيء، والواقع نفسه قد يكون شيئا آخر،
وأن
التعبير بالكاميرا عما يشغل الفنان، لا يجب أن يكون مدفوعا بدوافع الدعاية
والرغبة
في التجميل، والترويج السياحي، وكلها عناصر لا علاقة لها
بالعمل السينمائي الروائي
الخيالي بها بالضرورة.
ومن ناحية أخرى هناك من يرفضون فكرة تصوير الجوانب
السلبية في مجتمعاتنا عموما، بدعوى أنها تقدم "الوجه القبيح"، وتنفر
بالتالي،
المشاهدين من الواقع، وهو أمر غير صحيح، وإلا لتوقفت السينما عن العمل،
فمنذ أن ظهر
ما يعرف بـ"الاتجاه الواقعي" في السينما، والسينمائيون مشغولون بقضية
التعبير عن
الواقع الحقيقي المباشر، وهو ما يصل إلى أقصى مداه في "سينما الحقيقة".
ظهرت
الواقعية الجديدة في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية تحت شعار "هكذا
تسير
الأمور"، وجاءت كرد فعل على الواقعية القديمة، أي واقعية الأدب وما يصوره
من نماذج
بشرية قد لا تكون بنفس المباشرة. بل ويمكن القول إن تاريخ السينما في مجمله
كله سعي
من أجل نقل الواقع، أو "الإيهام بالواقع" حتى في أكثر الأفلام
جنوحا إلى الخيال.
أما فيلم "كازانيجرا" فهو لا يعبر فقط عن الواقع من وجهة نظر المخرج المؤلف
الذي أبدعه وجسده، بل ويحقق في رأيي، نقلة نوعية ملموسة في الفيلم المغربي،
إذ
ينقله خارج محيط الفولكلور تماما ونهائيا، ويحرره من كل القيود
المصطنعة التي وضعت
حوله، وتلك القوالب التقليدية التي يتصور الكثير من السينمائيين المغاربة
أنها تصلح
كـ"بضاعة جاهزة" للبيع للغرب، مثل صورة المرأة التي ترتبط بالسحر والشعوذة
والاضطهاد، وصورة الرجل كنمط بطريركي مهيمن، والقيود التي تفرضها التقاليد
العربية،
وموضوع الختان، وغشاء البكارة، والرقص الشعبي، ومناظر الزوار
وفك السحر..
إلخ
هنا نحن أمام فيلم "عصري" بكل معنى الكلمة، يستند إلى بناء حديث، وشخصيات
من
دم ولحم، لها منطقها الدرامي الخاص، لكنها محكومة أيضا بمنطق اجتماعي صارم،
يضغط
عليها ويفجر باستمرار أزمتها.
إن أزمة بطلي الفيلم، وهما شابان في مقتبل العمر،
تنبع أساسا، من فشل مشاريع التنمية في توفير مستقبل واضح أمام الشباب: فرص
عمل،
زواج، تكوين أسرة، تعويض ثقافي، توازن نفسي، إشباع عاطفي وجنسي، وغير ذلك.
وتكون
النتيجة اللجوء إلى استدعاء الحلم، حلم التغيير في الخيال،
الحلم بالهجرة ومعانقة
فتيات السويد الشقراوات مثلا لدى عادل، أو الحلم بالتطلع لامتطاء طبقة أخرى
أرقى،
من خلال الارتباط العاطفي بفتاة تنتمي قلبا وقالبا إلى تلك الطبقة الأخرى،
التي
تعيش الحياة التي لا يعرفها المسحوقون، كما نرى عند كريم.
إن وقوف "كريم" و"عادل" في منتصف الشارع، يبيعان أو
يوزعان السجائر المقلدة أو المهربة (المضروبة) هو أبلغ تعبير عن لفظ
المجتمع لهما
والإلقاء بهما خارج الهامش، والفيلم بأسره من الممكن اعتباره
محاولة من جانب
البطلين الشابين، للانتقال من خارج الهامش إلى داخل المتن الاجتماعي، إلى
البحث عن
فرصة للتواجد، ولو من خلال الالتحاق بظل مجرم عتيد، هو زريق، لا يتورع عن
الفتك
بضحاياه بأبشع الطرق وأكثرها عنفا، في الوقت الذي يبكي فيه
كطفل صغير إذا ما غاب
كلبه المدلل.
هذا النمط المتوحش الذي يسعى طيلة الوقت إلى المال، يتكرر في أنماط
أخرى كثيرة في الفيلم، فالسعي لامتلاك المال بغض النظر عن أي
قيمة أخلاقية أو
اجتماعية، هي ما أصبح يسود المجتمع بطبقاته المختلفة، وهو ما يكشف الإحساس
بعدم
الأمان، بانهيار فكرة التآلف الاجتماعي.
يتورط بطلانا فعلا في عالم الجريمة
المنظمة عندما يوافقان على تنفيذ عملية حقن حصان من خيول السباق بعقار منشط
خاص
لحساب المجرم المحترف الذي يعدهما بحل مشاكلهما المؤجلة. الحصان يعادل
البراءة،
ولكن اغتيال البراءة متمثلا في حقن مادة غريبة، يفشل، ويؤدي
إلى فرار البطلين
وعودتهما مجددا إلى "الهامش"، ولكن بعد أن يكونا قد اكتسبا معرفة وخبرة
بالعالم
السفلي في المدينة البيضاء التي يرونها وقد أصبحت "سوداء" وهذا هو مغزى
عنوان
الفيلم بالطبع.
يعتمد الفيلم أساسا، من ناحية الأسلوب السينمائي، على التصوير
الليلي في كل مشاهده تقريبا، في المنطقة الفاصلة بين الحلم
والواقع، وكأننا نشهد
كابوسا طويلا ممتدا بامتداد تلك الرحلة الأرضية المضنية للبحث عن خلاص.
ويعتمد
المخرج بشكل أساسي على الميزانسين أي التكوين وحركة الكاميرا وعلاقة الممثل
بالفضاء، لخلق الحركة والإيقاع في فيلمه.
وعلى الرغم من اختياره بقعة وسط مدينة
الدارالبيضاء المعروفة بانتشار المخدرات والجريمة والهامشيين فيها، إلا أنه
يقدم
المدينة على مستويين: المستوى الأول الذي نلمسه في معظم اللقطات الخارجية
أن
المدينة تطغى على البشر، وتحكم وطأتها الثقيلة عليهم، وهو يجسد
هذه الفكرة بشكل
بصري ملموس من خلال تصوير البنايات القديمة وهي تحلق فوق أشباح الشخصيات
الضئية
خاصة وأنه يستخدم الزوايا المنخفضة للكاميرا حتى لتبدو البنايات مثل كائنات
عملاقة
تسحق ما تحتها.
غير أنه من ناحية أخرى يستخدم الإضاءة الناعمة ذات التأثير
الخاص، وانعكاسها على الشوارع والمباني، للتغزل في تلك المدينة بمبانيها
التي تحمل
عبق الماضي الساحر الذي كان. إنها صورة للتعليق الحزين والغاضب في آن.
ويتميز الفيلم بإيقاعه السريع، والوضوح الدرامي
لشخصياته، وإن كان يفرط قليلا في تصوير رد فعل والدة عادل التي يعاملها
زوجها
معاملة قاسية، مما يدفع عادل إلى الانتقام وإنزال أشد درجات العقاب به حتى
يصبح
عاجزا تماما دون أن يثير شفقة أحد. وربما يكون هذا هناك بعض
الاطالة والمبالغة
الدرامية في هذا المشهد تحديدا.
وفي الفيلم، رغم قتامته وقسوة أحداثه، الكثير من
المشاهد البديعة في صورتها وتكوينها مثل المشهد الذي يحلم فيه عادل برؤية
عرس في
عرض الطريق، سرعان ما يكتشف نفسه فيه وهو يُزف إلى فتاة شقراء من السويديات
اللاتي
يتطلع إلى اللقاء بهن عندما يتمكن من الحصول على وسيلة للنفاذ
إلى السويد. وهناك
أيضا مشهد صعود كريم مع فتاته "نبيلة"، إلى سطح بناية عالية تشرف على تقاطع
طرق في
وسط الدار البيضاء، تعبيرا عن الرغبة في الانطلاق والتحليق والتحرر،
والتصوير من
أعلى هذه البناية تحديدا يتكرر أكثر من مرة، وهو تصوير ليلي،
لكي يتيح الفرصة
لبطليه للتعبير الصارخ عن الحب والكراهية، حب المدينة التي ينتميان إليها،
وكراهية
الواقع الظالم الذي يعتقلهما. ومن هذه الازدواجية المعقدة تنطلق حبكة
الفيلم وتدور،
وتكتسب عمقها وأهميتها.
إن فيلم "كازانيجرا" هو تعبير بليغ بالصورة والصوت،
والأداء التمثيلي البارز لبطليه بل لأبطاله جميعا، عن فكرة
ضياع الإنسان وانسحاقه،
غير أن الإنسان لا يكف دوما عن الحلم!
الجزيرة الوثائقية في
08/09/2010
"Armadillo"
من هلمند الى كان
ماذا يفعل
الدنماركيون في أفغانستان؟
قيس قاسم -
هولندا
في العام الماضي ذهب المخرج الدنماركي يانوس ميتس
وفريق عمله الى مقاطعة هلمند الأفغانية، حيث تشارك وحدات من جيش بلاده ضمن
قوات
المساعدة الأمنية الدولية (ISAF).
بقوا هناك مع الجنود قرابة ستة أشهر، عاشوا،
وصوروا أدق تفاصيل حياتهم، في معسكر"Armadillo"
(المدرع،
حيوان من الثديات يتميز
بجلده الذي يشبه المدرعة الحربية) وبعد عودتهم بأشهر قليلة، أكملوا تفاصيل
فيلهم
الذي ذهب مباشرة الى مهرجان كان الأخير وخرج منه بجائزة "اسبوع النقاد".
ومنذ عرضه
والنقاش مستمر في البلاد. لقد أثار فيلمه الوثائقي مشاعر متضاربة وسط
الجمهور
الدنماركي، ليس لأنه نقل واقع وحال الجنود هناك، بل ولأنه
أيضا، كشف الميل المتزايد
للعنف وسط شبابهم لم يعرفه الناس، من قبل، بهذا الشكل الصارخ.
من كوبنهاجن حتى وصولهم الى هلمند ظلت كاميرا
لارش سكري تسجل رحلة الجنود، أولبي، مادس ودافيد. في المطار صور لحظات
وداعهم
الحزين لأهلهم وأحبتهم، وقبلها بيومين صور حفلتهم الصاخبة الأخيرة قبل
ذهابهم الى
الحرب. لم يكن عند هؤلاء الشباب، الذين تجاوزوا للتو سن
المراهقة والتحقوا مباشرة
بالخدمة العسكرية، تصورا واضحا، الى أين هم ذاهبون؟ كل ما عرفوه من قادتهم
العسكريين أنهم في الطريق للانضمام الى المجموعة الدنماركية المكلفة هناك
بتقديم
مساعدات للشعب الأفغاني. وفي قاعدة "المدرع"
التي تقاسموها مع
الجنود الأنكليز، لم يشعروا بأي علاقة مباشرة تربطهم بأهل هذة المنطقة!.
على العكس
من ذلك كانت المواجهة المنتظرة مع قوات طالبان هي التي تشغل بالهم، وكانوا
أكثر
تحمسا لها، من تحمسهم للتعرف على سكان القرى الفقيرة عن قرب
وتقديم يد العون لهم.
لقد شعروا في البدء بالضجر فكانوا يبددون الوقت في مشاهدة الأفلام الأباحية
والثرثرة. وعندما وصلت أنباء اقتراب موعد مهاجمة طالبان لمعسكرهم صاروا
أكثر ترقبا
لها. لرصد هذه المرحلة من عمل الجنود طلب ماتس تثبيت الكاميرا
وتركها تسجل لوحدها
حالة الملل والترقب.
بعد أيام أخذت حركة الكاميرا شكلا مختلفا؛ اهتزازات
سريعة، وانتقالات حادة بين الوجوه. نقلت حالة الاضطراب التي سادت بين
الجنود أثر
مواجهات سريعة.
لقد بدأ الاحساس بالخطر يسري بينهم وبعد استماعهم
الى تقارير القيادة أخذ الشعور بالخطر يزداد، وخاصة، حينما كانت تحمل أنباء
عن وقوع
إصابات أو سقوط قتلى بين زملائهم. ومسار العلاقة بين أبناء المنطقة سيأخذ
هو الأخر
شكلا مختلفا، متناسبا مع الحالات النفسية للجنود أنفسهم. أما تسجيل الجولات
التفقدية وعمليات البحث المستمر عن مقاتلي طلبان ففضح هشاشة
العلاقة بين المحليين
والأغراب الذين قدموا من وراء البحار. لقد اعتقد قادة الوحدات ان توزيع
الحلوى على
الأطفال، وتقديم تعويضات مالية للمتضررين من سكان القرى، سيمتن العلاقة
بينهما.
فبعض دولارات للذين خسروا زرعهم وبعض مئات للمهدمة بيوتهم وحتى ألف دولار
لوالد
طفلة تمزق جسدها اربا، خلال المواجهات اللليلية بينهم وبين طلبان، ستكفي
لتحقيق
المطلوب.
طلبان بدورهم اكتفوا بشراء صمت المزارعين بالخوف. ولم يدرك الطرفان ان
الناس قد سأموا وجودهم، ولم يعودوا قادرين على قبول خضوعهم
لقوتين مؤذيتين: الأولى
تدعي وتبرر وجودها باسم الدين والثانية باسم الحرية. هم في الحقيقة
لايريدون
الأثنين. كل ما يريدونه هو العيش بسلام، وهذا ما لم يعبأ به لا الدنماركيون
ولا
طلبان. فالمتحاربون يريدون متاريس تحميهم، والناس متاريسهم.
وفي مرحلة متقدمة من
الصراع مع "أشباح طالبان" سينسى العسكر، تماما، القرويين المحليين ويتفرغوا
لقتال
مفتوح مع خصوم لم يعلن عن وجودهم منذ البداية. لقد تجلى الموقف. فطالبان
تريد اقلاق
وجود الجنود الأغراب وبدورهم يريد هؤلاء اشعار خصومهم باستحالة
سيطرتهم الكاملة على
الأرض. كل هذا، كان يصل الى المشاهد بطريقة مذهلة، وسيزداد ذهوله عندما
يشاهد
اللقطات التي نقلها ميتس ومصوره من أرض معركة شرسة جرت على أطراف معسكر
"المدرع".
كان مجرد التفكير في تصويرها يعد مخاطرة تتطلب شجاعة استثنائية.
في هذه المعركة سجلت الكاميرا المحمولة والمهتزة
أشد اللحظات دراماتيكية وأكثرها تأثيرا. سجلت حالة الخوف التي اعترت كيان
جندي أصيب
برصاصة مدفع رشاش. عيونه المفتوحة بذهول وصمته العميق كانا كافيان لنقل
احساسه
الينا. لعلعة الرصاص، وهدير طائرات الهليكوبتر والأصوات
المتعالية للجنود أشعرتنا
وكأننا نشاهد واحدا من أفلام الحرب الكلاسيكية. الفارق اننا كنا أمام فيلم
حقيقي،
تسجيلي من الطراز الرفيع. حتى موسيقاه التصويرية لم تستخدم لرفع درجة توتر
مشاهده،
ولا ترافق صعودها مع قساوة الصورة المنقولة. لقد استخدمت بعناية، ونقلت
بأمانة
الحالة العامة للجنود وصدمتهم. كما حققت الكاميرا مهمتها في
نقل المشهد كما هو،
ولهذا سببت وقبل إغلاق عدستها مشكلة سياسية في الدنمارك.
لقد وصل إلى مسامع
وسائل الاعلام، كلام أحد المتطوعين قد تفاخر أمام زملائه بأنه أصاب برشاشه
عددا من
طلبان وأنه جرهم وسحلهم من مخابئهم قتلى. لم يصدق الناس ان
جنودهم يتلذذون بمشاهد
القتل، ويحملون في دواخلهم قسطا كبيرا من حب التعذيب. هذه الإشكالية
الخارجية، عاد
واستخدمها ميتس، من خلال تسجيله للحوارات الداخلية والخاصة بين الجنود
وقادتهم وكيف
ان المؤسسة العسكرية كانت تغذي الروح العدائية عند جنودها، بل
وكانوا يمنحون أوسمة
الشجاعة للجنود الذين يصرحون بأفعالهم المشينة. لقد اتضح
ان تغذية الميل للعنف كان
يتطابق غالبا مع ميل شخصي عند بعض الجنود، وان الحرب تدفع
بعضهم للادمان. وهذا ما
عبر عنه الدنماركيون. فأغلب الجنود المنتهية خدمتهم تمنوا العودة الى الحرب
ثانية.
هذه الرغبة أعادتنا الى "خزانة الألم" الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي
طويل في مسابقات أوسكار العام الماضي، وأضفى، بطريقة غير
مباشرة، مصداقية مضاعفة
على عمل مخرجته الأمريكية كاثرين بيجلو، التي وفقت في نقل حالة الادمان على
الحرب
عند بعض الجنود الأمريكان. اليوم نرى المشهد يتسع وهذة المرة على يد عمل
رائع ومهم
وربما يستحق وصفه بأنه واحد من أهم الأفلام التي صورت الحرب بعد فيتنام.
صحيح ان
مرجعيته تعود الى إرث كبير وطويل من السينما التسجيلية التي
نقلت الحروب، لكنه
امتاز بتفرد أسلوبه وإخلاصه لموضوعة وشجاعة صناعه، والمشتركين فيه. على
مستوى
الأسلوبي اقترب "Armadillo"
من الفيلم الدرامي الروائي، حيث يذهب ذهن المشاهد، أغلب
الوقت، الى أنه يتابع فيلما من هذة الفئة. والسبب جودة وتكامل
عناصره الفنية، من
بينها سيناريوه المتوفر على عناصر درامية، وأيضا عفوية حركة المشاركين فيه.
فالجنود
الدنماركيون كانوا صادقين في نقل مشاعرهم، بنفس الدرجة مع صدقهم في الحياة
العادية.
وجمالية الصورة استثنائية، والأهم الدرجة
العالية من فهم الموضوع وخطورته، والتي
ربما كلها مجتمعة، ستجبرنا على تذكر اسم مخرجه يانوس ميتس
طويلا.
الجزيرة الوثائقية في
08/09/2010
حملة "ساعدني لاقي ولدي" تطالب بالحقيقة المفقودين
نقولا طعمة - بيروت
في "اليوم العالمي للمخفيين"، بادرت مجموعة نشطاء
لبنانيين مستقلين إلى إقامة تحرك يومي 3و4 أيلول (سبتمبر) تحت عنوان:
“ساعدني
لاقي ولدي"، إحياء لقضية المفقودين اللبنانيين، و"لنشر الوعي حول
القضية" بحسب بيان صادر عن المجموعة.
أقيم التحرك في حديقة "جبران خليل جبران" أمام مبنى
الأسكوا في وسط العاصمة بيروت. هناك نصب أهالي المفقودين وهيئاتهم الساهرة
على
الملف، خيمة منذ سنوات طويلة فشاركت العديد من الهيئات في
التحرك انتصارا لقضية
معقدة أصبحت ذات صبغة العالمية نظرا لاتساع الأطر المشاركة فيها، والأعداد
الكبيرة
المتراكمة للمفقودين بدءا من عام 1975.
الهيئات المتعاونة مع البادرة هي : لجنة أهالي
المخطوفين والمفقودين في لبنان، لجنة أهالي المعتقلين
اللبنانيين في السجون
السورية، لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد)، منظمة العفو
الدولية، "هيومن
رايتس ووتش"، الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، الاتحاد الاورومتوسطي ضد
الاختفاء القسري، لجنة عائلات المفقودين في الجزائر، المركز
اللبناني لحقوق
الإنسان، مركز الخيام لإعادة التأهيل، الكرامة، أمم، "ألف باء".
رئيسة "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين بلبنان
وداد حلواني قالت إن لجنتها "تدعم التحرك لأنه يخدم قضية المفقودين، ونحن
سعداء أن
تتحقق رغبتنا بوجود هيئات جديدة تدعم القضية، وخصوصا من الجيل الجديد أي أن
القضية
لن تموت قبل كشف كل حقائقها".
وفي افتتاح هذا التحرك، تحدث الناطق باسم المجموعة
المنظمة سيدريك شقير واصفا التحرك بأنه «تذكير الشباب بقضية المختفين قسراً
بما هي
قضية وطنية، ورسالتنا موجهة إلى كل الشباب الذين يظنون أن القضية باتت من
الماضي».
رئيس لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين
(سوليد)
غازي عاد قال إن "من يظن أن ملف المفقودين قد أغلق، فهو مخطئ. وحدها
الحقيقة تقفل الملف والتحرك الذي يؤكد موقف الناس الداعم للقضية، وغياب
ممثلين
للسلطة ليس غريبا فهي تقصر في معالجة الملف رغم الوعود الكثيرة
بمتابعته".
وفي كلمة لها، روت حلواني معرفتها بأم عزيز، الأم
التي فقدت أربعة من أبنائها منذ 28 عاما، لكنها أقامت عالمها الخاص في
منزلها،
تنتظر عودتهم على شباكه".
وتلت الناشطة ديبورا فارس برقيتي تضامن من المنظمة
الآسيويّة لمناهضة الإخفاء القسري» و«المنظمة الأورو - متوسطية لمناهضة
الإخفاء
القسري . وقد حضر الافتتاح النائب غسان مخيبر، وكان وحيدا من الرسميين،
بينما برز
حضور وسائل إعلام أجنبية عديدة ومحلية قليلة. واقتصر حضور الافتتاح على
عشرات
المشاركين بينما كان النشاطات التعبيرية عن المناسبة أكثر
حضورا وفعالية.
التحرك...
على مدخل الحديقة، أقامت
مجموعة "غرافيتي أرت" لوحة قماش ضخمة مطلية بالأصفر والأحمر
والبني، وكتبت عليها
بحروف ضخمة عبارة: “لا حي ولا ميت". قال الناشطون على طلائها أنهم مجموعة
موجودة
على الفايسبوك تدعم القضية الانسانية نظرا لعدالتها، أما العبارة فهي
برأيهم إشارة
لواقع المفقود، ونظرة أهله له.
وباتجاه الخيمة، نصبت لوحة لآلاف الصور من مخطوفين
ومخفيين من دون تعليقات، وصولا إلى الخيمة الصغيرة التي تؤوي الأهالي
فيجتمعون فيها
يوميا، حتى باتت مسكنهم الأول المفضل الذي يشعرون فيه أقرب
مسافة من أبنائهم.
وعلى طاولة قرب الخيمة ثبت المنظمون طاولة لجمع
تواقيع التأييد وتوزيع منشورات التوعية على القضية. ومنها إلى
"مكتب المفقودات" وهو
معرض تجهيز لديبورا فارس وهو كناية عن مكتب فارغ.
فارس أوضحت أن عملها هو تعبير عن واقع المفقودين.
هو مكان فارغ لا يثير الاهتمام، شبيه إلى
حد بعيد بقضية كبيرة كقضية المفقودين
بالآلاف لكنها تواجه باللامبالاة".
ثم جناح للصليب الأحمر الدولي تحمل لوحات علقت فيه
نصوص القوانين العالمية المتعلقة بالمفقودين والمخفيين.
على جانبي باحة واسعة مغطاة بالعشب، علقت لوحات
مصورة مع شروح حكت روايات مفقودين من أنحاء مختلفة من العالم.
وبين الباحة والخيمة
أقيم مسرح جرت عليه أنشطة مختلفة أبرزها أداءات غنائية لهواة متطوعين،
وختمت سهرة
اليوم الأول بقراءات لأسماء المفقودين ال 17514 واستمرت حتى ما بعد الواحدة
ليلا.
في اليوم التالي، بدأ التحرك بتجهيزات فنية حية، ثم
عرضت مجموعة وثائقيات سبعة منها للجنة الدولية للصليب الأحمر، والفيلم
الوثائقي
"17000"
لساندرا أبرص-من
إنتاج الجزيرة الوثائقية- و"الصورة الأخيرة" لوداد حلواني
عن حياة أوديت سالم أبرز الناشطات في الخيمة، قضت منذ عام في حادث سير،
و"أغنية
لأمين" لألبرتو بوجيو، وعروض صور ولوحات فنية.
الجزيرة الوثائقية في
08/09/2010
الفيلم الوثائقي “حائط مبكى” لإلياس بكار
كمال الرياحي - تونس
عرض الوثائقي «حائط مبكي» لإلياس بكّار في سينما
قاعة أفركا آرت مساء الأربعاء 1 سبتمبر بالعاصمة وقد حضر عدد من الصحفيين
والمهتمين
بالشأن السينمائي. وقد قدّم شريط «حائط مبكى» وقد حضر العرض كل من المخرج
والمنتج
المنفذ من قناة الجزيرة للأطفال التي أنتجت الفيلم كما حضرت
الفنانة الفلسطينية
سناء موسى التي أّدت أغاني الفيلم وكان الموزّع الموسيقي التونسي ربيع
الزموري هو
الذي أنجز الموسيقى التصويرية للفيلم كما قدّمت النسخة الفرنسية للفيلم
الممثلة
التونسية رملة العياري. مع العلم أنه تمّ انجاز الفيلم باللّغة
الانكليزية أيضا.
وحضر هذا العرض الأول للفيلم سفير فلسطين بتونس سلمان الهرفي
.
"حائط مبكى" هذا
العنوان المخاتل لم يكن عن حائط المبكى حائط البراق الذي
يرتبط عند المسلمين
بالإسراء والمعراج ويعتبره اليهود آخر ما تبقى من هيكل النبي سليمان لذلك
يتجمعون
تحته لممارسة طقوس الحداد فيذرفون الدموع ويتلون التوراة حتى سمي بحائط
المبكى.
حائط مبكى المخرج التونسي الياس بكار في فيلمه التسجيلي هو "الجدار العازل
بنته
إسرائيل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر لمنع دخول سكان الضفة الغربية
الفلسطينيين لإسرائيل أو في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من
الخط الأخضر. يتشكل
هذا الحاجز من سياجات وطرق دوريات، وفي المناطق المأهولة بكثافة مثل منطقة
المثلث
أو منطقة القدس تم نصب أسوار بدلا من السياجات. بدأ بناء الجدار في 2002 في
ظل
انتفاضة الأقصى وفي نهاية عام 2006 بلغ طوله 402 كم، ويمر
بمسار متعرج حيث يحيط
معظم أراضي الضفة الغربية، وفي أماكن معينة، مثل قلقيلية، يشكل معازل، أي
مدينة أو
مجموعة بلدات محاطة من كل أطرافها تقريبا بالجدار. وبما تعارض السلطة
الوطنية
الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية بناء الجدار، يسميه العرب و
الفلسطينيون ب"جدار
الفصل العنصري"، أو "جدار الضم والتوسع العنصري"، تعبيرا عما تراه كمحاولة
إسرائيلية لإعاقة حياة السكان الفلسطينيين أو ضم أراض من الضفة الغربية إلى
إسرائيل."
التفت الياس بكار إلى هذا الجدار العنصري لينقل
عبر فيلم وثائقي معاناة الفلسطينيين والأطفال تحديدا من هذا
الجدار الذي أصبح
كابوسا يوميا يعيشونه.
وبين الفيلم شتى الطرق التي يلوذ بها الفلسطينيين للتعايش
مع هذا الكابوس الذي أنشأته إسرائيل ليقطّع أوصال الأراضي الفلسطينية ويفصل
بعضها
عن بعض. ونقل لنا المخرج هذه "الكابوسية" من خلال أصوات
الأطفال المقهورين وأحلامهم
المنقوصة.ليبقى الحلم مستمرا من خلال تحويل الجدار الصامت والقاتل إلى
مساحة
للتعبير الفني الحر من خلال العديد من الرسوم المحتفلة بالحرية تذكرنا
برسومات ناجي
العلي على خيام المهجّرين. وقد تحدّث المخرج عن معاناته أثناء
تصوير الفيلم من
الاحتلال الاسرئيلي والتي عمدت قواته إلى مصادرة أشرطة كان قد صورها.
انتقد بعض
المتابعين طول الفيلم ودعوا إلى إعادة المونتاج وتكثيف الشهادات حتى ينقذ
الفيلم من
الرتابة التي بدا عليها أحيانا بينما رأى البعض الآخر أن ساعتين غير كافية
لكي
نصوّر فظاعة ما يرتكبه الإسرائيليون هناك ومعاناة الفلسطينيين
. رأيان كل يستند إلى
مرجعياته واحد بمرجعية فنية سينماتوغرافية وأخرى أيديولوجية متعاطفة.
فيلم الياس
بكار كان قد نجح في محافل دولية عديدة منها مشاركته المتميزة في إحدى
المهرجانات
الشبابية العريقة في الهند. في انتظار أن نرى الفيلم في تظاهرات سينمائية
أخرى في
تونس يحضرها عموم الجمهور المحب للسينما.يبقى العرض الأول
للصحافيين غير كاف
لمناقشة الفيلم . والسؤال الذي يطرح اليوم في تونس أمام هذا الكم الكبير من
الأفلام
الوثائقية التي تنتج كل عام متى نشاهدها في قاعات السينما أم أنها ستبقى
حبيسة
المهرجانات والعروض الخاصة، والتي قد يسقط سهوا او عن قصد
أحيانا أسماء بعض
الصحفيين المتابعين للشأن السينمائي في تونس فقد اشتكى الكثير من الصحفيين
مثلا من
عدم إعلامهم بعرض فيلم "حائط مبكى" ونخشى أن يكون الدافع هو كثرة الدعوات
الرسمية
والشرفية التي أحاطت بعرض الفيلم الذي قيل أنه عرضا أول للصحفيين.
الجزيرة الوثائقية في
08/09/2010 |