ما بين فيلم "حكاية مدينة على الشاطيء" 1983 للمخرج العنيد الذي ينتمي
لفلسطيني 1948 "علي نصار" وفيلم "جمر الحكاية" 2009 سنين كثيرة في رحلة
مخرج إشكالي
بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إشكالية هذا المخرج الصلب والذي قدم أيضا
"المرضعة" 1994
و"درب التبانات" 1997 و"في الشهر التاسع" 2002 إيجابية حتما لأنها تبقى
الأسئلة مطروحة طوال الوقت، حتى لو كانت جارحة له ولغيره من السينمائيين
الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين الداخل.
الجزيرة الوثائقية التقته في حوار
مطول نقدم هنا الجزء الأول منه
:
·
تبدو لي مخرجا جدليا لأكثر من
سبب ،هل ترى أن هذا الجدل هو جزء من دور
السينما بعيدا عن اليقينيات المعتادة؟
مصدر الجدل وجود مجموعة من
الأخوة قسم منهم ليس على قدر كاف من المعرفة لخصوصية وجودنا
كفلسطينييين نعيش داخل
اسرائيل، فيما البعض الاخر ما فتئ يعيش متقوقعا بداخله ولا يفقه عن وجودنا
وبقائنا
شيئا ويعتقد بأننا عرب يهود هاجرنا إلى إسرائيل أي قادمين جدد. السببان
مؤلمان لنا
كفلسطينيين نصر على البقاء كملح الأرض ولم نرحل يوم النكبة،
لذا لا أقبل المزاودات
علي أو علينا، فنحن جزء من أمتنا وشعبنا الفلسطيني المشرد.
وأما بخصوص التمويل
فنحن لا نستجدي أحدا ولسنا بعملاء نتقاضى الأموال لأفلامنا ثمنا لعمالتنا
بل نحن
نحصل حقوقنا، وهذه الأموال هي أموال دافعي الضرائب، بما أننا نعيش في
الداخل (داخل
حدود 1967) وندفع الضرائب فهذه الأموال جزء من حقوقنا، ولو لم نطالب بها
لأخذها أي
مخرج يهودي وصنع بها فيلمه الذي يريد، كذلك الأمر بخصوص الميزانيات للسلطات
المحلية
وللتعليم وتطوير بنانا التحتيه، فهي أموال ليست منة من المؤسسات
الاسرائيليه وأنما
هي حق لنا ننتزعه بالمثابرة والملاحقة.
وللعلم فإن صناديق السينما الإسرائيلية
ستكون سعيدة لو لم نطالب بحقوقنا، سنوفر عليهم ميزانية فيلم
عربي ويذهب ليفلم
إسرائيلي.
وأما الجدل حول تسمية الفيلم وهويته فأعتقد أن هذا النقاش سيبقينا في
المربع الأول من البحث ما هو الفيلم الفلسطيني، وذلك على الرغم من أننا
أصبحنا نجول
العالم والمهرجانات الدوليه بأفلامنا وذلك تحت اسم أفلام
فلسطين وذلك بغض النظر من
أين جاءت هذه الأفلام.
حتى الإعلام الإسرائيلي يعترف بنا كفلسطينيين ويصنف
أفلامنا بالفلسطينية، الفيلم الفلسطيني هو كل فيلم يخرجه فلسطيني وموضوعه
فلسطيني
ومهما كان مصدر التمويل ،هنا أهمس لمن يطالب بسينما فلسطينية
خالصة.. هل طرحتم يوما
ما أو فكرتم بأيجاد صندوق عربي لدعم السينما الفلسطينية؟ الجواب واضح طبعا.
·
لكن المشكل ليس في الحصول على
حقك إنما في أثر ذلك التمويل على المضمون،
وبالمناسبة هذه قضية تتجاوز التمويل الإسرائيلي إلى التمويل
الغربي
أيضا؟
التمويل له حدين، حد ايجابي أنه يتيح لك أن تنتج فيلما، أما الحد
السلبي فيتعلق بأثره على المضمون وتوجهات المخرج ورؤاه، حيث يضطر البعض
للاستسلام
والمراوغة. شخصيا يفهم الممولين أنهم ممنوعون من مناقشتي
بوجهة نظري. وباعتقادي ان
الضغوط موجود وستظل لكن السؤال: ما هي قناعتك التي تؤمن بها وما هي الأمور
التي
تلتزم بها وكم هو وضوح الرؤية لديك، هذه أمور مهمة للسينمائي ومن دونها
سيكون عرضه
للضغوط.
·
لكن من يرى بعض الأفلام
الفلسطينية الممولة خارجيا أو حتى إسرائيليا
يصدم لمقدار وضوح أثر التمويل على مضمون الفيلم؟
لأكون صريحا أقول أنا
بموقعي لا أستطيع إعلان موقفي، مثلا لو رأيت فيلما ولم يعجبني لا استطيع أن
أقول
ذلك مخافة ان تفسر أنني انتقد كي أرفع نفسي. لقد قرأت سيناريو قبل فترة كان
مقدما
لجهة إسرائيلية بهدف الحصول على تمويل له وانا كنت جزء من لجنة
التقييم، ولو قلت
نعم لمنحت هذه المخرجة الدعم والتمويل، لكني عندما قرأت السيناريو كتبت
ملاحظة قلت
فيها: "هذه القرية الكنبالية.. أهلها أكلة لحوم البشر أين تقع.. أنا
كفلسطيني لا
أدري أين تقع هذه القرية.. مع الاحترام .. علي نصار".
بسبب مواقفي اعيش حالة
عذاب وربما سواد الوجه مع كثيرين، لكني يستحيل أن أعمل شيء ولا أكون راضي
عن نفسي
فيه.
ألذلك مثلا لم يجد علي نصّار صالة واحدة في "إسرائيل" تقبل بعرض فيلم "جمر
الحكاية" الذي يصوّر مرحلة مهمّة من تاريخ فلسطينيي الـ 48 ومعاناتهم مع أن
الفيلم مول من صناديق دعم إسرائيلية
قدرنا في بعض الأحيان الحصول على
النذر اليسير من حقوقنا المشروعة في دعم مشاريع أفلامنا السينمائية لكن هذا
لا يعني
أن حالنا كسينمائيين أصبح ورديا، فمثل صالات العرض كمثل الحصول على الدعم،
صالات
العرض تملكها شركات خاصة تجارية ومن الصعب أخذ موافقة من إدارة
الصالة لعرض فيلم
عربي في قاعة في تل أبيب أو القدس أو بئر السبع وما شابه ذلك.
السبب في جزء منه
يعود لأن الجمهور الإسرائيلي لا يأتي لحضور أفلام عربية
فلسطينية الا القليل القليل
من هذا الجمهور، والسبب في ذلك رغبة في محاصرة الفيلم إقتصاديا وهذا أولا
والأمر
الثاني يرتبط بالفكر المسبق لدى الاسرائيليين عنا كفلسطينيين والمتمثل في
أننا عرب
ليس لنا حضارة أو منجزات فنية جديرة بالاهتمام.
·
يعني داخليا لا يرى الإسرائيلي
أفلامك؟
عرضت أفلامي في
السينمات الإسرائيلية، عمليا لا يوجد لدينا بنية تحتية ثقافية لا دور سينما
كعرب
نعيش في الداخل، هناك نوادي ومراكز ثقافية، وهي تعرض فيديو ولا تعرض سينما
باستثناء
مدينة الناصرة، تقريبا كل فيلم لي حضره حوالي 300 إسرئيلي، هذا يؤكد أن
هناك مقاطعة
ثقافية لنا، أنا أقول أنهم لا يعرفون ثقافتنا بشكل عام، هناك
سياسة موجهة لمناهضة
الثقافة الفلسطينية والعربية.
·
مع تلك المقاطعة الداخلية من
الجمهور "الإسرائيلي" تستعينوا بالطواقم
الإسرائيلية في عملية الانتاج السينمائي؟
نعم.. نستعين لعدم وجود
إمكانية أخرى، التقنيين المحترفين يخدموا العمل الفني كما
يتعرفوا عليك أكثر وعن
قرب، حاولت في فيلم "درب التبانة" أن أدعم كل الطواقم التقنية العربية كان
حلمي ان
يكون عندنا اكتفاء ذاتي من ناحية الطواقم الفنية، لكن للأسف نصف التقنيين
العرب لم
يقدروا على الاستمرار لعدم قدرتهم على تحمل ظروف العمل الصعبة،
العمل يحتاج لعمل
بجلادة وصبر، ظروف عسكرية.
في الفيلم الأخير "جمر الحكاية" الامر اختلف طبعا حيث
أصبحت الطواقم العربية موجودة لكنها لا تكفي جميع المهمام حيث نستعين
بالطواقم
الإسرائيلية.
·
أنتم أيضا تشاركون في لجان تحكيم
مهرجانات إسرائيلية كيف ترى
ذلك؟
الأمر يتعلق بأي مهرجان، باعتقادي ليست المشاركة بالأمر الخطأ،
أجده اعتراف بالمشارك وبثقافته السينمائية، فهناك مهرجانات معادية
للفلسطيني
وبالتالي
المشاركة فيها وصمة عار.. السوري أو المصري عندما يشارك في أي مهرجان دولي
يعني ذلك اعتراف به.
·
ماذا عن مشاركتك في التمثيل؟
مثلت في فيلم "جمر الحكاية"
وكذلك في فيلم إسرائيلي اسمه "المتسكع" حيث قدمت شخصية متطرف يهودي وفيه
نقد لاذع
للتطرف اليهودي، والفيلم كان موجود في مهرجان كان الأخير ضمن أسبوع
المخرجين.
دوري في الفيلم كان رئيسيا وانا مقتنع بالدور ومضمون الفيلم حتى في
مشروعي القادم سأتطرق للتعصب اليهودي والعنصرية التي يكون مصدرها الدين،
حيث دخلت
في تجربة التمثيل في هذا الدور حتى افهم الديانة اليهودية أكثر.
·
طيب التمثيل في أفلام إسرئيلية
مقبول بالوسط الفني
العربي؟
كل الممثلين لدينا اشتركوا في أفلام إسرائيلية، أنا أقول أننا
لسنا عنصريين ولا نكره اليهود بل نكره الصهيونية وسياستها، أنا ضد التعاون
في ظل
نسيان الثوابت والانتماء بحيث يقوم الممثل بدور يسيء للفلسطيني
ويهينه.
لقد
طلبوني للتمثيل في فيلم "ميونخ" الذي أخرجه "سبيلبرغ" اشترطت قراءة
السيناريو لكن "سبيلبرغ"
لا يمنح السيناريو للممثلين، فرفضت ذلك لأني لا أقوم بشيء دون ان أعرفه،
وانا سعيد جدا برفضي العمل في الفيلم، وأنا متضايق جدا جدا من الفلسطينيين
الذين
شاركوا فيه لأنه فيلم سيء جدا.
·
انتم في مكان محاصر بشكل مضاعف،
كيف يؤثر ذلك على رسالة السينمائي
الفلسطيني الذي يعيش في الداخل؟
نحن للأسف الشدد سنموت ونحن بعدنا
نحلم، واقعنا شديد التعقيد ومليء بالقهر، أنا بعيد عنك مسافة
ربع ساعة بالسيارة
لكني ممنوع من الالتقاء بك، أنا لا اقدر على صنع أفلام عن الحب وفقط لاني
بكل شيء
أتنفس ألم ووجع يومي، نحن نهمش أمور كثيرة بحياتنا اليومية كون جل اهتمامنا
في هذه
المعركة هو البقاء كبشر.
·
هل تشعر أنك كبرت وطالك الشيب
دون أن تنفذ ما تريد من
أحلام سينمائية؟
وحياتك أنا أحس نفسي ابن عشرين، برؤيتي وحدتها.. بروحي، عندما
يسألوني كم عمرك أتذكر عمري ودون ذلك لا أعرف ولا يهمني.
·
طيب هل تشكلون ظاهرة فنية
سينمائية في الداخل أم أن الأمر مجرد محاولات
فردية؟
كان لدينا حماس بالبداية لبناء مؤسسة وطنية سينمائية شاملة،
عملنا مؤسسة "جماعة السينما" لكنها لم تتلقى الدعم لا من السلطة ولا من
الخارج،
نحاول الان في الداخل أن نعمل شيء مثل مؤسسة أو صندوق تمويل.
الجزيرة الوثائقية في
23/06/2010 |