لم تتجاوز مدة عرض الفيلم البحريني القصيرجداً جداً «راح البحر» الخمس
وثلاثين ثانية، لكن حجم إعجاب الجمهور به تجاوز ذلك بكثير، إذ عرض للمرة
الأولى في أبريل/ نيسان الماضي. لم يشتمل الفيلم الذي شارك به محسن المتغوي
بمهرجان الخليج السينمائي في دبي، على أية حوارات. ليس سوى صوت البحر
وخطوات صياد منى النفس بصيد ثمين، لكن صورته المختصرة جدا جدا كانت أبلغ من
أية كلمات.
«راح البحر» فيلم بحريني يصفه صانعوه بالقصير «جدا جدا جدا»، هو في واقع
الأمر فاتحة مشروع متكامل بدأه ثلاثة شباب بحرينيين أطلقوا عليه اسم
«نغزة». عرض الفيلم الأول والوحيد جاء خلال الدورة الثالثة لمهرجان الخليج
السينمائي التي عقدت في الفترة 9-15 أبريل/ نيسان الماضي في دبي.
«الوسط» حاورت مخرج الفيلم محسن المتغوي، كاتب السيناريو وصاحب فكرة الفيلم
والمشروع ككل جعفر حمزة، والقائم بعمليات المونتاج حسن نصر وهو أيضا صاحب
استوديو مون ميديا، الحاضن التقني للمشروع.
·
محسن، برأيك ما سر التصفيق الحاد
والإعجاب الشديد الذي حظي به أول أفلامك في أول عرض له؟
- في البداية كنت خائفاً بسبب قصر مدة الفيلم التي لا تتجاوز 35 ثانية، إلا
أنه بعد تصفيق الجمهور عرفت أنه نال إعجابهم. وبعد خروجي من صالة العرض
تحدث إلي البعض قائلاً: توقعنا أن تكون مدة الفيلم أطول من ذلك وسيكون
مملاً، لكنهم تفاجأوا بختامه في نفس الدقيقة، ما أثار إعجابهم. وتدور فكرة
الفيلم حول شخص ذهب إلى البحر لكن البحر دفن أثناء تواجده فيه، تماماً كما
يحصل الآن.
·
كاتب الفيلم جعفر حمزة، تقول إن
الفيلم جزء من مشروع متكامل لتقديم أفلام توعوية قصيرة. حدثنا أكثر عن هذا
المشروع.
- تم البدء في المشروع تحت مظلة اسمها «نغزة»، والغرض منه «نغزة»، ومعناها
معروف حسب اللهجة الدارجة الخليجية «إياك أعني واسمعي يا جارة»، إشارة
معينة لا حاجة لذكرها ويفهمها الشخص المُخاطب «على الطاير»، سواء كان في
المجال البيئي أو المجال الديني والأخلاقي وغير ذلك.
الهدف من هذا المشروع هو إيصال رسائل توعوية قصيرة جداً في أقل وقت ممكن
وبصورة مختزلة جدا لا تضر بالرسالة وفي نفس الوقت توصلها بطريقة سلسلة
وسهلة يفهمها الجميع دون أي حوارات، وتأتي كل الرسائل مكثفة في صورة بصرية
هي عبارة عن فيلم قصير.
لدينا أفكار كثيرة تأتي تحت مظلة هذا المشروع لكن «راح البحر» هو أول
أفلامنا وفيه نسلط الضوء على ردم البيئة وعلى الدفان الجائر الحاصل في
البلد أو في العالم بصورة عامة، لكننا نتكلم عن البحرين حالياً، وهذه صورة
مصغرة عن الموجود في الواقع.
لذلك، أكرر أن هذا العمل عمل عالمي وليس مختص بجانب فئوي معين أو جانب
يتعلق بمدرسة معينة، فما يراه المسلم يراه الأجنبي وبالعكس، وليست لدينا أي
مشكلة في هذا الجانب.
·
تحدثت عن تأثركم بأسلوب ياباني
في تقديم أفكار مهمة عبر أفلام قصيرة جداً جداً جداً، حدثنا عن هذا
الأسلوب.
- هذا الأسلوب مأخوذ من الشعر الياباني «هايكو» أو «هايدو» حسب تسمية
البعض، وهو شعر قصير جداً لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة أبيات، وتختزل فيه كل
الفكرة، وهناك نسخ من هذا الشعر مترجمة إلى قصص قصيرة جداً جداًً، تتكون
ربما من فقرة أو فقرتين فقط، تختزل فيها الفكرة والقصة والإخراج كله. انتقل
هذا المفهوم الثقافي الياباني من الشعر والقصة إلى أفلام قصيرة جداً جداً.
وهنا ينبغي ملاحظة أن هناك فيلماً قصيراً وفيلماً قصيراً جداً وهو ما يصنف
ضمن الأفلام الدعائية القصيرة جداً التي توازي الإعلانات الدعائية المعروفة
على مستوى عالمي. ومعروف أن هذه الأفلام الدعائية لا تتجاوز مدتها الخمس
وثلاثين ثانية وهذه قمة الصعوبة، فإذا كان لدينا فيلم طويل باستطاعتنا أن
نتكيّف معه، لكن في الفيلم القصير تختزل كل القصص والدراما والسيناريو في
وقت جداً قصير، وهنا تكمن الصعوبة إذ تحتاج إلى آليات كثيرة، كسيناريو محكم
ومخرج مبدع وإنتاج يراعي كل هذه الجوانب. الأسلوب إذاً مأخوذ من الأسلوب
الياباني في الإخراج، أما الفكرة بطبيعة الحال فلا بد أن نراعي الظروف
الموجودة حولنا ونقدم الأفكار بناءً عليها.
·
ما الذي يميّز هذا الأسلوب في
تقديم الأفلام، ولماذا نقدم فيلماً في هذه الفترة القصيرة جداً جداً، هل
تعتقد أن رسالة الفيلم تصل بشكل أبلغ؟
- كما ينتشر «ماكدونالدز»، و»كنتاكي» تنتشر هذه الأفلام، بمعنى أنه كما
توجد أكلات سريعة جدا، هناك أيضا أفلام سريعة جدا. نحن الآن في عصر سرعة،
وانشغالات الأفراد تجعلهم لا يمتلكون الوقت الكافي لمتابعة أفلام طويلة.
لذلك، نحن بحاجة إلى إيصال رسائلنا في أقل وقت ممكن وبصورة مختزلة مباشرة
إلى الفئة المستهدفة.
مرة أخرى أقول كما تنتشر الوجبات السريعة ستنتشر أيضاً أفلام «هايكو» أو
«هايدو». يمكن لنا أن نقلل مدة الأفلام لتصل إلى عشر ثوان مثلا ونعطيها
اسما خاصا بنا، ويمكن لهذا أن يعطينا مرونة أكبر في الانتشار سواء في
القنوات الفضائية أو اليوتيوب أو الفيس بوك أو وسائل الإعلام الاجتماعي أو
الإيميل أو حتى تحويل هذه الأفلام إلى رسائل هاتفية.
قوة أي فكرة، خصوصاً الفكرة البصرية هي في تحويلها إلى أمر محيط بنا، من
هاتف نقال إلى جهاز حاسوب، إلى الإنترنت، إلى شيء آخر. هذه هي قمة التحدي
والتي نحاول – إن شاء الله – أن نعمل عليها حالياً حتى نصل إلى الهدف.
·
عودة إلى مخرج الفيلم محسن
المتغوي؛ كيف تعاملت مع الفكرة وكيف استطعت أن تقدمها في أقل من دقيقة
واحدة؟
- واجهت صعوبة في كيفية إيجاد إيحاء بسيط لإيصال الرسالة، أو أن أبحث عن
جمالية ومن ناحية أخرى أقوم بإيصال الرسالة في وقت أسرع. لدينا أفكار كثيرة
لكن نواجه صعوبة في كيفية إيصال الرسالة في أقل من دقيقة.
·
حسن نصر؛ كونك المشرف على الأمور
الفنية المتعلقة بالفيلم، ما حجم التحدي الفني في تقديم مثل هذه الأفلام؟
- التقنية مشابهة لتقنية الأفلام الطويلة لكنها هنا مختصرة، ربما القطع هنا
يتم بشكل أكبر، بدلاً من الاسترسال فيها كما في الأفلام الطويلة. من ناحية
أخرى فإن جانب الصوت مهم جداً في هذا الأفلام، فحينما أخرج محسن الفيلم لم
يكن هناك صوت للبحر، بل قمنا بتركيبه حتى صوت الخطوات تم تركيبها لاحقاً.
الفيلم يعتمد على الصوت بنسبة 70 في المئة أحيانا. هناك جو عام في الفيلم،
بدونه لا يصبح للفيلم أي قيمة. فالمشاهد إذا تابع فيلماً بدون صوت لن يشعر
به.
·
هل هناك حاجة إلى برامج خاصة
لتنفيذ مثل هذه الأفلام؟
- لا حاجة لأي برامج خاصة، نستخدم جميع البرامج المعروفة في مجال صناعة
الأفلام الطويلة أو القصيرة. لدينا فكرة نعمل عليها حالياً لإدخال برامج
الغرافيكس في أفلامنا القادمة.
·
ما مدى صعوبة دخول الشباب إلى
هذا المجال من الناحية التقنية؟
- التقنية نفسها ليست صعبة، المطلوب فقط هو مواكبة أي تقنية جديدة ومستحدثة
في هذا المجال، ومتابعتها بشكل دائم، وتعلم تقنيات وأساليب المونتاج
الصحيح، وليس فقط الاعتماد على طرق مونتاج الآخرين، إنما يجب معرفة اللمسات
الدقيقة في الفيلم، أين يقطع، أين يقف، أين توضع الـمؤثرات.
·
جعفر حمزة، باعتبارك صاحب
الفكرة، ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
- قبل أن أتحدث عن المشاريع المستقبلية، أود التحدث عن نقطة مهمة وهي أن ما
يميز هذه الأفلام القصيرة هو عدم وجود حوار، لذلك هناك تركيز كبير على
الصوتيات. نحن هنا لدينا صورة وصوت، صوت وليس حوار، لأننا نسعى لأن نتعامل
مع العالم ككل وليس مع جهة معينة. نحن لا نخاطب المتحدثين باللغة العربية
فقط، هدفنا العالم ككل، فحينما نضع الفيلم في اليوتيوب فنحن لا نريد أن
نقتصر على يوتيوب البحرين أو الخليج أو المنطقة العربية فقط وإنما العالم
بأجمعه، من الإسكيمو إلى جنوب إفريقيا. هكذا ولأننا نسعى لأن تكون صورتنا
ورسالتنا عالميتين وغير محصورتين في لغة معينة، ألغينا الحوار في هذا
الفيلم وفي كل المشاريع أو الأفلام التي ستكون تحت مظلة «نغزة». اللعبة
والفيصل في «نغزة» يكمنان في الصوت والصورة والحركة فقط، وطبعاً مع وجود
مخرج قدير مثل محسن، واستخدام تقنيات جديدة مستحدثة ومتابعتنا اليومية لها
مع حسن.
·
نتكلم عن أفلام قصيرة تستهدف
الجمهور العادي، هل ستعرض هذه الأفلام في التلفزيون؟
- هذا مجال نحن نعمل عليه حالياً لكي نكوّن باقة متكاملة على الأقل من 5
إلى 10 أفلام، لتقديمها من خلال قناة تلفزيونية. سنرى إذا كان هناك إمكانية
بيعها على إحدى القنوات، سواء كانت ذات توجه إسلامي أو توجه عام، إذ إن
الرسالة عامة للجميع ولا تخص توجهاً معيناً.
·
إذاً، هي أفلام دعائية تلفزيونية
أكثر من كونها سينمائية؟
- نعم، نستطيع تصنيفها من ضمن الأفلام الدعائية.
·
لكن التكنيك الذي يتم به صناعة
هذه الأفلام، سينمائي، هل هذا صحيح؟
- هناك فرق بين التكنيك السينمائي وتكنيك الأفلام الدعائية التجارية. هذه
الأفلام هدفها هو بيع خدمة أو منتج، وأفلامنا ليست كذلك. هدفنا إيصال
رسالة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الأخلاقي أو العام أو الإنساني، وهذا
هو الفرق بين أفلامنا والأفلام الدعائية. نحن نستخدم نفس التقنية، وكذلك
نستخدم التقنية السينمائية، لكن كما قلت هدفنا رسالي والأفلام الدعائية
هدفها تجاري.
الوسط البحرينية في
24/06/2010
نغزة ... مشروع هايكو بحريني
منصورة عبد الأمير
كما تتكدس أبيات قصائد الهايكو، التي لا تتجاوز الأربعة في أغلب الأحوال
بكثير من الدلالات والجماليات، تمتلئ الأفلام القصيرة جداً التي تعتمد
الهايكو أساساً نظرياً لها، بكثير من الدلالات والمعاني والثيمات.
وفي الأغلب لا تتجاوز مدة أطول أفلام الهايكو، أو الأفلام القصيرة جداً
جداً، الخمس دقائق، لكن طموح مجموعة من الشباب البحريني أطلقوا مشروعاً
لتقديم باقة أفلام «هايكو»، تتجاوز ذلك. المشروع دشن أخيراً تحت اسم
«نغزة»، عشرة هي الأفلام التي يطمح كل من جعفر حمزة ومحسن المتغوي وحسن
نصر، لتقديمها عبر هذا المشروع. دقيقة هي مدة أطولها، ومعان أخلاقية
اجتماعية ودينية هي ما يسعى الثلاثة لتضمينها عبر أفلامهم القصيرة جداً.
التحدي الذي يخوضه البحرينيون الثلاثة كبير يتطلب منهم مقدرة عالية على
تقديم فكرة يمكن اختصارها في دقيقة أو نصف دقيقة، ثم إعداد رؤية إخراجية
لتحويلها إلى صورة بصرية عالية الدلالات. بالطبع نعلم أن كتابة عبارة موجزة
تنقل الكثير، هو أمر لا يتقنه الكثير، لكن ترجمة تلك العبارة إلى صورة تنقل
في وقت قياسي كهذا، يعتبر قمة التحدي.
المونتاج أو التقطيع وتركيب الصور يمثل هو الآخر تحدياً مختلفاً عما يمكن
أن يواجهه من يقوم بمونتاج فيلم طويل أو قصير (وليس قصيراً جدا). إذ وكما
أشار الشباب فإن الأخير يعتمد إحداث صدمة لدى المشاهد، وهي صدمة كفيلة بنقل
الفكرة.
والحق يقال، فقد تمكن الثلاثة في أول أفلامهم القصيرة جداً «راح البحر»، لا
من نقل فكرة وحسب، بل قضية من قضايا الشارع البحريني، تتمثل في الردم
«الجائر» للبحر. في أقل من دقيقة نشاهد رجلاً «يعد عدته» لرحلة صيد، يدخل
البحر، ونعيش أجواء البحر. نعتقد، جهلاً وربما اعتماداً على المألوف مما
نراه، أننا أمام قصة «تراثية» بحرينية أخرى. هو ذا الصياد البحريني بلبسه
القديم الجديد، «هي ذي» الشباك ذاتها، والإزار ذاته. هل هي قصة «مملة»
أخرى؟
لكن المتغوي، مخرج الفيلم، لم يتركنا عرضه للتساؤلات والظنون والشكوك،
فاجأنا في بضع ثوانٍ حين توقفت سفينة كانت تلاعبها مياه البحر فجأة. تحسب
أنك أمامك لقطة جامدة، لكن أصوات أخرى لم تصمت، وصرخة ألم مفاجئة تنطلق من
الصياد الذي يفاجأ هو الآخر حين يجد نصفه مدفوناً وسط التراب... لقد دفن
البحر.
لن نتحدث عن دعم منتظر أو تشجيع أو إبراز أو أي ما شابه ذلك من أي جهة
رسمية. باتت الكلمات حول هذا الأمر مبتذلة!!
الوسط البحرينية في
24/06/2010 |