السينما التركية تسير في سباقها العالمي الذي تأثرت فيه مؤخرا بأكثر
من شوط علي غرار السينما الإيرانية التي أطلت علينا في أواخر السبعينات
فأدهشتنا وأسكرتنا وجعلتنا نؤمن من جديد بأن السينما تملك أقنعة سالومي
السبعة.. وإنها قادرة دوما علي إدهاشنا بالجديد والمبتكر وغير المتوقع.
السينما الإيرانية في هجمتها العالمية الكاسرة ركزت علي محورين.. محور
الريف بكل تقاليده وغموضه وخصوصيته وعفويته الشاعرية.. يساعدها في ذلك
الجمال الأخاذ الذي تتميز به الطبيعة الإيرانية.. ثم محور عالم الطفولة
الغامض والمعقد.. والذي يفتح أمامنا أبوابًا لا نهاية لها تقودنا إلي هذه
الجنات الخضراء ذات الفواكه الذهبية التي يتكلم عنها الشاعر الفرنسي الكبير
(آرثور رامبو).
السينما التركية فهمت تمامًا الدرس الذي قدمته لها السينما الإيرانية
فأتبعت خطاها وسارت علي منهجها ولكن دون أن تفقد خصوصيتها التركية وسحرها
الشرقي العابق بالأسرار.
ومن خلال مجموعة من الأفلام.. أبطالها أطفال صغار أو مراهقون تسري
دماء الحياة في عروقهم الفتية استطاعت هذه السينما أن تضعنا مباشرة أمام
عالمها الفاتن وشخوصها المدهشين.
وهكذا تتابعت عدة أفلام تركية.. تدور معظم أحداثها في هذا الريف
الساحر وهذه الطبيعة التي تذكرنا بالجنة.. ومن خلال عيون ونفوس بريئة تسأل
العالم وتدع هذا العالم يسألها بدوره في دائرة مغلقة ومشعة.. تتسلل إلي
نفسك ككهرباء سرية.. فتحول كيانك كله إلي عين تري وأذن تسمع.
هذه الخاصية المتميزة.. وصلت إلي أوج تعبيرها في هذا الفيلم الذي يحمل
اسم (العسل) والذي سحر محكمي مهرجان برلين وجمهوره.. فقفز فائزًا متجاوزًا
كل الأفلام الكبيرة المهمة التي كانت تعرض إلي جانبه في تلك الدورة من
المهرجان.. وحقق للسينما التركية هذا
الفوز الكبير الذي كانت تحلم به دول أخري لها تاريخها العريق ونجومها
الكبار وأساطين مخرجيها.
يصعب حقًا تلخيص فيلم (عسل) لأنه فيلم عواطف ومشاعر لا فيلم أحداث
ووقائع تدور وقائعه في منطقة جبلية تحيطها غابات سامقة ذات خضرة، وجداول
ماء صغيرة ترسل أنغامًا موسيقية فاتنة. وجسور خشبية تصل بين ضفاف النهر..
وطرق صغيرة جبلية مفروشة الحصن.. ومزينة بورود ذات رائحة ناغمة ولون عجيب.
في هذه القرية الجبلية.. وعلي مبعدة من بيوتها الصغيرة المتناثرة
كحبات العقيق الأحمر تعيش أسرة مكونة من أب يعمل بمهن شتي.. ولكن مهنته
الأساسية.. هي تعليق (خلايا) خشبية يستقطب فيها النحل الهائم ليضع فيها
عسله.. هذه المهنة الصعبة والمثيرة تدفعه إلي تسلق الأشجار العالية.. وسط
الغابة التي يصل إليها راكبًا مطيته البيضاء حاملاً هذه الصناديق الخشبية
الصغيرة التي ستعينه علي حياته وتربية ابنه الصغير يوسف الذي
وصل إلي عامه السابع، ويدرس في مدرسة صغيرة.. تبعد عن منزله أميالاً..
يقطعها كل يوم مجتازا الغابة العذراء، وقاطعًا لجداول وراكبًا الجسور
الخشبية.. حتي يصل إلي هذه المدرسة التي يتجمع فيها الطلبة.. يقرأون
ويدرسون ويتعلمون معاني الحياة.
يوسف هذا يعاني صعوبة في القراءة.. ولكنه يملك عوضًا عن ذلك ذهنًا
متفتحًا وعينا بصيرة قادرة علي الرؤيا والاكتشاف وأذنا واعية تسمع بانتباه
كل ما يدور حولها وتدخله إلي بوتقتها السرية ليشكل ببطء ساحر.. معالم
شخصية قادمة يمكن أن نتنبأ بما ستفعله في المستقبل.. من خلال مراقبتنا لما
يجلب انتباهها في حاضرها وفي مجال حياتها الضيق.
من خلال إيقاع متماسك ورزين.. يقدم المخرج التركي شخوصه وكأن أحداثه
علي وزن وتر موسيقي يشبه لحن الكمان.. مركزًا علي وجه الطفل وعينيه
المليئتين بالفضول والدهشة والحب والحنان وعلي الطبيعة الساحرة التي تحيط
به.. وعلي
جوه العائلي وعلاقته بابنه وأمه.. وعلاقته بمدرسته وأصحابه الصغار.
أسئلة شتي.. تتوالي كأمواج البحر.. تطل من عينيه ومن نظراته ومن
اكتشافه البديع للعالم الذي يحيا فيه بكل سريته وتناقضاته وسحره وقسوته
معًا.
المحور الرئيسي الذي تدور حوله خيالات الطفل هو هذا (العسل) الصعب
الذي يسعي الأب للحصول عليه والذي يشكل شريان حياة الأسرة كلها.
في
مدرسته يواجه الطفل يوسف «مواقف» يجبر فيها علي (خيانة) صديق عمره ومصادرة
كشكوله لنفسه كي ينجو من العقاب.. ثم يقظة ضميره.. وزيارته لهذا الصديق
المريض.. وإعطائه هدية الزورق الخشبي الذي صنعه أبوه خصيصًا له.. وطالما
حلم به.
علاقة يوسف بأبيه يعقوب.. لا يعبر عنها الفيلم بحوار أو موقف درامي..
وإنما بنظرات طويلة متساءلة.. وبأحاسيس حارة دافقة.
ويأتي الحدث الذي سيقسم الفيلم إلي قسمين.. وينقلنا من نغم الكمان
العاطفي الهادئ، إلي أنغام الجيتار
الحزينة المجنونة. إذ يسقط الأب في إحدي جولاته من الشجرة العالية التي صعد
إليها ليضع علي غصونها خلية يستقطب فيها عسل النحل.. ويرتمي جثة هامدة..
بينما تعيش الأم مع ابنها لحظات قلق لا متناهية في انتظار عودة زوجها،
لحظات يشعر فيها الطفل أنه قد أصبح رجلاً، وأن رأس أمه المتعب آن له أن
يستقر علي كتفه هو.
وهنا يقدم لنا المخرج مشهدًا بالغ الشاعرية.. يصح أن يعتبر عنوانًا
لأسلوب السينما التركية الجديدة، عندما يحاول يوسف أن يصطاد القمر الذي
انعكست صورته المضيئة علي (جدول) ماء صغير.. تعبث أصابعه بالماء فيختفي
النور.. وتخرج الأصابع فارغة.. ويعود القمر العابث لمكانه في أعماق الماء.
وتذهب الأم مع ابنها الصغير.. إلي سوق المدينة للبحث عن زوجها الذي
طال غيابه وهنا يقدم لنا المخرج صورة مدهشة لامكانياته السينمائية
الباهرة.. تذكرنا بأجمل ما قدمته لنا السينما الشرقية من صور عن أسواقها
الشعبية.
حركة وإيقاع وتوازن وشاعرية متدفقة.. ونظرة سينمائية لا يخفي عليها
شيء وتعود الأم بائسة مع ابنها لتجد النبأ الحزين في انتظارها.
ويتجمع الأصدقاء القلائل حول الأم المنكوبة.. بينما يبتعد يوسف مفكرًا
ملقيا نظرة غامضة علينا.. فيها كل تساؤلات الحياة والموت.. أسرار الطبيعة
وغموض الكون، وهذا (العسل) القاتل.. الذي يلقي بثأره الطبيعي دون صراخ ودون
تمهيد.
الفيلم قصيدة شعرية كتبها مخرجها بالضوء واللحن وزركشها بإطار طبيعة
خلابة كل ما فيها يتكلم.. الزهور البرية وجداول الماء والأشجار السامقة..
والطيور البيضاء وخضرة الغابات.. وضوء القمر.
ولكن هذا كله يوضع في كفة ميزان واحدة، أما الكفة الأخري فيملأها وجه
هذا الصبي العبقري. ونظراته الغامضة المليئة بالمعاني والأسرار.. والتي
يعجز كبار الممثلين عن أدائها بمثل هذه العفوية وهذا الصدق وهذا التأثير.
(العسل) فيلم أيقونة..
فيلم يترك في القلب جرحًا ولكنه يحيل العين أكثر سعة والنفس أكثر رحابة.
ويقول لنا بعبارة بسيطة شديدة العفوية إن السينما إذا كانت سينما حقة
فهي قادرة حقًا علي صنع المستحيل والعسل هو واحد من هذه الأفلام التي كنا
نظنها من المستحيلات.
>
هناك احتمال أن يعرض هذا الفيلم الرائع بمهرجان إسكندرية
السينمائي القادم
جريدة القاهرة في
03/08/2010
عسل إسود.. مصر أوضة وصالة
بقلم : محمود قاسم
لو سمينا الأفلام بأسماء أبطالها، وقلنا إن فيلم «عسل إسود» لأحمد
حلمي، وهذا شيء يجر السينما أكثر إلي الوراء، لقلنا أن الممثل يعود مجدداً
إلي ما يسمي بأفلام الاسكتشات التي اشتهر بتقديمها قبل الصعود الكبير له في
فيلم «كده رضا». نعم فيلم «عسل إسود» إخراج خالد مرعي، هو مجرد مجموعة من
الاسكتشات المتتالية المنظمة تنظيماً آلياً لطيفاً، بدا أشبه بكرة القدم
الإلكترونية في كأس العالم، تتفرج عليه بإمتاع، لكنها تفتقد إلي شيء ما،
تحسه أنت كمشاهد..
الفيلم منقسم إلي قسمين رئيسيين الأول، وهو الأطول، عقب وصول مصري من
الولايات المتحدة إلي القاهرة، باعتباره مواطناً قاهرياً، ولا أعرف لماذا
لم يختره الفيلم من مدينة أو قرية بعيداً عن العاصمة، ومعايشة الشاب العائد
من الغربة بعد غياب طال عشرين عاماً، ومقابلته لجميع السلبيات الموجودة في
الوطن، السلبية تلو الآخري، كل منها في شكل اسكتش، يؤدي الواحد منها إلي
الآخر، أما القسم الثاني من السلبيات، فهو في المرحلة التي يري فيها «مصري»
ويعيش كل إيجابيات الوطن، مما يجعلنا نتعاطف معه بشدة، وهو في طريق العودة،
لدرجة أنه لم يحتمل الفراق الثاني، فأصابه بتلبك معوي، أو لعله تظاهر بذلك،
حتي يعود مجدداً إلي هذا الوطن.
الفيلم إذن من مواليد برج العقرب، لايري سوي فعلين فقط: «يكره» أو
«يحب» ليس بين الاثنين أي ثالث، ليست هناك محطات رمادية، بمعني أن الفيلم
ظل يسقط أمطار السلبيات علي «مصري» منذ نزوله أرض المطار، إلي أن اكتشف
الدفء الداخلي في البيت الذي نزل فيه ضيفاً.. ثم بدأ فرأي كل شيء دافئاً،
جميلاً، مليئاً بالمظاهر الإنسانية، فرأي الجانب الأفضل من الناس الذين هم
«الوطن».. والغريب أن السائق الطماع راضي، قد تغير فجأة فصار مقبولا لدي
مصري، وجعله يقوم بتوصيله إلي المطار في رحلة العودة.
والقسم الأول من الفيلم، ينقسم باسكتشاته أيضاً إلي قسمين أساسيين،
الأول عبارة عن اسكتشات متتالية لما يحدث في الشارع المصري، حتي إذا تعرفنا
عليها كلها، من وجهة نظر الفيلم، بدأ السيناريو في عرض السلبيات التي
يعيشها المصريون في داخل البيوت، مع عودته مرة أخري، بشكل متناثر، إلي ما
يحدث في جوف المدينة، مثل الهرولة وراء الأتوبيس لركوبه، وسقوط «مصري» فوق
الأرض عند النزول والأتوبيس يتحرك إلا أنه ليس علي خبرة بأمور النزول أثناء
انطلاق الأتوبيس، وهو الذي سيتعلم فيما بعد كيف يفعل ذلك بمهارة، باعتبار
هذا يحدث في الجزء الملئ بالإيجابيات المصرية.
الاسكتش الأول الذي يقابلك، أثناء نزول العناوين، هو الحوار الذي يدور
بين «مصري» وشاب مصري آخر عائد إلي الوطن، وحوار ملئ بالحماس من طرف «مصري»
وبالحذر من طرف الشاب الآخر الذي سيكون أيضاً في نفس طائرة العودة (علي
طريق المصادفات السينمائية» وفي مقعد مجاور، ويتبادلان الحوار، وذلك مثلما
حدث في الفيلم الفرنسي «رجل من ريو» بطولة جان بول بلموند عام 1964.
هواء ودخان
بعد الخروج والسعال عند استنشاق أول هواء مصري، وخاتم الجوازات، يبدأ
علي الفور اسكتش سائق اللاموزين راضي، الذي لا يأخذ معه في سيارته
«الميكروباص» الركاب المصريين، لأنهم بيفاصلوا، ويقبل أن يقوم بتوصيله
عندما يعرف أنه أمريكي، مادام مش فاهم حاجة ح أوصلك «ومن خلال هذا السائق،
يقدم الفيلم أول صورة سلبية ستقابل مصري» والتي سيتقبلها بحسن نية، وقد
استعان الفيلم بالممثل الكوميدي لطفي لبيب، كي يدس السلبيات في عسل نحل،
ليحوله إلي اسود والظلام من عندي، فرغم أننا في شهر رمضان، فإن هذا لا يمنع
السائق أن يستغل العائد من أمريكا، بأن يخبره أن الشطيرة ثمنها مائتي جنيه،
وأن زجاجة المياه بثلاثين جنيهاً، وهذا السائق يرمي بفوارغ المياه في
الشارع ويردد بلطف شديد «فيه الي بينضف ويكنس».. وهذا السائق يستغل الراكب
بأن يتكلم إلي زوجته من هاتفه المحمول، والمفروض أن هذا الهاتف دولي، وليس
محلياً.. كما أن السائق يترك المسافر بحقائبه، إذا كانت لديه حقائب علي
مسافة بعيدة من الفندق.
وبانتهاء الاسكتش الأول، اسكتش السيارة الأجرة والسائق، حتي يبدأ
الاسكتش التالي، لما يحدث في الفندق، أو الفنادق، حيث يؤكد السيناريو أن
هناك مفاضلة بين النزلاء حسبما إن كان مصرياً، أو أجنبياً، والمغالاة في
أسعار الإقامة.
وهكذا تتوالي الاسكتشات، وكما أشرنا، فإن السلبي يأتي أولاً، وفي
شوارع القاهرة، مثل اسكتش زيارة الهرم بجميع أشكال الاستغلال، ثم اسكتش
القلعة، والمسجد حيث تمت سرقة الحذاء، ثم اسكتش القسم بعد القبض عليه،
وهناك يقابل السائق أيضاً علي طريقة مصادفات السينما، وبعد ذلك مباشرة
اسكتش المظاهرات ضد أمريكا، وتحرش بعض الشباب الملتحين به.
بانوراما داخلية
وهكذا أراد الفيلم أن يقدم كل القاهرة المعاصرة في اسكتشات متلاصقة،
من خلال ما يمكن أن يقابله شاب عائد إلي بلاده، وبالغ الحماس للإقامة فيها،
إنها مصر التي نعرفها، واعتدنا عليها ثم تكثيفها في هذه الاسكتشات، وهناك
بعض المظاهر الإيجابية في هذه الاسكتشات، مثل موائد الرحمن، وتوزيع الصدقات.
وبعد كل هذه البانوراما للسلبيات المصرية في جوف المدينة، تبدأ سلبيات
مصر الداخلية، أقصد داخل البيوت، عندما يبحث «مصري» عن بيته القديم، وفي
بيت أم سعيد، نري ما تعيشه الأسرة العادية، أيضاً من خلال اسكتشات متتالية:
أولاً ازدحام الشقة الصغيرة بأشخاص كثيرين، سعيد، وأمه، وأخته ابتسام،
وزوجها منصف، وأخوه الصغير، ويأتي «مصري» كي يزاحم علي المائدة، والفراش،
ويكشف الفيلم السلبيات أولاً فسعيد المتدين بلغ الحادية والثلاثين دون أن
يجد وظيفة أو عروساً، أما ابتسام فقد أقامت مع زوجها في غرفة واحدة «إذا
كنت أنا جوزها ومش عارف أبوسها.. ولا شك أن هذا الاحتكاك يولد بعض المتاعب
الصغيرة، التي لن تلبث أن تتحول إلي الجانب الإيجابي».
ووسط الاسكتشات الخاصة بالحياة المنزلية للمصريين، يعود الفيلم إلي
سلبيات الحياة العامة مثل اجراءات استخراج بطاقة الرقم القومي، وما يحدث في
داخل الأتوبيسات وكفاءة المدرسة ميرفت التي لا تجيد الإنجليزية التي تدرسها
للتلاميذ.
وباعتبارنا أمام فيلم كوميدي، ففي رأيي أن كل هذه السلبيات، يمكن أن
نطلق عليها رومانسيات السلبيات، فالمشاكل الحقيقية التي يعانيها الوطن،
والموجودة من حولنا لم يشر إليها الفيلم باعتبار أن «مصري» لم يذهب إليها،
أي أنه كان يعيش علي سطح المجتمع، وليس في أغواره ، وكان يكفي أن يقرأ صفحة
واحدة من صفحات الجرائم ليعرف مأساوية السلبيات وليست رومانسياتها.
وهناك فارق واضح بين المواطنة العائدة من الخارج، وموقف السائق معها
في فيلم «الدنيا علي جناح يمامة» لعاطف الطيب 1989، وبين ماحدث لمصري عام
2010، كما أن هناك فارقاً واضحاً بين المخترع الشاب الذي جاء من داخل مصر،
الصعيد، إلي العاصمة في فيلم «هنا القاهرة» إخراج عمر عبدالعزيز عام 1985،
وبين السلبيات التي عرضها الفيلم هنا.. وبين ما رآه «مصري» هنا، الذي بدأ
يكتشف السلبيات، فحاول أن يعطي رشوة «إكرامية» لموظف الجوازات، فرفضها
الأخير بلطف ملحوظ.
زمن غير محدد
معذرة، لقد قلت إن الفيلم تدور أحداثه عام 2010، ورمضان لم يأت بعد،
فليكن زمن الفيلم في العام الماضي، لكن لا شك أن زمن الفيلم، غير المحدد،
يعود إلي ما قبل إثني عشر عاماً، أي حين كان رمضان يأتي مع موسم الشتاء،
حيث أن ملابس جميع الشخصيات شتوية، بما فيها سترة «مصري» و«سعيد» ورغم ذلك
رأينا صور الرؤساء الأمريكيين الذين حكموا الولايات المتحدة طوال عشرين
عاماً.. ومنهم صورة «أوباما» بما يؤكد أن الفيلم دارت أحداثه العام الماضي،
وكان الناس يرتدون الملابس الثقيلة في سبتمبر.
مثلما فندنا ترتيب مشاهد واسكتشات السلبية، هناك أيضاً الإيجابيات،
وقد اعتبر الفيلم أن مشاركة العائلة في عمل كعك العيد، من الإيجابية، ثم
مائدة الرحمن ومشاركة مصري في إعدادها وحسب وقائع الفيلم، فإننا أمام
الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الفضيل، ورغم أنها عشرة أيام فإن «مصري» قص
شعره الطويل ثم رأيناه يعود طويلاً في الأيام الأولي من شوال، وهذا الشعر
يحتاج إلي أشهر للنمو بهذا الشكل.. هناك أيضاً اسكتش العيد، والنزهات
النيلية ثم محاولة «مصري» التقرب من منصف أن يمنحه مفتاح شقة ليخلو إلي
زوجته، واسكتش مصروف العيد، ثم اسكتش الوداع، ومسألة «عودة المواطن» إلي
بلده الجديد، مثلما حدث في الفيلم الذي أخرجه محمد خان عام 1986، لقد تحولت
مصر كلها داخلياً علي الأقل - إلي يوتوبيا جميلة مليئة بالذكريات، تستحق أن
توجع بطن الابن العائد إلي الغربة مرة أخري.
في مقالاتي، لا أميل كثيراً إلي الحديث عن أداء الممثلين، ولكن لي رأي
خاص في أداء أحمد حلمي، منذ «سهر الليالي».. فهو ممثل ذكي، بارع في فعل..
الضحك، وأتمني أن يبتعد قدر الإمكان عن مشاهد العصبية والنرفزة، فسرعان ما
تنكشف موهبته التي لا يدركها الناس، حدث ذلك في مشهد عصبيته علي زوجته في
«سهر الليالي». والآن وبعد ثماني سنوات، لم يجد أداء مشهد مشابه في «عسل
إسود» لذا، فهو ممثل الدور الواحد الكوميدي، العادي.. وليس الدور المركب.
جريدة القاهرة في
03/08/2010
الرقيب أكد وجود ملاحظات على "كما قال الشاعر"
شاعر إسرائيلي يعطل عرض فيلم محمود درويش في دمشق
الفيلم يصور الأماكن التي زارها أو أقام فيها الشاعر الراحل
دمشق - ا ف ب:
انتظر المخرج السينمائي الفلسطيني نصري حجاج أشهرا للحصول على موافقة
لعرض فيلم "كما قال الشاعر" في دمشق، غير أن مرور الوقت دون جواب يعني أن
الفيلم الذي أعده المخرج عن أمكنة حلّ بها الشاعر محمود درويش يمضي بعيدا
في عتمة المستودعات والخزائن الرطبة، وليس من المتوقع أن يحظى بالموافقة
على عرضه.
وفي اتصال أجرته وكالة "فرانس برس" -مع مدير المؤسسة العامة للسينما
محمد الأحمد، وهي جهة رقابية، الثلاثاء الـ 3 من أغسطس/آب- اكتفى بالقول
"لدي ملاحظات على الفيلم، وأفضل أن أقولها للمخرج أولا"، لكن المخرج الذي
أكد أنه اتصل مرارا وتكرارا دون أن يحظى حتى بالرد على اتصالاته، قال "قدمت
الفيلم على أمل أن يجد طريقه للعرض في ذكرى ميلاد محمود درويش في مارس
الماضي، وعرفت أن لجنة لمشاهدة الفيلم قد وضعت تقريرها، ولكن مع ذلك لم
يجبني أحد".
وتوقع المخرج حجاج أن يكون "ظهور الشاعر الإسرائيلي إسحق لاؤور في
الفيلم، هو السبب في عدم الموافقة".
وحسب المخرج، فإن لاؤور يظهر في الفيلم يقرأ قصيدة محمود درويش "عندما
يبتعد" من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا"، التي يقول فيها الشاعر "لولا
المسدس لاختلط الناي بالناي"، و"سلم على بيتنا يا غريب". وهي القصيدة التي
رأى فيها كثيرون نوعا من التطبيع مع الإسرائيليين.
أما المخرج حجاج، فقال "حين يقول درويش عبارة "للعدو الذي يشرب الشاي
في كوخنا"، ويعيد لاؤور وراءه العبارة نفسها، فإن العدو هو نفسه في
العبارتين، أي إسرائيل". ويضيف "أريد أن أوضح أنه يمكن أن يكون يهوديا
إسرائيليا معاديا للصهيونية، وحينها فإنه يقف مع محمود درويش على نفس
الأرض". ويوضح حجاج "مشكلتنا هي مع الفكرة الصهيونية".
غضب العرب والإسرائيليين
ويتحدث نصري حجاج عن مفارقة ما بعد عرض الفيلم؛ حيث يقول "غضب مني
الإسرائيليون، معتبرين أنني خدعت لاؤور، بينما اعتبر العرب أنني أطبع مع
الإسرائيليين".
وقال الناقد السينمائي اللبناني -نديم جرجورة-: "لم أجد من النافر
ظهور لاؤور في الفيلم، ولا أعتبر ظهوره نوعا من التطبيع، والمخرج مواقفته
واضحة بهذا الخصوص"، وأضاف جرجورة "اختيار الشاعر والقصيدة في مكانهما كان
محسوبا بدقة".
وقال حجاج -عن أهمية العرض في دمشق بالنسبة له-: "بادرت للعرض في دمشق
لأهميتها بالنسبة إلى درويش. لقد أحبها الشاعر وقدم فيها أجمل قراءاته،
كذلك فإن الجمهور السوري رائع في حبه لدرويش".
وأضاف "لكن سببا آخر دفعني للمبادرة العرض في دمشق، هو أنني صورت فيها
جزءا من الفيلم، ووددت أن أعرض فيه كل الأماكن التي صورت فيها".
وفيلم "كما قال الشاعر" صور في عديد من الأماكن التي زارها أو أقام
فيها الشاعر الراحل، من مدن وفنادق ومدرجات قرأ فيها الشعر، من فندق "ماديسون"
في سان جرمان؛ حيث كان ينزل في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، إلى مسرح
الأوديون، وبيروت، وتونس، ومكتبه في مجلة الكرمل في رام الله، وبيته في
عمان، وصولا إلى مسقط رأسه في البروة (عكا)، وفي تل أبيب؛ حيث قرأ اسحق
لاؤور. وأوضح المخرج أنه لم يصور بنفسه هناك، بسبب عدم حصوله على تصريح
بالدخول.
وظهر في الفيلم عدد من الشعراء الذين قرؤوا قصائد درويش بلغاتهم
كدومينيك دوفيلبان -وزير الخارجية الفرنسي السابق- والبرتغالي خوسيه
ساراماغو، والشاعر الكردي شيركو بيكس.
وقد عرض الفيلم حتى الآن في مهرجان للسينما الفلسطينية في لندن، وفي
مسرح الأوديون بباريس، وفي دبي بحضور دوفيلبان وزوجته، وفي ميونخ، وتكساس،
وفي المسرح البلدي في تونس، كما عرض في بيروت وحيفا في وقت واحد في
فبراير/شباط الماضي.
الـ
mbc.net في
03/08/2010 |