تمتلكُ كلمة
"Morlock"
مصدرين مُحدديّن:
يعود الأول إلى الرواية الرائعة "آلة
اكتشاف الزمن" لمُؤلفها
"Herbert George Wells"، والفيلم المُمتاز بنفس العنوان لـ
"George Pal"
الذي اُقتبس بأمانةٍ في السينما عام 1960(1).
"المورلوكيّون"
مخلوقات نصف بشرـ نصف وحوش، أنواعُ من إنسان ما
قبل التاريخ يعيشون آلاف السنين في
المُستقبل(2)، ويُشكلّون إحدى فصيلتيّن من
المخلوقات البشرية تتواجدان على كوكب
الأرض، الأخرى هي الإلوا "Éloïs"
الذين يعيشون على السطح، مُراهقون، سذجٌ، وخاملون،
لا يعملون، ولكنهم يتمتعون بالجمال، والشباب، وهناك المورلوك "Morlocks"
الذين
يعملون، ولا نراهم، لأنهم يعيشون تحت الأرض، يشبهون الإنسان البدائيّ،
وجوههم بشعة،
فظين، يغطي أجسادهم شعرٌ طويلٌ، ولا يتحمّلون الضوء، ولهذا السبب، يسكنون
في كهوفٍ
كبيرة جداً، وزيادةً على ذلك، لتضخيم حالتهم، هم من آكلي لحوم البشر،
ويتغذون حصراً
على الإلوا
"Éloïs".
ومع هذه المعلومة، يجب الاعتراف، بأنهم شخصياتٌ غير عادية،
لأنهم بشر ما قبل التاريخ.. في الأزمنة المُستقبلية.
وبدورنا، نحن المورلوكيون،
نشبههم إلى حدٍ ما، ويمكن تعريف أنفسنا، بأننا سينمائيّون من أزمنة ما قبل
تاريخ (السينما)
الطليعية، سادتنا هم
"Albert Kahn"، و"Auguste "، وLouis
Lumière ".
هناك مصدرٌ آخرٌ للكلمة مُستوحى من اسم
"Morloch"
مع حرف "h"
ظهر في فيلم "Snobs" (مُتعجرفون) (3) أحد الأفلام الأولى لـ "Jean-Pierre Mocky "
مع
"Francis Blanche"
في دور "Morloch"،
وهي شخصيةٌ خادعةٌ، ومُضللة، ويُعتبر هذا المُمثل بشكلٍ
ما الأبّ الروحيّ للمورلوكييّن.
في أعقاب أحداث مايو عام 1968،
"Joseph Morder"،
واثنان سعداء، وحمقى من السينمائييّن
المُبتدئين،
"Guy Pezzetta"، و"Jean-Claude Réminiac"
كانا طالبان معه في "الكونسرفوتوار المُستقل للسينما الفرنسية"
شكلوا
فيما بينهم "مجموعة مورلوك".
في نفس الفترة، عام 1970،
" Joseph Morder"،
و"Daniel Belcberg"
أسّسا "أرشيف المورلوكيين" بهدف تصوير التظاهرات التعاونية،
النقابية، السياسية، وكلّ أنواع التجمعات البشرية(4).
وبدءاً من عام 1973 أعلن
"Joseph Morder"
عن "جائزة مورلوك"(5)، وهي الجائزة المرغوبة أكثر من غيرها، وفي
نفس الوقت الأكثر حذراً منها.
هي المرغوبة أكثر، لأنها تُتوّج سينمائياً (أو
ممثلاً، مختبر أفلام، صحفياً، لجنة تحكيم، وحتى قاذف قطع الحلوى في وجوه
المشاهير،
والشخصيات العامة،..إلخ) مُنشقاً، يمتلكُ أسلوباً حرّاً، ويقتربُ من روح
"مورلوك"،
وهذا يسمحُ لمُتلقيها بأن يحصل عليها بثمنٍ زهيد، حتى إن كان ضدّ فكرة
الجوائز،
فكرة الحصول على "جائزة مورلوك" أمرٌ مضحكٌ، وغريب.
بمعنى آخر، لن يعترض
المُتوّج بالجائزة، ولن يطرح على نفسه
مسألة استخدامها، أو الانتفاع بها.
في
المُقابل، هي الأكثر حذراً منها، لأنها
تُمنحُ في بعض المرات، وهو أمرٌ نادر،
لأشخاصٍ (أو مؤسّساتٍ) يأخذون أنفسهم على
محمل الجدّ، وهم في الحقيقة بعيدون سنواتٍ
ضوئية عن فلسفة مورلوك.
ومع أنّ "المورلوكيين" يُفضلون الظلّ على إضاءة النهار،
فقد اشتركتُ مع "جوزيف موردر"، روح "المورلوكيين"، و"Vincent Tolédano"،
بتأسيس
أكاديمية من الطيبين المهووسين بالسينما، كي يتجسّد من خلالها هزلنا،
ونظرتنا
المورلوكية عن هذا العالم، وتسمح لنا بالتفلسف فيما بيننا :
إنها "أكاديمية
مورلوك" المُكوّنة من 13 عضواً ـ ومنهم
ثلاثة رؤساءـ وسكرتيرة، وكلهم أعضاء لمدى
الحياة(6).
بتاريخ 15 ديسمبر من عام 1980، وفي صالون نادي Pernod
الكائن في شارع
الشانزإليزيه، تمّ تقديم الأكاديمية للصحافة، كانت لحظةً
نادرة، وحازت السهرة على
نجاحٍ كبير، حيث حضرها حوالي 200 شخصاً من
السينمائييّن، والصحفييّن، ورُفقاء درب
المورلوكيين، ومن بينهم ـ كما ذكرَ " Raphaël Bassan"
المُختصّ بالسينما الهوليودية
الاحترافية العُظمى(7) ـ بعض الأعضاء البارزين في الوسط السينمائيّ مثل "Robert Chazal"
الناقد السينمائيّ المُؤثر جداً في صحيفة France soir، و" Jack Gajos"
الذي
أصبح فيما بعد مدير "المعهد الأوروبيّ لمهن
الصورة، والصوت"
(FÉMIS)،
أو "Jean-Claude Guiguet"
واحدٌ من السينمائيين الفرنسيين الأكثر أصالة.
قبل الحديث
عن نجاح الحفل ـ الذي تخطى كلّ توقعاتنا ـ
يجب التذكير، بأننا اتصلنا بالسيد
"Yves Lehmann"
مدير النادي، واقترحنا عليه تنظيم سهرة لمنح "جائزة مورلوك"، والإعلان عن
تأسيس أكاديمية بنفس الاسم، فوافق على طلبنا بدون أن تنتابهُ لحظة شكٍ
واحدة من
النكتة التي كنا نُحضرّها له.
بدأت السهرة بهدوءٍ اعتياديّ، كان الضيوف يحتسون
المشروبات كثيراً، وعندما بدأت حالة الثمالة تظهر عليهم، ألقينا "جوزيف
موردر"،
وأنا، كلّ بدوره، خطاباً مورلوكياً، مُتفلسفاً إلى حدٍّ بعيد، وفي تلك
اللحظة
بالذات، بعد ساعتيّن من بداية الحفل، بدأ السيد
"Yves Lehmann"
يدركُ بأنّ "أكاديمية مورلوك" ليست كما تخيّل، كان يتصوّر بأنه سوف يستقبلُ أعضاء
محترمين جداً
في أكاديمية برفقة أشخاصٍ مُسنين يرتدون
معاطف خضراء، وكان الوضع على عكس ذلك
تماماً، كنا نرتدي بناطيل الجينز، وتتدلى
شعورنا الطويلة على أكتافنا، ونحمل
كاميراتنا في أيدينا، ألقى "جوزيف" خطابه
أولاً، ثمّ جاء دوري، حيث شتمتُ كلّ عضوٍ
في الأكاديمية، ومازلتُ أتذكرُ وجه السيد
"Yves Lehmann"، الذي كان يقف على يميني،
ينهارُ كلما تقدمتُ في القراءة، ويتلوّن بكلّ ألوان قوس قزح،
لم يفهم أيّ شيئ مما
يدور حوله، وفرضت تلك المُفاجأة برودةً
طفيفةً في السهرة، سرعان ما تبخرت مع احتساء
الضيوف للمشروبات الكحولية المُقدمة من النادي، وساهم تسليط الأضواء على
وصول " Jean-Pierre Mocky"
في نهاية اللقاء بتهدئة ثقل الأجواء، ومنح دفعةً
لاجتماعنا.
بالتأكيد، سجلتً سينمائياً تلك اللحظة التاريخية وُفق تقنية خاصة سوف
أشرحها
في هذه المُناسبة:
صورتُ صورةً، صورة بالضغط على زرّ تشغيل الكاميرا يدوياً،
وكأنني أستخدم آلة تصوير فوتوغرافية تمتلكُ إمكانياتٍ ذاتية بتخزين آلاف
الصور
الثابتة(8).
لمُشاهدة فيلم كهذا، من الضروري استخدام جهازاً يعرضُ 3 صور في
الثانية، كلّ كادر من فيلم
" Cocktail Morlock "(كوكتيل
مورلوك) يستغرقُ 8 مراتٍ
وقتاً أطول من عرضٍ "عاديّ" بسرعة 24 صورة في الثانية،
وبالتالي، فقدت كلّ صورة
تكوينها ـ توقفت، وكأنها مُثبّتة في حركتها
ـ، وبما أنني تعمّدتُ تحرير الكاميرا
تماماً (وحتى الامتناع عن النظر في فتحة الرؤية) نلاحظُ تنوّع صوراً
مُزعزعة لا
تسعى أبداُ بأن تكون ثابتة.
وخلقت هذه الطريقة حركةً هائمة، وصورةً تقتربُ
ظاهرياً من الرسم، وتنحو في اتجاه التجريد، وبالآن ذاته، تتموقعُ بالقرب من
التصوير
الفوتوغرافي.
في بداية التسعينيّات، حولتُ هذا الفيلم إلى فيديو مُحتفظاً بدقةٍ
مُتناهية بتلك الحركة المُتحللة، وأضفتُ إليها شريط صوتٍ يتكوّن من محادثةٍ
هلوسية
مع "جوزيف موردر"، كنا نُعلق على صور الفيلم بطريقة مورلوك ـ كما كان الوضع
في
الحفلة ـ ومع دهشتي الكبيرة، أحدث الفيلم فضيحةً بمُناسبة
عروضه في بعض المدن
الفرنسية(9)، بينما لم تُثر النسخة الصامتة
أدنى ردّ فعل.
لقد مرّت عليّ حوالي
15
سنة لم أتعرض خلالها لمثل تلك الحادثة النادرة، وبعد التفكير،
توصلتُ إلى
نتيجةٍ، بأنّ التعليق من خارج الكادر في السينما بإمكانه هزّ
العقول المُتأخرة،
بينما الصورة المُنهكة حتى العظم عن طريق
استخدام، وتراكم المُؤثرات الخاصة في كلٍّ
من السينما، والتلفزيون، لم تعدّ تُسبب اليوم زعزعةً، أو إزعاجاً.
الخطاب التأسيسيّ لأكاديميّة Morlock
لستُ مُتأثراً على الإطلاق بهذا التتويج التعظيميّ لأكاديمية "Morlock"،
أريدُ أن أبصقَ بهدوءٍ على هذا الحقير "Joseph Morder"
لأنه اتصل بي، ودعاني
للانضمام إلى نادي البلداء.
أطرطشُ بعض البصاق على رئيسنا الشرفيّ "Roland Lethem"
آكل ديدان الأرض الحاصل على براءة اختراع عنها، وفي هذه المُناسبة،
أقدمُ
له دليلاً دعائياً فاقد الصلاحية لبيع الملابس عن طريق
المُراسلة، يعود تاريخه إلى
عام 1978.
أُلقي قيئاً فاتحاً على
"Guy Pezzetta"، ومُلوناً على "Jean-Claude Réminiac"
حيث يُبرهن موقعهما التأسيسيّ، وأقدميّتهما على
جنونهما.
أرسلُ شتائم
سوقية باللغة الصينية إلى "Alain Marchand"،
وبالبروتونية إلى " François Raoul-Duval "
تسمحُ له باستلام عدد من مجلة l’Express
بالفرنسية، وبالأوكسيتانية
(الرومانية القديمة) إلى "Dominique Noguez".
أتقيأ ما تبقى في معدتي من بقايا
أكلة ملفوفٍ مطهيّ باللحوم المُقددة على
"Daniel Belcberg".
أقذفُ شرائح بطاطس
مقلية على
"Noël Godin".
أهدي بُرازاً من الكاميرون إلى " Luc Moullet".
أُصوّب ركلةً في رضفتيّ
"Jean Douchet".
وأخيراً، أفرغُ صندوقاً من زجاجات
زيت الخروع في فم
"Vincent Tolédano"
هذا المُدمن الذي يجذبه أيّ
سائل.
15/12/1980
باريس ـ صالون نادي مشروب" PERNOD RICARD"
ملاحظات المؤلف:
(1)
ـ آلة اكتشاف الزمن (The Time Machine)
إنتاج عام 1960،
الولايات المُتحدة، إخراج (George Pal)،
103
دقيقة، ألوان.
(2)
ـ يصلُ بطل
الفيلم المُسافر في المُستقبل إلى عام
802701.
(3)
ـ مُتعجرفون
(Snobs)،
إنتاج
عام 1961، فرنسا، إخراج
(Jean-Pierre Mocky)،
90
دقيقة، أبيض، وأسود.
(4)
ـ تمّ
تصور مئات الأشرطة، من جنازات الفيلسوف (Jean-Paul Sartre)،
والماويّ (Jean-Pierre Overney)، إلى المسيرات السنوية لاحتفالات الأول من مايو،
كما مراحل بناء صروحاً
ثقافية (مثل مركز جورج بومبيدو)، وحملات انتخابية، إلخ...
عندما يكون "جوزيف
موردر" غائباً عن باريس، يطلب من أحد
أصدقائه السينمائيين التصوير بدلاً عنه وُفق
شروطٍ محددة، وقد امتلكتُ سابقاً فرصة تصوير ستة أجزاء من "أرشيف مورلوك" :
2
في
عام 1982، 2 في عام 1988، 1 في عام 2002،
و1 في عام 2004.
(5)
ـ قائمة بالجوائز
التي منحتها "أكاديمية مورلوك" خلال الفترة
من عام 1973 وحتى 1996.
(6)
ـ أنظر
القائمة أدناه.
(7)
ـ في مجلة
(Antennes)،
العدد رقم 6، مارس 1981، كتب "Raphaël Bassan"
مُلخصاً:
ـ "من المعروف جيداً، بأنّ أيّ تظاهرة ثقافية، كي تتواجد، يجب
أن تكون في المقام الأول جماهيرية، وتتموقع في تيارٍ واضح".
(8)
ـ يتكوّن الفيلم
من علبة شريط 8 مللي سوبر بما يُعادل 3600
فوتوغرام (صورة، أو كادر).
(9)
ـ
بشكلٍٍ خاصّ في مدينة "Tours"
عام 1995، و"Nantes"عام 1999، كما كان الحال عندما
عُرض فيلم "عاجل، أو ما هو الدافع لتنفيذ مشاريع مع أنّ المشروع هو بحدّ
ذاته متعة
كافية ؟"
(Urgent ou à quoi bon exécuter des projets puisque le projet est en
lui-même une jouissance suffisante)
في "Avignon"
عام 1977، مع أنّه تمّ اختيار
الجمهور في "Nantes"، و"Tours"
من الأوساط الثقافية، والجامعية.
الخلاصة، فيلمٌ
تحريضيّ، يجب أن يُحرّض الجمهور بشكلٍ عام.
في روايته "الفوضويون" (Les Martagons)
يذهبُ "Dominique Noguez"
إلى أبعد من ذلك :
ـ الجمهور الجامعيّ
واحدٌ من الأكثر حذراً، ومحافظة.
وفي الصفحة 15 من كتابه نقرأ:
ـ "حصل على
ألف شيئ، وشيئ تسمحُ له بأمل الظهور يوماً
في الطليعة من وجهة نظر الجامعييّن،
بمعنى متأخراً دائماً حرباً".
هي روايةٌ بالتأكيد، ولكن، كما كان الصديق "نوغيز"
يختبئُ خلف الفرسان الأربعة المُحرّضين، وهم جوليّان (طالبٌ سابقٌ للفنون
التشكيلية
في جامعة باريس الأولى، ومُلحقها "سان شارل" حيث درّس فيها الجماليات
لفترةٍ
طويلة)، وزملاءه الفوضويون، لسنا بعيدين جداً من الفكر العميق
لمُؤلف نهضة السينما
ـ سينما الأندرغراوند الأمريكية.
***
أعضاء أكاديمية مورلوك
الرئيس الشرفيّ
Roland Lethem
الرؤساء
:
Gérard Courant
Joseph Morder
Vincent Tolédano
الأعضاء المُؤسّسون
:
Joseph Morder
Guy Pezzetta
Jean-Claude Réminiac
الأعضاء:
Daniel Belcberg
Jean Douchet
Noël Godin
† Alain Marchand
† Mary Meerson
Jean-Pierre Mocky
Luc Moullet
Dominique Noguez
François Raoul-Duval
أمينة السرّ
:
Françoise Michaud
هامش:
ـ تمّت ترجمة النصّ التعريفيّ، والخطاب التأسيسيّ لأكاديمية مورلوك
بمُوافقة السينمائيّ الفرنسيّ "جيرار كوران".
ـ من المُفيد الإطلاع على الجزء
الأول من "فلسفة
"Morlock"
في السينما الفرنسية المُوازية" المنشور
في موقع
الجزيرة الوثائقية بتاريخ 10/08/2010
http://doc.aljazeera.net/followup/2010/08/201081055955274561.html
الجزيرة الوثائقية في
17/08/2010
مسلسل "السيد المسيح" وسؤال: لمن الوصاية على الرسل؟
نقولا طعمة – بيروت
جدد مسلسل "السيد المسيح" طرح إشكالية الخلاف المسيحي-الإسلامي على
نقاط دينية
جوهرية، من جهة، وعلى حق طرف النظر إلى أمور دينية من زاويته الخاصة، وإن
اختلف
عليها مع طرف آخر، من جهة ثانية.
المسلسل من انتاج إيراني، اختارته قناتا "المنار" الناطقة باسم حزب
الله، و"ان
بي أن" الناطقة باسم حركة "أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري،
ومحطات
أخرى.
من البديهي أن يتناول المسلسل كل ما يتعلق بالمسيح من وجهة نظر
إسلامية، أي
باعتباره المسيح رسول الله، وليس إلها، ولا ابن الله، بالإضافة إلى أن
الإسلام يرفض
المقولة المسيحية الرسمية حول شهادته صلبا، ويعتبر أن المسيح لم يصلب،
وإنما شبه
لهم، بالإضافة إلى اعتبارات دينية أخرى لا تتوافق مع المعتقد الكنسي.
ومما لا شك فيه، أن المسلسل تناول السيد المسيح بكل تكريم وحب واحترام
ووضعه في
مصاف الرسل والأنبياء، ولم يسيءإليه، ولا إلى أي صورة من صوره. إلا أنه
خالف
المعتقد المسيحي بخصوص المسيح.
أثار الطرح بعض الأطراف المسيحية التي اعتبرت فيه تشويها لصورة
المسيح، واعتداء
إسلاميا على المسيحية لأنه يختلف في النظرة إلى المعايير المتبعة في
الأناجيل
الأربعة التي تقوم العقيدة المسيحية الرسمية عليها.
لم يتوان من استثارهم المسلسل في التحرك العملاني لوقف عرضه، فانطلقت
موجة جديدة
من التحريض الطائفي في البلد الشديد الحساسية للطائفية. اعتصموا في المركز
الكاثوليكي للإعلام قرب بيروت، وأطلقوا التهم بأن المسلسل ااعتداء على
مقام
المسيح، وتشويه صورته.
وعقدرئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران الماروني
بشارة الراعي مؤتمرا
صحفيا في المركز، ومما قال فيه أنه "يتضمن مغالطات مسيئة ومساسا بسر المسيح
والعقيدة المسيحية في الجوهر والمضمون”، وبأن المعطيات في المسلسل تستند
إلى انجيل
برنابا الذي ترفضه الكنيسة”. شاركه في المؤتمر مدير عام "إذاعة
صوت المحبة" الأب
فادي تابت، وهي الإذاعة التي كانت من حصة المسيحيين أثناء توزيع محطات
الإعلام
المرئي والمسموع على الطوائف اللبنانية على قاعدة 6 و6 مكرر.
تابت عرض للعديد من النقاط المرفوضة من الكنيسة المسيحية في تقرير
أعده بناء
لتكليف من "المركز الكاثوليكي للإعلام" بعد النظر في الملاحظات مع مدير
المركز الأب
عبدو أبو كسم في ضوء مشاهدتهم للفيلم.
بعض النقاط التي جاءت في التقرير هي:
الأخطاء في اسماء تلاميذ المسيح الحواريين، اخطاء الفيلم وما
يمس بشخص يسوع
المسيح، برأباس يطلب من غوستاف ان يثأر لقتل يحيا (يوحنا)، تلميذ يحيا هذا
غير
موجود في الانجيل، اسم المسيح عيسى وليس المسيح، اسماء التلاميذ
(الحواريين) من
عالم سرياني.
يوسف اللافي المعروف ببرنابا قاده شوقه للمسيح من جزيرة قبرص الى
فلسطين وكان
كاتباً يدون كل ما يقوله السيد المسيح. في حين انه التلميذ الذي رافق
القديس بولس،
وانجيله، اي انجيل برنابا، كتب في الجيل الخامس عشر و السادس عشر من قبل
راهب ترك
ايمانه المسيحي اخذ نص الانجيل وشوهه)، المسلسل يصور برنابا كاتباً يدون ما
قاله
السيد المسيح.
ديموس استضاف المسيح وحاوره على مائدة الطعام في بيته. المسيح
يتكلم ونيقوديموس يبكي، في الوقت نفسه المسيح يتكلم عن الانبياء الذين
قتلوهم
قائلاً: "سيأتي دوري فلن يرتاحوا حتى يروني مضرجاً بدمائي"،
بينما المسيح يتكلّم:
دخلت مريم المجدلية اخت لعازر تخبره عن لعازر بانه يحتضر فيقول لها المسيح:
"لا
تبكي يا مريم، يذهب المسيح الى القبر حيث لعازر ونشاهد قيامة لعازر على يد
المسيح
فتقول له مريم: "وعدتنا ان اخانا لن يموت..."، فقال لها يسوع: "ان اخاك لن
يموت
ويطلب من اله اسحاق ويعقوب ثم يطلب من لعازر ان يقوم، فيقوم لعازر من
القبر”.
ويظهر جليا من خلال الملاحظات أن الأطراف المعترضة اتخذت من الأناجيل
الأربعة مقياسا لمعاييرها،
.
المحطتان
ليس مخفيا ما تتعرض له الساحة
اللبنانية من تصاعد للشحن السياسي على خلفية احتمال إصدار
المحكمة الدولية لقرار
ظني يتهم أعضاء من حزب الله بالاغتيال، والردود والسجال على ذلك.
ولأن الساحة لا
تحتمل المزيد، سارعت المحطتان لوقف بث المسلسل بناء على تمن من رئيس
الجمهورية
ميشال سليمان.
الرأي الآخر
طرحت الأزمة أيضا إشكالية حق طرف ما بالنظر
للأنبياء، والرسل، والدين بطريقتهم الخاصة. الإسلام يمنع تجسيد
الأنبياء بصور، فهل
يمنع هذا الموقف من المسيحي من تجسيد الأنبياء؟
وإذا كان للإسلام وجهة نظر
بالسيد المسيح، ألا يحق للمسلمين تقديم قناعتهم به حتى لو
خالفت نظرة المسيحيين؟ هل
الأنبياء حكر على الطوائف والمذاهب التي تحمل اسمهم؟ أم أنهم جاؤوا لصالح
البشرية
جمعاء، وبالتالي من حق كل انسان أن يتصورهم بالطريقة المثلى التي يحب، في
ظلال
الاحترام لهم ولرسالاتهم؟
الحوارات التي أطلقت بين الأديان في العقود الماضية
على مستوى عالمي قد تكون طرحت هذه الأسئلة، لكن الإجابات عليها لم تبد
متوافرة أقله
على صعيد العامة.
آراء إسلامية ومسيحية
في رأيين إسلامي ومسيحي، يبدو تقارب
في تناول الإشكالات المذكورة. فمفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار
قال ل"دوك. الجزيرة
نت": "إننا مقيدون بشريعتنا وفقهنا أن تكون وسائلنا منضبطة وجامعة عند
إيصال الفكرة
للناس، بالموعظة والحكمة فإذا اصطدم ذلك مع شريحة معينة في أي بلد فنعمل
وفق الأثر
الشريف "دع الخير الذي عليه الشر يربو".
وقال: "من حق المسلمين أن يوصلوا صورة
أنبياء الله تعالى كما جاءت في القرآن الكريم، لكن كل خير يعكس
شرا فنحن نمسك
عنه".
وأوضح أن "أخواننا المسيحيين يدركون أن عقيدة المسلمين أن عيسى نبي
الله
وأفضل خلقه، وأكمل رسله في زمانه، ويعتقدون أنه نبي ورسول، وليس الله ولا
ابن
الله".
وأكد "الحرص على وحدة الوطن، ولا يشترط تعليم الإسلام أن يكون بما
يصطدم
ومشاعر وعقائد الآخرين".
الأب ابراهيم سروج انتقد ما أسماها "عنتريات بعض
المسيحيين التي تستهدف -بحسب رأيه-حزب الله، واللغة التي استخدمت تذكرنا
بما يعرف
بمحاكم التفتيش”.
وقال ل"دوك. الجزيرة نت" أنه "لو لم يكن هناك من أثار الناس
وحرك مشاعرهم لما حدثت هذه الضجة، والدلالة أنه سبق أن عرضت مسلسلات غربية
شوهت
صورة القديسة مريم والسيد المسيح ولم يحرك أحد ساكنا".
وأردف: "تقوم عقيدتنا
على احترام وجهة نظر الآخرين وحريتهم بالمطلق. وتوقيف المسلسل
حكمة قطعت الطريق على
مظاهر طائفية كان يمكن أن تحدث، وهي عنتريات لا علاقة لها بالدين المسيحي
ولا
بالمسيح".
الجزيرة الوثائقية في
17/08/2010 |