تكشفُ مشاهدةٌ جديدةٌ لأفلام السينمائيّ
الألمانيّ والتر
روتمان( 28
ديسمبر 1887-15 يوليو 1941) عن
اتجاهيّن مُتوازييّن يطبعا أسلوبه، وتجمعهما موسيقيةٌ بصرية، أكان ذلك في
رباعيّته
التجريدية(1)Lichtspiel: Opus
التي أنجزها خلال الفترة من عام 1921 وحتى 1925، أو
التصويرية المُعتمدة على لقطاتٍ تسجيلية حوّلها المُونتاج إلى سيمفونياتٍ
بصرية.
في دراستي عن السينما الدادائية، لم أعثر في
أدبيّاتها على "والتر روتمان" مع أنه بدأ مشواره السينمائيّ في
نفس فترة ظهورها
بداية العشرينيّات، وانطلق من رغبة منح الحركة لعناصر غير مُتحركة، وهي نفس
المفاهيم الجمالية التي انشغل بها أيضاَ (Marcel Duchamp،
Man Ray،
Francis Picabia،
Hans Richter،
Viking Eggeling،
و Fernand Léger،....).
رُبما لم
يُتوّج دادائياً بسبب خلافه الفكريّ مع روّادها المُناهضين للحرب العالمية
الأولى،
حيث يشيرُ الباحثان الفرنسيّان " Henri BEHAR"، و"
Catherine VASSEUR"
بأنّ
مُشاهدة، وقراءة أعمال الحركة الدادائية اليوم بمثابة معجزة
على الرغم من الاضطهاد
الذي عانته من طرف النظام النازيّ (كانت الوحيدة التي أشار إليها هتلر
بشكلٍ صريح
في كتابه "كفاحي")(2)، فقد تجسّدت النزعات النازية لـ"والتر روتمان"
بانضمامه إلى
صفوفها عام 1933، وعلى مشارف الحرب العالمية الثانية شارك في أعمالٍ
اشتراكية/وطنية
ـ وُفق المفهوم النازيّ ـ مثل فيلم "آلهة الملعب"(Olympia)
لمُخرجته "Leni Riefenstahl"، وانتهت حياته مُتأثراً بجراحه عندما كان يُصوّر فيلماً دعائياً على
الجبهة الروسية(3).
كانت أفلامه الأولى تجارب أولية مهدّت للسينما التجريدية،
بينما يمكنُ اعتبار فيلميه "برلين، سيمفونية مدينة كبيرة" (Berlin: Die Sinfonie der Großstadt)
عام 1927، و"لحن العالم" (Melodie der Welt)
عام 1929 من الأفلام
العظيمة في تاريخ السينما التسجيلية.
يعكسُ الأول نظرةً شعريةً بلاغية بدون التخلي
عن البناء الزمنيّ التراتبيّ للوقائع اليومية في مدينة برلين
منذ الفجر، وحتى ساعات
الليل الأخيرة من خلال لقطاتٍ مُنتقاة بعناية، ومُتوالية في دقةٍ إيقاعية
مُتناهية (استغرق تصوير الفيلم عاماً كاملاً كما
يُصرّح المخرج بنفسه)، ويُجسّد الثاني رؤيةً
موسيقية بصرية عن العالم في توافقاته، وتناقضاته.
وما بين التجريديّ، والتصويريّ
هناك "عطلة نهاية الأسبوع"
(Wochenende)
المُنجز عام 1930، فيلمٌ نادرٌ في تاريخ
السينما التسجيلية، والسينما بشكلٍ عام، تنحو تجريبيّته إلى
حدّ إقصاء الصورة
تماماً، والاكتفاء بشريط الصوت فقط، 11 دقيقة، و30 ثانية يُبحلق المتفرج
خلالها في
شاشةٍ سوداء، ويسمعُ تتابع، وتداخل أصواتٍ عديدة.
وعلى الرغم من نهاية الحركة
الدادائية، كما أعلنت المجلة البلجيكية
"Ça Ira! "
عام 1921(4)، يمكن اعتباره تجربة
فيلميّة صوتية تتموقع بامتيازٍ في صلب طبيعتها، وتوجهاتها الجمالية
المُغايرة.
وكما كلّ الأعمال المُجددة التي أحدثت تبايناتٍ فكرية بمُناسبة عروضها
الأولى،
أتخيّل بأنه حصد بدوره ردود أفعالٍ مُناهضة، ولكنني، أتوقعُ بأن يُثير
زوبعةً
نقاشيّة فيما لو تجرأ مهرجانٌ عربيّ بعرض الفيلم حالياً لجمهورٍ عاديٍّ، أو
نخبويٍّ
مُشبعاً بالسينما السائدة بكلّ أنواعها الروائية، التسجيلية، والتحريكية،
وأتصوّر
أيضاً بأن يخلق جدلاً لن يكون في صالح الفيلم أبداً بعد طغيان الصورة
السينمائية،
والتلفزيونية على حياتنا اليومية. سوف تنطلقُ التساؤلات
المُحتملة من مفاهيم
تقليدية حول طبيعة السينما، وارتباطها بفعل "المُشاهدة":
فهل
نعتبر "عطلة نهاية الأسبوع" فيلماً سينمائياً، أم شريطاً إذاعياً
؟
مُنذ اكتشافها، ارتبطت السينما بالصورة المُتحركة،
وقدرتها السحرية على إيهام، وإبهار المُتفرج، وتزامنت محاولات تسجيل الصوت،
والصورة
على دعامةٍ مادية، وفي الوقت الذي بدأت من الصورة، وانتظرت ربع قرنٍ
تقريباً كي
تستثمر الصوت (الحوار المُتزامن)، جاء العمّ "والتر ورتمان"،
وتجرأ على زعزعة تلك
الحقيقة، ومنح البناء الصوتيّ أهميته الجمالية، وأنجز فيلماً بدون صور.
من وجهة
نظري، وانطلاقاً من حرية التجريب إلى أقصى حدوده، أعتبرُ "عطلة نهاية
الأسبوع"
تجربةٌ فيلميّة عاقلة لا يمكن حذفها من فيلموغرافيا "والتر روتمان"،
وإدراجها في
قائمة أعماله الفنية الأخرى، ومنها الرسم(5).
وبينما تُسجل الكاميرا الصور
المُتتابعة، فإنها، في الآن ذاته، تكشفُ عن قدراتها في القبض
على الزمان، والمكان،
ولن تستحضر معانيهما بدون تطويعهما وُفق سياقاتٍ تسجيلية، أو حكائية، وهي
إحدى
الخصائص الجوهرية للسينما بالمُقارنة مع الفنون الأخرى الثابتة كلياً
(يُمكن اعتبار
المسرح فنٌا متحركا مجازياً، والفكرة قابلةٌ للنقاش).
من جهة أخرى، لا تكتسب
الصورة السينمائية معنى بمُفردها، أو حتى مُجتمعة، ولا تكفي صورة واحدة
لإحداث
الحركة، وعند عرضها على الشاشة، سوف تظهر، وتختفي قبل أن تُدركها العين،
ولخلق هذا
الوهم، يجب أن تُسجل الكاميرا، وتعرض وُفق سرعةٍ قياسية (24
صورة في
الثانية).
يتشكلُ الفيلم إذاً من التلاعب بالزمان مونتاجياً، مُتخطياً اللقطات
القصيرة المُنفردة للأخوين لوميير، أو خدع "جورج ميلييس".
في "عطلة نهاية الأسبوع" تخلى "والتر روتمان"
طوعاً عن المكان المرئيّ عن طريق الصورة، واحتفظ بالزمان المُسجل من خلال
الصوت
الذي تمّت إضافته إلى الجانب المُخصص له في الشريط الحساس بهدف
عرضه في صالةٍ أمام
جمهور ينظرُ إلى شاشةٍ كبيرة يختفي المكان في عتمتها، لم يتبقى منه غير
الصوت.
ومنذ تلك اللحظة، أصبح "عطلة نهاية الأسبوع"، شئنا، أم أبينا، فيلماً
بدون صور...
لقد تمّ إقصاء الصورة عمداً لصالح أصواتٍ تسمحُ لكلّ متفرج بأن
يصنعَ فيلمه الخاصّ، ويتخيّلَ ما يشاء من الصور المُتوافقة، أو المُتعارضة،
وهي
تجربةٌ طريفةٌ بحدّ ذاتها تقودنا إلى معرفة فوارق الصور
المُتخيلة بين متفرج،
وآخر.
لقد أنجز "روتمان" فيلمه بدون كاميرا(وهي مُمارسةٌ شائعةٌ في السينما
التجريبية)، ولهذا، لن أعتبر عدستها عمياء، ولكن، كان "عطلة نهاية الأسبوع"
بالأحرى
أول فيلم أعمى في تاريخ السينما.
وعن هذه التجربة المُونتاجية الصوتية يتحدث
"روتمان" :
"من خلال تجاربي، أردتُ اكتشاف قواعد نظامٍ أكثر تفوقاً حول
العلاقة
بين العناصر الصوتية، وتنظيمها لتشكيل وحدةٍ تحققت في الفيلم الصامت مع
عناصر
بصرية.
"في الليل"(In
der Nacht) (6)
محاولةٌ لتجسيد كونشرتو بيانو لـ"شومان" في
سلسلةٍ من الصور، بينما كان الصوت في "عطلة نهاية الأسبوع" هدفاً بحدّ
ذاته، حيث
يتحولُ إلى مصدر إلهام، يُثير الخيال، ويشكلُ نقطة انطلاق سلسلةٍ من
الصور"(7).
وفي هذه الحالة بالذات، لماذا لا يُعرض الفيلم (أو أيّ فيلم أعمى
آخر)(8) على جمهور من فاقدي البصر بدون معرفتهم المُسبقة بأنه لا يحتوي على
صور،
ومن ثمّ إجراء دراسةٍ عن الفيلم الذي تخيّله كلّ واحدٍ منهم
انطلاقاً من شريط الصوت
فقط ؟ .
إن فكرة استخدام "والتر روتمان" الجانب الصوتي من الشريط السينمائي
الحساس، تُؤكد نيّته بعرض الفيلم في صالةٍ سينمائية تقليدية، وقد حدث ذلك
فعلاً في
برلين عام 1930، وأيضاً بمُناسبة "المؤتمر الثاني للفيلم المُستقلّ في
بروكسل"،
وتمّ بثه إذاعياً في نفس العام، وفي عام 1994 تمّ تسجيله على
اسطوانات CD
صغيرة كي
يتأكد، بالمُقابل، بأنه فيلمٌ صوتيّ سماعيّ.
وكما حال "برلين، سيمفونية مدينة
كبيرة" في توثيقه التعبيريّ ليومٍ من حياة مدينة، يلجأ "روتمان"
إلى عزل بعض
العناصر الصوتية (الضجيج) من الحياة اليومية، ويُنجز عملاً صوتياً مُنظماً،
مُتماسكاً، ومُتحرراً من أسبابه المادية، ويتحول الفيلم إلى تسجيلٍ صوتي
لعطلة
نهاية الأسبوع من حياة عامل، وذلك بتتابع مونتاج من الأصوات
تُجسّد أجواء العمل (مُحاكاة
محادثات تلفونية، تلاوة طفلٍ في مدرسة لنصّ، قراءة رئيس شركة لرسالة،
يُصاحبها مؤثرات صوتية ميكانيكية)، ومن ثمّ أصوات تستحضرُ مزيداً من
الاسترخاء(صفير، جوقات غناء، أطفالٌ سعداء، حيوانات، دقات
أجراس للإشارة إلى الوقت،
مواء قطة، فتح زجاجة،...).
في كتابه "المُوسيقى التجريبيّة" يقدمُ الموسيقيّ،
والناقد الفرنسيّ " Philippe Robert"
فيلم "عطلة نهاية الأسبوع" توقعاً ملحوظاً لما
سوف يُسمّى لاحقاً بـ "الموسيقى الملموسة"، وتمهيداً بالريادة
لبعض الأفكار التي
سوف يقوم بها الباحث الفرنسيّ
" Pierre Schaeffer"
عشرين عاماً فيما بعد(9).
هوامش:
(1)
ـ يمزجُ العنوان الألمانيّ بين "لعبة إضاءة"
و"قطعة موسيقية".
Lichtspiel: Opus I
في عام 1921.
Lichtspiel: Opus II
في
عام 1923.
Lichtspiel: Opus III
في عام 1924.
Lichtspiel: Opus IV
في عام
1925.
(2)
ـ
http://www.universalis.fr/encyclopedie/dada/
(3)
ـ "موسوعة ويكيبيديا" باللغة الفرنسية.
(4)
ـ
http://www.le-dadaisme.com/histoire-dadaisme.html
(5)
ـ أدرجت "موسوعة ويكيبيديا" فيلم "عطلة نهاية الأسبوع" في
قائمة أعمال المخرج
"والتر روتمان"، بينما لم أعثر عليه في موقع "IMDb".
(6)
ـ "في الليل"(In
der Nacht)
فيلمٌ تسجيليّ/تجريبيّ من إنتاج ألمانيا عام 1931، 7 دقائق، أبيض
وأسود.
(7)
ـ من الكتيّب المُصاحب للاسطوانات المُدمجة الصادرة عن "متحف
الفيلم"
في ميونيخ، وهي في الأصل فقرةٌ من حواراتٍ نُشرت في قصاصاتٍ صحفية غير
مُحددة
التاريخ (1927-1937) مأخوذة من الأرشيف الشخصي لـ"والتر روتمان".
(8)
ـ في عام
2007
أنجز المُخرج الفرنسيّ من أصلٍ جزائريّ "سُفيان عادل" فيلماً روائياً
بعنوان
"الشريط" (La Cassette)
بمدةٍ زمنية 20 دقيقة، و6 ثواني بدون صورة مُعتمداً فقط على
حواراتٍ عائلية، وفي مُكالمةٍ هاتفية معه، تبيّن لي بأنه لم
يشاهد فيلم "عطلة نهاية
الأسبوع"، ولا يعرف شيئاً عن مخرجه "والتر روتمان".
(9)
ـ فيليب روبير، الموسيقى
التجريبية ـ مُقتطفاتٌ عابرة من تسجيلاتٍ دلالية، دار نشر
"الكلمة، والآخر"،
مارسيليا، 2007، صفحة (29-31).
الجزيرة الوثائقية في
24/08/2010
الأفغان في السينما الإيرانية . الأيدولوجا والواقع
د . فاطمة
الصمادي
أن يكون الإنسان مهاجرا افغانيا في إيران يعني منظومة من الإصطلاحات
النمطية
المهينة،فالوصمة تلاحقه اينما ذهب فهو الذي لا أصل له ، السارق ،القذر ،
القاتل و
المجرم.لكن الأفغاني ضمن تعريفه لنفسه هو انسان شردته الحرب واجبر على
اللجوء الى
بلد يتشارك مع أهله باللسان و الدين ، وهو في الوقت ذاته فقير
يجبره ضيق ذات اليد
على العمل في اعمال شاقة و مهينة و بدون ضمانات وبأجر زهيد ، شخص خائف
دائما من
رجال الشرطة ومطلوب منه بمناسبة وغير مناسبة أن يبرز هويته الشخصية ، ومصاب
بحالة
رعب من التهديد الدائم بالإبعاد وبطاقة الهجرة باتت معادل
الحياة بالنسبة له ،اما
اطفاله فحقهم في التعيلم غائب و لامجال للحديث عنه. وتشير الأرقام
الأفغانية إلى 900
الف مهاجر اما الأ رقام الرسمية الإيرانية فتتحدث عن مليون مهاجر تتمركز
الغالبية العظمى منهم في طهران بصفتها العاصمة و خراسان الكبري
بصفتها المحافظة
الأقرب الى الأراضي الأفغانية.
كما في الواقع شهد تصوير الإفغان في السينما
الإيرانية تحولات تعكس في بعض جوانبها تناغما مع التحولات
الإيديولوجية التي شهدتها
إيران ، فبعد مرحلة الشعارات انتقل إلى مرحلة أكثر واقعية . يغيب اللاجيء
الأفغاني
أحيانا و تنساه السينما الإيرانية ، لكنها تعود لتبني القصة عليه في أحيان
أخرى،
تصوره بشكل سريالي في بعض الأوقات وتتحول صناعة الأفلام حوله
إلى موضة في أوقات
أخرى ، تتعقبهم داخل الأراضي الإيرانية ماأن يدخلوا الحدود وحتى يغادروها
مجبرين في
الغالب. وقد لاتكتفي بهذا التعقب فتتبعهم داخل افغانستان، التي تمتلك
جاذبية لعدد
من المخرجين الإيرانيين.
مشتاق لولدي
يعد فيلم (مشتاق لولدي) "دلم براي
پسرم تنگ شده است" عام 1989 أول فيلم يتناول هذا الموضوع وقام
عليه فريق برئاسة
المخرج علي رضا زارع آبادي. انتج هذا الفيلم في السنوات الأولى للثورة و تم
تصويره
في إيران و أفغانستان و يصور الفيلم مجاهدا أفغانيا يصاب أثناء قتاله ضد
القوات
السوفيتية الغازية ، وبحثا عن دواء لجراحه يزحف نحو إيران
ويعبر في مسيرة البحث عن
الدواء هذه صحراء لا ماء و طعام فيها . و ما أن يصل حتى ينقله حرس الحدود
الإيرانيين لتلقي العلاج
.
تقوم على مداواته ممرضة بلباس أبيض تمثل في الفيلم "الروح
الجمعية " التي سادت في إيران في تلك الفترة حيث كانت أكثر ادراكا و تفهما
لمشكلات الأفغانيين. في رحلة العلاج هذه يقوم العجوز الأفغاني برواية قصص
مروعة
للمرضة عن قسوة الروس و المصائب التي شهدها على أيديهم . في
النهاية يموت العجوز
وهو يخبر الممرضة بأنه اشتاق لولده . و بالعودة إلى الحالة الأيدلوجية التي
سادت
ايران في تلك الفترة فهي الأيدلوجيا التي كانت تقول بأن الإسلام لايعترف
بالحدود ،
وأن ثروة اي بلد اسلامي هي لكل المسلمين ، ورافق ذلك شعارات
ترحب بالأخوة القادمين
إلى الجمهورية الإسلامية بخطوط عريضة
.
غياب ونسيان
بعد هذا الفيلم غاب الأففان عن السينما
الإيرانية وتم نسيانهم أو تناسيهم لسنوات ، فالحرب مع العراق و
الظروف الداخلية
لإيران لم تكن تترك مجالا للحديث عنهم ،وأنهى المخرج الإيراني محسن مخملباف
هذا
الصمت من خلال فيلمه (البائع المتجول) " دست فروش" (مخملباف) يتناول الفيلم
بيع
المسروقات و الظروف الإجتماعية وتأثيرات الحرب وتراجع الحالة الإقتصادية
وارتفاع
البطالة . وفي أجواء كهذه يتم تحميل الأفغان وزر سرقات و جرائم
لم يرتكبوها ، ويصور
الفيلم الشرطة وهي تداهم مقاه معدمه روادها من الفقراء وتلقي القبض على
المهاجرين
الأفغان متهمة إياهم بالنصب و السرقة . و عندما قدم مخملباف هذا الفيلم كان
يحمل
شعارات و ايدلوجية حزب الله و الثورة في إيران ، و رغم النظرة
السطحية التي حكمت
الفيلم إلا أنه أشر إلى وجود ومشكلات المهاجرين الأفغان في إيران . و ربما
شكل
تحولا لسينما مخملباف كما شكل تحولا ايدلوجيا للمخرج الذي حلق لحيته و خرج
من عباءة
حزب الله بحثا عن العالمية . و ماهي إلا سنوات حتى عاد مخملباف ليصنع فيلما
أكثر
عمقا عن اللجوء الأفغاني وذلك من خلال فيلم (سائق الدراجة) "بايسيکل ران" .
ويحكي
الفيلم بمرارة قصة رجل افغاني يجبر من أجل تأمين علاج لزوجته على دخول لعبة
مراهنات
بين رجال ايرانيين ، ويكون عليه أن يواصل امتطاء الدراجة و
الدوران بها ليل نهار
لسبعة أيام بلياليها ليحصل على المال اللازم لعلاج زوجته الراقدة في مستشفى
إيراني .
والفيلم في الواقع وإن كان يتحدث عن رجل
أفغاني إلا أنه يتحدث في الأساس عن
الظروف المعيشية القاسية والبطالة في إيران ، ولعل مخملباف لم يجانب
الحقيقة عندما
قال أن فيلمه هذا لاعلاقة له بافغانستان و أن قصة الفيلم مستوحاة من الحياة
الواقعية للناس الفقراء في جنوب طهران. يأتي الفيلم في الفترة
التي يزداد فيها
تعداد المهاجرين الأفغان إلى إيران التي تعاني من الحرب و لامكان لديها
لأستضافتهم
و يسود الشك والتردد مجتمعها بشأنهم دون أن يصل هذا المجتمع إلى حكم نهائي.
لكن
وبعد هذا الفيلم بدأ بالتدريج تشكل الأرضية التي تحمل روح
العداء للضيف الغير مرغوب
به ، وقامت الحكومة الإيرانية بتشكيل قسم خاص للاجئين الأفغان
.
حضور هامشي
عادت
حالة الصمت بشأن الأفغان إلى السينما الإيرانية مرة أخرى، وبعدها بسنوات
جاءت أفلام
وضعتهم في الهامش لكنه هامش كان مليئا بالإتهام والتنابز بالألقاب، وإصدار
الأحكام
المسبقة ، و من أبرز النماذج على ذلك فيلم (اللقاء) "ديدار"
للمخرج محمدرضا
هنرمند حيث يوصف الأفغاني بالسارق والمجرم و المشرد. وهذه
الفترة تأتي مترافقة مع
جدل في المجتمع الإيراني حول "من أين جاء هؤلاء الغرباء؟" ، و في وقت غاب
الشعار
السياسي الشهير "لا شرقية و لا غربية جمهورية اسلامية " ولم تعد ترفع
نداءات "الموت
للسوفيت" .
مع نهاية الحرب مع العراق كانت العيون تتوجه أكثر نحوء "الغرباء
الأفغان النقطة اللافتة هنا أن المخرج محمد رضا هنرمند من المخرجين
المقربين من المنتمين في ذلك الوقت للقسم الفني في مؤسسة التبليغ الإسلامي
الإيرانية ، وغالبا ما كان يعكس وجهة نظر تيار حكومي يدعو للتراجع عن
الشعارات
الأولى للثورة ، وأصبح لديه قناعة بأن الإسلام له حدود وأن
ثروة إيران هي ملك ا
لإيرانيين فقط .
لكن الصورة لم تكن قاتمة بالكامل فقد قدم مجموعة من المخرجين
المستقلين أفلاما تحمل تصويرا جذابا و جميلا حيث قدم جعفر
بناهي في فيلمه المؤثر
(الطائرة
الورقية البيضاء)"بادکنک سفيد" صورة تستحق التأمل للغريب الأفغاني . يروي
الفيلم قصة فتاة صغيرة تقع في حب سمكة ملونة لدي بائع الأسماك ، وتحاول
الصغيرة
بطرق عديدة شراء السمكة وتنجح بإقناع والدتها بإعطائها المال
اللازم للشراء.. تدور
القصة والناس على وشك الإحتفال بعيد السنة الفارسية "نوروز" ومعروف أن
الأسماك
الملونة جزء أساسي من زينة موائد العيد في إيران . وبينما تندفع الطفلة نحو
دكان
الأسماك يسقط المال خلف حاجز مدخل أحد المتاجر ، وتبدأ الصغيرة
بقلق محاولة استخراج
المال ..وفي الأثناء يأتي طفل أفغاني يقوم ببيع الطائرات الورقية فيبدأ
بمحاولة
مساعدة الصغيرة وينجحان في النهاية وتشتري الفتاة سمكتها و تعود إلى البيت
.. تقدم
الكاميرا مشاهد للمداخل و الطرقات وهي هادئة خالية إلا من
الطفل الأفغاني بائع
الطائرات الورقية الذي يجوب الطرقات وحيدا .ويرى علي أميني في بحثه حول
الأفغان في
السينما الإيرانية أن هذا الفيلم يكاد يكون الوحيد الذي صور الأفغاني دون
شائبة أو
وصمة تلاحقه. بعدها بمده قدم عباس كيارستمي فيلمه الشهير (طعم
الكرز) "طعم گيلاس"
وحمل الفيلم أيضا رؤية مستقلة عن رؤية المجتمع الإيراني للأفغانيين ، لكنهم
ظلوا في
الهامش في هذا الفيلم أيضا .تصور الشخصية الأولى في الفيلم رجلا ايرانيا
يقرر
الإنتحار ، ويبدأ بالبحث عمن يقوم بدفنه بعد الإنتحار، وخلال
بحثه عن الشخص المطلوب
يقابل شابا أفغانيا يدرس العلوم الشرعية. يأمل الرجل الإيراني أن يجد ضالته
في
الشاب الأفغاني ، لكن هذا الشاب وبدل أن يتلقى المال اللازم للقيام
بالمطلوب منه
يشرع بإقناعه بقيمة الحياة ولذة تجربتها. ولم يبق صناع أفلام
الحرب الإيرانيين
بعيدا عن الأفغان، فقدم المخرج حاتمي كيا فيلما سرياليا بعنوان ( الشريط
الأحمر) "روبان
قرمز" يصور حارسا افغانيا يقوم بخوض حرب لا وجود لعدو فيها بين أنقاض
الدبابات المدمرة نتيجة الحرب مع إيران.
بعيدا عن الشعارات
وبعد هذه المرحلة
كانت السينما الإيرانية و كذلك المجتمع الإيراني يتخذ قرارا لتشخيص ماهية
الحضور
الأفغاني في إيران ، وكيفية التعامل معه بجدية .و جاء فيلم جمعه للمخرج حسن
يکتابناه وفيلم (المطر) "باران" للمخرج مجيدمجيدي ضمن هذا
السياق ، ففي فيلم جمعه
نشاهد شابا أفغانيا يعمل اجيرا و يقع في حب فتاة إيرانية ، لكن
و في كلا الفيلمين
لايجتمع محب أفغاني بمحبوبه الإيراني ، ولكل منهما طريق مختلف لايلتقي
بالآخر ، لكن
في فيلم جمعه يبقى العامل الأفغاني في عمله رغم عجزه عن الزواج بالفتاة
الإيرانية ،
وكأن الفيلم بتحدث بلسان المجتمع الإيراني بأن حضورهم مقبول بهم كأجراء و
عاملين ،
أما المخرج مجيدي فالحل الذي قدمه يدعو لعودة الأفغان و بناتهم
إلى أفغانستان ،
وبعدها يقوم المطر بغسل كل شيء وتنتهي القضية.
ويعود
المخرج ابوالفضل جليلي في فيلمه (العشاق) "دلبران" لمعالجة دخول الأفغان
الى
إيران والمشكلات التي ترافقهم ، يصور الفيلم مجموعة من المهاجرين غير
الشرعيين
الخائفين من شرطة الحدود ويعيشون بشكل مخفي قرب الحدود ، كما يصور الفيلم
شابا
أفغانيا يعمل في مقهى على الطريق يبتدع وسائل تعزز من مهاراته
ليبقى محافظا على قوت
يومه ، ويحمل الفيلم نظرة فيها استقلالية تشبه تلك التي قدمها كيارستمي
.
بحثا
عن قصة
مع تحسن الأوضاع الإقتصادية في إيران بعد سنوات على نهاية الحرب اتجه
المخرجون الإيرانيون لصناعة أفلام اجتماعية تحكي قصص االعشق، و نسيت
السينما
الإيرانية الأفغان مرة أخرى. لكن قصص العشق هذه كانت مكررة ،
فبدأ البحث عن موضوعات
جديدة جذابة ، واتجهت الأعين إلى أفغانستان مرة أخرى وبدأ ذلك في الصحف
بداية من
خلال الإهتمام بالشعر و القصة والموسيقى الأفغانية ، ثم بدأ عدد من
المخرجين بصناعة
أفلام وثائقية عن افغانستان و الأفغانين ومن ذلك الفيلم
الوثائقي( البطاقة الخضراء)
"کارت سبز" للمخرج محمدجعفري ويصور حياة مير حسين نوري الممثل الأفغاني
الذي ظهر
في فيلم طعم الكرز لعباس کيارستمي والذي أصبح مخرجا أيضا. واستمر ذلك فقدم
محسن
مخملباف وبعد عقود على فيلمه القديم فيلم "سفر قندهار". وفي هذا الفيلم
نرى
اللاجئين الأفغان يشدون رحال العودة إلى بلادهم ، ولكنهم يصابون بالندم ما
أن يصلون
اليها لتبدأ رحلة اللجوء مجددا إلى إيران، ووجدت السينما
الإيرانية من تأثيرات 11
سبتمبر على افغانستان وما جلبته من مصائب فرصة لعمل العديد من الأفلام
الوثائقية، و
بدأ المخرجون الإيرانيون يشدون الرحال إلى بلاد اللاجئين المعدمين في
بلادهم بحثا
عن قصة ، من بين قصص ملايين الأفغان و معاناتهم التي تفتح كل
يوم على فصل جديد دون
أن تنتهي الحكاية .وبين الأعوام 2001-2005 صنع مخرجون إيرانيون أفلاما
عديدة في
أفغانستان. وقرر مخملباف الذي بقي لسنوات في إيران دون أن يصور فيلما
الإنتقال مع
عائلته إلى افغانستان ، حيث قدمت العائلة بأكملها أفلاما من
هناك : (الخامسة عصرا) "
پنج عصر" من إخراج سميرا مخملباف ، (الكلاب الضالة ) "سگهاي ولگرد"
للمخرجة به
مرضيه مشکيني وهي زوجة مخملباف، خانم مخملباف، أماحنامخملباف فصنعت فيلما
حول ما
تقوم به أختها سميرا في أفغانستان.
الجزيرة الوثائقية في
24/08/2010 |