لم يكد يمر أسبوعان على إعلان مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض
المتوسط عن أنّه اختار فيلم: <الشوق> بطولة روبي وأحمد عزمي، إخراج خالد
الحجر كي يمثّل مصر في المسابقة الرسمية، إذا بالمدير الفني لمهرجان
القاهرة السينمائي، الذي يُقام في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يوسف رزق
الله يُعلن بصريح العبارة عن أنّ <الشوق> اختير نهائياً كي يدخل المسابقة
الرسمية لمهرجان القاهرة، وأعلن المخرج الحجر عن أنّ شريطه لم يُنجز بعد،
وهو يحتاج بعد إلى شؤون معملية ونسخ في باريس قريباً، وهو من إنتاج
اللبناني محمد ياسين مع مشاركة نسبية من وزارة الثقافة الفرنسية وفق
المصادر في هذا الشأن·
مهرجانان هما الأكبر في مصر يتنافسان على حجز ولو فيلم واحد كي يتقدّم
باسم مصر، لكن المشكلة ألا يُعثر على أكثر من فيلم، على الأقل كي يحظى كل
مهرجان بفيلم مختلف، وهل يُعقل لسينما تُنتج في العام بين 30 و40 فيلماً لا
تستطيع اختيار ما يُناسب لتمثيلها في مسابقات محلية·
هناك مَنْ يقول من زملائنا النقاد في مصر بأنّ عصر الأفلام الجادّة
انقضى، لذا تحدث هذه الإحراجات، فعندما يُطلب من لجان الاختبار الوصول إلى
المناسب من الأفلام للتباري لا تجد سوى الأعمال الكوميدية من مستويات عدة،
وهي لا ترقى إلى المستوى المهرجاني، لكن هذا الكلام له مقلب آخر خصوصاً
عندما نعرف بأمر آخر ما قدّمه أحمد حلمي بعنوان: <عسل إسود> بإدارة خالد
مرعي، فلا تعود الكوميديا مُتّهمة إطلاقاً بل مُشرّفة وهي فرصة مناسبة ربما
كي تُقدّر الكوميديا السوداء التي اعتاد حلمي الاشتغال عليها في أفلامه·
ومن حق موزّعي الأفلام أن يعانوا مع أصحاب الصالات الذين عندما يصلهم
فيلم جاد ولا يدخله إلا نفر قليل من الرواد فلمذا علينا الدفاع عن هذا
الفيلم في وقت هناك حسابات البيدر التي تؤكد أي الأنماط أفضل وأحسن حضوراً
عند الناس·
وإذا كان <القاهرة> أمّن الشريط الأول، ويلزمه ثانٍ فماذا سيفعل
<الاسكندرية>، وهو مهرجان قاب قوسين أو أدنى من الانعقاد، لكن وراءه رئيس
اتحاد النقابات ممدوح الليثي القادر من خلال إنتاجات قطاع الإنتاج على
تأمين أفلام في مستوى <واحد صفر> لـ كاملة أبو ذكري، التي تصدّر شريطاً
جديداً حالياً فيما يتحضّر خالد يوسف لتصوير <الرئيس والمشير>، ويصوّر محمد
خان <الضربة الجوية>·
هذه أعمال جيدة وجادة لأنّ وراءها أسماء وطاقات لها وزنها، لكن السؤال
ماذا بين أيدينا الآن، ففي فترة سابقة حين كان ينتج حسين القلا كان يُسمع
كلاماً كثيراً عن أفلام يشتغلها للمهرجانات وهي لا تؤمن إيرادات كافية كي
يستمر المنتج، وهذا ما تأكد مع حالة القلاّ الذي كانت وجهة نظره: أريد أن
يُقال يوماً كان هناك منتج يحب السينما وقدّم في مجالها أعمالاً تعيش·
إذن هذا يبيّن الفارق بين الفنان والتاجر، بين مَنْ يحب السينما ومَنْ
يتعامل معها على أنّها مشروع تجاري وحسب، والسينما واقعاً لا تحتاج إلا
للذين يحبونها ويقدّرونها ويعنيهم منها أن تكون منبراً قادراً على نقل كل
القضايا والتعبير عنها بأكبر قدر من الشفافية والصدق·
ندرك أنّ الشهر الكريم يطل خلال 48 ساعة، وبالتالي فلن تجد السينما
الكثيرين ممن يهتمون بصوتها أو بصورتها أو بموضوعاتها لأن دنيانا كلها
تلفزيون من خلال ما لا يقل عن 70 مسلسلاً، هذا عدا عن السهرات واللقاءات
الحية وبالتالي نحن في شهر التلفزيون، وإن كانت الصالات عندنا تُعدِّل من
مواعيدها كرمى لمواقيت الإفطار، وبالتالي فهي تبرمج أفلامها قبل وخلال وبعد
الإفطار، لأن هذا القطاع يستحيل تهميشه، وهو يتكيّف مع شهر كامل من الصوم
مضافاً إلى ذلك الحسابات المطروحة دائماً على الصعيد الأمني، التي قد تجعل
الأمور مستحيلة إذا ما تطوّرت الأمور وتفاقمت·
اللواء اللبنانية في
09/08/2010
عروض
<شيامالان>: يدهش بمشهدية مدروسة ما بين الماء والنار في (The
Last
AirBender)
<مور> و<دو شوفني> زوجان مُفبركان لكنهما تحوّلا
إلى حبيبين صادقين على طريق الارتباط··
محمد حجازي
في عروض هذا الاسبوع عدة نماذج من الاشرطة، وإن كان أبرزها ما قدّمه
الاميركي من أصل هندي م· نايت مالان بعنوان (The
Last Airbender) الذي يتميّز بالمشهدية الجميلة، والداخلة الى الاعماق من خلال نظام
الأبعاد الثلاثة، الذي بات معتمداً في معظم الافلام الجديدة لإدهاش الناس
اينما كانوا·
شيامالان، صاحب الافكار المتفرّدة في السينما منذ <الحاسة السادسة>
الذي شجّعه عليه بروس ويليس عندما لعب بطولته وجعل من اسم هذا المخرج في كل
مكان من العالم، فالتوزيع تتولاه شركات عالمية آخرها بارامونت، بينما صرف
شيامالان وفرانك مارشال وسكوت آفرسانو على الانتاج والتصوير في بنسلفانيا (Beltz
ville state Parc) فكانت النتيجة فيلما في 103 دقائق تشغل الوسط
السينمائي مُذ أطلق الفيلم عالمياً في 5 من آب/ أغسطس حيث تلقفه النقاد
وكذلك الجمهور بكل رحابة صدر·
يطرح شيامالان موضوع الخير والشر من خلال عنصري الماء والنار·
عندنا أمتان واحدة يحكمها فتى يدعى آنغ (نواه رينغر) والثانية نارية
يقودها الامير الشرير زوكو (ديف باتل) وهذا الممثل الهندي هو بطل فيلم <سلامدوغ
مليونير>، الذي عرفته عدة جوائز أوسكار، وقد استعان به شيامالان بعد
الاتفاق مع دوغلاس إميل لتناسبه الشخصية السلبية جداً، فكان تنويع في شخصية
<باتل> الذي يستمر ظهور ثراء على الشاشة تماماً مثلما هي حال آنغ صاحب
الوجه الصافي، الشفاف والبريء وفي لحظات المواجهة يتحوّل الى وجه مقاتل
جيد، لا بل هو لا يُقهر إطلاقاً·
ويتصادف ان الامير زوكو رصده لـ آنغ، فاقتحم عليه المكان وهو نائم
وأخذه على حين غرة، فأسره واقتاده الى سفينته بعدها تمهيداً للتخلص منه أو
شل حركته، لكن آنغ عندما استيقظ استطاع الهرب بالانتقال السريع من مكان الى
آخر داخل السفينة، الى ان راح يقفز من زاوية الى اخرى، قبل ان يرى على رأس
الجبل القريب حيواناً عملاقاً بحجم ديناصور، فطار آنغ برشاقة اليه وحط على
ظهره فطار به·
يعود آنغ الى شعبه ويكون الاقوى في المواجهات مع مقاتلي أمة النار،
خصوصاً عندما تنطلق كرات النار ويجري صدّها فوراً بالقبضات والاكف، وإذا
بالامير زوكو يحشد اسطولاً للقضاء على امة الماء، التي استنفر ابناؤها
بقيادة الفتى <آنغ>، واستطاع حمايتهم لأن كل الكرات النارية التي كان
يستعملها جنود <زوكو> كان يردها ببساطة·
وفيما هذه المواجهات محتدمة جداً كنا نلحظ مدى روعة وأهمية الصورة لا
لشيء وليس من أجل الـ (3D)،
فقد تذكّرنا هنا جانباً جميلاً من الذي ان غاب شيء عن اذهاننا منه فهو
يتعلق ببعض الحوارات بينما حضور الصورة يظل قوياً جدلاً ولا شيء ينسينا ما
نراه لأنه يرسخ في الدماغ·
هكذا هو فيلم شيامالان الذي توزعه بارامونت، ويتولى امر المؤثرات
الخاصة المشهدية خبيران كبيران (ماريو فانيللو، وبابو هيلمان) على رأس
عشرات من التقنيين المتخصصين والقادرين على تصويب فكرة الفيلم صوب الايجاب·
6 مساعدين للمخرج كانوا كافين لإنجاز الفيلم الذي يتميز بروحيته
الرائعة والنموذجية، خصوصاً مع ممثلين شبان يفترض الا يكونوا قادرين على
حمل المسؤولية كاملة لكنهم فعلوها وكانوا جيدين خصوصاً نيكولا بيلتز
وجاكسون اثيون في دوري الشقيقين المائيين كانارا وسوكا·
وكانت مشاركات لممثلين هنود مثل ناصيف هاندفي، وكريم سيود، مع كليف
كيرتيس، وسيشيل غبريال، وكانارين هوغنون، وفرنسيس غينان، وتولى الموسيقى
التصويرية الخاصة: جيمس نيوتنهاوارد، حيث استطاع رصد هذا الصراع بين
الطرفين النقيضين·
The Joneses
هو شريط منوّع بين الحب، المغامرة والفكرة الجديدة التي ابتكرها المخرج
ديريك بورني مع السيناريست اندي د· دنرل·
في 96 دقيقة نتعرّف على عائلة مفبركة مؤلفة من زوج يدعى ستيف (ديفيد
دو شوفني) وزوجته تدعى كايت (ديمي مور) وابنة جين (امبر هيرد) وابن لاري
(غاري كول)، يقطنون مع بعضهم البعض لكن لا رابط رسمياً بينهم، انهم موظفون
لدى شركة عقارية وظيفتهم فقط أن يقوموا بدور عائلة (هي ليست عائلة) تستقطب
صداقات في اماكن معينة يهم الشركة ان تبيع فيها عفارات كبيرة يفترض ايجاد
سوق لها بين الاثرياء في المنطقة·
يقع ديفيد في حب كايت، ويروح يتصرّف معها كزوج حقيقي امام الجميع
يقبلها، ويأمرها أن تفعل اشياء معينة، وهي تسعد من داخلها لأن هذا يدل على
ميلها هي الاخرى له، وكلاهما يريدان الاقتراب، لكن نتيجة المراقبة التي
يخوضها جهاز خاص في الشركة يكتشف ان ستيف يحتل اسفل اللائحة في خدمة هذا
المشروع فيعطى فرصة اضافية للمتابعة على امل التحسّن، لكن الرجل لم يستطع
الا ان يحب، وهو ما يدفعه بعد كل هذا الى كشف امر الشركة حين اعلن انه ليس
والداً للشابين ولا زوجاً لكايت، وتصوّرت كايت ان المسألة انتهت وسيجري طرد
الجميع وبالتالي ما عليها سوى قتل نفسها او الهرب، فهربت وكان هو في إثرها·
الشركة سارعت الى تركيب فريق جديد انت الوحيد لست عضواً فيه·· هكذا
قيل لـ ستيف الذي استُبدل بآخر لتمرير هذه المسألة بأقل الخسائر لكن ستيف
يتسلل الى العائلة التي عاش معها وقلبه مع كايت التي ترفض طلبه الزواج
منها، فيغادر بصمت وبعد قليل تدركه بسيارتها وتجلسه الى جانبها لبحث وضعهما
بشكل مباشر وواضح، وهكذا يكسب الاثنان بعضهما·
ديمي مور ما زالت شابة نضرة وجمالها الخاص الذي عرفناه في فترات سابقة
لم يتغير سابقاً، وهي ممثلة متمكّنة، مباشرة، تحب ما تفعله ولها كاريزما
رائعة في صياغة شبكة من حولها·
دو شوفني ظهرت عليه أمارات السن، بعدما كان معلماً من معالم الوسامة
الرائدة وتلعب لورين هيتون دور السيدة (K.C)
التي تدير فرق العائلات الكاذبة والتي تضع علامات التقدير·
اللواء اللبنانية في
09/08/2010
قراءة
في
Leap Year
حين الأسطورة تحكي عن 29 شباط وسعادته···
القدر يُبدّل عريس أميركية في <دبلن> من طبيب إلى صاحب مطعم
محمد حجازي
هوليوود تقصد إيرلندا· وكل الحكاية سماع امرأة أميركية بأنّ
الإيرلنديين يعتبرون الزفاف في 29 شباط/ فبراير التاريخ الذي لا يحل إلا
مرة كل أربع سنوات في السنة الكبيسة، نوعاً من البركة الرائدة وصورة عن
سعادة مؤكدة يعيشها الزوجان·
على مدى مئة دقيقة نواكب (Leap Year)
إخراج أناند تدكر، ونص ديبوراه كابلن وهاري إلفانت، على شكل مغامرة ظريفة،
لكن فيها جمالية الانسياب في اللقطات، في الحوارات، وفي تعدد المواقع التي
رصدتها الكاميرا ما بين جزر آران، (Country
Gallway) بإيرلندا، وبوسطن فكانت اللقطات متنوّعة حيث بدا الوقت يعبر سريعاً·
آنا برادي (آمي آدامس) تعيش في بوسطن وكانت لها صداقة مع الطبيب الشاب
جيرمي (آدم سكوت) وهو إيرلندي يعيش ذووه في دبلن، وبعد تخصص في جراحة القلب
عاد إلى بلده قبل أن يحسم أمر صديقته آنا التي انتظرت أن يقول لها شيئاً
يتعلّق بطلب يدها، لكنه لم يفعل، ولأنها واثقة من حبه جزمت حقائبها للحاق
به استناداً الى مقولة الـ 29 من شباط/ فبراير وهو موعد يحل خلال أيام وهي
تود حصول الزواج من جيريمي في هذا التاريخ طالما أنّ السعادة مضمونة مئة في
المئة·
ولأن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، فإنّ التطوّرات المناخية جعلت
الطقس عاطلاً الأمر الذي اضطر الطائرة التي تقلّها لأن تهبط اضطرارياً في
مطار بعيد عن دبلن، ويكون على الركاب الانتظار ريثما تتاح لهم رحلات إلى
وجهتهم، ورفضت <آنا> حتى مجرد الانتظار وراحت تسأل عن طريقة فضلى للوصول،
إذ لا قطارات، وبالتالي لم يبق سوى السيارة القديمة التي يمتلكها الشاب
ديكلان (ماثيو غود) وقد عرضت عليه <آنا> مبلغ 500 يورو كي يوصلها إلى
<دبلن>، وفيما رفض في البداية، عاد وقبل حين جاءه دائنون يطالبونه بمالهم
في ذمته، وقد انطلقت الرحلة هو لا يعبأ بشيء، حتى إنّه لا يعطيها الكثير من
الاهتمام· ويحصل أنّه نسي الفرامل فراحت السيارة تتراجع إلى الخلف حتى سقطت
في بحيرة قريبة واستقرت فيها وطلب منها أن يستعينا بشاحنة قطر لإخراجها من
المياه، لكنها رفضت دفع أي سنت زيادة·
يحاولان المتابعة وتتوقف سيارة فان أمامهما تضع فيها <آنا> حقيبتها،
فإذا بالسائق ينطلق ومعه رفاقه الثلاثة·
ويحط الاثنان رحالهما في منزل عجوزية سعيدين في حياتهما الزوجية ويصبح
ديكلان وآنا محطّ نظرهما، ولأنهما يمضيان عدة أيام في المكان فإن حياة
مختلفة عاشتها <آنا> جعلتها تُدرك معنى أن يُحب رجل امرأة أو العكس، فهذه
من العلامات الفارقة التي يُفترض أن يحسب لها الزوجان ألف حساب·
ما حصل في منزل العجوزين قرّب آنا من ديكلان، لكن الثاني ظل أميناً،
ويدرك أنّ هناك شاباً ينتظرها في دبلن، لكن الأمور تفجرت لحظة الوصول وكادا
يعترفان لبعضهما بما يشعران لكن وصول جيريمي في الوقت غير المناسب قطع
الطريق عليهما وذهبت مع جيريمي ولم تسعد منذ البداية لتجد أنّ لها عاطفة
جياشة تجاه ديكلان فذهبت إليه وطلبت يده أمام الجميع فترك المكان لجلب خاتم
والدته فيما تصوّرت هي أنّه يعلن رفضه لطلبها·
القدر هو الذي اختار لها العريس·
ذهبت للزواج من الطبيب فإذا بصاحب مطعم كان أفضل لها، خصوصاً أنّها
متخصصة في مجال الهندسة الداخلية، وبدت في غاية السعادة· 13 مساعد إخراج،
مع موسيقى خاصة تولاها راندي إيدلمان، وإدارة تصوير لـ نيوتن توماس سيغل،
واشتغل على المؤثرات الخاصة والمشهدية فريقان بإدارة كيفن بين، وبادي إيرون،
وجسّد باقي الأدوار: جون لاتيو، نوبل أودويوفان، طوني روهر بات لافان، آلان
ديفلن، إيان ماك إيلفينان مسنزو نيكولي·
(Leap Year)
توزّعه يونيفرسال.
اللواء اللبنانية في
09/08/2010
«اليتيمتان»
لغريفيث:
الثورة الفرنسية
بطريقة رعاة البقر
ابراهيم العريس
من الصعب معرفة ما الذي جذب المخرج الأميركي الرائد د. و.غريفيث الى
تلك المسرحية (التي ستقول ممثلته المفضلة في ذلك الحين، وإحدى بطلتي الفيلم
الذي اقتبس عن المسرحية، انها كانت قدمت قبل ذلك مترجمة الى اكثر من اربعين
لغة)، حتى يحوّلها الى فيلم شاءه ان يكون على ضخامة فيلميه الكبيرين
السابقين «مولد أمة» و «تعصب». ولكننا نعرف بالتأكيد ان هذا الفيلم لا
يعتبر اليوم من بين اهم ما حقق غريفيث في حياته. إذ، على ضوء مشاهدة
الأعمال الكبرى لهذا المخرج، يمكن تلمّس مدى الاصطناعية في «اليتيمتان»،
الفيلم الذي نتحدث عنه هنا، والذي كان - على اي حال - من تلك الأفلام التي
عرفت كيف تقدم جانباً من ذهنية الثورة الفرنسية الى الجمهور الأميركي، كما
الى الجمهور خارج اميركا. ذلك ان غريفيث، حينما اتخذ قراره بتحويل مسرحية
«اليتيمتان» الى فيلم سينمائي، اعطاه أولا عنوان «يتيمتان في العاصفة»، نقل
الأحداث الى زمن الثورة الفرنسية. وإذا كانت اجواء الثورة وديكورات باريس
وفرساي التي حققها غريفيث للفيلم اثارت إعجاب الجمهور الأميركي، فإنها في
الحقيقة، اثارت سخط الجمهور الفرنسي. او هذا ما يقوله لنا على الأقل مراسل
صحيفة «نيويورك تايمز» الذي كتب عن عرض الفيلم في باريس، خلال شهر ايلول
(سبتمبر) 1922، تقريراً قال فيه: «مساء امس، وخلال العرض الأول لفيلم
«يتيمتان في العاصفة» لغريفيث في احدى صالات العرض الباريسية، ثارت
اضطرابات وقلاقل كثيرة في المنطقة المحيطة بصالة السينما... وامتد مداها
الى منطقة واسعة. والذي حدث يومها ان جمهور المارة، حتى من بين الذين لم
يشاهدوا الفيلم، راح يساند الاحتجاج الفوري الذي ابداه بعض مشاهدي الفيلم،
إزاء مشاهد الثورة الفرنسية... وكأن لسان حال هؤلاء جميعاً يقول انه لا
يجوز ان يتجرأ اجنبي على ان يعرض لنا مشاهد العصر الذي نعرف حسناته وسيئاته
افضل منه بالتأكيد... فبماذا يا ترى كان يفكر الرقباء الذين اجازوا عرض
الفيلم الذي يقدم لنا معالجة لذلك الفصل من التاريخ الفرنسي من منطلق
عدائي».
>
فهل كان الفيلم معادياً حقاً للثورة الفرنسية؟ إن ناقد السينما ومؤرخها
الفرنسي الشهير جورج سادول، يقدم رؤية مغايرة إذ يقول لنا إن الفيلم، في
نسخته التي
عرضت في باريس في ذلك الحين، إنما كان شوِّه واختزل من جانب الرقابة بغية
عدم إثارة
المنظمات والحركات الملكية التي كانت على وشك الاحتجاج على الفيلم. إذا، هل
كلنا
امام فيلم يعادي الثورة؟ اما إننا إزاء فيلم يقف الى جانب الثورة ضد
الملكية؟
كالعادة هنا، في إزاء افلام غريفيث الرئيسة، نجدنا امام التباس
محير. ومع هذا فإن
ثمة ما لا بد من قوله، والى حد ما نقلا عن الممثلة ليليان غيش، التي عاصرت
مولد هذا
الفيلم، بل كانت - بحسب روايتها - الدافع الى تحقيقه، إذ كانت هي، اصلا، من
اصطحب
غريفيث الى صالة مسرح كانت المسرحية تعرض فيه، فيما كان هو
يبحث عن حكاية تناسب
وجود ليليان ومعها اختها دوروثي في بطولة فيلم واحد. ليليان تروي لنا ان
«غريفيث،
وكما كان فعل اثناء إعداد وإخراج «مولد امة» و«تعصب» انهمك هنا في دراسة
المصادر
التاريخية، إذ اتخذ قراره فور مشاهدة المسرحية بتحويل زمنها
الى زمن الثورة
الفرنسية... وكان مصدره الأساس كتاب توماس كارليل عن «الثورة الفرنسية»،
كما انه
درس مؤلفات كتاب آخرين، كما استشار مراراً صديقنا لوي آلار، استاذ اللغة
الفرنسية
في جامعة هارفرد، وكذلك استشار المركيز دي بولينياك». في
اختصار، ان غريفيث الذي
كان معجباً الى حد مدهش برواية تشارلز ديكنز «قصة مدينتين» التي تتحدث عن
الحقبة
نفسها، وبالمنطق الميلودرامي نفسه، اراد ان يقترب عمله، من الناحية
التاريخية ومن
ناحية الجو المرسوم، اقرب ما يكون الى الواقع.
>
غير ان هذا كله لم يشفع له... طالما ان الميلودراما تضافرت هنا مع ذهنية
المغامرات ورعاة البقر، لتقدم في نهاية الأمر حكاية من الصعب
تصديقها... إذ ما إن
انجلى الطابع الضخم والاستعراضي الذي بهر المتفرجين اولا، في فيلم بن
غريفيث الذي
وضعت من اجله ديكورات تمثل ساحة الباستيل وقصر
فرساي وكنيسة نوتردام، ووصلت كلفة
ديكور واحد فيه الى 60 ألف دولار، وهو مبلغ كان يكفي حينها لإنتاج اربعة
افلام
متوسطة الطول، ما ان انجلى ذلك الطابع حتى بقي الهيكل العظمي للفيلم، عبارة
عن
حكاية غريبة عجيبة عن شقيقتين يتيمتين تجدا نفسيهما، من دون اي
مبرر منطقي، ضائعتين
وسط فوضى الثورة الفرنسية. ولقد بدا الأمر في النهاية وكأن كل ذلك الجو
التاريخي
الذي هيمن على الفيلم، لم يكن إلا ذريعة لتقديم المغامرات البائسة
للشقيقتين غيش،
اللتين لم يتمكن صدق مشاعرهما من جعلنا ننسى اصطناعية الحبكة.
فعمَّ تحكي لنا هذه
الحبكة؟
>
بكل بساطة عن الشقيقتين اليتيمتين اللتين تصلان الى باريس في
عام 1789
محملتين بكل براءتهما وبؤسهما وصدقهما، وهناك نجدهما تعيشان في ظل الطاغية
السيدة
فوشار التي ترعبهما بشكل مدهش، إذ تفرض حمايتها عليهما... ثم نجدها وقد
سلمتهما الى
الفارس فودراي. ولكن يحدث هنا للشقيقتين ان تفرا من ذلك
المصير، في الوقت الذي
تندلع فيه الثورة الفرنسية، فإذا بهما تعتقلان، ويصدر القرار بقطع رأسيهما
بالمقصلة. وهنا يصل زعيم الثورة دانتون - مثلما يفعل اي راعي بقر حقيقي -
على صهوة
حصانه لينقذهما في اللحظة الأخيرة.
>
لقد حقق غريفيث هذا الفيلم في عام 1921، اي في العام نفسه الذي
حقق - وعرض
فيه - فيلمه السابق «شارع الأحلام» الذي لا بد من الإشارة هنا الى انه جرّب
فيه
للمرة الأولى - وذلك قبل ظهور السينما الناطقة بسبع سنوات - ان يجعل الفيلم
ناطقاً
في نوع من التزامن بين الصورة والصوت... يومها لم تنجح تلك
التجربة، ما دفع غريفيث
الى تأجيل تحقيق مشروع كان عزيزاً عليه، وكان يرى انه لا يمكن تحقيقه إلا
صوتاً
وصورة، وكان عبارة عن اقتباس عن مسرحية «فاوست». وهكذا بعد «شارع الأحلام»
كان عليه
ان يجد موضوعاً آخر تعوّض فيه الضخامة وخلق الأجواء على عدم القدرة على
إيجاد
الحوار بالصوت المتزامن. وكانت تلك الفترة التي اقترحت فيها
ليليان غيش عليه ان
يشاهدا «اليتيمتان» على المسرح. وهي إذ روت له الحكاية نظر إليها بغضب
قائلا: «واضح
ان كل ما يهمك من الأمر هو ايجاد دور لشقيقتك دوروثي». لكنه، قلّص من غضبه
حينما
شاهد المسرحية. ويقيناً انه في ذلك الحين، لم يهتم بالحبكة
وبالأدوار بقدر ما اهتم
بأنه عثر حقاً على مشروع يمكنه من ان يصور الثورة الفرنسية. فتلك الثورة
كانت على
اي حال هاجساً لدى كثر من السينمائيين، لا سيما في الاتحاد السوفياتي وفي
الولايات
المتحدة.
>
هكذا، إذا، ولد هذا الفيلم، الذي رحَّب به النقد الأميركي، على
عكس النقد
الأوروبي، واصفاً إياه بأنه «عمل فني عظيم نشعر من خلاله بضخامة «مولد امة»
والتأثير التراجيدي لفيلم «الزنبقة
المحطمة»، والانفعالات الدرامية في فيلم «الطريق
الى الشرق»....». والحقيقة ان هذه الأفلام، اضافة الى «تعصب»
و«ابراهام لنكولن»
كانت بعض ما حقق هذا المخرج (غريفيث) الذي يعتبر من كبار رواد فن السينما
والمجددين
في رسم اجواء الأفلام، حتى وإن كانت افلامه - من دون ان تبارح الحقيقة
التاريخية
-
استفزت دائما جمهورها. وغريفيث ولد عام 1875 في ولاية كنتاكي
الأميركية، وبدأ حياته
صحافياً، ثم ممثلا مسرحياً، لينتقل عام 1904 للتمثيل في السينما. وهو نشر
في عام 1907
بعض القصائد، ومعظمها تميز بالاقتباس عن الأدب (إدغار آلن بو بين آخرين).
اما
شهرته العالمية فإنها بدأت عام 1915 مع «مولد أمة»، لتتواصل
بعد ذلك عبر افلام راحت
تحقق نجاحاً، وتصل الى ذروة اخرى مع «تعصب». وإذا كان غريفيث رحل في عام
1948
معزولا ومنسياً، فإنه كان واصل عمله حتى بداية الثلاثينات ليكون «العراك»
(1931)
واحداً من آخر اعماله، والوحيد الناجح بين افلامه الناطقة.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
09/08/2010 |