القاهرة ـ اعتبر المخرج المصري خالد يوسف أن من أسماهم بالجهلاء
هم من أشعلوا فتيل الأزمة بين مصر والجزائر، مشيرا إلى أن الأيام أثبتت صحة
موقفه
من تلك الأزمة عندما رفض الإساءة للجزائر، وهو ما دفع البعض لاتهامه بأنه
عدوٌ
للمصريين، فيما اعترض على وصفه بـ "صياد المُزز".
وفيما أكد أنه يفضِّل فصل
الدين عن الدولة وأنه يؤيد المدير العام
لوكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد
البرادعي لرئاسة مصر، أبدى رفضه لتصريحات
عادل إمام بشأن منعه ابنته من التمثيل
خوفا عليها من مشاهد القبلات واعتبر ذلك
تناقضا في شخصية إمام.
وقال يوسف في
مقابلة مع برنامج "بلسان معارضيك" على قناة
"القاهرة والناس" الفضائية "ثبت الآن
أني كنت على حق في موقفي من أزمة مباراة مصر والجزائر، لأنه لا ينفع أن
يحدث صدام
بين شعبين علاقتهما قوية وعميقة بسبب بعض الجهلاء سواء هنا أو هناك".
وأضاف
"لقد قلت إن هذه الأزمة سببها جهل الصحافيين
والمسئولين في البلدين، والكل أخذ
موقفا عدائيا دون وجود مبرر يستدعي لذلك،
ويجب محاكمة مثيري الفتنة في البلدين سواء
في مصر أو الجزائر، وأي شخص ساهم في إشعال الفتنة".
وأوضح أنه أصبح (بعد
مكالمة علاء مبارك) عدو كل المصريين لأنه
لم يناصر بلده، مشيرا إلى أنه كان ضد
تصعيد الأزمة، وقال وقتها إن الجزائر دولة
شقيقة، وإن مصر هي التي تحتضن العرب،
ويجب أن تنتهي هذه الأزمة سريعا.
وأشار إلى أنه ضد ما حدث في هذا الأزمة من
الجانبين، حيث إنه لا يصح وصف الشهداء الجزائريين بالمليون لقيط، كما أنه
يرفض وصف
مصر ببلد الراقصات أو السخرية من العلم المصري.
من جانب آخر، رفض المخرج
خالد يوسف وصفه بأنه "صياد المزز" وأن
أهدافه ليست بريئة.
وأشار إلى أن
أهدافه في أفلامه دائما بريئة حيث إنه يسعى
من خلال بعض المشاهدة الساخنة إثارة بعض
القضايا المثيرة للجدل، لافتا إلى أن هناك مخرجين كثيرين قدموا الجنس أكثر
منه
وفشلوا تماما.
في الوقت نفسه أكد المخرج المصري تحفظه على تصريحات الفنان
عادل إمام بشأن منع ابنته من التمثيل خوفا عليها من المشاهد الساخنة
والقبلات،
مشددا على أن ما لا يرضاه على ابنته لا يرضاه على الممثلات الأخريات.
وقال
يوسف: "لا ينفع أن أمثل وأقدم مشاهد ساخنة
وقبلات مع الممثلات، ثم أخرج أرفض ذلك
على ابنتي، عادل عمل أدوارا كثيرة ومشاهد مع فنانات ولم يتم احتقار أحد
منهن، ولو
أنا منهن كنت رفعت عليه قضية بسبب تصريحاته".
وشدد على أن ابنته في حال
كانت موهوبة في التمثيل مثل الفنانة سعاد
حسني، فإنه لن يرفض دخولها المجال، مشيرا
إلى أنه لن يفرضها على الفن إذا كانت غير موهوبة.
وأشار إلى أنه قدم الكثير
من المواهب الفنية مثل منة شلبي الذي
يعتبرها أعظم موهبة في جيلها، لافتا في الوقت
نفسه أنه أعاد اكتشاف غادة عبد الرازق وأخرج مواهبها خلال الأعمال
الفنية.
وقال إن إعلان بعض الفنانات مثل صابرين أو مني زكي أو هند صبري
رفضهن العمل معه لا يقلل منه كمخرج، مشيرا إلى أن كل فنانة يمكنها أن تقدم
ما تريده
أو ما تراه مناسبا لشخصيتها.
وعن مواقفه السياسية، أكد المخرج المصري أنه ضد
الدولة الدينية ولكنه ليس ضد الدين، خاصةً أنه رجل متدين، مشيرا إلى أنه
يفضِّل فصل
الدين عن الدولة لأن الحكم إذا قام على الشريعة الإسلامية وتم معارضته من
جانبي أو
ما جانب أي شخص آخر، فإن ذلك سيكون معارضة للإسلام.
وشدد يوسف على أنه يعارض
سياسات الحكومة الحالية لذلك قام بتأييد
الدكتور محمد البرادعى الذي يطالب
بالتغيير، لكنه أكد في الوقت نفسه على أنه
لن يؤيد البرادعي في حال تحالفه مع
الإخوان المسلمين.
من ناحية أخرى نفي خالد يوسف أن تكون المطربة اللبنانية
هيفاء وهبي كادت تنفصل عن زوجها بسبب مشاهدها الجريئة في فيلم "دكان شحاتة"
التي
عملت معه فيه، لافتا إلى أن المشاهد التي تم حذفها من الفيلم
لا تتضمن أي مشاهد
ساخنة.
وأوضح يوسف أن الإعلام هو الذي روَّج لهذا الأمر لأنه يحب الفضائح،
لكنه شدد في الوقت نفسه أن أي ممثلة تعمل معه ليس لها الحق أن تعترض على أي
مشهد أو
تحاول حذفه.
وأوضح أنه تخلص من المعاناة من الكبت الجنسي مثل كل عربي، حيث
شدد أن المجتمع العربي يعاني من هذا الأمر، مشيرا إلى أنه يحمل على عاتقه
تخليص
المجتمع العربي من الازدواجية في التفكير.
القدس العربي في
15/08/2010
استثناء فرنسي يغزو
"هوليوود"
ماريون كوتيار: لست سعيدة
إعداد: محمد هاني عطوي
استفاقت الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار في فندق لوماريه الذي تهوى أن
تنزل فيه، وحاولت أن تقلب قنوات التلفاز، علّها تشاهد شيئاً مفرحاً في هذه
الأيام . وعندما لم تصل إلى نتيجة مرضية، فكرت باطفاء الجهاز كلياً كطريقة
منها للمشاركة في الحد من استهلاك الكهرباء وارتفاع درجة حرارة الأرض،
والمعروف عنها أنها لا تتساهل في موضوع نظافة البيئة، ولذا تصنف كل ما تود
رميه منذ فترة طويلة ليعاد تدويره، وبالتالي تسهم في الحفاظ على البيئة،
ومن يشاهد ماريون عند استيقاظها بعد ليلة طويلة من النوم، ويلمح نشاطها
وخفتها وهي ترتدي سروال جينز مثنياً من الأسفل، وباليرينا (حذاء يشبه حذاء
راقصة الباليه) يعرف تماماً كم هي ساحرة وخفيفة الظل، رغم أنها بلا ماكياج
.
وجمالها وموهبتها في التمثيل جعلا مخرجي “هوليوود” لا يتوانون للحظة
في اختيارها لتكون بطلة هذا الفيلم أو ذاك، إنها كما وصفها أحد النقاد
استثناء فرنسي حقيقي .
ومنذ 21 يوليو/تموز الماضي، يشاهد الجمهور هذه الممثلة الاستثنائية
فيلم “بداية” للمخرج كريستوفر نولان أمام ليوناردو دي كابريو، ومنذ نيلها
جوائز “الأوسكار” و”الجولدن جلوب” و”السيزار” للأدوار المميزة التي مثلتها،
وخاصة شخصية كوك شانيل، وعملها في فيلم (الطفلة)، الذي نالت عنه جائزة
الأكاديمية البريطانية للأفلام السينمائية والتلفزيونية (بافتا)، لم تتوقف
العروض التي تنهال عليها، وبعد أن شاركت جوني ديب في فيلم “ناين” لروب
مارشال، ومثلت في فيلم “بابليك إنيمي) لميشيل مان، وظهر اسمها مع ممثلين
مشهورين أمثال دانييل داي لويس، ونيكول كيدمان، وكيت هادسون، وبينيلوب
كروز، ها هي الممثلة ماريون تعود إلى باريس، لتقوم بدور جديد في فيلم جديد،
دون أن يسبب لها ذلك أي إرهاق . وتقول كويتار: “رغم كل هذه الأفلام التي
صورتها، لم أبحث يوماً عن الظهور والشهرة أو النجاح، لأن التفكير في هذه
الأمور أفضل وأقصر طريقة للإصابة بالجنون”، وتضيف: “صحيح بأن لدي (أنا)
واعتبر نفسي ممثلة في طريقها إلى الاحتراف، لكن هذا لا يعني أن ترافقنا هذه
(الأنا) إلى كل مكان وبشكل مريب” .
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته ماريون كويتار، فهي ليست
سعيدة، وفي هذا الصدد تقول “حياتي خاصة جداً وذات طابع مختلف بعض الشيء عما
يمكن أن يتخيله الآخرون، لست سعيدة، ودائمة التواصل مع الواقع والأشخاص
الذين أحبهم واعتقد ان قدمي راسختان جيداً في الأرض، وثقتي بنفسي كبيرة،
وأضع في ذهني بشكل دائم تلك النصيحة التي قالتها لي الممثلة الشهيرة
برناديت لافون: “اعلمي جيداً أنه كلما مدحك شخص، وقال لك بأنك رائعة، فذلك
يعني أنه يقول لك نهارك سعيد” .
وأضافت لافون إن ذلك لا ينقص شيئاً من المجاملة والإطراء، لكن ذلك
يعني ببساطة أنه يمكن أن نتأثر مع الاحتفاظ بمسافة قليلة بيننا هذا الشخص”
.
وتقول ماريون “اعتقد ان الأشخاص الذين يمكن أن نصفهم بالرائعين، هم
أولئك الذين يضحون بحياتهم من أجل الآخرين، أو يكونون في خدمتهم على الأقل،
أو يعرضون حياتهم للخطر من أجل أفكارهم ومعتقداتهم، كشيرين عبادي (المحامية
الإيرانية التي دافعت عن عدة معارضين سياسيين)، وأون سان سوتشي (زعيمة
المعارضة في بورما التي حصلت على جائزة نوبل للسلام في 1991 من أجل دعمها
للنضال اللاعنفي)، ونيلسون مانديلا أو المخرج الإيراني جعفر بناهي . ولذا
أشعر أنني في مرتبة أدنى من هذه الشخصيات العظيمة” .
يبدو أن تواضع ماريون ليس أمراً طارئاً بل يأتي من والديها اللذين
يعملان في الكوميديا والإخراج المسرحي، وكذلك من أخويها، تقول ماريون: “نحب
بعضنا البعض بقوة، حتى لو لم نتقابل، إلا بين فترة وأخرى، فالرابط بيننا
قوي، وأنا بشكل خاص بحاجة لكل أفراد أسرتي، لأنه أمر مهم في حياة الإنسان،
ومن المهم أيضاً أن يعتمد أحدنا على الآخر” .
ولم تزل ماريون تتواصل مع جدتها البالغة من العمر 101 سنة من خلال
الرسائل المكتوبة، وهي الطريقة التي تفضلها جدتها .
وتشير ماريون إلى أنها تشعر بأنها ولدت من أجل التمثيل والسينما، ولذا
فإن الاندماج في الشخصية ومحاولة عدم التزييف، وفهم الكائن البشري المعبر
عن الشخصية، كل ذلك من عوامل نجاح العمل السينمائي . وتقول “أحب كثيراً
العمل مع دانييل داي لويس وليوناردو دي كابريو، فهما مهووسان بالتمثيل،
وديندمجان كلياً في العمل، وهو أمر يؤثر في جداً، ويدفعني إلى إتقان عملي”
.
أما المخرجون الذين يشاهدونها في خضم العمل مع الممثلين، فيقدرون
تماماً موهبتها الفنية الرائعة، وتفانيها منقطع النظير في التحضير للدور أو
في طريقة أدائه، ومن هنا ليس من العجيب توالي العروض على ممثلة شابة وجميلة
مثل ماريون . وتقول “الحقيقة أن كل هذا الاعجاب والاطراء والاقبال يخيفني،
لكن ما يجعلني أشعر بالأمان أنني أعشق السينما والتمثيل، فهما المحرك
الأساسي في حياتي، وأنا محظوظة في اختيار المخرجين لي، لكن لا بد أن يعرف
الإنسان أن يقف وإلا فإنه سيضيع في خضم هذه العروض” . وتضيف “علاوة على
سعادتي بالسينما، لم أزل أبحث عن نفسي أو أتعرف إليها” . وبما أن ماريون
كوتيار صديقة للبيئة، وتحب المغامرة، شاركت مع جماعة “جرين بيس” في رحلة
إلى الكونغو مؤخراً، وقضت وقتاً طويلاً في الغابات البدائية هناك، وتحلم أن
تحول هذه الرحلة إلى فيلم سينمائي وثائقي حول إزالة الغابات في العالم .
وفي ما يتعلق بحياتها الخاصة، فلا تكاد تصرح بكلمة واحدة حولها، علماً
بأنها صرحت مرة واحدة باسم صديقها جو بيوم كانيه، قائلة إنها تحب التمثيل
معه، وأنه كوميدي ومخرج بارع وموهوب . ومن المتوقع أن نشاهد كويتار في
أكتوبر/تشرين الأول المقبل في فيلم “الأوشحة الصغيرة”، وهو الفيلم الطويل
الثالث في أعمالها . أما عن الأطفال، فتقول “كنت لا أحب إنجاب الأولاد على
هذه الأرض، لأننا سنعاملهم بقسوة، أما اليوم، فبعد أن بلغت الخامسة
والثلاثين من العمر، غيرت رأيي، وأحب أن أصبح أماً” .
الخليج الإماراتية في
15/08/2010
سرد الذات في السينما:
سيرة يوسف شاهين أنموذجاً
عمر إدلبي
قلة قليلة من السينمائيين سردت في أفلامها سيرتها الذاتية، حتى
التجارب العالمية على هذا الصعيد اقتصرت على منجزات المخرج إيليا كازان في
فيلم «أمريكا.. أمريكا«، والمخرج بوب فوس في فيلم «كل هذا الجاز«، إضافة
إلى محاولات أخرى على هذا الصعيد قدمها برجمان وفلليني وبروتولوتشي، في حين
كان للعالمي الراحل يوسف شاهين قصب السبق في إنجاز سيرة ذاتية سينمائية
عربية، قبل فترة لا بأس بها من محاولات عربية أقل حضوراً على يد المخرج
السوري محمد ملص، والمخرج التونسي فوزي بو زيد.
وفي الذكرى السنوية الثانية لرحيل يوسف شاهين عن 82 عاماً، نقف
باحترام أمام المنجز الكبير الذي حققه هذا العلم السينمائي العربي
والعالمي، تقديراً لريادته، وبخاصة في مجال العمل على سيرته الذاتية
سينمائياً، وهي دون شك سيرة ثرية حافلة بكل ما هو مثير للبحث والتأمل،
والنقد أيضاً. لا سيما وأن الراحل عاكس على الدوام تيار السائد والمتعارف
عليه، فنياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، ودفع أثماناً باهظة لقاء مواقف
نالت الاحترام من قبل الكثيرين، في الوقت الذي تعرضت فيه مواقفه هذه لكثير
من النقد والهجوم والتجريح، وصلت حد النيل منه شخصياً.
سيرة شاهين الذاتية هذه حققها عبر أربعة أفلام تقطع الشك باليقين على
صعيد دلالتها على كونها أفلام سيرته الذاتية، هذا مع التأكيد أن معظم أفلام
يوسف شاهين تبدو وكأنها معادلات بصرية جزئية لتاريخه الشخصي من جهة، وتاريخ
المرحلة العربية التي عايشها وكان شاهداً على أحداثها المفصلية وتواريخها
العامة من جهة ثانية.
«إسكندرية ليه»
بداية الرحلة كانت مع فيلم «إسكندرية ليه« عام 1979، حيث قدم شاهين
نفسَه في الفيلم عبر شخصية يحيى الشاب (أدى الدور الفنان محسن محيي الدين).
فتى إسكنداراني يتنازعه حبه لمدينته وحلمه بدراسة فن السينما في عاصمة
السينما العالمية هوليوود، ويعيش في مدينته المفتوحة على ثقافات عديدة
مرحلةً تاريخيةً شهدت نضالات الشعب المصري ضد الاحتلال الانكليزي، وتحولات
مجتمعية خطيرة وحاسمة بفعل الصراع العربي الإسرائيلي الذي بدأت ملامحه تظهر
بوضوح مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وما نتج عنها من بداية
هجرة واسعة لليهود من الدول العربية، وبداية تهشم التلاحم الاجتماعي الذي
عاشه المجتمع في الإسكندرية بعد وضوح انتماء غالبية الجالية اليهودية
لمشروع الدولة الغاصبة (إسرائيل).
فيلم (إسكندرية ليه) يقدم شخصية يوسف شاهين من دون رتوش، عبر سرد بصري
ينبع من رؤية شخصية تعي ذاتها وتاريخها، تعري واقع وأسلوب حياة البلد،
بمقدار ما تعرّي ذاتها. ويختتم شاهين رحلة الذات مع مشهد ركوبه الباخرة
وبداية رحلته إلى هوليوود، في دلالة على بداية زمن الحلم.
«حدوتة مصرية»
القفزة الثانية لشاهين في مسيرة أفلام سيرته الذاتية كانت مع فيلم
«حدوتة مصرية« عام 1982، حيث يقدم شاهين سيرته في هذا الفيلم متبعاً أسلوب
السرد الدائري، مفتتحاً الفيلم بمشهد يحيى (المخرج، أدى الدور نور الشريف)
وقد تعرض لأزمة قلبية أثناء تصوير فيلم «العصفور« وهو فيلم حققه شاهين عام
1973. وبفعل هذه الأزمة الصحية تتداعى الذكريات، وتبدأ محاسبة الذات عن كل
ما فعلته وما لم تفعله. وتسير الأحداث المتخيلة لتقدم للمشاهد محاكمة للذات
على أحداث واقعية في معظمها، يعري شاهين نفسه من خلالها، ويسائلها ويحاكمها
بمقدار ما يحاكم الواقع من خلالها عن الكثير الكثير مما حدث وشوه صورة
الذات والمجتمع في آن.
وينتهي الفيلم بعقد مصالحة مع الآخر، الأسرة والمجتمع والعصر، ومع
الذات أيضاً، من خلال مشهد المصالحة بين (يحيى) الكبير، والطفل (يحيى) في
دلالة على الرغبة بالعودة إلى صفاء النفس وبراءة الطفولة.
« إسكندرية كما وكما »
الرحلة مع السيرة الذاتية السينمائية لشاهين تابعت مسيرتها في فيلم
«إسكندرية كما وكمان« عام 1990، حيث يضعنا شاهين أمام نفسه، ليعبر عن نظرته
تجاه مشروعه الفني أولاً، وتجاه مجتمعه ثانياً، في دعوة صريحة للمصالحة
والمصارحة مع الذات والآخرين.
المرحلة الزمنية التي يستعرضها الفيلم عند إنتاجه كانت تحاكي الحاضر
تماماً، ولهذا عمد شاهين إلى أسلوب المزج بين الروائي والتسجيلي، وذلك
باستخدام السرد الملخص لزمنٍ يمتد على مساحة الحدث، على نحو ما يوثق له من
حدث حقيقي يتمثل في إضراب الفنانين احتجاجاً على القانون 103 الذي ينتهك
حقوقهم. الأسلوب التسجيلي هذا أفسح المجال لتدفق حركة الشخصيات، ولا سيما
الشخصية الرئيسية (يحيى) الذي أدى دوره الفنان نور الشريف، فيما ساهم
الأسلوب الدرامي بتعزيز المتخيل السينمائي والصناعة البصرية، وذلك باعتماد
السرد البصري زمناً تسرده الصورة داخلياً، بحيث يتوضح بحركة الكاميرا في
متابعة الشخصيات، ولا سيما عندما تعمل الكاميرا على الابتعاد عن بؤرة
الحدث، وتتحول لتبني سرداً وصفياً للمكان ومعالم الشخصيات.
هذا الأسلوب المزجي استدعته ضرورة فنية تنبع من وجهة نظر المخرج
الفكرية التي تأكدت من خلال مناقشته ثنائية الديموقراطية/ الديكتاتورية،
وهي ثنائية لطالما وسم الجدلُ فيها أعمالَ يوسف شاهين عبر رحلته الفنية
كاملة.
«إسكندرية ـ نيويورك»
آخر حلقة من سلسلة أفلام السيرة الذاتية ليوسف شاهين قدمها في فيلم
«إسكندرية ـ نيويورك« عام 2004، وفيه قدم شاهين نفسه في رحلة إلى أميركا
تكريماً له على مسيرته الفنية، وذلك بعد أحداث 11 أيلول، وفي خضم أحداث
تفرض المقارنة المحزنة بين جيلين يمثلهما شاهين نفسه من جهة، (يحيى) الذي
أدى دوره الفنان محمود حميدة، وابنه الأميركي من جهة ثانية، وهو ابنه من
صديقة أميركية عاش معها قصة حب أثناء دراسته في أمبركا، تركها حاملاً وعاد
إلى مصر بسبب ظروف عائلية.
هذه المقارنة لا تتوقف على مقارنة جيلين، بقدر ما هي مقارنة بين
زمنين، تبدلت خلالهما القيم الإنسانية والفنية وأوضاع العالمين الدولي
والعربي تبدلاً يثير الحزن والأسى على مصيرنا ومصير الإنسانية.
الفيلم حافل بسرد التداخل، حيث تقوم بنيتُه على مجموعة محاور متداخلة،
تتخللها تقنيات الارتدادات والقفزات والوقفات، ما فرض على المخرج استخدام
تقنيات مساعدة على ربط المحاور ذهنياً، للحفاظ على تماسك السرد ووضوح غايات
الفيلم، وهذا النمط من السرد البصري نشهد له مثيلاً في معظم نصوص السيرة
الذاتية، واعتماده في فيلم سينمائي ينطوي على مخاطرة كبيرة على سلامة
الوحدة الموضوعية، لكننا في هذا الفيلم نشهد حلولاً بصرية إخراجية تعزز
القناعةَ بإبداع شاهين وريادته وعلوّ شأنه في مجال الإخراج السينمائي.
ختاماً، نؤكد أن ريادة الراحل الكبير يوسف شاهين التي نشير إليها،
تمثل على الصعيد الفني مشتركاً بين جمهور النقاد، بعكس ريادته بوصفه فناناً
له خط فكري خاص ووجهة نظر خاصة، التي يرى الكثير أنهما محل نقاش، قد نتفق
مع البعض في بعض انتقاداتهم له بناءً عليها، وقد لا نتفق مع البعض الآخر.
المستقبل اللبنانية في
15/08/2010 |