أعلنت إدارة مهرجان تورنتو السينمائي الدولي قائمة أفلامها الرسمية
التي أعدتها لدورتها الخامسة والثلاثين التي ستقام ما بين التاسع والتاسع
عشر من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل .
والمؤكد الآن أن فيلم الممثل- المخرج روبرت ردفورد الجديد “المتآمر”
هو الذي سيفتتح الدورة الجديدة، وهو فيلم تاريخي تقع أحداثه سنة 1865 العام
الذي شهد اغتيال الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن . وحسب الوقائع التاريخية
التي يُعيد الفيلم تداولها، فإن بين المتّهمين بالحادثة امرأة واحدة وجدت
نفسها في وضع لا تحسد عليه، فالرأي العام اتخذ موقفاً منها حتى من قبل أن
تثبت براءتها، كما أن المحامي الذي اختارته للدفاع عنها قبل المهمّة على
مضض شديد، ما يجعل تواصلهما صعب للغاية . الفيلم من بطولة روبن شون بن،
وثمة مصادر تؤكد أن دورها من الإجادة بحيث ستجد نفسها بين الممثلات
المرشّحات للأوسكار هذا العام لا محالة .
الربط بين تورنتو وما قد ينتهى إلى ترشيحات الأوسكار ليس محط تكهّنات،
إذ اعتاد المهرجان، بحكم موقعه وتاريخه، أن يكون فاتحة الموسم الذي تختزن
فيه الشركات الكبيرة أفلامها التي تعدها جديرة بترشيحات الجوائز السنوية
مثل “الغولدن غلوب” و”الأوسكار” و”السيزار” الفرنسي وخلافه .
واحد من تلك الأفلام الآملة في حركة فنية تصاحبها من الآن وحتى مطلع
العام المقبل، “أكاذيب بيضاء صغيرة” مع ماريون كوتيار وبنوا ماجيمل للمخرج
جوليام كانيه . الفيلم من النوع الذي يجد مناسبة لحشد أفراد عائلة وأصدقاء
في حفلة مغلقة، حيث سرعان ما يدفع وضع معين كلاً منهم للكشف عن حقيقته .
نيكول كيدمان تقود بطولة واحد من الأفلام المرتقبة هو “حفرة الأرنب”:
دراما حول زوجين (كيدمان وآرون إكارت) يعيشان أزمة عاصفة حينما يذهب ابنهما
الصغير ضحية حادث طائش .
كيانو ريفز سيجد نفسه متهماً بريئاً في فيلم بعنوان “جريمة هنري”
لمالكولم فانفيل، بينما يلعب إدوارد نورتون وروبرت دي نيرو لعبة القط
والفأر في فيلم تشويقي آخر عنوانه “حجر” للمخرج البريطاني جون كوران . وفي
السياق نفسه، سنجد بن أفلك مخرجاً لفيلم “البلدة” وأحد ممثليه: حكاية سرقة
مصرف تتحوّل إلى سجال عاطفي بين أحد اللصوص (أفلك) والفتاة التي احتجزت
كرهينة . معه في البطولة كريس كوبر وربيكا هول .
وإلى جانب فيلم “أكاذيب بيضاء صغيرة” هناك مجموعة من الأفلام الفرنسية
من بينها فيلم جديد هو الثالث بعد المائة بالنسبة للممثلة كاثرين دينوف
عنوانه “بوتيش” للمخرج المثير للاهتمام فرانسوا أوزون. إلى جانبها في هذا
الفيلم جيرار ديبارديو (لعب نحو 156 فيلماً في تاريخه حتى الآن ولديه
ثمانية مشاريع في مراحل مختلفة الإنجاز) .
لدينوف أيضاً فيلم ثان في العروض الرسمية عنوانه “الصورة الكبيرة”،
وُصف بأنه ميلودراما من إخراج إريك لارتيغو . وبالعودة إلى السينما ذات
البحث التشويقي عن الحقيقة، تقود الممثلة البريطانية هيلين ميرين بطولة
“الدين”، للمخرج الكندي جون مادن، ومثل دينوف لديها فيلم آخر في العروض هو
“برايتون روك” عن واحدة من روايات غراهام غرين .
في الماضي غير البعيد، كان مهرجان تورنتو واحداً من تلك المهرجانات
القليلة حول العالم التي لا تسعى لأكثر بكثير من جمع الأفلام الجيّدة التي
سبق عرضها في المهرجانات الأوروبية والآسيوية الكبيرة الأخرى، إلى درجة أنه
تبنّى تسمية نفسه ب “مهرجان المهرجانات” . ومع تعاظم دوره كبوّابة الأفلام
الأمريكية إلى السوق الشمالي لأمريكا، وكبوّابة مماثلة للأفلام الأوروبية
الراغبة في الوصول إلى السوق الأمريكية ذاتها، وجد المهرجان نفسه قادراً
على الانتقال إلى الصف الأول وإسقاط تلك التسمية . وعلى الرغم من ذلك، ما
زال يستعير أفلاماً من “كارلوفي فاري” و”لوكارنو” و”كان” على وجه التحديد،
والأخير هو مصدر دائم . وهذا العام لا يختلف هذا الوضع، فهناك عدد من
الأفلام التي سبق عرضها على الشاشة الفرنسية وستعرض في تورنتو من بينها
فيلم ستيفن فريرز “تامارا درو” (بوشر بعرضه تجارياً في لندن بإقبال ضئيل)
و”عام آخر” لمايك لي و”ستقابلين غريباً طويلاً أسمر” لوودي ألن و”صنع في
داغنهام” لنايجل كول .
ما هو مثير في هذا النطاق، عرض المهرجان عدداً من الأفلام المقرر
عرضها في مهرجان “فينيسيا”، ومن بينها فيلم دارن أرونوفسكي “البجعة
السوداء” بطولة نتالي بورتمان وميلا كونيس، وفيلم جولي تايمور الجديد
“العاصفة” عن مسرحية وليام شكسبير المقرر عرضه في نهاية أيام المهرجان
الإيطالي .
"سولت"
ملح على جراح الحرب
الباردة
في فيلم فيليب نويس الجديد “سولت” نرى الممثلة المعروفة أنجلينا جولي
تسعى بكل جهدها لمنع حرب ساخنة بين الشرق الروسي والغرب الأمريكي، عن طريق
كشف العميل الروسي المزروع في وكالة الاستخبارات الأمريكية ذاتها، بعدما
دبّر عملية اتهامها بأنها هي العميلة المعنية، وانطلق يستغل الغطاء الذي
وفّره لنفسه لقتل رئيس الوزراء الروسي والرئيس الأمريكي، إذا ما استطاع .
ولن يستطيع ذلك لأن العميلة “سولت”، كما تؤديها الممثلة جولي، له
بالمرصاد ولديها القدرة على التسلل إلى داخل البيت الأبيض وغرفة العمليات
النووية في قعره وإنقاذ الرئيس الأمريكي، بعد أن تغلّبت على كل المقاومة
التي واجهتها وخلّصت نفسها من كل المخاطر ونفذت من كل المطاردات بمهارة
عجيبة .
إذا ما كان ذلك يبدو سيناريو صالحاً لفيلم “جيمس بوند”، فإن هذا هو
المقصود، ولو أن الفيلم يبدو أكثر قرباً من سلسلة أفلام “بورن” التي يقود
بطولتها مات دايمون التي صدر منها حتى الآن ثلاثة أفلام نالت نجاحاً كبيراً
دفع بصانعي “جيمس بوند” إلى شحذ أسلحتهم وإعادة صياغة بطل جديد جسّده في
الفيلمين الأخيرين كريغ دانيال .
العلاقة الأخرى التي يمثّلها هذا الفيلم تبتعد عن مسار أفلام
الجاسوسية والعمليات الصعبة الحديثة، إلى منطقة كان البعض منا اعتقد أنها
أصبحت من مخلّفات الحقب السابقة حينما كانت الحرارة مرتفعة بين الاتحاد
السوفييتي والولايات المتحدة في الواقع السياسي خلال الستينات والسبعينات
من القرن الماضي، والتي وصلت إلى حد خطر المواجهات النووية .
على الرغم من تلك السخونة في العلاقات خلال تلك الفترة، فإن المصطلح
الذي استخدم دائماً في وصف تلك الفترة هي الحرب الباردة، وإلى هذه الحرب
الباردة يعود فيلم فيليب نويس مثيراً احتمال سعي طرف ثالث إلى افتعال أحداث
في واشنطن من شأنها إشعال فتيل العلاقات “الطيّبة” بين البلدين .
هذا ما يعيدنا إلى الحقبة الصعبة التي تعاملت فيها “هوليوود” جدّياً
مع تلك الحرب الباردة ومخاطرها، وكيف أن أي خطأ من أي نوع سينقلها إلى وضع
متفجّر لا رجعة عنه . وفيلمان خاصّان في هذا الموضوع ظهرا في عام واحد هو
،1964 واحد من إخراج سيدني لوميت بعنوان “فشل أمان” أو (Fail-Safe)،
والثاني من إخراج ستانلي كوبريك بعنوان “دكتور سترانجل: أو كيف أحببت
القنبلة النووية وتوقّفت عن القلق” .
وإذا ما كان فيلم ستانلي كوبريك، من بطولة بيتر سلرز في أكثر من دور
(بينها دور رئيس الجمهورية) هو الأكثر شهرة، فلأنه الأكثر سخرية ونقداً
للجنون العسكري الأمريكي من دون محاولة إجراء توازن من أجل حفظ الوجه . إنه
كوميديا سوداء جانحة نحو الموقف السريالي حول جنرال مجنون (سترلينغ هايدن)
يأمر بانطلاق طائرة نووية أمريكية لقصف موسكو . بمجرد انطلاقها لا يمكن
إعادة توجيهها أو حذف الأمر . كابتن الطائرة (سليم بيكنز) تكساسي يعامل
الطائرة كمعاملته لحصان وفي ذروة السخرية نراه يركب القنبلة النووية ذاتها
المنطلقة كما يركب حصانه .
“فشل أمان” يأخذ على عاتقه أن يكون عملاً جادّاً
لموضوعه الجاد ويحقق ما يهدف إليه، وهو التحذير من مغبّة حدوث خطأ في
التكنولوجيا يؤدي إلى القاء قنبلة نووية خطأ . مثل الفيلم الآخر تنطلق
طائرة محمّلة وترفض العودة ولو أن انطلاقها ليس بسبب جنرال يرى الخطر
الشيوعي محدّقاً، بل لخطأ تقني . وينتهي فيلم لوميت بتدمير كل من موسكو
ونيويورك بعدما ردّ الروس على الاعتداء بمثله .
علامات
أوليفر ستون
المخرج المولود سنة 1946شارك في حرب فيتنام وخرج معادياً لها، ما قاده
إلى صنع أفلام عنها والظروف السياسية التي قادت بلاده لدخولها، ما أفضى به
بالتالي إلى موقف ناقد للسياسة الخارجية الأمريكية حاول التعبير عنه، ولا
يزال عبر أكثر من وسيلة .
درس السينما في نيويورك وأنجز أول فيلم له سنة 1971 بعنوان “العام
الماضي في فيتنام”، وكان فيلماً قصيراً تبعه بكتابة عدد من الأفلام التي تم
تحقيقها مثل “اليد” و”النوبة” ثم “مدنايت أكسبرس” و”الوجه المشوّه” و”عام
التنين” . الجامع المشترك بين هذه الكتابات هو أنها كانت أفلاماً عن البيئة
العنيفة التي يعيشها أبطاله، وهذا ما انتقل معه سنة 1983 حينما أخرج أول
فيلم سينمائي طويل له، وهو “فيلقا” استوحاه من تجربته في الحرب الفيتنامية
كاشفاً عن خلافات وصراعات داخل البنيان العسكري الأمريكي ذاته .
فيلمه الثاني “سلفادور”، كان عن السياسة الأمريكية الخارجية بدوره من
خلال حكاية صحافيين يغطّون الأحداث ويكتشفون التدخّل الأمريكي في السياسة
الداخلية لذلك البلد معرّضين أنفسهم للقتل .
في ،1987 وضع المخرج يده على الموضوع الذي سينفجر في 2009: الفساد
الذي يمارسه كبار العاملين في أسواق البورصة والمصالح المصرفية وذلك في
فيلم “وول ستريت” . وبعد ذلك انتقل للحديث عن نظريات من المؤامرات شملت
“مولود في الرابع من يوليو” مع توم كروز في البطولة و”جون ف . كندي”، حول
دوافع اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق وهوية الواقفين وراءه، ثم “نيكسون” عن
سنوات الرئيس الذي استقال بعد فضيحة “ووترغيت” .
تلك المرحلة (1987-1995) من حياته المهنية بالغة الأهمية، لأنها قدّمت
أوليفر ستون كمخرج سياسي مناهض، لكن الرجل أخرج أفلاماً لا علاقة مباشرة
لها بهذه الطروحات، فقدّم “السماء والأرض” و”ذ دورز” و”في أي يوم محتمل”
و”استدارة كاملة” بين أعمال أخرى .
في هذه الأفلام، سعى لرمي نظرة على الأوضاع الداخلية لشخصياته ليجد أن
السُلطة مدانة، كما الخارجين عن القانون في فيلم “استدارة كاملة” أو
“مولودون بطبيعتهم قتلة” . هذه الفترة بدورها انتهت وعاد ستون يبحث عن
التناقضات الأكبر في الحياة، فأخرج “ألكسندر” ليتحدّث عن أول “غازٍ أراد
السيطرة على العالم” كما قال في تصريحاته في 2006 أخرج “وورلد تريد سنتر”
الذي اكتفى بسرد قصّة إنسانية ولو أنه لمّح إلى بعض الشؤون السياسية . هذا
الموقف اللين ألّب عليه النقاد الغربيين، كذلك فعل فيلمه اللاحق “W”
للسبب ذاته، وهو ليونة غير متوقّعة في معالجة الأحداث والشخصيات .
خلال حياته المهنية هذه، اهتم بتحقيق سلسلة من الأفلام الوثائقية،
بينها فيلم عن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وآخرها “جنوب الحدود”،
حيث قابل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في خطوة لتقديم الجانب غير المتداول
من حياة من تعتبرهم أعداء لها .
تبعاً لكل ذلك، فإن الرجل لم يكن يتكلّم عن الهوى قبل أيام قليلة
حينما ذكر الحقيقة التي نعرفها والعالم بأسره: “الهولوكوست” يبقى مطروحاً
في الإعلام المكتوب والمرئي وعلى أشكاله الأخرى، لأن اليهود هم المسيطرون
على الإعلام (كما على المرافق الاقتصادية والسياسية في أكثر من مكان) . ومع
أن المخرج اعتذر تحت فاشية الرد الصهيوني عليه، وتراجع عما صرّح به، إلا أن
من يعرفه من خلال أفلامه، سيجد أنه يسير على منوال ملتزم بمفهوم سياسي
معيّن ربما لا تعبّر عنه أفلامه على نحو متواصل ومترادف، إلا أنه مُكتسب من
خلال تجاربه كما من خلال لقاءاته مع زعماء لديهم رؤى مختلفة عن العالم غير
تلك التي تتبنّاها واشنطن .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
01/08/2010 |