الحياة في طريقها لأن تكون ثلاثية الأبعاد، هذا ما لم تكن قد أصبحت ومنذ
زمن. ففي مراكز التسوق يستوقفك مروجون للتعرف إلى جيل جديد من اجهزة
التلفزيون. ولتكون المعاينة مختلفة الآن، يطلب منك مروج للتلفزيون أن ترتدي
نظارة، إنه تلفزيون ثلاثي الأبعاد أيضاً، حسناً يمكنك الآن الجلوس في البيت
والاسترخاء لترى العالم قد أمسى بأبعاد ثلاثة.
مع اللحاق بالتطور المدهش في التقنيات البصرية والصوتية، يمكن فتح الباب
على مصراعيه أمام الخيال، كأن يتحول فعل المشاهدة إلى جولة في داخل الفيلم،
طبعاً هذه الثورات التقنية جعلت أيضاً من الـ
I Pod
مساحة جديدة لمشاهدة الأفلام لم تكن معهودة من قبل، وعلى شيء يجعل من
المشاهدة أمراً شبيهاً بالقراءة، فعلاً منعزلاً، يمكن مزاولته في رحلة
قطار، بحيث تمضي الرحلة في مشاهدة فيلم بدل قراءة كتاب.
هذا استطراد ليس ببعيد عن السينما ثلاثية الأبعاد، له أن يضيء موضوعاً آخر
غير الذي سنمضي إليه، يتمثل بالإخلال بشروط العرض السينمائي، إذ إن السينما
الثلاثية الأبعاد ستكون بشكل أو آخر معززاً لشروط العرض، ولعل افتتاح
الدورة الـ62 من مهرجان كان بفيلم
Up (فوق) ثلاثي الأبعاد لم يكن إلا اقراراً بالحضور المتعاظم للتقنية
ثلاثية الأبعاد.
الأمر في تزايد الآن، لا يمر أسبوع إلا ونكون على موعد مع فيلم جديد ثلاثي
الأبعاد، لا بل إن أفلاماً كثيرة معادة أو مستعادة، صارت تكتفي بأن تحمل
علامة (3) حتى تعتبر نسخة جديدة، الجميع الآن سيركب هذه الموجة، وليكون
Shrek Foreve
(شريك للأبد) آخر ما شاهدنا في هذا الخصوص، والذي جاء استكمالاً للأجزاء
السابقة والذي يمكن اعتباره آخر جزء من سلسلة هذا الغول اللطيف، والذي لا
يضيف من شيء إلا مواصلة جني الأرباح واستثمار النجاحات السابقة لهذه
الشخصية اللطيفة. لكن مهلاً، إنه هذه المرة ثلاثي الأبعاد وهذا متوقع، يمكن
لعربة الخيل التي يبدأ بها الفيلم أن تدفعنا للشعور بأننا نمر من بين
الأحصنة، وغير ذلك مما تتيحه تلك التقنية، لتمنح الفيلم شيئاً جديداً،
خصوصاً لكون هذا الجزء خالياً من أي شيء يدفعنا للانحياز إليه مجدداً.
وبما أن الحديث عن «شريك»، فإننا لا محالة ندور في نطاق دائرة من الترفيه،
وتطويع كل المستجد من التقنيات لخدمة هذا الترفيه، بحيث يكون استهلاك «الفوشار»
و«الناتشوز» على أشده. بالمناسبة يعادل ثمن ما ينفقه المشاهد على هذه
المأكولات ثمن تذكرة السينما. ولعل هذا بديهي، ولا أحد يتوقف عنده، ما دامت
الأفلام التجارية حولت السينما إلى شيء قريب جداً من «ديزني لاند» والألعاب
الرقمية التي لأي فيلم أن يتحول إليها، بحيث نتحول من مشاهدين إلى فاعلين
افتراضيين.
أشياء كثيرة يستدعيها «شريك» ونحن نرى نهايته، وقد وصل هذا الجزء ليكون
الفيلم كل الفيلم ليس إلا حلم يقظة طويلاً لشخصية شريك الذي أصبحت حياته
عادية وروتينية، يدور في دائرة أشياء متكررة يومياً وهو محاط بزوجته فيونا
وأولاده الثلاثة.
وعليه فإنه يفقد كل بريق في حياته، ما يستدعي حيلة لها أن تنقذ الفيلم
وشريك من الرتابة، والتي ستكون بقبول شريك العودة في حياته وحذف يوم من
حياته له أن يكون يوم ولادته بعد موافقته على ذلك بناء على طلب يأتي من
ساحر يتربص به وفيونا ومملكة
Far
Far Away،
وهنا سيمسح كل ما كان متعارفاً عليه في الأجزاء السابقة، فقبلة شريك
الشهيرة لفيونا أصبحت معطلة، واستيلاء الساحر على المملكـة سيكون مغايراً،
لكن مـع الاحتفاظ بكامل الشخصيات مثل «دونكي» و«بوس إن بوتس» و«الكوكي».
لكن ودون أدنى شك لا شيء يدعو إلى البهجـة في هذا الجزء، والحكـم هنا على
فيلم كهذا لا يتجاوز اعتباره مسلياً أم لا، ترفيهياً أم لا، والجواب سيكون
بـ«لا»، هذا ما لم نقل إنه كان مدعـاة للملل والتثاؤب. لكن وفي البحـث عن
شيء يستحق المتابعـة، فإن علينا هنا أن نتوقف عند فيونا وما صارت إليه،
وهـي تقود ثورة الغيلان، ولها أن تكون بامتياز تجسيداً للمقاومـة والثورة،
كما لو أنها تقـول، وقد قالت ذلك «لا خيار إلا المقاومة» وهي تقاوم قـوى
السحر والشر، وتناضل في سبيل استعادة ملك ضائع.
الإمارات اليوم في
17/06/2010
يمر مرور الكرام أمام طوفان الموسم السينمائي
«الديلر».. سيناريو مهترئ و«أكشن» مضحك
القاهرة ـ دار الإعلام العربية
لاتزال أفلام الموسم السينمائي الصيفي في مصر تتوالى بمختلف مواضيعها، فقد
استقبل الجمهور في بداية هذا الموسم خمسة أفلام هي عصافير النيل وتلك
الأيام وعسل إسود ونور عيني وأخيرا فيلم الديلر الذي رافقه العديد من
المشاكل منذ بدء تصويره وحتى بداية عرضه الأسبوع الماضي.
«الديلر« هو جديد أحمد السقا وشاركه البطولة خالد النبوي ومي سليم في
أولى بطولاتها السينمائية، وتأليف د. مدحت العدل وإخراج أحمد صالح، وهو
التعاون الثاني بين أحمد صالح وأحمد السقا بعد فيلم «حرب أطاليا».يروي «الديلر»
قصة علي (خالد النبوي) ويوسف (أحمد السقا) اللذين نشآ في بيئة واحدة جمعهما
الفقر والطموح في السفر للخارج وحب فتاة واحدة هي سماح جارتهما، لكن
المنافسة تُحسم لصالح علي فيحصل على سماح بالقوة ويتخلص من يوسف ويدخله
السجن ويهرب مع سماح إلى أوكرانيا ليحقق حلم الثراء السريع من خلال عمله في
تجارة المخدرات والسلاح.بينما يعود يوسف بعد خروجه من السجن إلى تحقيق حلمه
هو الآخر بالسفر أيضا للخارج بطريقة غير شرعية، وتسيطر عليه فكرة الثأر من
علي فيقرر الهرب داخل إحدى السفن إلى تركيا التي يتحول فيها سريعا إلى أحد
سماسرة المخدرات.
مأزق المشاهد
تدور الأحداث بين تركيا وأوكرانيا «رايح جاي» لدرجة أربكت المشاهد وجعلته
يفقد تركيزة ويتساءل، هما فين دلوقتي؟..
أيضا غلبت المشاهد البانورامية التي صورت المعالم السياحية للمدينتين على
أحداث الفيلم، ففي أحد المشاهد نجد السقا يتحدث على أنه في تركيا والمشهد
التالي نراه يجري في شوارع أوكرانيا، أما علي الذي قفز إلى أعلى وأصبح
سياسيا لا ندري كيف وصل إلى هذه المكانة المرموقة في المجتمع الأوربي وكيف
تزوج من ابنة وزير في الحكومة، وصديق شخصي لوزير الدفاع الذي يعمل معه في
بيع وتهريب السلاح.
سقطة السيناريو
يقفز السيناريو بشخصية علي من حارس شخصي لأحد تجار المخدرات إلى هذه
المكانة دون إبداء أسباب ولا حتى بالإشارة وكأنه انطلق من الحضيض إلى القمة
في طرفة عين، أما يوسف الذي يتزوج من سماح بعد انفصالها عن علي فيسعى
لإرجاع ابنها الذي انتزعه علي منها بالقوة، ولكن مشهد المواجهة بينه وبين
علي أصاب المشاهدين بالضحك والسخرية، فالسيناريو حول مشاعر الانتقام بدون
مقدمات إلى مشاعر أخوة وشفقة وخوف على نغمة «أنا واخويا على ابن عمي».
فبعد كل مشاعر الكره والانتقام التي عبر عنها يوسف ضد علي نراه يهم بإنقاذه
وإنقاذ ابنه بعد دخول طرف ثالث في الصراع، ويضحي علي بحياته مقابل حياة
ابنه ويوصي يوسف بحمايته وتربيته وكأنهما صديقان حميمان لا عدوان بينهما.
بنيت أحداث الفيلم حول هذا العداء الذي دفعهما لمطاردة بعضهما، وفكرة الثأر
والانتقام التي غلبت على شخصية يوسف وكانت دائما هي الدافع له للتمرد
والهروب والمغامرة في اتخاذه تجارة المخدرات طريقا له للحصول على أكبر مبلغ
من المال يمكنه من كسر حالة الفقر التي يعاني منها كما يمكنه في الوقت نفسه
من مطاردة علي.
أكشن مضحك
نضيف إلى اهتراء السيناريو لقطات الأكشن المضحكة التي قام بها السقا كعادته
في مثل هذا النوع من الأفلام، حيث أهلك طاقته التمثيلية في الأداء العنيف
الذي مارسه في أحداث الفيلم سواء بالأداء الجسدي أو الأداء الانفعالي الذي
غلبت عليه العصبية غير المبررة في معظم المشاهد ونظرات التوعد أمام شخصية
شيخ الجامع.
فشخصية يوسف هي في الأصل شخصية مقهورة مادياً تجهل رغباتها في الدنيا
واجتمعت كل أحلامها في الهروب من حالة الفقر التي تعيش فيها بأي طريقة ولم
تجد سبيلا لها إلا السفر إلى بلاد أكثر ثراء وفخامة علها تجد فيها ضالتها.
«الديلر» من أضعف الأفلام التي صادفتنا هذا الموسم، كقيمة فنية
وأدائية من جانب طاقم العمل الذي جاهد مستميتا ليوصل أقصى طاقاته التمثيلية
للمشاهد، لكنه وقع في فخ التكرار والمماطلة، فضلا عن استعراض القوة البدنية
بشكل تافه، أما القيمة التي خرجنا بها من هذا العمل حقا فهي المنافسة بين
خالد النبوي وأحمد السقا التي جعلت النبوي يخرج كل طاقاته التي أدهش بها
الجمهور وجعلته من العلامات المتميزة في هذا الفيلم من خلال تجسيده شخصية
علي.
فالمنافسة حُسمت لصالح النبوي وعن جدارة وبفارق شاسع، فالسقا لم يقدم أي
جديد في الأداء الحركي لمشاهد الأكشن، الذي مارسه في عدة أعمال سابقة بنفس
الأسلوب، أما الأداء التمثيلي فتشابه مع شخصيته في فيلم فيلاحرب أطاليالالا،
فالمخرج لم يقدم السقا في شكل مختلف عما قدمه في الفيلم السابق الذي جمعهما
سوياً.
أما مي سليم فرغم أنها البطولة السينمائية الأولى لها ورغم صغر مساحة الدور
فإن أداءها كان متوازنا وإن لم يكن مميزا، لكنه مقبول، أما الطاقة الأخرى
الداعمة للفيلم بجانب طاقة خالد النبوي فهي نضال الشافعي الذي اشتهر بأداء
الشخصيات الكوميدية.
فمشاركته في هذا الفيلم وبهذه القوة التي شاهدناه عليها وضعته بقوة على
أولى درجات نجاحه في السينما، فتفوق على نفسه من خلال تقديمه شخصية الصديق
المخلص الذي يضحي من أجل صديقه، ورغم تعدد انفعالاته ما بين القوة والضعف
والصداقة التي جمعته مع يوسف، قدم كل هذه الانفعالات المتباينة بتركيز كبير
ظهر على ملامح وجهه حتى دون حوار.
دعاية سياحية
عمد المخرج إلى تحويل جزء كبير من أحداث الفيلم إلى دعاية سياحية لمعالم
تركيا وذلك بالتركيز المفرط على تصوير أبطال الفيلم في مجموعة من المناطق
السياحية بلقطات بانورامية عالية تصور تركيا في أبهي صورها، وبصورة موازية
لعدة انتقالات لهذه الصور الساحرة قدم صورة بقصر قديم مهجور أشبه ب«الخرابة»
التي تؤوي عددا من المهاجرين الهاربين للبلاد بشكل غير شرعي من بينهم يوسف.
وكأن هذا الجمع هو مقلب القمامة الذي يلوث هذا الجمال الموازي له، فمن خلال
عرض الصورة ونقيضها يضعنا المخرج أمام هذه الفكرة وأمام حل وحيد للتخلص من
الصورة القبيحة وهي التخلص من هؤلاء غير الشرعيين إما بإلقاء القبض عليهم
وترحيلهم، أو بتحويلهم إلى سماسرة وتجار للمخدرات أو السلاح، وكأن المخرج
يعطينا الاختيار ما بين الصورتين الأكثر وضوحا للمصير الذي ينتظر الشباب
الهارب على الجانب الآخر.
«الديلر» فيلم يمر مرور الكرام أمام طوفان الأعمال التي توالت ومازالت
تتوالى علينا في هذا الموسم السينمائي الذي يظهر تدريجيا مدى ضعفه وفقره
الفني.
البيان الإماراتية في
17/06/2010 |