القبعات، الملصقات، والقمصان مؤشرات تعكس الحوادث الأبرز في كل حقبة. وخلال
السنة الماضية، كثرت القبعات التي كُتبت عليها عبارة {ملك
البوب} والقمصان التي
تحمل صور مايكل جاكسون ونيلسون مانديلا، مايكل جاكسون ومالكوم اكس، مايكل
جاكسون
والرئيس باراك أوباما، ومايكل جاكسون ومايكل جوردن. فنرى، مثلاً، مايكل
جوردن وهو
يلعب بالكرة وقبالته جاكسون وهو يرقص على رؤوس أصابعه.
جاءت هذه التذكارات التي تحمل صور جاكسون أو توقيعه كرد فعل على موته
المفاجئ
في 25 يونيو (حزيران) عام 2009. لكن هل انقضت حقاً سنة على
وفاته؟ يبدو وكأنه توفي
أمس.
عكست العواطف الجياشة التي غمرت المعجبين حول العالم مدى هول تلك الفاجعة.
فقد
بدا الشعور العالمي بالخسارة واضحاً. وكان الحداد، الذي انقسم
بين الجنون وعدم
التصديق، عاماً ولم نشهد له مثيلاً منذ وفاة إلفيس بريسلي والأميرة ديانا
المفاجئة.
يوضح الدكتور آلفين بوسانت، بروفيسور في علم النفس في كلية الطب في جامعة
هارفرد
خلال مقابلة هاتفية أجريت معه من بوسطن: {تعلّق كثيرون بمايكل
جاكسون، ومع وفاته
شعروا أنهم ما عادوا يستطيعون التمتّع بإبداعاته}.
فمن سكان الأرض البالغ عددهم 6.8 مليارات نسمة يبدو أن 6.5 تأثروا بموت
جاكسون.
ونُقل عن المخرج مارتن سكورسيزي الفائز بجائزة أوسكار قوله عن جاكسون: {كان
جاكسون شخصاً مميزاً جداً. عندما عملنا معاً على Bad (شريط
موسيقي مصور)، أذهلتني
براعته المطلقة في الرقص وخبرته الموسيقية الواسعة. كانت كل خطوة يقوم بها
دقيقة
وتنضح ليونةً في آن. كان التعامل معه رائعاً، فهو محترف على الأصعدة
جميعها. وغني
عن القول إنه فنان حقيقي. سأحتاج إلى بعض الوقت كي اعتاد فكرة
أنه لم يعد معنا}.
تهافت الناس بشدة على كل ما يخص مايكل جاكسون.
علّق جوناثان كلاين، رئيس شبكة CNN،
على هذه المسألة خلال جلسة مناقشة عقدها
مجلس الإدارة بشأن جاكسون عام 2009 في مؤتمر الجمعية الوطنية
للصحافيين السود في
تامبا بفلوريدا. فقال: {أبدى الجمهور اهتماماً هائلاً بهذه القصة. فشعرنا
بضغط
كبير، بما أننا شبكة عالمية}.
استمرت تغطية هذا الحدث الإعلامية فترة طويلة. فعلى مدى ثلاثة أسابيع
متتالية،
خصّص لاري كينغ في برنامج
Larry King Live
على شبكة
CNN
فقرة على الأقل لعرض
تطوّرات وفاة جاكسون.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد هاورد كورتز، الناقد الإعلامي في صحيفة واشنطن بوست
ومقدّم برنامج
Reliable sources
على شبكة
CNN، أن عدد مشاهدي هذه الشبكة ارتفع يوم
وفاة جاكسون بنسب خيالية وصلت إلى 937 في المئة في إحدى المراحل. أما عدد
مشاهدي
شبكة MSNBC
فازداد بنسبة 330 في المئة وقناة 243iFox
في المئة.
كذلك خصصت صحف مثل New York Post
وNew
York Daily News
أقساماً عن جاكسون تضمّنت
ملصقات كبيرة له يمكن نزعها من الصحيفة.
يوضح ريتشارد برينس، صحافي يكتب في موقع معهد
Maynard institute for journalism education
على الإنترنت: {عندما تتوافر في المجال الإعلامي مواقع إلكترونية ووسائل
إعلام تغطّي اهتمامات كل شخص، لا أعتقد أنكم تستطيعون القول إن
مايكل جاكسون أحيط
بتغطية إعلامية كبيرة...}.
يتابع برينس: {لم أرَ ما يكفي من التحاليل حول ما جعل الخيارات التي اتخذها
جاكسون في حياته تقوده إلى مصيره المحتّم وما يكشفه ذلك عن
المجتمع الذي نعيش فيه.
فإذا كان هذا ما عليك فعله لتصبح نجماً كبيراً، فهل يستحق حقاً العناء؟ شعر
جاكسون
أن عليه وضع شعر مستعار والخضوع لجراحات تجميل ليتناسب مظهره مع ما اعتقد
أن الناس
يتوقعونه من نجم كبير. وفجأة ما عاد يبدو رجلاً أسود}.
أتذكرون أنه خلال الدقائق الأولى بعد إعلان خبر وفاة جاكسون، أشارت شركة
الاتصالات
AT&T
إلى أن 65 ألف رسالة نصية قد أرسلت في الثانية (علماً أن متوسط
الرسائل النصية التي ترسل في الثانية يبلغ عادة 40 ألفاً)؟ يلفت كلاين إلى
أن معدل
تصفح موقع CNN
الإلكتروني زاد 5 أضعاف من لحظة وفاة جاكسون إلى مراسيم تأبينه في
مركز
Staples centre
في لوس أنجليس في 7 يوليو (تموز) 2009.
كرّم الحضور إنجازات مايكل جاكسون، الذي يُعتبر بحق رائداً متميزاً.
يشتهر براين مونرو، نائب رئيس مجلة Ebony
ورئيس تحريرها، بإجرائه آخر مقابلة
وجهاً لوجه مع مايكل جاكسون في الولايات المتحدة. نشرت هذه المقابلة في عدد
شهر
ديسمبر (كانون الأول) 2007 من المجلة. خلالها سأل مونرو جاكسون عن كسره
السقف
الزجاجي في قناة
MTV، فأجابه: {قالوا لي مباشرة إنهم لن يعرضوا
موسيقاي، فحطّم ذلك
قلبي. أرفض أن يتجاهلني الآخرون. لذلك أنتجت ألبوم
Thriller
وكنت أحاول دائماً
التفوّق على نفسي... ولكن عندما عرضوا أغنية
Billie Jean، حطّمت الأرقام القياسية.
ثم بدأوا يطلبون مني عرض كل موسيقاي}.
ويتابع جاكسون مخبراً: {راحوا يطرقون بابي باستمرار. فتحت هذه الأغنية
الطريق
أمام برينس وأمام الفنانين السود الآخرين}.
بدا الأسبوع الذي توفي فيه جاكسون مأساوياً. فيوم الثلاثاء (23 يونيو) توفي
ايد
ماك ماهون، مساعد جوني كارسون في برنامج
The Tonight Show، عن 86 عاماً بعد تدهور
حالته الصحية. وبعد ظهر يوم الخميس (25 يونيو)، توفيت الممثلة فرح فاوست عن
62
عاماً نتيجة لإصابتها بالسرطان. وفي وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم عينه،
صُدمنا
بخبر وفاة جاكسون المفاجئة عن 50 عاماً.
يقول بوسانت، الذي ظهر في برامج تلفزيونية على غرار
Nightline: {كثرت الإشارات
إلى أن حياة مايكل جاكسون كانت مضطربة، منها قلقه وابيضاض بشرته وغيرهما.
أدرك
الناس أنه إنسان حساس ورقيق}.
لا شك في أنه كان رقيق المشاعر، لكن أعماله وممتلكاته ما زالت تدرّ المال
الوفير
بعد وفاته.
فبحسب موقع Forbes.com
الإلكتروني، احتل جاكسون عام 2009 المرتبة الثالثة بين
المشاهير المتوفين الذين يجنون أعلى إيرادات. ففي الشهر الرابع بعد وفاته،
حققت
مقتنيات جاكسون أرباحاً بلغت 90 مليون دولار تقريباً. ولم يتقدّمه إلا مصمم
الأزياء
ايف سان لوران (350 مليون دولار) والمؤلفَين الموسيقيين
ريتشارد روجرز وأوسكار
هامرشتاين (235 مليون دولار). وتلا جاكسون إلفيس بريسلي (55 مليون دولار).
هل تتحوّل وفاة جاكسون، تماماً كوفاة بريسلي، إلى لغز غامض؟ يشكل موت أحد
المشاهير بشكل غامض عادةً فرصة لطرح نظرية مؤامرة محبوكة.
لكن بالنسبة إلى جاكسون، كان الوضع أكثر جدية. فقد ثبتت براءته في 13 يونيو
(حزيران)
2005 من 10 اتهامات وُجهت إليه في قضية تحرّش بالأطفال رُوِّج لها كثيراً
في وسائل الإعلام.
ولاحقت الشائعات جاكسون خلال معظم حياته، من الاشتباه بإقامته علاقات غير
لائقة
مع الأطفال إلى ميوله الجنسية.
فاعتبر كثيرون أنه يعاني الشذوذ أو البرود
الجنسي.
يوضح بوسانت الذي عمل مستشاراً للممثل الكوميدي بيل كوسبي في برامجه
التلفزيونية: {كان جاكسون شخصاً رقيقاً وخجولاً جداً. كان
يعاني أرقاً شديداً. توفي
في هذه الحادثة المأساوية على يد طبيب}.
اتُّهم طبيب جاكسون، كونراد موراي، بالقتل غير المتعمد بحقن جاكسون بدواء
منوم
شديد الفاعلية لمساعدته على النوم بشكل أفضل.
شكلت هذه المعلومات صدمة كبيرة، نظراً إلى الظروف المحيطة بوفاة جاكسون.
والمفارقة أن موراي تلقى المديح في مايو (أيار) عام 2010 لمساعدته مسافرة
مريضة
فقدت وعيها في رحلة متوجهة من هيوستن إلى فينكس.
لا يزال أفراد أسرة جاكسون اليوم في دائرة الضوء. فقد تحدّث والده جوزيف،
وشقيقه
جيرماين، وشقيقته جانيت علانية عن إرث جاكسون. وظهر أشقاؤه
أيضاً في أحد برامج
تلفزيون الواقع على شبكة A&E
يحمل اسم The Jacksons: A Family Dynasty.
وما هي الخطوة التالية؟
يوضح بوسانت: {لدى جاكسون معجبون كثر حول العالم، لكني أعتقد أنه بمرور
الوقت
سيخبو تدريجياً الاهتمام الكبير الذي اجتذبه}.
ويضيف بوسانت موضحاً: {سرعان ما سيظهر جيل جديد لا يعرفه مطلقاً. فهذا ما
حصل مع
الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن. مع الوقت، لن يعرف الناس
تفاصيل وفاته. بعد 10 أو
20
سنة من الآن، لن تروا على الأرجح كل هؤلاء الناس في الشوارع يخلّدون
ذكراه}.
ولكن اليوم، لا يستطيع الكثير من معجبي جاكسون تقبّل فكرة وفاته.
الجريدة الكويتية في
25/06/2010 |