الحالمون عند نقطة الصفر ..
نظرة تاريخية :
قبل الحديث عن السينما في كوردستان العراق، اجد من الضروري التوقف
قليلاً عند الملامح الاولى لظهور الشكل الفني للفلم السينمائي . أي اقتفاء
اثر اللحظات الاولى التي كانت السينما فيها لاوجود لها كفن .حتى نرصد
الخطوات الاولى لظهورها على سطح المشهد الثقافي الانساني .
ونحن بهذه العودة الى تلك السنين نسعى لان نضع السينما في كوردستان
العراق ضمن اطارها الموضوعي والتاريخي ، ذلك لانها لم تولد من فراغ ، ولم
يكن ميلادها قد جاء بفعل الصدفة ، او تعبيراً عن رغبة انية لفرد ما ، انما
جاء ت بفعل تحولات اجتماعية وتاريخية شهدها العالم بشكل عام والمنطقة
الجغرافية التي تحيط بالشعب الكردي بشكل خاص . وهذا بدوره قد انعكس بطبيعة
الحال على المجتمع الكوردي سلباً وايجاباً لكنه في نهاية المطاف كان له
الاثر البالغ في نمو ويقظة الوعي الذاتي والقومي في المجتمع الكوردي ، الذي
شهد صوراًً جرب صور شتى للتعبير عن هذا الوعي عبر مراحل نضاله الوطني
وكفاحه الطويل من اجل اثبات وجوده على ارضه المستلبة، ومن اجل اعلان هويته
التي ظلت تتعرض لعمليات تدمير منظمة بقصد محوها أو اذابتهافي هويات شعوب
وقوميات اخرى . من كل هذا المخاض الصعب كان الشعب الكردي لايتردد في
الانفتاح على اي سبل ثقافية وفنية الى جنب الكفاح المسلح، للتعبير عن صوته
وكشف الظلم الذي كان واقعاً عليه .
وكان الفن السينمائي واحد من تلك السبل التي حرم منها بسبب ظروف
النظال التي كانت تتواجد في بيئة جبلية صعبة بعيدة عن المدن ،وبسبب
مايتطلبه العمل السينمائي ايضاً من امكانيات ماديةضخمة .
لكنه وبعد ان نال شيئاً من حريته بعد انتفاضته الشعبانية عام 1991 ،
بدأت اولى الخطوات العملية لاستثمار الفن السينمائي لتوثيق ذاكرته المعاصرة
قبل ان يطولها النسيان ، هذه الذاكرة المثقلة بالاحداث الجسام والتواريخ
المرة والمتوزعة مابين القتل الجماعي والتهجير القسري والنفي في الصحارى
والتغييب في السجون والمعتقلات المطمورة تحت الارض ، كان لابد من العمل
سريعاً على لملمة شظايا الجروح والمآسي التي كانت تختزنها الروح سواء جاء
ذلك عبر اعمال وثائقية او افلام روائية ،وهذا ماتحقق فعلاً في عدد من
الاعمال التي توزعت من حيث الشكل الفني على هذين النوعين من الانتاج الفلمي
في النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي .
ان السينما باعتبارها فناً ، لم تكن في يوم ما ترفاً فنياً لاقيمة له
جمالياً كان او فلسفياً او توثيقياً، انما كانت السينما منذ اللحظات الاولى
لولادتها عندما جاءت صامتة ، تشيء بفن كبير اشارت كل الدلائل على ان قاموس
مفرداته سوف يتسع فلماً بعد اخر وإسمَاً سينمائياً مغامرا بعد اخر،
وهنا انتبه لهذا الفن افراد افذاذ ، خُلِقوا لكي يكونوا فلاسفة
مكتشفين ومطورين للفن السينمائي ،كما هو الحال مع (كريفث) الاميركي
و(ايزنشتاين ) الروسي ، اللذان اقتحما ارضاً بكراً مجهولة، لم تطأها قدم
شخص اخر قبلهما بقصد (الاكتشاف والتنظير والتغيير والاستثمار ). وكان لهما
ما حلما به،وبدأت فعلاً على يديهما تتضح معالم فن جديد، لم يكن العالم
يعرفه ، وانتبه التجار والمستثمرون الاميركان لمايختزنه هذا الفن الجديد من
قدرات هائلة تجارية مخزونة فيه وعلى اشرطة السلولويد التي تطبع عليها القصص
والمغامرات والمطارات . لذا لم يتوانوا في تأسيس تأسيس وانشاء دور للعرض
السينمائي في المدن الاميركية ، واخذت تتسع اعداد تلك الدور يوماً بعد اخر،
كما اخذت ادوات العرض تتجدد هي الاخرى تبعاً للمتغيرات الحاصلة في الصناعة
التقنية للسينما ايضا .
ومن هنا بدأت رؤوس الاموال القادمة من الفن السينمائي تتضاعف وتتراكم
لدى المنتجين والمستثمرين في هذا الفن . ليصبح لهذا المال ثقلاً رئيسياً في
ميزانية الدخل القومي الاميركي في النصف الاول من القرن العشرين . ولم يكن
تأثير الفن السينمائي مقتصراً منذ البداية على الجانب الاقتصادي فحسب بل
بدا واضحاً لدى صناع القرار في اميركا تحديداً ، مدى التأثير الخطير لهذا
الفن الدرامي البصري على عقول وثقافات واذواق الشعوب، الى الحد الذي تمكنت
فيه السينما من تحقيق ماكانت قد عجزت عنه حقولا ثقافية وفنية اخرى كالادب
والمسرح من الوصول الى ماوصل إليه الفن السابع من قدرة على نشر وتعميم نمط
الحياة الاميركية الى ايما بقعة يصل اليها الفلم السينمائي الاميركي بعد أن
اكتملت كل عناصر النجاح المادي والتقني لهذه الصناعة ،ابتدأً من رؤوس
الاموال الضخمة الى معدات التصوير، والاضاءة ،والخدع الفنية التي يتم
تطويرها يوماً بعد اخر، وصولاً الى بناء مؤسسات اكاديمية فنية على درجة
عالية من الحرفية والعلمية يتلقى فيها عشاق الفن السينمائي من الذين يطمحون
للعمل فيه ادق المعلومات الحرفية واحدثها في مجمل تفاصيل انتاج الفلم
السينمائي . .
من كل هذا الارث الذي تراكم خلال قرن كامل اصبحت السينما اليوم ابرز
واخطر واهم الفنون الدرامية جاهيرية وتأثيراً على الرأي العام، وامست
عاملاً اساسياً لدى الساسة الاميركان وهم يرسمون الطريق لاحلامهم
الستراتيجية التي تمتد على طول وعرض الكرة الارضية وخارجها .
وهناك من الدلائل الملموسة مايثبت صحة ماذهبنا اليه وهذا امر لم يعد
جديداً ومستغرباً على احد ٍ . ويكفي الاشارة فقط الى عدد الافلام التي
انتجت عن الحرب الاميركية في فيتنام وضخامة تلك النتاجات لا لشىء سوى تبرير
وازاحة كل الشبهات عن تلك الحرب القذرة اضافة الى مساهمتها في اعادة الثقة
بالنفس وبالكرامة للمواطن الامريكي بعد تلك الهزيمة التي تلقتها في
المستنقع الفيتنامي .
وهكذا لعبت ايضاً نفس الدور في معركتها ضد الارهاب القادم من الشرق
الاسلامي كما روجت الدعاية الرسمية ! وأعطت بذلك مبررات الدخول الى مناطق
جغرافية كانت السياسة الاميركية تحلم بالوصول اليها ــ منذ الحرب الباردة
ـــ واقامة قواعد عسكرية واستخباراتية فيها ، من اجل هدف بعيد يحظى
بالاولية لدى دوائر صنع القرار هناك: وهو السيطرة على ثروات الشعوب الفقيرة
بأحوالها ،والغنية جداً بأراضيها والتي تختزن اهم واوسع ثروات العالم .
وفي المقابل لهذه الصورة السينمائية التي تم استغلالها بشكل بشع لخدمة
اغراض واهداف اضرت كثيراً بالانسانية وبالشعوب الفقيرة والمبتلية بحكام
طغاة واغبياء ، كانت هنالك صورة اخرى اكثر اشراقاً للسينما يتم انتاجها
ايضاً في عجلة السينما الاميركية والاوربية ، صورة اقتربت كثيراً جداً من
الذات الانسانية الجريحة بكل احلامها وامالها ، وكانت السينما هنا منطلقاً
رائعاً لكل الفنانين الحالمين بعالم اجمل، وشهد العالم خلال قرن كامل
اعمالاً سينمائية خالدة مجدت الانسان بكل طاقات الخير والنبل التي جُبل
عليها واقتربت كثيراً من مشكلات واحداث فردية ومجتمعية قدمتها بتحف فنية
تسري بين لقطاتها ومشاهدها مشاعر وعواطف واحاسيس انسانية تمكنت من اعادة
التوازن الى الذات الانسانية التي كانت تتعرض الى شتى صنوف التهديد والخوف
المجتمعي والسياسي . لتصبح السينما هنا تجربة جمالية تتظافر فيها فنون شتى
وتتماهى مع بعضها من اجل الارتقاء بالذائقة الانسانية وابقاء الامل مفتوحا
امام الانسان اينما كان وهو يشق طريقه في الحياة .
انتبهت شعوب عديدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الى اهمية وخطورة
الفن السينمائي بعد ان نالت تلك الشعوب ثمار نضالها وحريتها من اجل
الاستقلال والخروج من تحت هيمنة القوة الاجنبية المستعمرة سواء في اميركا
اللاتينة او في افريقيا او في اسيا . وظهرت خلال نصف قرن من الزمان تجارب
سينمائية متفرقة هنا وهناك شهدتها تلك القارات والبلدان التي تقع فيها ،
وتباينت نسب الانتاج بين مد وجزر تبعاً للظروف المحلية لكل بلد وقارة، خاصة
ونحن نعلم ان كل البلدان التي تحررت والتي امست زمام امورها خاضعة لحكومات
وطنية كانت قد ورثت تركة ثقيلة لتلك العهود الطويلة من النهب والاستعباد ،
لكن الشيىء المؤلم والموسف له، ان تلك الفرصة التاريخية التي حظيت بها تلك
الحكومات والزعامات الوطنية لم يتم استثمارها بالشكل الصحيح والمجدي ، بعد
ان اساء الحكام الوطنيون الجدد استغلالها اسوأ استغلال خدمة لمناصبهم
ومصالحهم ،وبدلاً من التفكير جدياً في خلق فرص تنموية لبلدانهم وتطويرها
على النحو الافضل خدمة لشعوبهم،ذهبوا بعيداً جداً في عسكرة المجتمعات وبناء
شبكة متضخمة من الاجهزة الامنية والقمعية والترسانات العسكرية التي ارهقت
اقتصاد البلاد واصابته بالعجز والشلل والتضخم ولم يكن الهدف من تلك
السياسات سوى السيطرة على شعوبهم بالقوة وقمع اي قوة تطالب بالحرية
والعدالة الانسانية ولتكون السينما في هذه البلدان على شكل واحد من التشابه
والاستنساخ في القارات الثلاث ( اسيا افريقيا واميركا اللاتينة ) ولتصبح هي
الاخرى ضحية كبقية ضحايا المجتمع .
وعليه لم تشهد تلك البلدان نمواً وتطوراً في الانتاج السينمائي إلاّ
فيما كان يخدم النظام الحاكم وايدلوجيته المخادعة والمزورة لكل شيىء ابتدأً
من التاريخ البعيد ومروراً بالحاضرالقريب بكل التفاصيل البوليسية التي يحيا
بظلها الانسان . لكن نماذج هذه السينما الحكومية لم تستطع ان تقنع الناس
البسطاء في تلك البلدان بقيمتها الفنية ومصداقيتها.
وهكذا ايضاً فشلت تلك الافلام فشلاً ذريعاً في الوصول الى المهرجانات
الدولية التي كانت تحرص الدوائر الرسمية الحكومية على التواجد فيها من اجل
تلميع صورتها والاستمرار بنفس اللعبة دولياً لخداع العالم كما كانت تخدع
مواطنيها . وبذلك لم تتمكن من تحقيق ماكان يصبو اليه الحكام .
وعلى ذلك لم يكن غريباً ولاأمراً يدعو للدهشة او الاسف ان يذهب كمٌ
هائلٌ من النتاج السينمائي السوفيتي ومن الكتلة الاشتراكية في اوربا
الشرقية كان قد تم صنعه على مدى نصف قرن الى حاويات الزبالة بعد سقوط
الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي ..
لقد تم محو تاريخ طويل من الفن الدعائي الكاذب والمزور لكل شيىء .
وسقطت من ذاكرة الناس والتاريخ اسماءً فنية كثيرة عملت لعقود طويلة من اجل
خدمة الانظمة السياسية الحاكمة فقط ، وتجاهلت دورها الطبيعي ودور الفن
الحقيقي في الكشف عن الحقيقة وانصاف الانسان المقهور والمستلب بحريته
وانسانيته وهويته ولقمة عيشه واحلامه وارتضت تلك الاسماء لنفسها ان تنزلق
الى منحدر ومستنقع اسن ٍ، الى فن ٍ وسخ، ساهم مساهمة واضحة في الاساءة
لكرامة الانسان وحريته .
وبعد سقوط جدار برلين كرمز لسقوط حقبة سوداء من تاريخ البشرية لم
يقتصر تأثيرهذا الحدث وتداعياته على اوربا فقط بل تعداه الى العالم اجمع
وبدأ العالم يشهد عهداً اخر من تاريخ الانسانية ،عهد ايقظ الامل في الشعوب
الصغيرة والاقليات المهمشة التي طالما سحقتها القوانين الجائرة للقوى
المجتمعية الكبيرة المهيمنة على الحياة . وبدأنا نشهد الكثير من مظاهر
التعبير الفني لتلك الشعوب والاقليات عكست من خلالها ماتختزنه من عشق كبير
للحياة وقدرات ابداعية هائلة ظلت مقموعة لعقود طويلة وهكذا نال عدد من
المبدعين ينتمون لتلك الاقليات والاعراق على العديد من الجوائز الفنية في
الكثير من المهرجانات الفنية ،وسجلوا حضوراً مميزاً لهم ولشعوبهم بعد ان
توفرت الفرصة لهم للتعبير عن انفسهم وعن قدراتهم . وهذ ماحصل على سبيل
المثال لاألحصر مع مخرج فلم( اسامة ) للمخرج الافغاني ( صديق بارمك )
والمخرج الكوردي التركي ( يلماز كوني ). وعدد من الاسماء السينمائية
الايرانية (محسن مخملمباخ )و(سميرا مخلمباف) واسماء اخرى تنتمي لجنسيات
وقوميات اخرى كانت غائبة ومغيبة عن ذاكرة العالم .
السينما في كوردستان العراق :
تأتي السينما في كردستان اليوم لتعد واحدة من تلك التي السينمات التي
لم تكن حاضرة في الحياة والثقافة المجتمعية الكوردية بفعل ماواجه الشعب
الكوردي من ظلم على مدى عقود طويلة من القمع والاضطهاد ، وكانت قواه
التقدمية تكافح بما تملكه من قدرات من اجل الحفاظ على الهوية والوجود من
الابادة والزوال وكرست كل جهدها و طاقاتها لاجل هذا الهدف .
لذا لم ليكن الظرف مناسباً وملائما لقيام وظهور فن سينمائي نشط يواكب
مايجري من احداث على ارض كردستان . لكن اليوم وبعد ان سقطت كل الاسباب
الموجبة التي كانت وراء مأساة الشعب الكردي ونال حرية كان يسعى اليها دوماً
وامست ارضه تحت ارادة ابناءه ، بدأت ملامح انتاج سينمائي كوردي تظهر على
سطح الحياة الفنية في الاقليم . ومن هنا تعد السينما في كوردستان العراق من
الفنون الجديدة التي شهدت الاهتمام بها خلال الاعوام القليلة الماضية .
ورغم العمر القصير هذا ، تمكن عدد من العاملين والمحبين لهذا الفن من
انتاج عدد من الافلام الروائية الطويلة التي حققت حضوراً فنياً في
المهرجانات الدولية التي شاركت فيها وحصلت على جوائز مهمة نتيجة لما حملته
تلك الافلام من مستوى فني جيد ولغة سينمائية ناضجة ، كما هوالحال في فلم
(زيان ) اي بمعنى( الحياة ) للمخرج جانو روجبياني والذي تم انتاجه في مطلع
القرن الحالي ويتحدث الفلم عن قرية حلبجة التي تم قصفها بالسلاح الكيمياوي
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي اثناء الحرب العراقية الايرانية ، وقد
وترك ذلك اثراً بالغاً على حياة ساكنيها وعلى الاجيال التالية ،ولم تزل
اثارها شاخصة حتى الان . وهنالك افلاماً اخرى للمخرج شوكت امين الذي حصد
الجائزة الكبرى عن فلمه ( ضربة البداية ) في الدورة الاخيرة لمهرجان الخليج
السينمائي الذي اقيم في دبي / الامارات عام 2010 وهو انتاج مشترك مع
اليابان وسبق لهذا المخرج ان قدم فلماً اخر عنوانه ( عبور الغبار ) وقد نال
هذا الفلم ايضاً في حينها عدد من الجوائز نتيجة مشاركته في كذا مهرجان دولي
.اضافة الى ذلك هناك افلاما اخرى للمخرج بهمن قوبادي الايراني الاصل والذي
قدم خلال مسيرته الفنية العديد من الافلام الروائية الطويلة نذكرمنها (نصف
القمر،السلاحف تطير،اناشيد وطني، وقت للخيول المخمورة) اضافة الى افلامه
القصيرة الثلاثة عشر( الدفئ ، الحرب انتهت، الحياة في الضباب،الحلاق ،جندي
يدعى امين، سمكة الله، السابع عشر، كالحياة، الصوت، مطر من جديد مع
الالحان، لحظة وميض، ) وغيرها من الافلام المنبعثة من صميم الواقع ،
والمخرج قوبادي له رأي جريء في واقع صناعة السينما في كردستان سبق ان ادلى
به في العاصمة الرومانية بخارست بعد مشاركته في لجنة تحكيم المهرجان
العالمي الثالث للافلام المستقلة الذي نظمته رومانيا العام الفائت اذ قال
في حينها ( بان شعب كردستان لن يتطور ويلتحق بركب الحضارة العالمية الا
بتعميم الثقافة واحترام السينما والموسيقى والشعر ورعاية المبدعين وتشجيعهم
ورعاية الناشئة الفنية ومن خلال نتاجات هؤلاء سيتعرف العالم على شعب
كردستان وعلى قضيته السياسية العادلة لا من خلال التسابق على تشييد
البنايات الفارهة وتاسيس الشركات المتنافسة والمطاعم والاسواق المزركشة
الاستهلاكية.! ) .
ان هذا الرأي من مخرج مهم يملك تجربة غنية يستحق التوقف عنده والاخذ
به من اجل قراءته بشكل جيد وصولاً الى وضع الاسس واللبنات الصحيحة لصناعة
السينما في كردستان العراق .
ولاجل ذلك ينبغي الاخذ بمشورة المثقفين والسينمائيين عبر ملتقيات
وحلقات دراسية يتم التهيئة والاعداد لها بشكل جيد من اجل القاء نظرة واضحة
وعلمية على واقع الانتاج السينمائي وبناء صورة اخرى لليوم الاخر القادم .
و اضافة الى ماذكرنا من الاسماء العاملة في ميدان الاخراج السينمائي
هناك مخرجون اخرين ، ايضاً اثبتوا كفاءتهم وتميزهم في هذا المضمار منهم
المخرج (مهدي اوميد )والمخرج (حسين حسن ) الذي شاهد له الجمهور في كردستان
العراق مطلع العام الحالي 2010 في مهرجان محلي اقيم لعرض عدد من الافلام
الكوردية في اربيل فلماً بعنوان ( هرمان ) اي بمعنى (البقاء) .وهناك ايضاً
المخرج انور السندي الذي قدم فلما بعنوان( مطلع الفجر ) ، عالج هو الاخر
موضوعة الحدث الجسيم الذي شهدته ناحية حلبجة وماعانته من دمار نفسي ومادي
نتيجة القصف الكيمياوي .اضافة الى ذلك فقد شهدت الافلام الروائية القصيرة
هي الاخرى اهتماماً واضحاًمن قبل السينمائيين الشباب الذين عدوها خطوة اولى
للدخول الى ميدان انتاج الافلام الطويلة رغم فارق الاسلوب الفني بين نوعي
الفلمين .وقد شهدت كردستان العراق اقامة عدد من المهرجان السينمائية
المحلية التي استوعبت العدد المتزايد من الافلام السينمائية الروائية
القصيرة التي تولى اخراجها مجموعة من الشباب الكورد توزعوا على المحافظات
الكردستانية العراقية ، وهم في تزايد واضح يوماً بعد اخر رغم قلة الدعم
الذي يتلقونه من المؤسسات الحكومية . مع ان وزارة الثقافة في هذه الايام
وفي خطوة جادة منها تسعى لتقييم طبيعة الدعم الذي تلقته الانشطة السينمائية
في الاعوام الماضية وتهدف من وراء ذلك الى وضع خطط جديدة ورسم سياسة داعمة
جديدة، الهدف منها استثمار الاموال في الانتاج السينمائي بالشكل الصحيح
والفاعل بعد ان أمست الحاجة تقتضي توفير الارضية المناسبة والسليمة لبناء
هيكلة جديدة لصناعة الفن السينمائي في كوردستان العراق التي سيكون
لسينمائييها دور واضح ومهم في السنوات القادمة على المستوى الاقليمي
والدولي .وهذا يأتي من شغف الشباب بهذا الفن الذي يملك بأمكاناته البصرية
والسمعية مايجعله قادراً على ان يكون ذاكرة فنية وجمالية للانسان والشعوب .
وقد اتاح لنا نادي السينما الذي تم افتتاحه في منتدى عنكاوا للثقافة
والفنون والذي يرأسه الفنان المجتهد رفيق نوري فرصة جميلة تعرفنا فيها على
نماذج من السينما في كوردستان العراق في الاول من شهر حزيران الحالي وتمكنا
من خلالها ان نشاهد ثلاثة افلام ، في اولى انشطة النادي كانت لثلاثة مخرجين
اكراد، استطعنا من خلالها ان نستشف بعض ملامح هذه السينما التي يسعى شبابها
من مخرجين ومخرجات ان يضعوا اقدامهم على الطريق السليم في مشوار الفن
السابع . وهذا يأتي من طبيعة الموضوعات الغنية التي يحرص هولاء الفنانون
على الاقتراب منها ومعالجتها بطرق واساليب تحاكي نماذج فنية متقدمة في
صناعة الفلم ، وإن كان البعض من تلك النتاجات بقي اسير الموضوعات
والمعالجات المستهلكة والتي تجاوزها الفن السينمائي وتركها الى خلفه لتعتاش
عليها الدرامة التلفزيونية بكل اسرافها واستطراداتها المملة . لكن الشطر
الاعظم من تلك الافلام كان تتضح فيه صدق النوايا والتوجهات الفنية التي
تخلت عن كل القوالب الفنية النمطية الجاهزة التي اسسها نمط الانتاج الفني
السينمائي في المنطقة العربية سواء في ( مصر) أوفي منطقة الشرق الاوسط ،
رغم وجود العديد من النتاجات الفلمية في المنطقتين المذكوتين اعلاه والتي
توفرت فيها قيماً جمالية وفنية متقدمة سواء على صعيد الشكل أو الموضوع كما
في افلام يوسف شاهين وداؤد عبد السيد ومحمد خان من مصر على سبيل المثال
لاألحصر وعبد الحميد عبد اللطيف من سوريا واسماء اخرى يحفل بها المغرب
العربي اضافة الى السينما الايرانية .
ومن سط هذا الكم الهائل والتاريخ السينمائي الطويل في الشرق الاوسط
الذي يحيط بالمنطقة الكوردية جغرافياً وثقافياً تأتي خطوات السينما
الكوردية الشابة بكل عافيتها وحيوتها وقد ادركت حقيقة الطريق الذي ينبغي ان
ترسمه لنفسها ، على الرغم مما ينقص هذا الطريق من ممهدات مادية فنية من
مؤسسات انتاجية الى مؤسسات علمية اكاديمية الى مؤسسات ثقافية سينمائية .
وإذا كانت قد وجِدت بعض من تلك المؤسسات في الاقليم مثل قسم السينما في
كلية الفنون الجميلة في جامع صلاح الدين / اربيل ، إلاّ أنها لازالت تفتقر
الى الكثير من المستلزمات الفنية والمادية ،اضافة الى الاساتذة المختصين من
ذوي الشهادات الاكاديمية العليا ، وليس اقل من ذلك حاجتها الى من هم
يمتلكون الخبرة العملية في هذا الميدان .
ومع كل ذلك فإن صورة السينما في كوردستان العراق هي افضل حالا مما هي
عليه صورتها في بغداد وفي عدد من البلدان المجاورة، ليس من حيث عدد الافلام
المنتجة بل من حيث جودتها ،وهذا ماتؤكده حقيقة المشاركات الدولية للعديد من
تلك الافلام التي وإن لم يستطع بعض منها ان يحظى بجائزة ما ، فهي على الاقل
قد تمكنت من الدخول بشكل رسمي ومشرف في تلك المهرجانات وتمكنت ايضاً ان
تترك انطباعاً جيداً عنها وعن مستقبل هذه السينما الطموحة والفتية ، وهذا
مالم يحصل مطلقاً في تاريخ السينما العراقية الذي يمتد لاكثر من نصف قرن
!فهذه السينما التي بدأ الانتاج الوطني فيها منذ عام 1956 مع فلم ( فتنة
وحسن ) إلاّانها لم تتمكن من الدخول بشكل رسمي طيلة نصف قرن من تاريخها الى
اي من المهرجانات الدولية المعروفة للمشاركة في المسابقة الرسمية او حتى
على هامش فعاليات تلك المهرجانات وهذا الامر مع ان الصورة بدأت تتغير نحو
الافضل بعد التاسع من نيسان 2003 . وينطبق رأينا هذا ايضاً على السينما
المصرية كذلك ، والتي هي ايضاً بقيت اسيرة لعدد من الاشكالات الفنية التي
جعلتها غير قادرة على الدخول وبقوة ــ إلاّ في استثناءات قليلة ــ الى
الساحة السينمائية العالمية التي تتواجد في المهرجانات الدولية لتأكيد
تطورها وتطور اساليب مخرجيها وفنييها . وإن تغيرت ملامح هذه الصورة في
الاعوام القليلة الاخيرة .
أدب وفن في
04/08/2010 |