يكرر المخرج السينمائي محمد تازي قوله: إن صانع الأفلام العربية مثل نحلة
طنّانة تزن 1.69 أونصة؛ وسطح أجنحتها 0.256 بوصة مربّعة، بزاوية 6 درجات.
ووفق كلّ قوانين علم الطيران، فإنه من المحال أن يكون بمقدور النحل الطنّان
أن يطير ألبتة. لكن لأنه لا يعرف ذلك، فهو يطير.
ليس هناك تعريف واحد للسينما العربية؛ لأننا لا نقع على مدرسة، أو شكل، أو
تركيب، أو أسلوب واحد فيها. ورغم أنّ السينما العربية لا يمكن أن توصف
بطريقة سهلة أو بسيطة، إلا أنها في الحقيقة شكل فني.
صحيح أن السينما فن حديث النشأة وفي حالة تطور مستمر، وأن هناك الكثير من
المشكلات التي تواجهه، كالمشكلات المالية، والرقابة، والقيود السياسية
والاجتماعية والبيروقراطية، إلا أن الأفلام العربية لها تأثير بالغ جدا في
سوق الفيلم الدولية.
وبينما يتوقّع مشاهدون غربيون رؤية فيلم عربي يحتوي رقصاً شرقياً،
وأهراماً، وجِمالاً، أو غير ذلك من هذه الصور الشائعة، فإنهم يرون على
العكس أفلاما تعكس تراثاً ثقافياً غنياً، وأفلاماً تصوّر وجهاً إنسانياً
كما تصوّر الحياة والمشكلات اليومية، وإحساساً بالانتماء الاجتماعي وروح
الفكاهة.
ومن أمثلة هذه الأفلام: "الحلفاويين" لفريد بوغدير من تونس، و"صمت القصور"
لمفيدة التلاتلي. والعديد من أفلام المخرج المصري يوسف شاهين، وهي أيضا
أمثلة ممتازة على هذا النمط من الإنتاج السينمائي العربي الجديد.
لقد أخذت السينما العربية وقتا طويلا للنضوج. ومن سخرية القدر أنه لم يكن
قد مضى وقت طويل على العرض العامّ الأول لفيلم الإخوين لوميير "مرحبا
باريس" في العام 1895، حتى أقيمت عروض سينمائية في مقهى بالإسكندرية في مصر
على ما تذهب بعض التقديرات. وبعد عامين من هذا العرض زارت البعثات المدن في
جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقامت بتنظيم عروض وصور مسجّلة.
رغم هذا، فإن سوق الفيلم، التي تطورت في شمال أفريقيا مبكراً بدايات القرن
العشرين، هدفت إلى الترفيه عن المشاهدين المستوطنين. فكانت الأفلام التي
عُرضت قد استُوردت لتناسب أذواق المستعمرين فقط؛ مستثنية معظم السكان
المحليّين. وكان عدد المشاهدين الأوروبيين كبيرا، وكانت العروض تقدَّم في
مسارح كبيرة. فكان في الجزائر مثلاً 150 مسرحاً في العام 1933، و307 مسارح
بحلول العام 1956.
أما الأفلام التي عرضت في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في العقود الأولى من
القرن العشرين فكانت أفلام مغامرة ووثائقيات بشكل رئيس، ولم تستهدف
المشاهدين العرب. فقد شكّل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موضوعات وأماكن
لصناعة السينما في أوروبا والولايات المتّحدة. ولم تستخدم الممثلين العرب
في أيّ من الأدوار الرئيسة.
وفي كلّ تلك الأفلام محتوى واحد؛ وخيط مشترك قدّم المستعمرين بوصفهم قادة
ودفع بالمواطنين إلى الساحة الخلفية، فهم فيها ديكور أو زينة فحسب. ومع
هذا، وبحلول العام 1922، أنتجت بضعة أفلام عربية كان منها في مصر ميلودراما
مدتها نصف ساعة لمحمد بيومي حملت عنوان "خادم الجفل"، وصنع ألبرت سمام في
تونس فيلم "زهرة"، الذي تروي قصّته الحياة البدوية. وقد قامت ابنته بالدور
الرئيسي. لكن أول فيلم مصري طويل كان فيلم "ليلى ، وكان أيضا ميلودراما.
وقد بدأ إنتاجه في 1925 وتعثر لسنتين قبل أن يرى النور. أما أول فيلم سوري
طويل فقد أنتج في 1928، وكان من إنتاج أيوبي بدري وبطولته وحمل عنوان
"الضحيّة البريئة". وبعد سنة، قام المخرج الإيطالي جوردانو بوديتو
Jordano Pidutti
بإنتاج فلم مغامرات بعنوان "إلياس مبروك" وهو فيلم كوميدي عن مهاجر لبناني
في أميركا.
يمكن القول إن صناعة السينما الحقيقية ظهرت في مصر. فقد وصل عدد الأفلام
الناطقة في العام 1932 إلى 13 فيلما. وتم افتتاح استوديوهات مصر في 1935
فباشرت العمل بتجهيزات عصرية واستأجرت التقنيات والخبرات الأجنبية. وكانت
نيتها إنتاج الأفلام بموضوعات من البيئة المصرية، وبأدب وجماليات مصرية
بهدف عرضها في مصر وفي البلدان المجاورة. وبحلول العام 1945، وصلت الأعمال
المنتجة إلى حوالي 150 فيلما غلب عليها الميلودراما، والاستعراض الغنائي،
ناهيك عن سلسلة من الأفلام الكوميدية والحكايات البدوية والمسرحيات المعدة
بتصرف.
وزاد إنتاج الأفلام المصرية سنويا من 20 إلى 50 فيلماً، عرضت في 244 قاعة
سينما في مصر. وفي العامين 1953 و1954، بلغ الإنتاج السنوي 80 فيلماً، وبعد
ذلك وفي السنوات التالية استقرّ على 60 فيلماً. وتحولت موضوعات الأفلام؛
فتطرقت إلى قضايا اجتماعية؛ تميز منها أفلام يوسف شاهين "صراع في الوادي"
(1954)، و"صراع في الميناء" (1956)"، و"محطة مصر" (1958)، وفيلم توفيق صالح
"درب المهابيل" (1955).
ثم تأسست الهيئة العامة للسينما المصرية في العام 1961؛ لتتولى الإنتاج
والتوزيع في القطاع العام. في أثناء ثماني سنوات من انطلاقها، مرّت
السينما المصرية بما سماه الكثيرون: العصر الذهبي لسينما القطاع العام. كان
بعض تلك الأفلام الأعظم في تاريخ السينما المصرية، وهي أفلام قدّمها مخرجون
واعدون مفعمون بالروح الاشتراكية تناولوا فيها المشكلات الحقيقية للناس
الحقيقيين وبمهارة عالية. ومن تلك القضايا التي تناولتها تلك الأفلام وضع
المرأة، ومنها فيلم ا"لخاطئة" لهنري بركات؛ والحياة الريفية كما في فيلم
"ساعي البريد" لحسين كمال، و"الأرض" ليوسف شاهين، والفساد السياسي في فيلم
توفيق صالح، وقضية الثوّار وهزيمة حرب الأيام الستّة من حزيران 1967 في
فيلم" قضية رقم 68" لصلاح أبو سيف.
في مكان آخر وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كان إنتاج الأفلام متناثرا
حتى أواخر الستّينات وأوائل السبعينات عندما بدأ منتجو الأفلام بالاعتماد
على هيئات الدولة المالية والمعونة التقنية. في تونس، لم تشارك الدولة فقط
في إنتاج عدد كبير من الأفلام المميزّة، لكنها أخذت أيضا دورا قويا في
السيطرة على استيراد الأفلام. وفي الجزائر، كانت كلّ قطاعات استيراد صناعة
الفلم وتوزيعه وإنتاجه في عهدة الدولة. وهكذا، كانت الحكومة قادرة على
إبقاء تدفق ثابت للإنتاج السينمائي أي نحو أربعة أو خمسة أفلام مميزة في
السّنة وسيطرت على مضمون الأفلام.
في العراق، كان ينتج في السبعينات فقط فيلم أو فيلمان حكوميان سنويا. وبسطت
الهيئة العامة للسينما والمسرح في مصر أهدافها في السوق العربية الأوسع
ودعت المخرجين المصريين المؤسّسين للعمل مع منتجي الأفلام العراقيين الشباب
الموهوبين لإنتاج أفلام أجنبية. لكن نجاح توزيع تلك الأفلام في الدول غير
العربية لم يُكتب له النجاح.
أما الهيئة العامة للسينما في سوريا فأنتجت ما يقرب من أربعة وعشرين فيلما
في نهاية الثمانينيات؛ تخصّصت في منتجات المقياس الأصغر قليلة الميزانية.
أما مركز السينما المغربية الذي بدأ عمله في 1945 تحت الحماية الفرنسية
فحدّد نفسه في الإنتاج الوثائقي، ولم يقدم أي دعم للأفلام الروائية
المغربية وصانعيها وذلك حتى الثمانينيات. أما لبنان فطوّر دورا رئيسا في توwزيع الفيلم وتمكن من احتكار توزيع الأفلام المصرية خارج مصر.
الأولوية الأولى لصناعة السينما من شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي أولا
وقبل كل شيء أن تبقى مدعومة ماليا؛ إذ لا توجد عمليا سينما في المنطقة غير
محكومة بهذه الضرورة. ولهذا تقدم الجزائر وسوريا تمويلا ماليا لصناعة
السينما، أما في المغرب فهناك ضريبة سينمائية بنسبة مئوية صغيرة جدا من
العائدات يتم إعادة تدويرها في عملية الإنتاج السينمائي، ولا تتعدى في أقصى
حد ثلث الميزانية، لكن صانعي الأفلام يواجهون مهمّة صعبة تدفعهم إلى ضرورة
توفير مصادر أخرى لتمويل أفلامهم. وتقوم الحكومة التونسية بجمع ضريبة تذكرة
تموّل منحة برنامج لمنتجي الأفلام. وهو مشروع يدار من مجموعة من صانعي
الأفلام والفنانين الذين يحكمون النصوص السينمائية.
ويغطّي الدعم الرسمي بالنسبة إلى أكثر صانعي الأفلام أقل من نصف الميزانية
المطلوبة للعمل. وبسبب هذه المشكلات المالية، فإن أغلبية الأفلام التي
تنتَج في لبنان اليوم مثلا هي أفلام قصيرة. فهناك ثلاثة أفلام تنتجها مدارس
خاصة في لبنان. ورغم أن وزارة الثقافة تساهم ببعض المال في دعم تلك
المدارس، إلا أنه يبقى دعما شكليا فقط، ونتيجة لذلك فإن الأفلام التي
أُنتجت في هذه المدارس أفلام قصيرة.
ونجد عدد من صانعي الأفلام اللبنانية يعملون إلى جانب عملهم في صناعة
الأفلام في حقول مثل الإعلانات أو الأغاني المصوّرة لزيادة رأسمالهم. بل إن
بعضهم يلجأ إلى توظيف ماله الخاص إذا كانت لديه قدرة مالية وتعذر عليه أن
يجد منتجا لأعماله.
لقد كانت فرنسا أحد الداعمين والمروّجين الأساسيين للأفلام العربية؛ فقد ظل
التماسّ المباشر مع فرنسا تقريبا طموح صانعي الأفلام العربية كلهم، وحتى في
الحالات التي لا يتوافر فيها الدعم المالي الفرنسي نرى صانعي الأفلام
العربية يعتمدون محطات التلفزة ودور العرض الفرنسية والأوروبية، لمنح
أعمالهم المصداقية وعرضها حتى قبل أن تنال الاعتراف بها في البلدان
العربية. ويمكن القول إن السينما المصرية تعتمد من الناحية العملية التمويل
الأجنبي، القادم غالبا من الخليج.
نسبة كبيرة من الأفلام العربية التي صوّرت خلال ربع القرن الأخير كانت
أفلاما للعديد من المخرجين الجدد الذين لم يكونوا قادرين على المتابعة عبر
إنجاز عمل ثان لقلة الفرص أو ضعف التمويل أو حتى انعدامه، وأحيانا يجتمع
العامل الأول مع الثاني فيتعذر إنتاج العمل. ونجد في بعض الحالات فجوة
زمنية قبل ظهور العمل الثاني يمكن أن تكون طويلة جدا قد تمتد ستّة، أو سبعة
أو ثمانية أعوام، وهذا ليس أمرا غير شائع بالنسبة لأولئك الذين ينجحون فعلا
في صنع فلم ثان.
وتلعب المهرجانات السينمائية الدولية دورا مهما أيضا في معرفة الفيلم
العربي كشكل فني لأننا نجد الأفلام العربية معروضة جنبا إلى جنب مع أفلام
من أوروبا وآسيا وأفريقيا والأميركيتين. فتكاد الأفلام العربية لا تغيب في
المهرجانات السينمائية في برلين، كما في مهرجانات كان، ولندن، باريس،
وروتردام وفالينسيا، وغيرها، إضافة إلى المهرجانات السينمائية الأميركية
الشمالية التي تعرض أفلاما عربية في مونتريال وتورنتو، وشيكاغو، ونيويورك،
وسان فرانسيسكو، وسياتل. وفي واشنطن دي سي مهرجان سينمائي دولي يركز بشكل
خاص وفي ثلاث مناسبات منفصلة على الأفلام العربية.
وتعد الرقابة إحدى النواحي التي يجب على صناع الأفلام التعامل معها. إذ إن
السينما التي تخضع لسيطرة الدولة تخضع تلقائياً للرقابة. وتستهدف الرقابة
موضوعات كالسياسية والعنف والتعذيب والعري ومشاهد الجنس. فلنأخذ مثلا
السينما الجزائرية التي ترعاها الحكومة. فقد منع عرض الفيلم الجدلي "مدينة
باب العود" ١۹٩٤ للمخرج مرزاق علواش الذي قدم دراما توضح موجة التعصب التي
غيرت حياة حي سكني تسكنه الطبقة العاملة. علما أنه تم تصوير آخر أفلام هذا
المخرج الذي يحمل عنوان "سلاما يا ابن العم"، بالكامل في تلك المدينة، وهو
فيلم يحكي قصة شاب جزائي يزور ابن عمه في فرنسا.
وتعد تونس أقل البلدان العربية رقابة على الأفلام، رغم أن الأفلام التي
تنتج فيها تحال أولاً إلى وزارة الثقافة ودائرة الرقابة لنيل الموافقة على
عرضها. ومن الأفلام التي منعتها الرقابة التونسية فيلم "الحلفاويين" للمخرج
فريد بوغدير لتضمنه مشاهد عري، لكن اللافت أن أفلام زميله المخرج نوري
بوزيد تمتلئ بمشاهد العنف والعري، لكنها تلقى رواجاً كبيراً.
أما المغرب فهو بعكس تونس، إذ لا رقابة رسمية فيه، لكن الفنانين أنفسهم
يمارسون الرقابة الذاتية. تقول المخرجة المغربية فريدة بن اليزيد: "الأمر
الأكثر أهمية هو الرقابة الذاتية التي يفرضها صانع الفيلم على عمله من أجل
جذب الجمهور"، ويرى المخرج المغربي محمد التازي أن فيلمه "بحثا عن زوج
امرأتي" 1994 يتعرض لهذه القضية تحديداً، أي كيف ينتقد الإنسان جوانب
متعددة للحياة في بلده شريطة أن لا يتجاوز الخطوط الحمراء، كاحترام الدولة
والدين والعلاقة بين الرجل والمرأة والطبقات الاجتماعية. ومع ذلك فهو يقر
بإمكانية الالتفاف حول الخطوط الحمراء، وهذا أمر يؤكد التازي بأنه يحدث
بالفعل.
ورغم العدد المحدود للمنتجات السينمائية التي قدمت خارج سوريا، إلا أن هذا
البلد قد حقق نجاحا كبيراً خلال العقد الأخير. فقد قام كل من محمد ملص
وأسامة محمد ونبيل المالح وعبد اللطيف عبد الحميد، بإخراج عروض ضخمة تتحدث
عن يوميات تتناول العلاقات العائلية المعقدة، وقضايا وطنية تشتمل على
مواضيع السياسة واللاجئين والقنيطرة وعلاقتها القوية بالقضية الفلسطينية.
الميزة التي تميز السينما السورية في اليوم الحاضر استخدام أسلوب النقد
الذاتي. ومن المعروف أن هذا النوع من الأفلام يؤدي إلى إثارة الجدل بشكل
كبير.
ورغم أن المؤسسة السينمائية العامة في سوريا تقوم بإنتاج جميع أفلامها، إلا
أنه جرى منع عرض بعض الأعمال المختارة لأسباب تتعلق بموضوع الفيلم. والأمر
سيان في فيلم "الكومبارس" للمخرج نبيل المالح الذي تتمحور حبكته حول عاشقين
يتواعدان في شقة أحد الأصدقاء. ومع أن الكاميرا لم تصور خارج حدود الشقة
الصغيرة، إلا أننا نلاحظ أن الجمهور يشهد وجود صنوف من الضغوط الاجتماعية
والسياسية المفروضة على هذين الحبيبين. ونتيجة لذلك، ينتهي اللقاء بينهما
بعكس ما خططا له.
أما فيلم المخرج السينمائي يوسف شاهين "المهاجر" الذي عرض سنة ١٩٩٤، فقد
تسبب بجلبة كبيرة، كما رفعت ضده دعوى قضائية بسبب عرضه لقصة يوسف البابلية.
وقد بقيت القضية معلّقة في المحاكم لأكثر من سنة قبل أن تتم الموافقة على
عرض الفيلم. كما نشأت تعقيدات قانونية أيضا في أعقاب فيلمه "المصير" الذي
يحكي قصة الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر وإحراق كتبه. لكن نقادا
آخرين نبهوا إلى أن هذا الفيلم هو حكاية رمزية عن المحاولات العصرية التي
يقوم بها متطرفون لقمع حرية الرأي والتعبير.
ومن المصادفة، أن دعوى قضائية رُفعت في العام ١٩٩٦ ضد الفنانة يسرا التي
مثلت في فيلم "المهاجر"، بسبب ما رآه بعضهم انتهاكاً للأخلاق العامة عندما
ظهرت يسرا على غلاف مجلة الأفلام المصرية بقميص نوم فاضح. واقتحم شخص شقتها
مدعياً أنه و سرا كانا عشيقين. وأشار أصدقاء الفنانة الذين يعملون في إنتاج
الأفلام إلى أن هناك علاقة بين الدعوى القضائية التي رُفعت ضدها واقتحام
منزلها.
وتعرض بعض النقاد إلى فيلم آخر ليسرا هو "طيور الظلام" الذي أعقب مشاركتها
في فيلم "المصير"، وتظهر فيه يسرا بدور بنت الهوى التي يستخدمها محامٍ فاسد
لإغواء الزبائن.
تستطيع كل دولة في المنطقة العربية أن تتباهى بالخصائص الفريدة التي تتسم
بها منتجاتها السينمائية. وتتنوع الاتجاهات التي تؤدي إلى ازدهارها من بلد
لآخر، كما يصعب السيطرة عليها. فالسينما المغربية -التي تنتج في المتوسط
فيلمين أو ثلاثة- حطمت أرقاماً قياسية في أعداد الحضور مقارنة مع منافساتها
من الأفلام المصرية والأميركية. فقد حضر فلم المخرج عبد القادر لقطع "الحب
في كازبلانكا" أكثر من ١٥٠ ألف شخص في كزابلانكا وحدها. وقورن فيلم "البحث
عن زوج زوجتي" للمخرج محمد التازي بفيلم "الحديقة الجوراسية" الأميركي، لأن
أكثر من مليون مغربي شاهدوه. وهو رقم لم يحقق أي فيلم عربي آخر ما حققه
باستثناء بعض الأفلام المصرية.
وتعدّ هذه الأفلام استثنائيّة. يقول مؤمن سميحي -وهو من أبرز مخرجي
الأفلام في المغرب، تلقى تعليمه في أوروبا: "العديد من مخرجي الأفلام
المغاربة يجدون مشاهديهم في بلاد أخرى خارج المغرب. وبسبب توافر أجهزة
الفيديو في معظم المنازل، أصبحت الأفلام الغربية أو المصرية أو الهندية
الشكل المفضّل من وسائل الترفيه". يتحدث سميحي حول أحد أفلامه التي لم
يحالفها أي حظ في العرض في المغرب: "لقد حصلت من الدول الغربية على جوائز
لفيلمين؛ الأولى في مهرجان إيطالي، والثانية في مهرجان برلين السينمائي.
وظل فيلم "الصمت العنيف" الذي أخرجته معروضا على الشاشات الإيرانية لشهور
عدة".
أما مضمون أغلب الأفلام المغربية فقد لاحظ نقاد أن فيه محاولة لحشد الكثير
من القضايا في الفيلم، مما يعيق التركيز على القصة ويضعف الحبكة
والسيناريو. فبعض تلك الأفلام حاول تناول مجموعة متنوعة من القضايا بما في
ذلك الجنس، والصراع الاجتماعي والاقتصادي، والروحانية، و قوق المرأة، ودور
المرأة في المجتمع، عدا مشكلة حيرة الفرد بين التقليد والحداثة.
وفي تونس، أنتجت أفلام في مناخ صحي أكثر وبما يزيد على ثلاثة أفلام رئيسة
سنويا. ويصف المخرج السينمائي نوري بوزيد السينما التونسية بأنها م"ختلفة
وجريئة ولا تتطابق مع أي بلد عربي آخر باستثناء مصر". و كان نوري بوزيد أحد
مخرجي الأفلام الذين أطلقوا الثورة في السينما التونسية؛ ففي فيلمه الأول
"رجل من رماد" سنة ١٩٨٦ خرج عن الحواجز المحظورة عبر التطرق إلى المسائل
الجنسية، والأقليات في المدن العربية والعلاقات الأبوية. كما عرض فيلمه
"بنت فاميليا" بعض القضايا الاجتماعية المعقدة.
ويعدّ المخرج فريد بوغدير مسؤولاً عن نهضة السينما التونسية، ليس بسبب فيلم
"الحلفاويين" (الحمام التونسي) الذي قام بإنتاجه، بل لأنه أيضاً يعمل
ناقداً للأفلام التونسية، وهو أيضا أحد مروجيها. ويعزو فريد بوغدير نجاح
فيلم "الحلفاويين" الذي جذب أكبر عدد من المشاهدين بشكل لا مثيل له سنة
١٩٩٠ وتفوق على جميع الأفلام الأجنبية إلى: "تعطش الشعب التونسي لإبراز
صورته"، ويضيف: "كثيراً ما عُرضت على هذا الشعب أفلام أجنبية لم تحظَ
بإعجابه لأنّها لا تعكس حياة الأفراد الشخصية".
ورغم حداثة تاريخها، فقد استطاعت السينما الفلسطينية أن تحقق إنجازاً
مهماً مع أعمال مشيل خليفي ورشيد مشهراوي. وقد مثلت هذه السينما تعبيراً عن
المعاناة والتاريخ الفلسطيني. فليس من السهل ترجمة المعاناة إلى فيلم
سينمائي. ويعدّ فيلم ميشيل خليفي "عرس في الجليل" أول فيلم رئيس في
السينما الفلسطينية. وتكمن قوته في قدرته على صياغة اللفتات التعبيرية
والتعامل مع التفاعل الذي يجري ضمن مجتمع يعيش تحت الاحتلال. ويتعامل خليفي
مع القضايا المحظورة مثل العري، والصراع بين الإسرائيليين والعرب، وصراع
الأجيال. وبعد إنتاج هذا الفلم، أصبح من الضروري أن يكون كل فيلم فلسطيني
متسماً بعنصر المفاجأة والخروج عن الإطار التقليدي.
كما عرض رشيد مشهراوي في فيلمه "حظر التجول" جزءاً بسيطاً من الحياة
اليومية لعائلة فلسطينية في غزة تحت الإحتلال الإسرائيلي. فتمر تلك العائلة
بمراحل مختلفة من الهدوء والتوتر اعتماداً على الأحوال القائمة خارج نطاق
منزلها. غير أن المشاهد لم يكن على وعي بما يجري خارج الباب الأمامي
للمنزل، وبهذا شكل رشيد مشهرواي عالماً متوازياً عبر النوافذ التي كانت تطل
على بيت الجيران. ويعد هذا البعد الجغرافي بمنزلة عنصر جديد في السينما
الفلسطينية.
وأضفى مخرج آخر، وهو إيلي سليمان، على السينما الفلسطينية توسعاً وبعداً
جديدَين. ففي الفيلم الذي أخرجه سنة ١٩٩٦ "سجل اختفاء" عكس صورة شخصية عن
وطنه، وسرد أحداثا كأنه يقرأ مذكرات شخصية. ومع اختفاء بسيط لحبكة القصة
عدا الشخصيات التي لم يسبق للمشاهدين التعرف عليها، استطاع سليمان القبض
على الشعور والمناظر والأصوات والأنشطة وخيبات الأمل في البيئة المحيطة به.
وقد عرض الفيلم في سلسلة الأفلام الجديدة في مدينة نيويورك في العام نفسه.
وتعدّ السينما المصرية الأكثر حيوية وشعبية في العالم العربي. فما يزال
الإنتاج السينمائي المصري يتصدر قائمة العروض السينمائية بشكل ضخم في مصر
والعالم العربي. وإلى جانب الأفلام الأميركية، تعد الأفلام المصرية الأكثر
شعبية في المنطقة العربية. وأصبح المخرج يوسف شاهين - وهو من المخرجين
القديرين في جميع أنحاء العالم- مؤسسة قائمة بذاتها في مصر. وقد حاول
العديد من المخرجين الجدد في المغرب أن يقلدوا أعمال يوسف شاهين في العام
١٩٩٠. إلا أن أسلوب هؤلاء المخرجين جاء مختلفا عن أسلوب يوسف شاهين في
المضمون والغايات والأساليب والأهداف، رغم أن الذي دعاهم إلى تقليده هو
الرغبة في طرح قضايا معقدة تبحث في الوضع الراهن. ومن الواضح أن جيل يوسف
شاهين من أعظم الأجيال إبداعاً في التسعينيات، وتقديراً لجهود يوسف شاهين
خلال نصف قرن في الإنتاج الإبداعي لأفلامه، فقد قدمت له جائزة تقديرية في
مهرجان كان السينمائي.
وعكست أفلام السينما في ثمانينيات القرن العشرين مزاجا واقعيا عبر توظيف
الأوضاع الراهنة، والتقاليد والقضايا ذات الصلة بالحياة الاجتماعية.
ويلاحظ المتابع أن التجديد والتنوع ميزتان اتسمت بهما السينما المصرية في
التسعينات دون الانغماس في التجريبية البحتة، وأن العقد الأخير شهد بروز
مخرجين جريئين تحدوا المحاذير التقليدية. وهنا يشار إلى أحد الأفلام
الرائدة في مصر اليوم، وهو فيلم تبنته دائرة المهرجان السينمائي الدولي،
إلا أنه لقي انتقادات مختلفة في مصر، وهو "عفاريت الإسفلت" للمخرج أسامة
فوزي، الذي تجري أحداثه في حي مصري فقير يتناول الخيانة الزوجية، والعلاقات
الجنسية، والمثلية.
تعد السينما في العالم العربي مشروعا بارزا يتغير عبر الزمان. و ع كل عمل
جريء يجس المخرجون نبض الجمهور ثم يتقدمون خطوة إلى الأمام؛ فهم يعبّرون عن
أحاسيس الماضي، وواقعية الحاضر، والمستقبل المجهول. ولهذا يصح القول: إن
السينما العربية تعكس المجتمع وتقوم على تشكيله.
الرأي الأردنية في
25/06/2010 |