تُفتتح، السابعة مساء
اليوم، الدورة التاسعة لـ«مهرجان الفيلم اللبناني»، الذي تُنظّمه مؤسّسة
«.. نما في
بيروت»، بالتعاون مع «بنك عوده ـ مجموعة عوده سرادار». المكان المعتاد لا
يزال هو
نفسه: صالة سينما «متروبوليس» في «أمبير صوفيل». أربعة أيام
متتالية، بالإضافة إلى
مساء اليوم، مساحة مخصّصة بالمُشاهدة والسجال. التنويع أساسي في خيارات
المؤسّسة
المنظِّمة، منذ بداية المهرجان. الأشكال والمضامين مفتوحة على الأسئلة
البصرية
والدرامية والجمالية والفنية. لا جديد في هذا الكلام. المهرجان
مستمرٌّ في برمجة
عناوين لبنانية حديثة الإنتاج، إلى جانب أفلام عربية وأجنبية، أبرزها
اثنان: «لا
أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية» للإيراني بهمن غوبادي (حفلة الثامنة
مساء بعد غد
السبت، في الصالة الأولى) و«كما قال الشاعر» للفلسطيني نصري
حجّاج (السادسة والنصف
مساء الأحد المقبل، في الصالة الثانية).
أما الخيارات، فلا تختلف عن المعتاد:
أفلام قصيرة وطويلة. أفلام روائية ووثائقية وتجريبية و«فيديو كليب». أفلام
طالبية
ومحترفة. أفلام أنجزها لبنانيون مقيمون في الداخل أو مهاجرون. أفلام مُنتجة
في
العام الجاري، وأخرى مُنجزة في العامين 2008 و2009. هناك
احتفاء بفيلم لبناني حقّقه
كريستيان غازي في العام 1972 بعنوان «مئة وجه ليوم واحد» (الثامنة مساء بعد
غد
السبت، في الصالة الثانية). الحدث الآخر متمثّل بالفيلم المختار لحفلة
الختام،
الثامنة مساء الاثنين المقبل في الصالة الأولى، الذي يُعرض إثر
إعلان نتائج
المسابقة الرسمية: «مجال» (2009، 110 دقائق، بالفرنسية مع ترجمة إلى
الإنكليزية)
لباتريك شيحا.
صدى
القراءة النقدية مؤجّلة. هناك أفلام شاهدتها في مناسبات
مختلفة. هناك أفلام وجدت صدى نقدياً لها، هنا وهناك. الفيلم الإيراني شغل
الدنيا
وأسر محبّي السينما السجالية. قيل إنه انعكاس للغليان الشبابي
الإيراني، عشية
المظاهرات الصاخبة التي ضجّت بها طهران إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
لكن «لا
أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية» أعمق من أن يُحاصَر في هذا الإطار،
وأجمل من أن
يُقرأ هكذا، أو أن يمرّ مرور الكرام. عُرض مراراً. شاهده
كثيرون. بات أساسياً في
نقاشات بعض المهتمّين بالعلاقة الإنسانية بين السينما والمجتمع. فيلم
نضالي، لم
يُسقِط من حسابه أولوية السينما على النضال. كاميرا بسيطة. إمكانيات
متواضعة. تصوير
سرّي. أمور جعلت الفيلم مرآة حيّة ونابضة عن مجتمع وأناس
وحكايات. فرق شبابية
إيرانية مختصّة بأغاني الـ«راب»، ترسم ملامح بلد وتحوّل شباب. قاس وحنون في
آن
واحد. مليء بحماسة مخرج غاص في متاهة العيش الخفي على تخوم الألم، وفي قلب
الحلم
الشبابي المصطدم بالخيبة والحصار. هذه الحماسة موجودة في «كما
قال الشاعر» أيضاً.
نصري حجّاج مشحون بعاطفة قوية إزاء الشاعر الراحل محمود درويش. أراد الصورة
انعكاساً لحساسيته الذاتية أمام حدث الرحيل والعالم الشعري للراحل. صفة
«فيلم
نضالي»، المذكورة سابقاً، تنطبق على «مئة وجه ليوم واحد». مطلع
السبعينيات
اللبنانية والعربية عرف غلياناً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً لافتاً
للانتباه.
الشباب اللبنانيون والعرب حينها لا يختلفون، كثيراً، عن الشباب
الإيرانيين اليوم.
الغليان معقودٌ على رغبة في الإصلاح والتجديد وتبديل أنماط العيش. الاختلاف
واضحٌ
في أمثلة متفرّقة: البيئة والسلوك والثقافة وأشكال العيش اليومي. الاختلاف
واضحٌ،
أيضاً، في طريقة العمل السينمائي: الجانب الوثائقي حاضرٌ في الفيلمين، لكن
الرؤية
النضالية في فيلم كريستيان غازي أقوى وأكثر تسلّطاً. سلاسة
السرد الحكائي في فيلم
بهمن غوبادي أجمل في مقاربة هذا الغليان.
أربعة أفلام طالبية مُشاركة في الدورة
التاسعة لـ«مهرجان الفيلم اللبناني»، شاركت سابقاً في
«سينمائيات». هذه الأخيرة
تُعلن نتائج مسابقتها الرسمية الثامنة مساء الأحد في التاسع والعشرين من آب
الجاري،
في حفلة تُقام في إهدن. الأفلام الأربعة هي: «يا محلا النوَوي» لغبريال
زرازير
(حفلة
الثامنة مساء غد الجمعة، في الصالة الثانية)، «نوفمبر» لميريلاّ سلامة
(حفلة
السادسة والنصف مساء الأحد المقبل، في الصالة الأولى)، «عشر دقائق بيروتية»
لأشرف
مطاوع و«دبابيس» لجيسي مسلّم (يُعرضان في حفلة الثامنة مساء
الأحد المقبل، في
الصالة الأولى). هذه أفلام أنتجتها ثلاث جامعات: الأكاديمية اللبنانية
للفنون
الجميلة «ألبا» (فيلما زرازير ومسلّم)، جامعة الروح القدس في الكسليك (فيلم
سلامة)
وجامعة الكفاءات (فيلم مطاوع). الأساليب مختلفة. ليست كلّها أفضل الأفلام
المُشاركة
في «سينمائيات». أجملها بصرياً وجمالياً، بالنسبة إليّ، فيلم «نوفمبر»،
يليه
«دبابيس».
لا يعني هذا انتقاصاً من الجهد المبذول في إنجاز «يا محلا النووي» و«عشر
دقائق بيروتية».
حساسية سينمائية
«نوفمبر» أقربها إلى السينما، على مستوى
الاشتغال البصري في صناعة صورة سينمائية. ميريلاّ سلامة
متأثّرة بالسينما الروسية.
لكنها محتاجة إلى مزيد من الاشتغال الثقافي البصري. متأثّرة بنمط مختلف
وباختبارات
أساسية في صناعة السينما. الجمالية البصرية مؤثّرة. العودة إلى الذاكرة
وسرد
الحكاية بالصمت والموسيقى والمتتاليات البصرية مهمة، وإن ظلّت
في حدّها الأدنى. هذه
خطوة أولى. تماماً كخطوة جيسي مسلّم في «دبابيس». الصمت أتاح مجالاً واسعاً
للكاميرا كي تروي الحكاية. الخيّاطة المنعزلة عن العالم الخارجي، تجد في
ثقب في
جدار بيتها نافذة للتواصل مع الجار وتفاصيل عيشه اليومي. العلاقة بينهما
منعدمة.
هناك جدار. لكن هناك ما هو أكبر من جدار.
هناك ثقب. لكن الثقب معرّضٌ للاختفاء.
السرد متقن على مستوى الصورة. على مستوى العالم الداخلي للمرأة تحديداً.
يُقال إن
التلصّص أساس السينما. هنا ترجمة متواضعة لهذا القول التاريخي. هذان فيلمان
يشيان
بنَفَس سينمائي ما. لكن المخرجين مُطالبان بالاشتغال
الاحترافي. بتحسين شروط القول
البصري. وهذا يأتي من الداخل الذاتي. أي من مدى الرغبة الفعلية في استكمال
الخطوة
الأولى بخطوات أقوى وأثبت وأقدر على تفعيل الوعي.
فيلما «يا محلا النووي» و«عشر
دقائق بيروتية» متشابهان في مسألة أساسية: تصوير الواقع
الإنساني اللبناني. أي
تقديم صورة حسية عما يجري يومياً في المجتمع اللبناني. النماذج البشرية
المختارة
مستلّة من عمق الحكاية اللبنانية. نماذج متوترة ومرتبكة وحاقدة وعبثية
وكاذبة
ومحتالة. إنهما متشابهان أيضاً في السخرية. أكاد أقول السخرية
المريرة. أو
الكوميديا السوداء. الواقع اللبناني مثيرٌ لهذا النوع من المرارة. الضحك
النابع من
قلب البؤس والشقاء. السخرية الفاقعة. لكن النصّين محتاجان إلى تكثيف درامي
يُفترض
به أن يؤدّي إلى عملين أمتن درامياً وأجمل بصرياً. «عشر دقائق بيروتية»
انعكاس
للمفردات اليومية التي باتت جزءاً من الحياة اللبنانية. خبر
نهاية العالم بعد عشر
دقائق جعل النماذج البشرية هذه في حالة هلع أو تخبّط أو لامبالاة. وضعها
أمام
خيارات جذرية. عرّاها إلى حدّ كبير. «يا محلا النووي» مرآة للسلوك اللبناني
إزاء
الذات والآخر. زاروب ضيّق وسيارتان متواجهتان لأن لا أحد من
السائِقَين مستعدٌ
للرجوع، ما يؤدّي إلى نوع من عالم يخلقه السائقان وعائلتاهما وسط هذا
الزاروب.
سخرية الفيلمين جميلة، لأنها جزء من العالمين (أكاد أقول العالم
الواحد، لأن
الفيلمين نابعان من بؤرة اجتماعية وثقافية وإنسانية واحدة) اللذين شكّلا
أرضية
درامية لهما.
دورة تاسعة لمهرجان ملتزم إتاحة فرصة سنوية للأفلام اللبنانية
تحديداً للتواصل مع جمهور متحمّس لها. دورة تاسعة تسبق الدورة الاحتفالية
بمرور عقد
على تأسيس مهرجان ارتأى، منذ البداية، أن يكون هو أيضاً مرآة لواقع الحال
السينمائي
في لبنان.
كلاكيت
شرنقة قاتلة
نديم جرجورة
منذ أعوام عدّة، أُتيحت
للمهتمّين بالشأن السينمائي في لبنان فرص مختلفة للاطّلاع على
النتاج البصري
الطالبي. عدد الجامعات الخاصّة فاض على الحدّ المعقول، في بلد صغير كهذا.
المتخرّجون كثر. سوق العمل السينمائي ضيّقة للغاية. الغالبية الساحقة من
هؤلاء تعمل
في الإعلانات والإنتاجات التلفزيونية ومهن بصرية أخرى. مع هذا، تضخّ
الجامعات
والمؤسّسات التعليمية، سنوياً، أعداداً هائلة من طلاّب ظنّ
معظمهم أن السينما «برستيج»
اجتماعي، يسمح لهم بالتنقّل من مهرجان إلى آخر، في هذا البلد أو ذاك.
منذ أعوام عدّة، بات المعنيون بالشأن السينمائي المحلي قادرين على
مراقبة مسار
الإنتاج الطالبي. مناسبتان سنويتان أساسيتان، تتيحان مُشاهدة هذا الإنتاج:
«مهرجان
الفيلم الطالبي» (نادي لكل الناس) و«سينمائيات» (إهدنيات). هناك مناسبات
سينمائية
أخرى أيضاً، كـ«مهرجان الفيلم اللبناني» و«أيام بيروت
السينمائية» و«مهرجان بيروت
السينمائي الدولي» و«مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية». هذه مناسبات
أشمل
وأعمّ. اللقاءان السينمائيان الأساسيان (هناك مناسبات جامعية أيضاً)
نافذتان
جميلتان تُطلّان على واقع يزداد سوءاً، عاماً إثر آخر. الطلاّب
الموهوبون يتناقص
عددهم. الأمية متفشّية. الجهل بأبسط قواعد اللعبة السينمائية فادح. الثقافة
معدومة،
أو شبه معدومة. هناك، في المقابل، إشارات بديعة. طلاّب قليلون أثبتوا
امتلاكهم
حساسية إبداعية خفرة. أثبتوا وجود بذور جيّدة لثقافة بصرية
وسينمائية مهمّة. أثبتوا
تمكّنهم من المفردات الأساسية للإنجاز السينمائي. هؤلاء قليلون للغاية.
حضورهم يكاد
يختفي، أحياناً، أمام سياسات الإدارات العامة للجامعات. أو في ظلّ الانهيار
الفظيع
في المستوى الثقافي اللبناني العام. أو وسط الشقاء الإنساني
والتمزّق الاجتماعي
الخطرين.
اللقاءات السينمائية كلّها منابر للتواصل مع الجميع، تقريباً. اختيار
الأفلام في بعضها خاضعٌ لمزاجية الإدارات العامة للجامعات، غالباً. مع هذا،
لا بُدّ
من اختيار أفلام جادّة ومهمّة. أفلام تقول شيئاً إبداعياً
صرفاً. تنبع من المعنى
الإبداعي للفن السابع. تقدّم شهادة حقيقية عن براعة الوعي المعرفي والعلمي
والثقافي
بالسينما. أفلام لا تبلغ مرحلة النضوج، لكن أصحابها خطوا خطوات أولى في
طريق
النضوج، وإن احتاجوا إلى فرص أكبر ودعم أعمق، خارج الإطار
الضيّق للجامعات
والمؤسّسات الأكاديمية، المحتاجة غالبيتها إلى إعادة تأهيل فعلي. أصحاب هذه
الأفلام
مطالبون بمزيد من الاجتهاد، وإن داخل البؤس اللبناني القاتل. اللقاءات
السينمائية
محطات سنوية يُفترض بها ألاّ تبقى مجرّد احتفال عابر. ليست مسؤولة هي عن
تردّي
الحالة التعليمية. لكنها معنية بالبحث الجدّي عن الأفضل
والأهمّ، بدلاً من خضوع ما
لمزاجية إدارات وأساتذة، وبعض هؤلاء الأخيرين مصابون بألف مأزق.
ما يُنجزه
الطلاب الجامعيون يعكس واقع الحال اللبنانية. إنهم، بطريقة ما، انعكاس
لبيئاتهم
اللبنانية. الضياع. القهر. المتاهات. الارتباك. الألم. انكسار الأحلام.
الخيبة.
انخفاض مستوى الثقافة والاجتهاد. الأمية. هذه تفاصيل جوهرية. بعض هؤلاء نجح
في
الخروج من الشرنقة القاتلة. لكن حمايته مفقودة، أو شبه مفقودة.
مايكـل دوغـلاس: أنا
لا أسحر المخرجين
بعد ثلاثة وعشرين
عاماً، يطلّ مايكل دوغلاس، مجدّداً، في شخصية غوردن غيكو. ظهوره الأول حدث
في العام 1987.
الفضل يعود إلى المخرج الأميركي المشاغب أوليفر ستون. يومها، غاص ستون في
عالم المال والأعمال. في الفساد والفوضى. حمل الفيلم عنوان
«وول ستريت». بعد ثلاثة
وعشرين عاماً، حقّق ستون نفسه «وول ستريت: المال لا ينام أبداً». تعاون،
ثانية، مع
مايكل دوغلاس (مواليد نيوجيرسي، 25 أيلول 1944). أمضى الممثل أربعة وأربعين
عاماً
في مهنة التمثيل. نال جائزتي «أوسكار»: أفضل فيلم كمنتج
لـ«طيران فوق عشّ الوقواق»
(1975)
لميلوش فورمان، وأفضل ممثل عن دوره في «وول ستريت»، بالإضافة إلى
جوائز أخرى
متفرّقة.
شعر مايكل دوغلاس براحة كبيرة أثناء اشتغاله، ثانية، على غوردن غيكو.
قال إن هذا يشبه المرّة السابقة: «لكن
الشخصية، هنا، مختلفة جداً. في الفيلم الأول،
كان (غيكو) وحشاً مستقلاًّ بحدّ ذاته في كل ما يفعله ويقوله.
لديه أفضل الأجوبة.
هنا، الشخصية فاسدة قليلاً. خرج غيكو من السجن، بعد ستة أعوام أمضاها فيه.
لم يعد
يملك مالاً. توفي ابنه. لم تعد ابنته تريد التحدّث إليه. لم يعد يستطيع
ممارسة
مهنته. لم يعد متربعاً على القمّة. لم يعد ممسكاً بزمام
الأمور». في حوار فيرونيك
تروييه هذا، المنشور في المجلة السينمائية الفرنسية «استديو/ سيني لايف»
(حزيران 2010)،
قال دوغلاس، ردّاً على سؤال متعلّق برغبته في تأدية دور الشرير، علماً أن
أفلاماً قليلة مثّل فيها هذا الدور، كدان غالاغار في «جاذبية مميتة» (1987)
لأدريان
لين، ونيكولاس فان أورتون في «اللعبة» (1997) لديفيد فينشر مثلاً: «أحبّ
الأشرار
كثيراً. في الأحوال كلّها، أحبّ الشخصيات التي تمتلك مناطق ظلّ في حياتها.
تمنحني
أدوارٌ كهذه حرية ما. أتجرّأ على فعل كل ما لا يتجرّأ أحدٌ على فعله». لكن،
هل هذه
طريقته في كشف الجانب المعتم فيه؟: «ربما. لا أعرف أبطالاً
كثيرين. أفكّر أنه، في
مواجهة حالة ما، هناك أناس قادرون على قيادة أنفسهم بطريقة إيجابية. في
الأفلام
التي مثّل فيها والدي (كيرك دوغلاس) وجون واين، هناك قبعات بيضاء وأخرى
سوداء. هكذا
يتمّ تمييز الطيّبين عن الأشرار. كبرتُ في ظلّ حرب فيتنام. كنت لا أزال في
الكلية
عندما اكتشفتُ حقيقة ما يحصل هناك. ألمّت حيرة بي إزاء من هو
الطيّب ومن هو
الشرير».
بالعودة إلى اختباراته السينمائية، قال مايكل دوغلاس إن العام 1986
كان اللحظة الأساسية التي جعلته يُدرك امتلاكه «هوية الممثل»، بعيداً عن ظل
والده،
إثر حصوله على «أوسكار» أفضل ممثل عن دوره في «وول ستريت»، ومع نجاح
«جاذبية
مميتة». وبعد تردّد، اعتبر أن «أوسكار» التمثيل، بالنسبة إليه،
أفضل من «أوسكار»
الإنتاج: «أقولها بأنانية. أكنّ إعجاباً كبيراً لوالدي، لكنه لم يحصل على
واحد
مثله. مع أنه يستحقّه، خصوصاً عن دوره في «رغبة الحياة» (1956) لفنسنت
مينيلّي.
حينها، فاز يول براينر بها عن دوره في «الملك وأنا» (1956) لوالتر لانغ».
في
المقابل، ذكر دوغلاس، في سياق تعليقه على الأدوار السينمائية، أنه أحبّ
دائماً
الأفلام الكوميدية، «خصوصاً أني لم أُقبل (إلى السينما) من هذا
النوع». محبّ هو
للكوميديا، «للسبب نفسه الذي يجعلنا نحبّ صديقاً يجعلنا نضحك. هناك عدد
كبير من
الأشخاص الجدّيين». يُذكر، في هذا المجال، أن الأعوام القليلة الفائتة شهدت
مشاركته
في عدد من الأفلام الكوميدية «الخفيفة»، كـ«النسيب» (2002) لأندرو فليمينغ
و«أنت
وأنا ودوبري» (2006) لأنتوني وجو روسّو و«ملك كاليفورنيا» (2007) لمايك
كاييل
و«أشباح صديقاتي السابقات» (2009) لمارك واترز: «صحيح أني
شاركت في أعمال غبية، لكن
هذه الأعمال جعلتني أتسلّى. أحب أن أضحك، وأن أجعل الآخرين يضحكون. لكني أب
لشابين
صغيرين، ما يجعلني أمثّل في أفلام عائلية أكثر». وانتقل الحوار إلى إجابة
عن سؤال:
«هل
أنت الآن الممثل الذي أردت أن تكونه؟»، فقال: «آه، كلا، لا أعتقد. ليس
الأمر
بسيطاً. أرغب في أن أكون مثل أولئك الممثلين الذين يملكون حضوراً طبيعياً
على
الشاشة. عليّ أن أشتغل كثيراً كي أحصل على هذا».
إلى ذلك، تناول الحوار مسألة
عدم وقوف مايكل دوغلاس خلف الكاميرا لإنجاز فيلم سينمائي بصفته
مخرجاً، مع أنه أنجز
حلقتين تلفزيونيتين من «شوارع سان فرانسيسكو». فكّر في المسألة مراراً:
«غير أني
كسولٌ جداً. كمنتج، أعمل بدقّة مع المخرجين، أترك لهم حرية العمل على
المونتاج
الأخير. لم أشعر أبداً أني مأسورٌ بأي شيء. لكنّي أفكّر
بالإخراج»، وأضاف ضاحكاً:
«بما
أن لديّ ولدين اثنين، عليّ أن أطلب مساعدتهما». وحول عدم اشتغاله، غالباً،
مع
المخرجين أنفسهم، بصفتيه التمثيلية والإنتاجية، قال دوغلاس ضاحكاً، هنا
أيضاً: «أنا
لا أستثمر علاقاتي. لا أُسحِر المخرجين. لا أرسل هدايا لهم
بمناسبة عيد الميلاد،
قائلاً لهم: «لنعمل معاً مجدّداً». أعرف أن هذا الأمر ساذجٌ من جهتي. لهذا
السبب،
فإن العمل مع الممثلين أسهل، لأن ذلك لا يتطلّب التفكير بهذه الترّهات وذاك
الإغراء».
كتـاب
واحة الراهب: «رؤى
حـالمـة»
ليس الأمر جديداً. فعلى
الرغم من الاهتمام القليل بإصدار السيناريوهات السينمائية
العربية في كتب مستقلّة،
إلاّ أن التجربة قديمة بعض الشيء زمنياً، وإن من دون تتابع متكامل. «رؤى
حالمة»،
سيناريو فيلم المخرجة السورية واحة الراهب، انضمّ إلى مجموعة من كتب
السيناريوهات،
المؤلّفة بالعربية أو المترجمة إليها. هكذا، بات المهتمّ بالنتاج السينمائي
العربي
قادراً على قراءة النصّ السينمائي الكامل.
لم تكتف واحة الراهب بإخراج الفيلم،
لأنها كتبت قصّته ووضعت السيناريو والحوار أيضاً. «رؤى حالمة»
رحلة داخل الذات
البشرية وخارجها، في الجغرافيا والروح والعلاقات أيضاً. أناس وحالات
وتفاصيل مستلّة
من صلب الواقع الإنساني اليومي، وشخصيات مرتبكة وقلقة وسط انهيارات وأحلام
وهواجس.
وبقدر أهمية إصدار السيناريو هذا في كتاب، إلاّ أن هناك ملاحظة أساسية،
متمثّلة
بغياب المقدّمة التي يُمكن أن تضيء جوانب عدّة في الكتابة والتنفيذ معاً،
ما يُغني
الكتاب بتقديم صورة عن الهاجسين الثقافي والفني للمخرجة أثناء اشتغالها
عليه.
السفير اللبنانية في
19/08/2010
«سالت»
فيلم
استخباراتي لفيليب نويس
حبكة أكشن متماسكة..
لم تصل حد الإبهار
بقلم محمد نجد الحسين
لا يُمكن التغاضي عن
صدفة التزامن الحاصل بين انطلاق العروض التجارية في صالات شتّى لـ«سالت»،
الفيلم
الأخير لفيليب نويس (مواليد غريفيث في أوستراليا، 29 نيسان 1950)، وإعلان
السلطات
الأميركية، مؤخّراً، عن إلقاء القبض على جواسيس روس، مزروعين منذ أعوام
طويلة في
قلب المجتمع الأميركي وبعض مؤسّساته الأساسية. إنها صدفة بحتة.
إنجاز الفيلم تمّ
قبل الإعلان الرسمي بوقت طويل، نسبياً. لكن خلفية المشهد العام تثير سؤال
الصدفة.
أو تحيل المرء على مسألة استمرار الوجود
الأمني والاستخباراتي السوفياتي/ الروسي
داخل الولايات المتحدّة الأميركية، وإن في إطار ما يُعرف بـ«الخلايا
النائمة». فكرة
«سالت»
بسيطة وعادية: هناك عملاء سوفياتيون/ روس متغلغلون في أجهزة الدولة، ومنها «وكالة الاستخبارات المركزية». مزروعون منذ
النصف الثاني للأربعينيات، وما تبعها من
حرب باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وما بعد هاتين
المحطّتين التاريخيتين.
والخلايا النائمة هذه مستعدّة لتنفيذ خطط معينة، عند الحاجة، أو عندما تحين
الساعة
المنتظرة.
خطّة فردية
غير أن عملاء «سالت» نتاج مشروع قام به فرد واحد.
عندما آلت أمور المعسكرين إلى ما يُشبه
الهدوء النسبي، أو قبل ذلك بقليل، قرّر
الرجل الغامض خطف أطفال صغار، لتربيتهم على أسس عقائدية
سوفياتية خالصة: تدريبات
حادّة لتحويلهم إلى نخبة النخب الاستخباراتية، وتثقيف عقائدي شرس. وتدريبات
جسدية
حادّة. النتيجة: أعداد هائلة من العملاء الكفوئين، الذين باتوا مسؤولين
بارزين في
أجهزة ومؤسّسات أميركية مختلفة، من دون أن يعرفوا بعضهم البعض.
تواريخ سيرهم
الذاتية متشابهة إلى حدّ بعيد، على مستوى «اليُتم» تحديداً. فهؤلاء يتامى،
إثر وفاة
أهاليهم لأسباب شتّى، منها حوادث السير القاتلة. إيفلين سالت (آنجلينا
جولي) عميلة
استخباراتية، خضعت لمثل هذه التدريبات، قبل أن تتبوأ منصباً
رفيع المستوى في «وكالة
الاستخبارات المركزية». اتقانها اللغة الروسية، جعلها مسؤولة في قطاع
مراقبة
التجسّس الروسي والعالم الشيوعي/ الاشتراكي السابق. متزوّجة من عالِم
متخصّص
بالحشرات، التقته «صدفة» قبل إلقاء القبض عليها في كوريا
الشمالية، وترحيلها إلى
الولايات المتحدّة الأميركية لاحقاً. تُكنّ له مشاعر جميلة. لا تُخفي حبّها
له.
أثناء الاستعادات القليلة في السياق
الدرامي للحبكة الأصلية، هناك لحظة اعتراف من
قبلها بحقيقة مهنتها أمام حبيبها/ زوجها. مع هذا، تسير أمورهما
بشكل طبيعي. مع
زميلها في الوكالة تد وينتر (ليف شرايبر)، شكّلت ثنائياً بارعاً في مهنة
معقّدة
وخطرة. غير أن لحظة واحدة فقط بدّلت الأمور كلّها: إلقاء القبض على الروسي
أورلوف (دانيال أولبريشسكي)، والطلب من سالت
(الكلمة الإنكليزية Salt
تعني ملح، ولهذا
التعبير دلالة دينية، إذ جاء في الأناجيل المسيحية أن المؤمنين هم «ملح
الأرض»،
علماً بأن النصوص نفسها تحذّر: إذا فسد الملح فبماذا يُملَّح. نهاية الفيلم
تكشف أن
بعض «الأنقياء» المختارين هم ملح الأرض، كي لا تفسد الأرض والحياة معاً)
التحقيق
معه، على مسامع زميلها تد والمسؤول الأعلى ويليام بيبودي (شوينتال
إيجيوسفور) وبعض
الأمنيين المعنيين بالمسألة.
اللحظة صفر
ما فعله أورلوف بسيط: تعمّد بلوغ
مكتب الوكالة الأميركية، بهدف دفع المسؤولين إلى جعل سالت
تحقّق معه. فسالت مدعوة
إلى تنفيذ مهمّة: اغتيال الرئيس الروسي، القادم إلى الولايات المتحدّة
الأميركية
للمُشاركة في مأتم نائب الرئيس الأميركي. القصّة القصيرة (المذكورة أعلاه)
التي
رواها العميل الروسي، تضمّنت كشف الهوية الحقيقية لسالت: إنها
عميلة روسية. وسط
دهشة إيفلين ساأت نفسها، ومحاولتها الخفرة تكذيب أورلوف، وأمام عدم تصديق
تد وينتر
الحكاية كلّها، ألحّ ويليام بيبودي على استجوابها، نظراً إلى خطورة
المسألة. لكن
سالت ترفض الإذعان للأمر، وتبدأ رحلة الخروج من المقرّ العام
للوكالة، بعد أن نجح
أورلوف في الهرب بدوره. من هنا، تبدأ سلسلة مطاردات خطرة على الطرقات
الواسعة (هل
تتذكّرون الجزء الثالث من «ماتريكس» للأخوين آندي ولاري واتشوفسكي مثلاً)،
حيث تكشف
آنجلينا جولي (أو بديلتها) عن حرفية لافتة للانتباه في المشاهد
الخاصّة بالحركة
والتشويق. والمطاردة تحيل الفيلم إلى نسخة طبق الأصل عن نمط سينمائي لا
يزال يحصد
أرباحاً مالية معينة، وبعض «الرضى» النقدي» أحياناً.
بعيداً عن مسألة التزامن
بين إطلاق العروض التجارية لـ«سالت» والإعلان الرسمي عن اعتقال
جواسيس روس في
الولايات المتحدّة الأميركية، يُمكن القول إن الفيلم الأخير لفيليب نويس
منتم بشدّة
إلى أفلام التشويق الاستخباراتي، المرتكزة على مزيج النقد السياسي المبطّن
بانتصار
الخير، وإن جاء الخير وانتصاره، هذه المرّة، من عميلة روسية مرتدّة.
وبعيداً عن
الشغل الاحترافي في مشاهد المطاردة والقتال والتصفيات الجسدية،
يُمكن القول إن
«سالت»
لم يُقدّم جديداً يُذكر، على المستويين الدرامي والجمالي. أما العودة إلى
الاتحاد السوفياتي السابق، للقول إن العداء بينه وبين الكتلة الغربية عامة
والولايات المتحدة الأميركية خاصّة لا يزال فاعلاً، فغير
مبرَّرة كفاية، درامياً
وثقافياً على الأقلّ. أفلام هوليوودية كثيرة أُنجزت مؤخّراً لم تختف وراء
الغموض في
تحديد ملامح العدو. من أفغانستان والعراق إلى الإسلام والمسلمين، غاصت
أفلامٌ عدّة
في تشعّبات العلاقة الصدامية بين الغرب/ الولايات المتحدّة
الأميركية والإسلام،
العدو الجديد، بعد الشيوعيين والآسيويين وغيرهم. «سالت»، بهذا المعنى، خرج
على
المتداول من دون أن يبلغ مرتبة الإبهار الدرامي/ الحكائي، ومن دون أن
يتفوّق على
أشباهه. في الشقّ التقني والتشويقي، بدا الفيلم متماسكاً. في
الشقّ الدرامي،
المبالغة في لقطات الأكشن ظلّت أسيرة المعـــروف، ولم تُخـــرج الــنصّ
الحكائي من
سذاجته (أحياناً) في مقاربة المسألة.
مالك مدونة قمراي وكاتب سينمائي
السفير اللبنانية في
19/08/2010 |