أتابع الكاتب والمخرج محمد أمين المقل جدا في أفلامه، إلا أنه في نهاية
الأمر يصنع دائما حالة خاصة تشعرك أن لديه هما يريد التعبير عنه ووجهة نظر
تشغله وتؤرقه يسعى لكي يخلق لها معادلا سينمائيا. أول لقاء لمحمد أمين عبر
شريط السينما جاء من خلال فيلمه الذي حمل اسم «فيلم ثقافي» عام 2000 وهو
أحد الأفلام قليلة التكلفة، فلقد استعان منتج الفيلم سامي العدل وقتها
بثلاثة من الوجوه الجديدة هم أحمد رزق، وأحمد عيد، وفتحي عبد الوهاب.
وتعبير «فيلم ثقافي» مقصود به الفيلم الجنسي وهي تسمية متعارف عليها بين
الشباب في مصر..
كان الفيلم يناقش الكبت الجنسي عند الشباب وطرق التعبير المختلفة التي
يلجأون إليها في التحايل على المجتمع لمشاهدة هذا الفيلم. ثم يصمت محمد
أمين خمس سنوات ليقدم لنا فيلمه الثاني «ليلة سقوط بغداد» 2005 وبالطبع
السيناريو يدين غزو أميركا للعراق ويسأل ماذا لو قررت أميركا أن تضرب
القاهرة وهكذا انتقل برؤية فانتازية لمناقشة قضية الأمن القومي.
ثم انتقل هذا العام إلى فيلمه الثالث كاتبا ومخرجا أيضا لـ«بنتين من مصر»
الذي يناقش قضية العنوسة لنرى حالة سينمائية ترتكن إلى قيمة اجتماعية
وفكرية وأيضا سياسية وإن غاب عنها في كثير من المشاهد القيم السينمائية
الجمالية وأعني بها تفاصيل التعبير. لم يخضع محمد أمين لتلك التركيبة
التقليدية التي ارتبطت بالعانس في السينما العربية وهي المرأة القبيحة التي
تسعى للحصول بأي ثمن على عريس بعد أن فاتها القطار واشتهرت بأداء هذا الدور
الراحلتان زينات صدقي وسناء يونس، وسار على الدرب كل من عائشة الكيلاني
ونشوى مصطفى في أداء نفس الدور بنفس مقومات امرأة يخاصمها الجمال تبحث عن
عريس. ولكن محمد أمين أراد أن يقدم في السيناريو عمقا آخر يحلل القضية ولا
يسخر منها. يدخل إلى منطقة أكثر وعورة يبحث عن الأبعاد الثقافية والنفسية
والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمشكلة التي تحول دون إقامة حياة زوجية
لعدد كبير من الشباب في مصر. حرص المخرج على أن يقدم تفاصيل تعيشها
الفتاتان لتقديم الإحساس بالزمن المسروق وهذا الرعب القائم من ضياع الفرصة
حيث إن كل يوم يمضي يخصم من جمالهما ويزيد خوفهما.. كان نصيب «زينة» من هذه
التفاصيل الدرامية في السيناريو أكثر من «صبا» مثلا نكتشف أن «زينة» تحرص
كل عام على شراء قميص نوم بدأت عام 2002 بمجرد أن تجاوزت العشرين. وحلمها
الدائم بأنها ترتدي القميص ليلة الدخلة. نعم هي تكذب على نفسها ولكن ليس
أمامها حل آخر.. دائما «زينة» لها دور إيجابي في هذا الاتجاه وهي تسعى
للحصول على عريس فهي لا تنتظر قدوم العريس ليطرق بابها وتعلم أنه لن يأتي
بسهولة ونرى أكثر من محاولة مثل ذهابها إلى مكتب التزويج وتقديم مواصفاتها
لعل وعسى أن يأتي ابن الحلال. بينما نرى تنازلها الدائم عن كل شروطها
تدريجيا، ومع مضي الزمن صارت مثل البضاعة المعروضة بلا ثمن. لا شقة ولا
اشتراط في العمر ولا شبكة ولا فرح، هي فقط تبحث عن حماية أدبية ثم نرى
العريس الذي يأتي، أدى دوره الفنان الأردني إياد نصار، تكتشف أن لديه توجسا
من عذرية الفتاة التي يريد الارتباط بها ولهذا يطلب أن يطمئن أولا على غشاء
بكارتها قبل أن يرتبط بها، ورغم ذلك فإنه بعد أن يتأكد من عذريتها يهرب
لأنه يخشى النساء وليس فقط يخاف من فقدانهن البكارة قبل الزواج لديه هاجس
دائم ضد النساء. على المقابل فإن صبا مبارك تسعى أيضا بتعضيد من «زينة» لكي
تذهب إلى نقابة الأطباء للاشتراك في مظاهرات واحتجاجات ضد الدولة، لكن ليس
لديها أي وعي سياسي ولا موقف، ولكن لماذا لا تتسع دائرتها لعل وعسى يأتي
العريس وتكتشف أن الرجل الذي تعلقت به أدى دوره رامي وحيد عميل للدولة. فهو
يزعم نضاله في صفوف المعارضة لكنه يعمل مع الأجهزة الأمنية ويشي بزملائه
ولا تستطيع أن تكمل معه الطريق ولا يستطيع السيناريو أن يقول مباشرة إنه ضد
الحزب الوطني، فقط ينعته قائلا إنه حزب الدولة أو الحكومة.. يبدو أن
الرقابة في مصر تمنع مهاجمة الحزب الوطني. العريس الثاني طارق لطفي يستصلح
أرضا بعد أن أخذ قرضا من الدولة ويتحمل المشقة في تسميدها وزراعتها ثم يجد
نفسه مطالبا من الدولة بالدفع أو الحبس. الفيلم بين الحين والآخر يقدم
الضغط السياسي الذي يعيشه الناس أحيانا بلقطات سريعة من خلال مواقف للأبطال
يتحدثون عن تأخرهم في الميعاد بسبب المظاهرات الاحتجاجية التي أصبحت طابعا
مميزا في الشارع المصري. أراد أيضا المخرج أن يحيل الفيلم إلى وثيقة سياسية
على التردي وما حدث للمواطن المصري من هذيان. وهكذا قدم في مشهد طويل غرق
العبارة التي راح ضحيتها نحو 1300 مواطن مصري. أسهب المخرج كثيرا في هذه
المشاهد وكلما اقتربت النهاية فإن على المخرج أن يكثف الحدث وهذا هو ما فشل
فيه تماما محمد أمين حيث إنه قدم الحكايات الجانبية بتفاصيل تفسد إيقاع
الفيلم. وتأتي النهاية ساخرة وأيضا عميقة حيث إن سميرة عبد العزيز التي
تعمل موظفة في الكلية وتمارس مهنة الخاطبة يقع اختيارها على شاب مصري مهاجر
في قطر وليس أمامه إلا ساعات قليلة يقضيها في المطار قبل أن تقلع طائرته
مرة أخرى إلى الدوحة وتذهب إليه بأربع فتيات بينما بطلتا الفيلم تنتظران أن
تنتهي لقاءاته مع الفتيات الأخريات وتقترب الكاميرا من وجهي «زينة» و«صبا
مبارك» في لقطة ثابتة. حرص المخرج على أن يظل الدافع الجنسي في العلاقة بين
المرأة والرجل واحتياج المرأة لتلك العلاقة هو آخر الاهتمامات وذلك من خلال
إطار أخلاقي صارم فرضه الكاتب على نفسه. فهو حريص على التأكيد بأن الرغبة
في تكوين أسرة ووجود رجل هو الحافز المسيطر فقط.
في جلسات العلاج الجماعي التي تعدها الطبيبة التي تؤدي دورها نهال عنبر نجد
أن آخر ما تذكره الفتيات هو احتياجهم الجنسي اعتبرها المخرج مجرد تجربة
ينبغي أن تمر بها المرأة وليست احتياجا طبيعيا. دائما الأمومة والرغبة في
الحماية الاجتماعية هي أساس الاختيار. في الفيلم لا شك أننا نرى زينة في
واحد من أجمل وأروع الأدوار بل وكأنه أول أدوارها. «زينة» التي قدمها
المخرج داود عبد السيد في «أرض الخوف» في دور صغير وهي لم تتعد الخمسة عشر
عاما بداخلها بالفعل ممثلة موهوبة، استطاع محمد أمين أن يلتقط الكثير من
قدراتها الأدائية في المشاهد التي تحتاج إلى خفة ظل والمليئة أيضا بالشجن،
انتقلت بإبداع وهي تقدم كل هذه النغمات الأدائية المتباينة. مثلا كيف تقدم
معلومة للعريس المرتقب بأنها زوجة مطيعة، ثم وهي تنتقل من التسامح إلى
العنف مع الطلبة في المكتبة كانت تتسامح في البداية عندما ترى لمسات أيدي
الطلبة، ولكنها بعد أن تضاءل أملها في الزواج صارت عنيفة مع الطلبة إلى
درجة أن تستدعي لهم الأمن لمجرد الشك. صبا مبارك الفنانة الأردنية أدت
دورها بأسلوب جيد، ولكن الدور كان يحتاج إلى فنانة في مرحلة عمرية أصغر لأن
ملامح صبا تجاوزت تلك المرحلة، إلا أنها في كل الأحوال أراها وجها من
الممكن أن يحقق نجاحا أكبر في السينما المصرية. تفوق عنصر موسيقى رعد خلف
وأيضا ديكور سامح الخولي.. كان الفيلم بحاجة إلى مونتاج على الورق في
السيناريو ومونتاج بعد التصوير وفي الحالتين كان المخرج محمد أمين هو
المسؤول عن تلك الحالة من الترهل التي أصابت الفيلم في النصف الثاني خاصة
أننا كلما اقتربنا من النهاية احتجنا أكثر إلى التكثيف وهو ما فات محمد
أمين. ولكن نظل أمام عمل فني بكل عيوبه يحمل نبض مبدعه وفكره وإحساسه،
ويقترب من منطقة شائكة في حياة المرأة ولكنه ببراعة أحالها إلى منطقة شائكة
في حياة الوطن!!
t.elshinnawi@asharqalawsat.com
الشرق الأوسط في
25/06/2010
تأثرت بالراحل وسيم طبارة وأبهرت أنطوان كرباج
الممثلة باميلا الكك: لست مجرد فتاة شقراء سخيفة
بيروت: فيفيان حداد
الإطلالات المتتالية للممثلة الصاعدة باميلا الكك في عدد من المسلسلات
التلفزيونية جعلتها تقنع عين المشاهد بأدائها الطبيعي فتجذبه إلى مساحتها
في الدور الذي تجسده بعفوية مطلقة، مما جعلها تلامس النجومية، على الرغم من
أن مشوارها الفني لم يتجاوز الخمس سنوات.
وتقول باميلا: «لا تهمني النجومية بقدر ما يهمني التحدي الذي أمارسه مع
نفسي في كل دور ألعبه وأقدمه للمشاهد».
وباميلا التي بدأت مسيرتها في مجال الفن مع أحد عمالقة المسرح اللبناني
الكوميدي الراحل وسيم طبارة، وكانت يومها في السادسة عشرة من عمرها، تعترف
بأنها فتاة محظوظة منذ بداياتها، وأن إصرارها على دخول مجال التمثيل لم يأت
بالصدفة، بل من خلال قناعة لديها بأن في داخلها ممثلة، وممثلة غير عادية،
لأن طموحها هو إحداث انقلاب في عالم التمثيل وإدخال دم جديد على المجال بحد
ذاته. وتقول: «أشعر أن كل دور ألعبه يجب أن يحمل رسالة ما ويضيف نكهة جديدة
على عالم التمثيل، فأنا لست مجرد فتاة شقراء سخيفة أبحث عن الشهرة وكثافة
الظهور، بل ممثلة من رأسي حتى أخمص قدمي وأريد التغيير».
وتصف تجربتها مع الراحل وسيم طبارة بأنها علمتها كيف تكون عفوية وطبيعية،
سواء على المسرح، أو وراء الميكروفون، أو أمام الكاميرا، أما النصيحة التي
حفظتها منه وكان غالبا ما يرددها هي أن لا تخاف من الكاميرا، بل تهاجمها
بشراسة فتحدق فيها، لأن إقناع المشاهد بالدور الذي يقدمه الممثل يكمن في
العين قبل أي حركة أخرى يقوم بها.
وعن سبب كثافة ظهورها في الفترة الأخيرة في عدد من المسلسلات التلفزيونية
أوضحت باميلا الكك أن الأمر حصل بالصدفة، وأخذت وقتها في اختيار كل دور
قدمته حتى لا تقع في التكرار، أو في متاهات المسلسلات السخيفة، وأشارت إلى
أنها تدرس كل شاردة وواردة، فتدقق في المسلسل بدءا من القصة ووصولا إلى
المخرج، وإذا اقتنعت بالدور الذي ستمثله توافق على أدائه وهي مرتاحة البال.
وباميلا، التي شاركت في مسلسل «سارة» إلى جانب سيرين عبد النور، و«الحب
الممنوع» مع نيكول سابا، وحاليا في «مدام كارمن» مع ورد الخال، فخورة بما
وصلت إليه، وفي الوقت نفسه تشعر بالخوف في كل مرة تقف فيها أمام نجوم
الشاشة الصغيرة. وهي بالكاد تبلغ اليوم الثانية والعشرين من عمرها، وتقول:
«إنه تحد كبير في أن أشارك أسماء لامعة ومشهورة في هذا المجال، وأعتقد أن
أول من وقفت أمامه وتأثرت به على الرغم من المساحة الصغيرة التي أديتها هو
أنطوان كرباج في مسلسل (عصر الحريم) فكان من المطلوب مني أن أقول عبارة
قصيرة قاسية وأنسحب، فأديتها بكل جوارحي من المرة الأولى، فلم يكن المخرج
بحاجة لإعادة المشهد، الأمر الذي فاجأ أنطوان كرباج وعرض علي دخولي نقابة
الممثلين، على الرغم من أنني لم أدرس التمثيل بل الإخراج».
واعتبرت باميلا أن هذا الموقف أضاف إليها الثقة بالنفس والاندفاع، وشعرت
بالأمر نفسه عندما شاركت نجوما آخرين مواقف مماثلة. وتتذكر أول مرة دخلت
لدى الكاتب التلفزيوني شكري أنيس فاخوري وقالت له وبكل ثقة بالنفس: «أريد
أن أمثل» وكنت في السابعة عشرة من عمري.
اليوم تستعد باميلا الكك لدخول تجربة تمثيلية جديدة في عالم السينما من
خلال فيلم بعنوان «لأننا أرمن» من تأليف كلوديا مرشيليان. أما اشتراكها في
مسلسل «مدام كارمن» فاعتبرته تحديا من نوع آخر أعجبت بنصه وتأثرت بشخصياته
الأمر الذي لمسها عن قرب. واعتبرت أن والدها أكبر مشجع لها، وأنها غالبا ما
تأخذ بنصائحه، على الرغم من ردة فعلها السلبية التي تواجهه بها في البداية.
وما لا ينساه جمهور باميلا الكك عنها هو كذبة أول أبريل (نيسان) التي
أطلقتها عليها إحدى المجلات اللبنانية بعد موافقتها طبعا مشيرة إلى أنها
تعرضت إلى حادث سير ضخم وهي في حالة غيبوبة تامة. وتعترف باميلا الكك أن
هذه الكذبة كانت غلطة كبيرة اقترفتها في مشوارها الفني، خصوصا أنها لم تكن
تتوقع مدى التأثير الذي ستتركه هذه الكذبة على معجبيها، فأطلت في اليوم
التالي عبر أثير إحدى الإذاعات تعتذر منهم عما جرى. وتعلمت من هذه التجربة،
كما تقول، التروي وعدم القيام بأي خطوة مهما كانت عادية دون التفكير مليا
بها.
وعلى الرغم من دخولها عالم الفن بشغف وحماس فإنها لم تنس الصدمات التي
واجهتها في هذا العالم منذ خطواتها الأولى فيه، مشيرة إلى أنها تفضل البقاء
بعيدا عنه وعن تقاليده، فتكتفي بأداء عملها فقط، والانزواء في منزلها لتبقى
بعيدة عن زواريب هذا العالم. واعتبرت أن المشاهد هو العلاقة أو الدليل
الدافع الذي يحدد نجاح ممثل أو العكس، وهي تطمح أن يكتشف منتج ذكي أو كاتب
مبدع موهبتها ويضع ثقته فيها لتؤدي الدور الذي تحلم به، فتخرج الطاقة
المدفونة في داخلها.
الشرق الأوسط في
25/06/2010 |