لاشك أن الفيلم الفرنسي "عن الآلهة والبشر" لجافيه بوفوار، يظل أجمل
الأفلام
التي عرضت خلال العام الحالي، وأكثرها بقاء في الذاكرة. وقد حصل الفيلم، عن
جدارة،
على الجائزة الكبرى التي تمنحها لجنة التحكيم الدولية في مهرجان كان
السينمائي.
فماذا يروي هذا الفيلم، وكيف يصور ما يرويه، وما هي أهميته وعناصر تميزه
التي
تجعلنا نعتبره أفضل أفلام العام حتى اللحظة التي نكتب فيها؟.
يتناول الفيلم في
سياق تسجيلي- درامي، وقائع الأسابيع الأخيرة في حياة ثمانية من رهبان دير
كاثوليكي
على مشارف قرية جبلية بالريف الجزائري، قبل أن تنتهي حياتهم بالموت، بعد أن
يختطفهم
مسلحون من الجماعة الإسلامية التي كانت تشن هجمات مسلحة على القرى في إطار
حربها
المشتعلة ضد النظام الحاكم في الجزائر خلال عقد التسعينيات.
وقائع تلك الحادثة
التي انتهت، كما هومعروف، بمقتل ستة من الرهبان قتلا، قيل في البداية إنهم
قتلوا
على أيدي المسلحين الإسلاميين، ثم اتضح فيما بعد، في رواية أخرى، أنهم
قتلوا بطريق
الخطأ على أيدي قوات الأمن الحكومية أثناء تبادل لإطلاق النار مع المسلحين.
وبذلك
دفع هؤلاء الرهبان المسالمين حياتهم في إطار الصراع السياسي
المحتدم بين طرف يدعي
التشبث بالإسلام ويريد إقامة دولة إسلامية حسب تصوره في الجزائر، ولو
بالعنف، وطرف
يرفض أصلا أي حوار مع ذلك الطرف، ويرغب في تصفيته بالسلاح.
غير أن الفيلم لا
يهتم كثيرا بالجانب السياسي في الموضوع، بل يركز أكثر، على الجانب
الإنساني، على
طبيعة هؤلاء الرجال، كيف استطاعوا البقاء في تلك المنطقة النائية رغم كل ما
يتهددهم
من مخاطر قد تودي بحياتهم، بل واختاروا البقاء إلى النهاية،
حتى بعد أن أصبحوا على
يقين من المصير الذي ينتظرهم.. كيف كانت مشاعرهم وما الذي كان يعتمل في
أذهانهم في
تلك الأسابيع المشحونة بالقلق والتوتر، ولماذا تركوا أنفسهم هكذا
كالمنومين،
يستسلمون لأقدارهم؟
هذه التساؤلات الصعبة المعقدة، هي ما يشغل بال مخرج الفيلم
ومؤلفه، في الوقت نفسه. وهي تُطرح على صعيد فلسفي، دون أن يقدم لها إجابات
قاطعة
شافية في سياق الفيلم، بل تظل هناك مساحة من "الغموض" بين
لقطات الفيلم، وفضاءا
متسعا، يتيح للمشاهدين الفرصة للتأمل في معنى الحياة والموت،
ومغزى أن تموت من أجل
قضية، وعلاقة الفرد مع الله، وهل الموت قدر محتوم لا يملك المرء منه فكاكا،
أم أنه
اختيار قد ينفع معه "التصويت" على البقاء أو الرحيل، وفي البقاء الموت
المؤكد، وكيف
يمكن أن يصل المرء إلى تلك الحالة العذبة من الذوبان الروحي في الله، إلى
أن يتوحد
معه ذلك التوحد الروحاني الجميل الذي يغذي الروح ويقويها
ويجعلها تعلو على الجسد،
وتتسامى بالإنسان، فلا يعد هناك لديه أي أهمية لفكرة "النجاة" بالجسد، من
المصير
المنتظر.
هناك تصوير مكثف شبه تسجيلي في البداية، للحياة اليومية لأولئك
الرهبان، داخل الدير وخارجه، يتمثل في رصد ملامح العلاقة مع الآخر، أي
الجار في تلك
القرية الجزائرية التي يرفض شيوخها وحكماؤها التطرف، ويتهمون جماعات العنف
المسلح
بأنهم خارجون على الإسلام، بعد أن تنكروا لأهم مبادئه، أي
السلام.
رئيس الدير
"كريستيان" رجل يدرس الدين الإسلامي، يستطيع أن يقرأ العربية، وهو أيضا
مطلع على
القرآن الكريم، يستند إليه وإلى الانجيل في أحاديثه، لأنه يرى أن الأديان
السماوية
تكمل بعضها بعضا.
وأحد الرهبان، "لوك" طبيب يشعر بمسؤوليته عن المرضي من سكان
القرية الفقراء، الذين يعودونه في تلك العيادة البسيطة التي يديرها لوجه
الله،
ويستقدم الأدوية لها خصيصا من فرنسا.
رئيس الرهبان يشارك أقرانه المسلمين احتفالاتهم الدينية والعائلية،
ويشعرون
هم تجاهه بالتقدير والعرفان لما يقدمه هو وصحبه، من خدمات للقرية، فالرهبان
يمارسون
الزراعة أيضا، ويزودون القرية ببعض احتياجاتها من الحبوب.
لكن العلاقة مع
السلطة، أي مع مسؤولي الحكم المحلي، ليست على مايرام، فالسلطات التي تنظر
بتشكك إلى
هؤلاء الفرنسيين بحكم تاريخ العصر الاستعماري، تريد أن تفرض عليهم حماية
الجيش،
لكنهم يرفضون بإصرار دخول أي عناصر مسلحة إلى الدير. لقد سلموا
أنفسهم لله،
واعتمدوا على مسالمتهم ورصيدهم لدى الناس ذخيرة لهم تحميهم من تقلبات
الاوضاع على
هذا الجانب أو ذاك، لكنهم رغم ذلك، يتعرضون مرة وأخرى، لزيارة تلو زيارة،
غير
مستحبة دائما، من قبل مجموعة من المسلحين الإسلاميين طلبا
لمساعدتهم الطبية في
مداواة الجرحى منهم.
يتدرج الأسلوب السينمائي من الطابع شبه التسجيلي شبه
الدرامي، إلى الأسلوب الشاعري الرقيق الذي يجسد تدريجيا طابع "المأساة"،
ويتجه
الفيلم في مساره لكي يتركز حول فكرة التضحية، والاختيار، والقدر،
والاستعانة بالله
في مواجهة الشدائد، والقبول بحكمه، وبما ينزله على عباده. الطبيعة في
الفيلم جميلة
ولكن محايدة، والإنسان يتضرع لكنه أضعف من أن يواجه القدر، وأداة القدر (أي
الجماعة
المسلحة) لا تملك هي نفسها، أن تفعل شيئا لكبح جماحها، بل تبدو
منساقة بفعل دافع
أقوى، نحو المقدر لها.
يتجه التركيز في الجزء الثاني من الفيلم أكثر على الداخل،
على كيف يواجه كل راهب من الرهبان الثمانية الموقف المحتمل. هناك نوع من
التردد في
البداية، بل إن أحدهم يبدو أيضا على غير اقتناع بذلك الموقف
الذي يراه عبثيا، أي
البقاء لاستقبال الموت المحتم في حين أن لديه أسرة تنتظره في فرنسا، ولكنه
يذهب
لزيارة أسرته ويغيب في رحلة قصيرة، ثم يعود وهو أشد إصرارا على البقاء مع
رفاقه حتى
النهاية.
حركة الكاميرا بطيئة وطويلة، والإضاءة خافتة كأنها على ضوء الشموع،
والإيقاع بطيء وممتد لكي يسمح بالتأمل، والموسيقى تغيب تماما عن الفيلم،
يستعين
المخرج بديلا لها، بأصوات الآذان، وأصوات زقزقات الطيور في
المحيط الذي يقع فيه
الدير، وصوت طائرات الهليكوبتر التي تحلق فوق الدير فتسبب النفور الشديد
لدى
الرهبان، كما يمتليء الفيلم بأصوات التراتيل والأناشيد الدينية الجماعية
التي
يرددها الرهبان، والصلاة والمناشدة والتضرع إلى الله أن
ينقذهم، وفي الليلة
الموعودة، أي تلك التي تسبق الحدث المنتظر التراجيدي، يجتمع الرهبان،
يتناولون معا
العشاء، ويشربون الخمر، في تكوين بديع وكأننا أمام لوحة "العشاء الأخير"
الشهيرة
لدافنشي، التي تصور للمسيح والحواريين قبل أن يذهب المسيح إلى مصيره
المنتظر. في
هذا المشهد المثير الذي ترتفع فيه المشاعر إلى عنان السماء،
تنزل موسيقى باليه "بحيرة
البجع" لتشايكوفسكي، وتتحد معها الصورة الشاحبة البديعة بألوانها القاتمة
وإضاءتها الخافتة، وألوانها الذهبية البنية، وكأننا أمام إحدى لوحات عصر
النهضة.
وفي
المشهد الأخير من الفيلم يقع الهجوم المسلح على الدير، ويتم اقتحامه من قبل
عناصر
الجماعة الإسلامية، ويقتاد أفراد المجموعة المهاجمة ستة من الرهبان إلى
أعالي الجبل
في حين ينجح اثنان منهم في الاختباء.
ويعد مشهد الصعود المرهق نحو قمة الجبل وسط
الضباب، والرهبان مقيدون ومربوطون معا بالأحبال، مشهدا بديعا
في تصويره الموحي
للمصير الذي ينتظرهم، فمع الصعود تزداد ضبابية الصورة، وتشحب الإضاءة
تدريجيا إلى
أن يلف الضباب المجموعة فتختفي تماما عند قمة الجبل وينتهي الفيلم دون مشهد
واحد
لطلقة رصاص، أو لقطع رأس، أو لقتل إنسان والاعتداء عليه.
فالفيلم يؤكد، في أكثر من
مشهد، وبشكل ربما يعاني قليلا من التكرار، على فكرة أن الإسلام نفسه بريء
تماما من
التطرف ومن العنف، بل ويصور أفراد الجماعة الإسلامية في صورة شباب متردد،
يستجيب في
البداية لرئيس الدير في ضرورة إلقاء السلاح قبل دخول الدير، ولا يصورهم في
تلك
الصورة النمطية المألوفة التي يعرضها الإعلام الغربي عادة
لأفراد هذه الجماعات.
ليس هذا فيلما من أفلام الهجاء السياسي، والأحكام الجاهزة، بل عمل فني
بليغ يشع
بالتسامح، والرغبة في فهم الآخر، إنه فيلم عن الحب، وعن الإيمان الحقيقي
بالمعنى
المطلق، عندما يصبح أقوى من كل أشكال العنف والقتل وسفك الدماء. وليس عن
العنف
والكراهية والرفض وانعدام التعايش، فالتعايش قائم بالفعل،
تفسده حفنة من المتطرفين
المدفوعين بالعقيدة، في حين تلجأ مجموعة أخرى من "العقائديين" للتشبث
بالروحاني من
أجل الوصول إلى تلك اللحظة التي يتأهب فيها المرء للموت دون وجل أو تردد.
هنا تموت
الأجساد، ولكن الأرواح تصعد عاليا، طاهرة بريئة متحررة من كل قيود الجسد.
ولعل
من أفضل عناصر الفيلم إلى جانب التصوير البديع (للمصورة كارولين شامبتييه
التي
أدارت تصوير 64 فيلما)، ذلك التمثيل الطبيعي المؤثر الذي تميز فيه بشكل خاص
الممثل
لامبير ويلسون (هل يصدق أحد أنه هو نفسه أحد أبطال فيلم "ماتريكس")
في دور كريستيان
رئيس الدير، والممثل الكبير ميشيل لونسدال في دور لوك،
وأوليفييه رابوردان، وجاك
إيرلان.
إن الأداء التمثيلي هنا يرتفع إلى أرقى مدارس التمثيل في العالم، حيث
الأداء بالهمسة واللمسة والحركة والإيماءة، والتحكم في عضلات الوجه، وفي
نغمة
الصوت، والاندماج الكامل في الفكرة، فكرة التسامي والاعتماد
على اليقين الديني
لتحقيق راحة النفس.. أليس هذا هو ما نسعى جميعا إلى الوصول إليه؟!
الجزيرة الوثائقية في
26/08/2010
فيلم يكشف العنف ضد المرأة في أوروبا "المرأة المجهولة"..
الاتجار بالبشر مع لمسات هيتشكوكية
خاص/ فريد رمضان
هل الدعارة خيار إنساني، وإن كان خياراً، هل تستطيع المرأة الخروج من
هذا المستنقع بخيارها؟ حرة، طليقة، ترمي الماضي خلفها لتعيش أمومة فقدتها،
أو تبحث عن حب ضيعته بسبب رضوخها لسطوة المافيا ودائرة الاتجار بالبشر.
بالتأكيد هو خيار صعب، خاصة على المرأة التي تجد نفسها ضمن شبكة متداخلة لا
تستطيع مواجهتها، وفي حضور عنف لا يرحم ولا يرأف!.
ربما مثل هذه الأسئلة مع أخرى فنية كثيرة يطرحها المخرج الإيطالي "جوزيبي
تورناتوري" صاحب الفيلم الشهير "سينما الفردوس" أو"
Cinema Paradiso".
حيث يقدّم لنا في فيلمه الرائع "المرأة المجهولة" إنتاج 2006 م قضايا
إنسانية شائكة تتعلق بواقع المرأة في أوروبا الشرقية من خلال استخدامها
كآلة للحمل بالأجنة التي يتم بيعها بعد ولادتها لعائلات قادرة على الدفع
والتبني. هذا العمل الذي يتصل لتحقيقه عبر شبكة دعارة، حيث يتم صف النساء
بملابسهن الداخلية، وهن يرتدين أقنعة على وجوههن ليختار العميل المرأة التي
يراها مناسبة لحمل جنين له، سوف ينتزع منها بعد الولادة لتتبناه عائلة
أوروبية.
هنا، نتابع "إيرينا"، الشابة الأوكرانية التي تعثر على عمل في مبنى
سكني راق في شمال إيطاليا، حيث تقوم بتنظيف سلالم الدرج يومياً. وتسبب في
القضاء على مربية عجوز تشرف على الاعتناء بطفلة صغيرة هي "ثيا" أبنة زوجين
إيطاليين يشتغلان في صب وتصميم قلائد الذهب. من خلال عملها في تنظيف درج
المبنى تكسب تعاطف أهالي العمارة الراقية، وتستطيع أن تحصل على وظيفة
المربية التي فقدت حياتها بسقوطها من على درجات السلم، لتجد نفسها أخيراً
مع الطفلة "ثيا" التي تعتقد إنها أبنتها التي ولدتها أخيراً بعد تسع ولادات
أجبرت على التخلّي عنهم من خلال عملها السابق كعاهرة، حيث يتم تسويق أجنتهم
من قبل سماسرة يختارونهن بعناية.
بين سعي "إيرينا" لكسب ثقة هذه العائلة والعمل لديها كمربية، وبين
علاقتها الخاصة بابنتهم الصغيرة "ثيا" وبحثها عن ما يثبت أنها ابنتها
الأخيرة التي أنجبتها بعد ثمان ولادات، تتم في مكان غير محدد، أو معروف.
نستعرض ماضي هذه الشابة وما تعرضت له مع أخريات من تعذيب جسدي في حالة
رفضهن أو استخدامهن لموانع الحمل. أو في نشرهن في شوراع المدن ضمن شبكة
دعارة تديرها المافيا. لقد خسرت حبيبها الشاب حيث قامت المافيا بتصفيته
ودفنه في ساحة كبيرة للقمامة، كل هذا يدفعها لأن تنتقم من الرجل المسؤول عن
مجموعتهن. أننا نرى مشاهد مثل الومضات السريعة التي تطل على ماضي هذه
الشابة، مشاهد عنف، تعذيب، إعتداءات جنسية، ولادات في أماكن بائسة، عيون
تتلصص على أجسادهن. وأطفال حديثي الولادة يرحلون بعيدا عن أمهاتهن.
الفيلم في البداية ياخذك بإتجاه نوايا سرقة من منزل هذه العائلة
الثرية التي تشتغل في الذهب، ولكن تكتشف بعد ذلك أنها تبحث عن أوراق التبني
التي تؤكد لها أن هذه الطفلة "ثيا" هي أبنتها التي ولدتها مؤخراً، قبل أن
تتسبب في طعن أحد رجال المافيا والهروب إلى شمال إيطاليا. تشك أم "ثيا" في
تصرفات هذه المربية الشابة، خاصة عندما تكتشف أثار عنف على طفلتها التي
كانت "إيرينا" تعاملها بقسوة أم غير طبيعية مرت بتجربة قاسية من العنف
الجسدي. فتفصل من العمل. ومع ظهور الرجل التي ظنّت أنها قتلته. تتصاعد
الأحداث وتتسبب في وفاة الأم، واتهام "إيرينا" بالقتل. ومع اختبار الحمض
النووي "DNA" تكتشف أن الطفلة "ثيا" ليست ابنتها بعد كل شيء. وهكذا تحاكم وترسل
إلى السجن.
ثمة تعمد واضح من المخرج في خلق حالة إلتباس مدهشة عند المشاهد مستمدة
من أسلوب هيتشكوك، حيث نرى دور المونتاج في خلق حالة الدهشة عبر تكثيف
حالات الخوف والمفاجأة والغضب والضجر وغيره، بين لقطة وأخرى، وبين مشهد
وآخر. الأسئلة تلاحقك وانت تعيد مونتاج الفيلم بشكل مغاير عما زجك فيه
المخرج لتفهم حكاية الفيلم ببساطة، وتكتشف حجم الـتأثير الذي مارسه عليك في
تعاطفك مع الشخصية، في سؤالك حول تصرفاتها، هذه المرأة التي عُذبت بوحشية،
لماذا تعيد تجسيد هذه الحالة على الطفلة "ثيا" والتي ربما تبدو من اقسى
مشاهد الفيلم، حيث نرى في مونتاج سريع بين "إيرينا" العارية، المقيدة،
المكممة، التي كلما حاولت النهوض تسقط بقوة. وبين الطفلة "ثيا" التي تقيدها
"إيرينا" بنفسها وتكممها، وتطلب منها وهي الكائن البرئ والصغير، بأن تنهض
بنفسها، وكلما تمكنت من النهوض تدفع بها "إيرينا" مرة أخرى.
أننا كمشاهدين نتسائل، إن كانت أمها، لماذا تفعل بها كل هذا. إن هذه
الطفلة ضعيفة في مواجهة الاطفال في المدرسة، ولكن هل يستحق الأمر تعذيب
الطفلة لتكون فقط قادرة على مواجهة الأطفال الآخرين.
إن المشاهد يتابع الكاميرا، يسير خلفها، مثل من يبحث عن شيء مريب يحدث
خلف الكاميرا، ويتعمد المخرج عدم إظهاره لنا كمتفرجين، بل ينجح أحيانا في
صرف نظرنا عن الحدث الرئيسي لصالح حدث فرعي، أو التركيز على عنصر في مكونات
الكادر، عليك ان تربطها بحالة الشخصية.
وهكذا ينجح المخرج في خلق التأثير المباشر على المشاهد، عبر تقسيط
الجرعات من مشاهد العنف، التعذيب، وسرقة الاطفال لحظة الولادة.
حاز الفيلم على أكثر من أثنى عشرة جائزة دولية في مهرجانات إيطالية
وأوروبية. كما رشح لأكثر من عشر جوائز أخرى.
بوابة المرأة في
26/08/2010
سينمائيات
نجمة اصبحت مبعث
الاساطير
مصطفي درويش
تحقيقا منه لأمنية طالما راودتني،
نظم الابن الوحيد لشقيقتي الوحيدة، مع زوجته رحلة إلي بونسدام،
وهي مدينة صغيرة، كادت تكون ضاحية للعاصمة »برلين«،
لولا انها، هي الاخري، عاصمة ولاية »براند نبرج«، منذ قديم الزمان.
ولقد قمنا، نحن الثلاثة
، بتلك الرحلة، قبل بضعة ايام.
وبداية،
فلماذا عشت زمنا طويلاً
متمنياً زيارة »بوتسدام«؟.. يرجع ذلك الي ثلاثة اسباب :
اولهم،
انها،
حسبما قرأته عنها، مدينة آية في الجمال، فيها من عطر التاريخ الشيء الكثير بها
، وبقصورها تحيط جنات، تجري من تحتها بحيرات وانهار.
وهنا لايفوتني ان اذكر ان القصور شيدها ملوك،
معظمهم مستنير.
ومن بينها اخص بالذكر قصر »سان
سوس« (تسمية فرنسية) تعني بلادهم.
وثانيهم انها المدينة التي انعقد في احد قصورها،
واسمه »سيسليا« مؤتمر القمة الثالث والاخير،
لقادة التحالف ضد المانيا الهتلرية،
وايطالياً الفاشية، »ونستون تشرشيل«. »هاري ترومان«
و»ستالين«.
ومن المصادفات ان تجيء زيارتي لذلك القصر مواكبة للاحتفال بالذكري
الخامسة والستين لانعقاد ذلك المؤتمر الذي اتخذت
، اثناء ايامه، بدءا من ٧١ يوليو وحتي ٢ اغسطس، قرارات في شأن مستقبل
المانيا،
مكملة لقرارات سبق اتخاذها في مؤتمري قمة طهران
(ديسمبر ٣٤٩١)، و»يالتا« بشبه جزيرة القرم (فبراير
٥٤٩١)،
بعد تحرير الجيش الاحمر لارضها،
من قطعان النازية.
هذا،
واثناء اجتماع الثلاثة الكبار،
وتحديداً يوم الرابع والعشرين، اخطر الرئيس »ترومان«
نظيره الرئيس ستالين بان الولايات المتحدة، قد توصلت الي صنع سلاح دمار شامل،
اسمه القنبلة الذرية.
ولم تمض سوي بضعة ايام علي ذلك الاخطار،
الا وكانت طائرة امريكية تلقي قنبلة ذرية علي مدينة هيروشيما (٦اغسطس) ادت
الي مقتل خمسة وسبعين الفا من سكانها.
وطائرة اخري تلقي قنبلة ثانية علي مدينة
»نجازاكي« (٩ أغسطس)، ادت الي مقتل تسعة وثلاثين الف
، وجرح خمسة وعشرين الف من سكانها.
وفي نفس يوم
القاء القنبلة الثانية اعلن الاتحاد السوفيتي (روسيا)
الحرب علي اليابان.
وبعد ذلك، بخمسة ايام،
استسلمت اليابان ، دون قيد ولاشرط.
وعن مأساة هيروشيما ابدعت الاديبة الفرنسية
»مارجريت دورا« سيناريو تحت عنوان »هيروشيما..
حبيبتي«،
ترجمها الي لغة السينما المخرج الفرنسي »آلان رينيه«
وتجنبا لاستفزاز الدوائر الحاكمة في بلاد العم سام، عرض فيلمه خارج
المسابقة في مهرجان كان (٩٥٩١).
والآن،
الي ثالث الاسباب،
هو ان »بوتسدام«، موطن السينما الألمانية، فهيا ولدت، وترعرعت،
حتي اصبحت ابان عشرينيات القرن العشرين وقبله المولعين بفن السينما في
استديوهات »اوفا« الضخمة المشيدة علي ارضها،
درس »محمد
كريم«، فن الاخراج، ودرس »نيازي مصطفي« فن الحيل السينمائية..
ودرس »الفريد هتشكوك«
فن التوليف (المونتاج)، فضلا عن قيامه باخراج فيلمين صامتين لحساب المنتج
البريطاني »مايكل بالكوني«
ويحسب »لاوفا«
تعضيدها في ذلك الزمن القديم لمخرجي أفلام، مايعرف بالمدرسة التعبيرية.
فضلا عن انتاجها لانواع من الأفلام الضخمة،
ذات الموضوعات غير المألوفة مثل »المقامر الدكتور مابوز«،
و»اسطورة النييلونجن«
عن اوبرا فاجتر،
و»متروبولس« و»السفاح إم٥«.
والأفلام الأربعة من اخراج »فريتزلانج«
يبقي لي ان اقول انه من بين انتاجها في ذلك الزمان »الملاك
الازرق« أول فيلم الماني ناطق.
واول فيلم تضطلع فيه »مارلين ديترس«
بدور رئيسي، فاصبحت من بعده-
هي وساقاها-
وبعث الاساطير.
moustafa@sarwat.de
أخبار النجوم المصرية في
26/08/2010 |