بدأ سباق عرض أفلام الموسم السينمائي الصيفي لهذا العام منتصف الشهر الماضي
بطرح ثلاثة أفلام جديدة في دور العرض المصرية هي «عصافير النيل»،
«هليوبوليس»، و«تلك الأيام»، وتبعها بعد أيام عدة أفلام «نور عيني»، «عسل
إسود»، و«الديلر».
ليبدأ بذلك صراع قوي لدى المنتجين ونجوم الموسم، على الرغم من أن النتائج
يمكن تخمينها مسبقاً من خلال شباك التذاكر الذي بدا خاوياً من الجمهور على
بعض الأفلام، وأفلام أخرى أُلغي عرضها في حفلات عدة؛ لعدم إقبال الجمهور
على مشاهدتها.وكان أبرزها فيلم «هليوبوليس» الذي أُلغيت حفلات عدة له،
واضطر أصحاب دور العرض لإزاحته إلى حفلتي العاشرة صباحاً ومنتصف الليل، وفي
المقابل حقق فيلم أحمد حلمي الجديد في أول أسبوع أصداء نجاح واسعة على
المستويين الجماهيري والنقدي..وضمن أفلام الموسم السينمائي يأتي فيلم «تلك
الأيام»، وهو التجربة الأولى لمخرجه أحمد غانم، ابن الكاتب الروائي فتحي
غانم، والفيلم معالجة سينمائية لرواية فتحي غانم الأدبية بالاسم نفسه،
وكتبت لها السيناريو والحوار السيناريست علا عز الدين بمشاركة المخرج أحمد
غانم.يعود بنا الفيلم من خلال تكثيف مشاهد ال«فلاش باك» إلى ذكريات كل
شخصية في الفيلم، ومدى تأثير هذا الماضي في حاضرها ومستقبلها، وكل شخصية هي
في الواقع تُمثل نموذجاً مصغراً لشرائح مختلفة من المجتمع.
فلاش باك
علي النجار «أحمد الفيشاوي»، ضابط الشرطة المتقاعد تراوده ذكريات أليمة
مرتبطة بفترة ماضية من حياته تخلّى فيها عن مشاعره وعن اختياراته؛ بسبب
طبيعة عمله في جهاز الأمن الذي حوّله إلى شيء أشبه بالآلة ينفّذ الأوامر
بصرامة منزوعة المشاعر.
يقوم «علي» مع بعض زملائه بمطاردة مجموعة ممن وصفهم بالإرهابيين، وأثناء
عملية الدهم يقتل أحد الإرهابيين صديق «علي» المقرَّب، فتتحول عدوانيته
الشرفية إلى عدوانية ثأرية، ويقوم بقتل هذا الإرهابي ليس بدافع الواجب
الوطني، ولكن بدافع الثأر لصديقه فيشعر «علي» أنه تحوَّل إلى قاتل مارس فعل
القتل العمد، فاختار بعد ذلك الابتعاد عن الحياة الدنيوية والانعزال في
عالم آخر أكثر هدوءاً وسلاماً.
ويسعى إلى التكفير عن هذا الإثم بالتوبة والاتجاه إلى الله، ويتقابل علي مع
سالم عبيد، «محمود حميدة»، أستاذ السياسة الجامعي والمفكر الكبير صاحب
المؤلفات السياسية البارزة في علم السياسة، فيستعين سالم بعلي ليروي له
تجربته في مطاردة الإرهابيين.
ومن خلال معايشته لهذه النوعية العدوانية يقوم سالم باستكمال أحد أهم
أبحاثه السياسية حول ظاهرة الإرهاب في مصر، ولكن علي الذي لم نر أي تفاعل
بينه وسالم عبيد لا يتمكن من استحضار التجربة المشبّعة بالألم، فينصرف عن
الإدلاء بشهادته، ويفضّل الانغماس أكثر في نسيان الماضي.
في المقابل نرى شخصية نورا، «ليلى سالم»، زوجة سالم عبيد، السيدة المستهترة
الغائبة دائماً عن الحياة بفعل تناولها للكحول، ويأسها من إصلاح حياتها
التي باعتها لأستاذها الجامعي مقابل أن تحيا هي وأهلها حياة مادية ثرية،
نورا التي استغنت عن الحب، وقبلت بالزواج من سالم عبيد الذي يكبرها بسنوات
عدة، شخصية ضائعة وتائهة تبحث دائماً عما ينقصها في الحياة.
وهو الحب والاهتمام الذي تجده سريعاً في تطور علاقتها بعلي، ما يمنحها
القوة أكثر من أي وقت مضى في التخلّي عن زهو الحياة الفخمة، والمضي للبدء
من جديد مع مَن تحب، ولكن زوجها لا يعطيها الفرصة للتخلي عنه ليس بدافع
الحب ولكن بدافع الوجاهة الاجتماعية بين أصدقائه، فرفض أن تتركه بسبب رجل
آخر، فيحاول اتهامها بالجنون والوشاية لقتلها.
فهي تبدو كالدمية تتلقى ردود أفعال الشخصيات المحيطة باستسلام دون المشاركة
فيها، وبمنتهى السلبية والبرود الآدمي.
وقد جسدت الوجه الجديد ليلى سالم في أول بطولة سينمائية لها شخصية نورا
بانفعال أملس هادئ مبالغ فيه وصل إلى حد الملل، فلم يبدُ عليها أي انفعال
سوى البرود اللامتناهي، وعدم تصاعد الإحساس في مواقف تتباين فيها ردود
أفعال الشخصية من خلال تطور الأحداث.
المتاجرة بالعلم
أما شخصية علي النجار فقد أداها أحمد الفيشاوي بشيء من الصرامة التي لا
تتماشى مع مظهره ولا تكوينه، ما أعطى الشخصية شيئاً من الكوميديا والسخرية
عند مشاهدتها، خصوصاً في أسلوب حديثه ونبرات صوته الذي تقمّص فيها روح
شخصية الممثل الراحل زكي رستم.
أما سالم عبيد هذا الرجل الانتهازي الذي تخلّى عن كل مبادئه مقابل حصوله
على مكانة اجتماعية مرموقة ورصيد كبير في عدة بنوك، بعدما تعرّض في شبابه
لعدة اعتقالات سياسية خرج منها إنساناً جديداً حليفاً للسلطة، التي أيقن
أنها الجانب الأقوى والمؤثر والأسرع لتحقيق حلمه، فقد باع القضية ووشى
بأصدقائه وتخلّى عن أفكاره.
وأصبح من الشخصيات المرموقة في المجتمع، والأهم من ذلك أنه فقد احترام
طلابه له، وفقد هيبته وتأثيره في الأجيال الجديدة التي جسدها لنا المخرج في
مشهدين داخل قاعة المحاضرات وخارجها، حيث سقط الأستاذ بعد مناقشة عقيمة مع
طلابه الذين عرضوا آراءهم بشكل واعٍ وأكثر فاعلية.
وصُدم سالم عبيد الذي لم يجد له مخرجاً من هذا الخندق إلا بادعاء المرض،
فهذا هو جيل البناء الحر الذي لا يمكن مصادرة أفكارهم، ولا الاستهزاء
برغباتهم بدعوى أنهم ما زالوا يتلقُّون العلم ممن هم لا يتمتعون بصفة
الأمانة في الطرح، سقطت صفة الاحترام بين سالم عبيد وطلابه.
وسقطت أيضاً عنه المصداقية والثقة، وهذه النماذج من المتملِّقين نجدها
كثيراً في أماكن عديدة، ولكن أخطرهم هو مَن يمتلك سلطة المتاجرة بالعلم،
خصوصاً إذا كان مدوناً للتاريخ، ومعلماً للأجيال التي تثق بما يُقال لها
على لسان رسول العلم، وهو المعلم.
يدخل علي النجار في حياة الأستاذ سالم وزوجته ليكشف عن حقيقة خداع كل منهم
للآخر دون أن يدرك هو، فالزوجة نورا وجدت في علاقتها بعلي خيط أمل، يربطها
من جديد بالحياة من خلال تجربة علي الذي تحول من ضابط يقتل ويطارد الإرهاب
إلى شخص هادئ مسالم يسعى للعزلة والابتعاد عن الناس.
تحاول هي أيضاً التخلص من رغباتها الملحّة للحياة الزاهية، والمضي معه في
حياة أكثر بساطة وحباً وأماناً، فيغير علي حياتها دون أن يشعر، وتغير هي
حياته وتجذبه من عزلته نحو علاقة تتطور سريعاً إلى ارتباط نفسي واحتياج
عاطفي يفتقده كل منهما في حياته.
أما سالم فدائماً يحاول المحافظة على مظهره الاجتماعي دون الانتباه للمشاعر
الإنسانية، التي لا نشعر بها إلا في علاقته مع والدته التي تعامله كالطفل،
ولا يكمن تخلّي سالم عن مشاعره فقط في علاقته الفاترة بزوجته، ولكن نكتشف
من خلال الأحداث أنه تخلَّى عن تربية ابنه من الزوجة الأميركية لسنوات
طويلة، ولم يتواصل معه سوى بإرسال نفقاته الخاصة..
أما الوجه الجديد ليلى سالم، فكان من الممكن أن يكون هذا الفيلم هو نقطة
انطلاقة حقيقية لها في السينما، خصوصاً أن وجهها على الشاشة يمكن تطويعه
بسهولة في يدي أي مخرج، لكن أداءها الأملس الخالي من أي انفعال كان نقطة
تراجع كبيرة في كتابة اسمها في صفوف النجوم الصاعدة.
نضيف إلى ذلك السيناريو الذي أضعف من بنية العمل بالكامل، فلم يقدم لنا
السيناريو التتابع المنطقي لعدة أحداث جمعت بين سالم وعلي، فالمشكلة الكبرى
التي تكمن في تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية هي مدى المحافظة
على استمرار نجاح هذا الأصل، وهل قدم الفيلم الرواية بالقيمة نفسها التي هي
عليها في شكلها الأدبي، أم انتقص من قدرها عند تحويلها إلى فيلم سينمائي؟.
ملخص القصة
أحداث الفيلم تدور حول أستاذ جامعي يتمتع بنفوذ كبير، وكثيراً ما يستغل
علمه لتوصيل فكر معين للطلاب، وبالمصادفة يقابل ضابط شرطة مستقيل يُدعى علي
النجار ليساعده في كتابة كتاب جديد عن طريق إمداده بمعلومات عن تجاربه
السابقة في محاربة الإرهاب قبل أن يترك خدمته في الشرطة.
البطل الحقيقي
البطل الحقيقي في هذا الفيلم هو الإضاءة التي لعبت دوراً بارزاً في نقل
إحساس الشخصيات التي قصَّر في نقله السيناريو، من خلال استخدام الصورة
القاتمة بشكل متتالٍ وعبثية مدير الإضاءة بإضفاء نوع من الغموض على وجه كل
شخصية بإظهارها أنصاف الحقائق.
وكتمان النصف الآخر، والفيلم مجملاً يمثل عدة تجارب أولية في الإخراج
والتمثيل، وإن لم يكن بالقيمة الفنية العالية فإنه يعتبر تجربة أولية يمكن
تحسين مستواها في ما هو قادم.
فخ التكرار
محمود حميدة، هذا الفنان صاحب التاريخ الطويل في السينما، لم يختلف أداؤه
كثيراً عن أدائه بهذا الوجه الغامض المبتسم دائماً، أما أحمد الفيشاوي فلم
يقدم أي جديد في أدائه الذي تشابه كثيراً مع أدائه في فيلم «زي النهاردة»،
بل قد تطابق الأداء بين الشخصيتين.
ضيف الشرف
ظهر ماجد المصري كضيف شرف في تلك الأيام، وعن هذا يقول المصري: عمالقة
التمثيل لم يترددوا في الموافقة على الظهور في السينما كضيوف شرف حتى لو
كان ظهورهم في مشهد واحد فقط؛ لإيمانهم بأن الدور الصغير لا يقلل من قيمة
الفنان، فعبدالحليم حافظ وأحمد مظهر ومحمد توفيق ظهروا في مشهد واحد مع
إسماعيل يس دون أن ينطقوا بكلمة واحدة.
وإذا كان النقاد يعتبرون أن قبول الأدوار الصغيرة عيباً في حق الفنان فهم
مرضى نفسيون، وإذا كانت توقعاتهم بأنني قبلت العمل في «تلك الأيام» لمصالحة
جمهوري أو للظهور على السطح مرة أخرى، فهذا ليس عيباً، لكن العيب الوحيد
أنهم يقرؤون ما بداخلي قراءة خاطئة.
طريق المشاعر
ويكشف لنا الفيلم نقطة في غاية الأهمية، وهي تخلّي الإنسان عن مشاعره مقابل
عدة أشياء، أولها الانخراط في العمل السياسي الذي لا يعرف للمشاعر طريقاً،
وجسدها سالم عبيد ببراعة خلال الأحداث، وثانيها البحث عن المال دون إعمال
الإحساس، وتمثلت في شخصية نورا الزوجة، أما شخصية علي فكان تخليه عن مشاعره
مقابل واجبه في الدفاع عن الغير بقتل الغير.
ولكن النهاية لم تكن كما توقعها كل منهم، في النهاية الزوجة تتمرّد على
اختياراتها وتعيد حساباتها، وتقرر الاستغناء عن المال في سبيل عاطفتها مع
علي، أما سالم عبيد فلم يجد سبيلاً لأفعاله سوى الاستسلام لشيطانه أكثر
وأكثر، وينهي حياته بيده، أما علي فيحاول أن يبدأ حياته من جديد متخلياً عن
إحساس الذنب الذي رافقه لأعوام.
العمل الأول لأي مخرج دائماً يحاول من خلاله رسم طريق لوجهة نظره، وإرساء
مظهر معين لأسلوبه المقبل، ومن خلال هذا الفيلم الذي قدمه المخرج أحمد غانم
عن رواية والده.
حاول أن يجتهد قدر المستطاع ليظهر العمل في صورة تليق بالتاريخ الأدبي
الطويل لوالده، وبتقديم نفسه للمرة الأولى كمخرج محترف، ولكن المجهود الذي
بذله المخرج في إظهار صورة الفيلم بشكل راقٍ ظهر في جوانب ضئيلة جداً دون
سواها. فعنصر التمثيل في الفيلم كان أضعف من قدرات الممثلين على الأداء..
البيان الإماراتية في
24/06/2010
الدراما العربية تحرِّف التاريخ... لعيون أردوغان
وسام كنعان
بعد المواقف الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ها هم صنّاع الدراما العرب
يشكرون تركيا على طريقتهم: مسلسل «سقوط الخلافة» يعيد الاعتبار
للإمبراطورية العثمانية «بعد الظلم التاريخي الذي تعرضت له»!
بعيداً عن مطب التمجيد الذي تقع فيه أغلب المسلسلات التاريخية العربية
ويجعلها تصمد في وجه الرقابة، فإن الموسم الرمضاني المقبل يحمل إلينا
مأزقاً جديداً يجعل هذه الدراما تسير في درب أكثر تعثراً. بدأت القصة مع
الكاتب السوري قمر الزمان علوش الذي خرج إلينا في مؤتمر صحافي عقده في دمشق
ليعلن أنّه قرر أن ينصف الملكة المصرية كليوبترا التي ظلمها التاريخ. أما
الطريق لذلك، فكانت عبر كتابة مسلسل يُصوَّر حالياً، ويحمل توقيع المخرج
وائل رمضان.
وفي مواجهة هذا الكلام، رفض عدد من الكتّاب الطريقة التي كتب بها علوش
النص، واعتبروا أن الملكة المصرية أُنصفت عبر التاريخ. ورأى هؤلاء أنه لا
يحقّ للدراما التلفزيونية تصويب أخطاء التاريخ، ولا أن تتنطح لإنصاف
أعلامه. بل إن وظيفة الدراما هي الإضاءة على حيثيات التاريخ من دون التدخل
في حقائقه، ومحاولة التلاعب بها. أما الأولوية فيجب أن تبقى إمتاع المشاهد،
ثم تمرير المعلومة التي لا بدّ من توثيقها عبر الاستناد إلى أكثر من مرجع
تاريخي.
لكن عملية تصحيح التاريخ لم تتوقّف عند علّوش. إذ كتب يسري الجندي مسلسل
«سقوط الخلافة» ليتولى إخراجه الأردني محمد عزيزية. وقد أُسند دور السلطان
عبد الحميد للنجم السوري عباس النوري، فيما تقف إلى جانبه مجموعة من
الممثلين المصريين والسوريين والعراقيين، منهم أسعد فضة، وأحمد راتب، وريم
علي، وباسم قهار، وغيرهم...
تكمن مشكلة العمل في تصريحات بعض نجومه الذين يتباهون بمشاركتهم في مسلسل
ينصف الأتراك، ويعيد قراءة التاريخ بنظرة مختلفة، ترد الاعتبار إلى تركيا.
والسبب أنّ هذه الأخيرة، ممثلةً برئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، اتخذت
أخيراً مواقف مشرّفة من القضية الفلسطينية، ووصلت إلى الدراما التي أثارت
غضب إسرائيل. لذا يرى نجوم «سقوط الخلافة» أنه ينبغي للدراما العربية أن
ترد جزءاً من الجميل للأتراك عبر عمل تاريخي يصحّح النظرة السائدة عن
الإمبراطورية العثمانية.
هكذا، أبدى النجم المصري أحمد راتب سعادته المطلقة لمشاركته في المسلسل
الذي يضيء على حقبة تاريخية هامة من تاريخ المنطقة، ويرد الاعتبار إلى
الدولة التركية «بعد الظلم التاريخي الذي تعرضت له». كما طالب راتب بإنجاز
مجموعة من هذه الأعمال التي اعتبر أنها تصحح المفاهيم المغلوطة عن الأتراك.
ويجسد النجم المصري شخصية إيمانويل، وهو رجل يهودي لعب دوراً كبيراً في
تنفيذ المخططات الصهيونية. وتردّد حينها أنه طلب من السلطان عبد الحميد
تسليمه فلسطين مقابل تسديد ديونها للسلطنة، لكنّ السلطان رفض ذلك. أما
النجم السوري عباس النوري، فرأى أنّ المسلسل يقدم رؤية تاريخية مغايرة،
ويكشف عن الوجه الحقيقي للسلطان عبد الحميد الذي يعتبر نموذجاً مشرفاً في
الخلافة العثمانية على حد تعبير النوري. في الوقت ذاته، كان مخرج العمل
محمد عزيزية قد نفى أن يكون هناك تمويل تركي للعمل، لأنه من إنتاج «شركة
إيكو ميديا» المصرية. لكن عزيزية تمنى لو حصل التمويل التركي فعلاً، لتصل
ميزانية العمل إلى 300 مليون دولار أميركي تخوله إنجاز المسلسل بظروف
باذخة. ورأى أنه من الضروري إعادة قراءة التاريخ من أجل تقديم مسلسل من هذا
النوع ليحمل اعتذاراً للشعب التركي، ويساعد تركيا في الوصول إلى أفضل موقع
في منطقة الشرق الأوسط، «وخصوصاً أنها قامت بدور كبير لتهدئة المنطقة في
الآونة الأخيرة».
لو تناول «سقوط الخلافة» شخصيّة جمال باشا الجزّار، فكيف كان سيقدّمها؟
إذاً، أهل الدراما قرروا قول كلمتهم، وتقديم الاعتذار للأتراك، وربما تلميع
تاريخ الإمبراطورية العثمانية! ولا ندري بعد لو أنّ العمل سيمر على شخصية
جمال باشا الجزّار، فكيف كان سيقدمها؟ ومن سيتحمل مسؤولية دماء الشهداء
التي سالت في ساحات دمشق وبيروت أيام الاحتلال العثماني؟ وهل تغيّر المواقف
السياسية الراهنة لتركيا يبرّر مسألة تحريف الأحداث التاريخية وتقديم
الشخصيات بصيغة تمجيدية، وبهالة من القداسة كنوع من العرفان بالجميل؟
ثم هل لنا أن نستعد لو تحسنت العلاقات السورية ــــ الفرنسية أكثر لمشاهدة
مسلسل يحكي لنا عن الجنرال غورو بطريقة مغايرة تؤكد أنه دخل دمشق حاملاً
حمامة بيضاء، وباقة ياسمين وسط زغاريد النساء وتهليلهنّ؟ وهل من الممكن أن
تعديلاً في سياسة ألمانيا الحالية على سبيل المثال، سيخوّل صناع الدراما
العربية إعادة اجترار التاريخ الألماني لنرى هتلر رسولاً للسلام، ولنتعرف
على وجه جديد للنازية؟ ربما سيحمل مستقبل الدراما العربية تدخلاً أكثر
خطورة في أحداث التاريخ من الكتّاب، الذين قد يفكرون في الثأر ممن أساؤوا
إلى الملوك العرب، فنرى زنوبيا تسوق إمبراطور روما أورليانوس إلى الأسر على
عكس ما حصل، وذلك تحيةً من الدراما إلى الملكة السورية؟
على نار هادئة
اعتذر باسل الخطيب (الصورة) عن عدم إخراج «سقوط الخلافة»، فآلت المهمة إلى
محمد عزيزية. هذا الأخير صرح أنه انتهى من تصوير حوالى سبعين في المئة من
مشاهد العمل في مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر. وأضاف أن فريق عمله سينتقل
إلى سوريا لتجسيد المعارك التي دارت بين الجيش العثماني والجيوش الأجنبية.
ثم سيغادر الفريق إلى اسطنبول لتصوير بعض المشاهد في مكانها الحقيقي وينجز
المسلسل على نار هادئة. من جهة أخرى، أكد عزيزية أن هناك قنوات تركية أبدت
حماستها لشراء العمل العربي الأول الذي يقدم هذه الصورة عن الأتراك، إضافة
إلى مفاوضات تجري مع محطات مصرية وخليجية.
الأخبار اللبنانية في
24/06/2010 |