بوجه شرقي الطلة وموهبة تمثيلية فطرية، نسجت منى زكي خيوطا متينة للمحبة
بينها وبين جمهورها، انتشلتها سريعا من الأدوار الثانوية إلى عرش البطولة،
ثم ما لبثت أن استقرت فوق القمة.
«الشرق الأوسط» التقت منى زكي في القاهرة، عقب نجاح تجربة فيلم «أولاد
العم» الذي أطلت من خلاله على شاشة الفن السابع من شباك جديد بعد فترة
توالت فيها نجاحاتها، وتطرق الحوار إلى قضايا فنية أخرى، وكيف تعد نفسها
لأداء أدوراها، وتنوعها في سياق مشوارها مع السينما والحياة.. وهنا نص
الحوار:
·
في فيلم «احكي يا شهرزاد» أديتِ
بعض المشاهد الجريئة.. ما سر هذا التحول؟
ـ ما أقدمه لا يحتوي على أي مشاهد ساخنة ولو أردت ذلك لفعلته في بداياتي
عندما كنت في الثالثة عشر من عمري.. ولم أرغب قط في تحقيق شهرة أو نجاح
بمثل هذه المشاهد ولكنها تأتي في إطار مضمون العمل.. أما بالنسبة لفيلم
«أحكي يا شهرزاد» والهجوم الذي صاحب الفيلم فهذه مجرد ادعاءات، ظهرت أول
الأمر من أشخاص حكموا على الفيلم من إعلان واحد له، قبل أن يروه، وفي مصر
رقابة قوية على الأفلام، وما دامت وافقت على هذه المشاهد فهذا يضمن أنها في
إطار القصة وتخدم الفيلم، وهم بالفعل شاهدوا الفيلم كاملا فقيموه كاملا..
وأنا شخصيا أقوى رقيبة على نفسي.. فقبل أن أوافق على أي عمل لا بد لي أن
أدرسه جيدا وأحاول أن يخرج في إطار الشرعية والعادات والتقاليد.
·
لكن فيلم «أولاد العم» لاحقته
نفس الشائعة التي صاحبت «احكي يا شهرزاد»؟
ـ أنا لم أسمع أي شيء عن هذا.. فالفيلم بعيد جدا عن العلاقة بين الرجل
والمرأة فهو يناقش قضية مختلفة.. ولكن «احكي يا شهرزاد» كان يتطرق إلى هذه
العلاقة وكان لا بد أن يقدم بهذا الشكل.. وأؤكد أني لم أسمع أي شيء من هذا
القبيل ولم أقم بالرد عن هذه الشائعات لأني لم أسمعها لا أنا ولا أي فرد من
فريق عمل «أولاد العم».
·
كيف أعددت نفسك لتقديم دور سلوى
في «أولاد العم»؟
ـ كنت قلقة لأن الشخصية صعبة جدا. فقد كانت مكتوبة بوتيرة واحدة على
الورق، وكان سير الأحداث يرغمها على ذلك.. لكن في جلسات العمل مع المخرج
شريف عرفة حاولنا أن نغير في شكل الشخصية وإضافة بعض الانفعالات، خاصة أنها
كانت متزوجة من رجل كانت تظن أنه مصري، يجسد دوره شريف منير، وتعيش معه
حياة سعيدة ومستقرة حتى اكتشفت الحقيقة، فدخلت في حالة من الصدمة ولم تستطع
أن تفيق منها، فحياتها تغيرت فجأة وبشكل قوي جدا، وحاولت أن أتطرق إلى
الشخصية في الصراع ما بين دينها ووطنها وبين التعايش مع الأمر الواقع.
·
هل معنى ذلك أنك أضفت إلى
الشخصية المكتوبة؟
ـ من الطبيعي أن يضيف الممثل إلى الشخصية التي يجسدها كي تظهر صادقة وتقدم
بشكل واقعي. فأنا تعايشت مع شخصية سلوى بتلقائية شديدة، مع خلق روح وشكل
لها يناسب المضمون. فهناك الكثير من المشاهد فوجئت بعدها أني أضفت إليها
تعبيرات وانفعالات.. وحاولت أن أخرج سلوى من «مود» البكاء طوال الوقت، فلا
أحد يستطيع أن يعيش هكذا، فتركت فقط اللمعة الحزينة في عينها كي تظهر كسيرة
ومتألمة.
·
رغم حديثك عن قوة الشخصية فإنها
تستسلم للواقع خلال الأحداث؟
ـ كان لا بد وأن تستسلم للواقع.. نعم هي قوية الشخصية، ولكن تفكيرها
وثقافتها محدودان وهي سهلة الانقياد.. وكانت تعيش حياة سعيدة وكان زوجها
يدافع عنها.. وكونه أخذها معه إلى إسرائيل، فذلك بدافع أنه يحبها من وجهة
نظرها، فقد كان يستطيع أن يأخذ الطفلين فقط.. وخلال الأحداث قاموا بإهدائها
مصحفا دليلا على عدم رغبتهم في أن تترك دينها. ولكل ذلك كان يجب أن تقتنع
وتخضع.. ولكنه لم يكن اقتناعا كاملا، بل كان ظاهريا.. ومع ظهور كريم
لإنقاذها، ظهرت معه رغبتها في أن تعود للوطن، ولكنها كانت قلقة للغاية وكان
بداخلها صراع شديد حاولت تجسيده.. وكانت طوال الأحداث تحاول البحث عن أي
مصري كطوق نجاة.
·
ولكن ألا يشير اسم فيلم «أولاد
العم» إلى التطبيع مع إسرائيل؟
ـ في الفترة الماضية وحتى الآن اليهود يتعاملون معنا ويطلقون علينا «أولاد
عمهم».. لكن البعض يختلط عليه الأمر ما بين اليهودي والصهيوني، ففارق كبير
بين الاثنين.. أنا لست ضد اليهود لأن اليهود ينتمون إلى ديانة سماوية ولا
بد لنا لإتمام ديننا أن نعترف بتلك الديانة، لكني ضد الصهيونية. حتى اليهود
الحقيقيون أنفسهم ضد الصهاينة.. والاسم لا يعبر عن ذلك.. فلا توجد به أي
دعوى للتطبيع ومن يشاهد الفيلم سوف يتأكد من كلامي..
·
ألم تخافي من هذه التجربة ومن رد
الفعل على هذا الفيلم؟
ـ أعجبت جدا بمغزى الفيلم وبالفكرة، خاصة أننا نحتاج إلى عمل مثله، وفي هذا
التوقيت الذي اختفى فيه الحديث عن الوحدة العربية والوطنية في بلد لديها
الصمود والإرادة. وهذا ما جعلني أتحمس لهذه التجربة خاصة أنها فكرة جديدة
لم أقدمها من قبل، والفكرة كانت مباشرة جدا ولم تحتو على أي ألغاز أو
ألعاب.
·
أثناء التصوير تدخلت جهات أمنية
لوقف العمل هل أثر ذلك عليه؟
ـ تدخل الجهات الأمنية ليس له علاقة بمضمون أو أحداث العمل.. ولكن أي عمل
يتطرق لمجال الجاسوسية لا بد من عرضه على هذه الجهات. وكان المفترض أن تقوم
الرقابة عند عرض الفيلم بإخطار هذه الجهات للموافقة عليه، فكانت غلطة
الرقابة. وبناء على ذلك أوقفت تلك الجهات تصوير الفيلم، وبعد الاطلاع عليه
أبدت موافقتها وأعطتنا تصريحا لاستكمال التصوير دون حذف أي مشهد.
·
دائما تستمد قصص أفلام الجاسوسية
من أرض الواقع، هل اختلف الأمر هذه المرة؟
ـ الفيلم من وحي خيال المؤلف.. وحاول أن يختلف عن الأعمال التي قدمت من
قبل بشكل واقعي، ولكنه لم يستند إلى أي مستندات أو إلى شخصيات بعينها..
وأغلب الأحداث تتصل بالواقع، ولكنها عبارة عن قصاقيص من أحداث مختلفة.
فالفيلم يحتوي على الجانب التراجيدي والاجتماعي والرومانسي والسياسي، وهي
حبكة مختلفة، مما يميز هذا العمل.. وفوجئت أن عمرو سمير عاطف، السيناريست
الكوميدي، والذي أبدع في هذا المجال، قام بكتابة مثل هذا العمل. وكنت دائما
أتساءل: «هو دا اللي كتب تامر وشوقية وراجل وست ستات؟». وكانت بداية قوية
له وهو دليل على أن السيناريو هو العامل الرئيسي في نجاح أي عمل.
·
هل تعتقدين أن شخصية سلوى موجودة
في حياتنا؟
ـ لا لم أشاهدها بالطبع.. ولكن في برنامج «الحقيقة» للإعلامي وائل
الإبراشي، الذي يعرض على إحدى القنوات الفضائية، شاهدت رجالا عاشوا مثل هذه
التجربة وتزوجوا من فتيات واكتشفوا أنهن إسرائيليات بعد الذهاب إلى هناك
كما حدث لسلوى.
·
ماذا كان إحساسك عند رؤيتك لعلم
إسرائيل في بعض المشاهد؟
ـ انتابتني حالة غضب طبيعية كإنسانة عربية من رؤيتي لهذا العلم، الذي يمثل
لنا جميعا ما يحدث يوميا في فلسطين.. وكان الفيلم يحتوي على مشهدين للعلم،
الأول عندما أفقت وتخيلت أني ما زلت أحلم وصدمت جدا بعدما تأكد لي أنه
واقع. أما المشهد الثاني والذي أصابني بالضيق الشديد عند رؤيتي ابنتي في
العمل تقوم برسمه على الورق..
·
مشهد التصادم كان صعبا جدا
وانفعلنا معه بشكل مؤثر كيف كان الاستعداد لهذا المشهد؟
ـ كل مشاهد الفيلم كانت صعبة وتحتاج من الممثل أن ينفعل بطرق مختلفة في
وقت قصير جدا.. ومشهد التصادم كان صعبا للغاية ونحن كنا مؤمنين جدا
بالاستعانة بفريق عمل متخصص في هذه المشاهد، لكن كان الإحساس الطبيعي وهو
الخوف موجودا بالفعل داخلي.
·
رابع عمل لك مع المخرج شريف عرفة
فهل وجدتِ اختلافا ما في طريقة عمله؟
ـ طوال عمره «أستاذ».. وعملت معه وأنا عندي خمسة عشر عاما، فهو مخرج لدية
رؤية واسعة وفهم، ولم يختلف كثيرا من أول فيلم وحتى الأخير، غير أنه متميز
في عمله ولديه فكر ورؤية عميقة.. وعملي معه يجعلني مطمئنه جدا ومستريحة وهو
يفهمني سريعا وأنا كذلك.. وهو إنسان رائع على المستوى الشخصي.
·
هل تربطكم صداقة بعيدا عن العمل؟
ـ هو من الأشخاص الذين أثروا فيّ منذ بداياتي وأنا سعيدة جدا بالتعامل
معه.. وبالمناسبة، ففي أول مرة تعاملت معه، وكان في فيلم «اضحك الصورة تطلع
حلوة»، أعطاني السيناريو في وجود النجم الراحل أحمد زكي والسيناريست وحيد
حامد. وفي اليوم التالي، تعرضت لحادث، وكان المفترض أن أبقى في راحة كاملة
بالفراش مدة ثمانية أشهر.. فقلت: «هذا نصيبي ولن أقوم بهذا العمل»، ومرت
الشهور وفوجئت باتصاله ليسألني: «انتي خفيتي ولا لسه؟ (وكان ذلك بعد ستة
أشهر) احنا مستنينك». فانتابتني حالة من البكاء الشديد، فقد كنت في ذلك
الوقت صغيرة جدا، ولا أحد يعرفني، وليس لي تاريخ في العمل. وقد كان ردي
للجميل أن ارتديت قميصا من الحديد كي أقوم بالتصوير معهم ولم يكونوا يعرفون
ذلك.
·
وماذا عن التعامل مع كريم عبد
العزيز لرابع مرة؟
ـ أنا وكريم على المستوى الشخصي أصدقاء، ونكمل بعضنا بعضا، وأعمالنا معا
تحقق نجاحا كبيرا، وبيننا كيمياء قوية. وأنا سعيدة برجوعي معه في «أولاد
العم»، ولو عرض علينا عمل للمرة الخامسة فسنوافق.
·
«احكي يا شهرزاد» نال هجوما
شديدا من البعض رغم أنه من أكثر أفلامك نيلا للجوائز؟
ـ الحمد لله أنه حتى الآن يحصد الجوائز على الرغم من الهجوم غير المبرر..
فعندما قرأت السيناريو، عرفت من البداية أن هذا الفيلم مكتوب من السيناريست
الكبير وحيد حامد ومن إخراج يسري نصر الله.. فقلت أكيد هذا الفيلم سيكون
حالة خاصة جدا. فعالم السيناريست وحيد وعالم المخرج يسري عالمين مختلفان
جدا، وتوقعت أنهما عندما يجتمعان سوف يخرج عمل لن يتكرر مرة أخرى.. وبالفعل
حقق الفيلم النجاح الذي توقعته والذي تطرق إلى العديد من القضايا
الاجتماعية.
·
ألم تشعري بالخوف من المخرج يسري
نصر الله خاصة أن أعماله غير تجارية؟
ـ أنا لم أفكر إلا في نظرتي للاسمين اللذين سأتعامل معهما. فالكاتب وحيد
حامد واقعي ومباشر في طريقته في الحديث، على عكس يسري نصر الله المعروف عنه
الإحساس المرهف، وهو دائما ما يستطيع توصيل رسالته عن طريق القول مع حبه
وعشقه للممثل الذي يشاركه مهما كان دوره في العمل. وعند بداية التصوير طلبت
من المخرج يسري نصر الله ألا يضايقني أحد خلال التصوير لأني أحب أن أركز في
شغلي، فقال لي براحتك خالص وفوجئت أني لا أدخل غرفتي إلا قليلا جدا.
·
ألم يؤثر الهجوم الذي طال الفيلم
على نفسيتك؟
ـ رسالة الفيلم تتحدث عن القوة وكيفية مواجهة العديد من المشاكل وكنت
فخورة جدا بهذا العمل ولم يؤثر علي إطلاقا. وتربيتي خارج مصر علمتني القوة
وكيف أستطيع أن أقف ضد أي شيء بقوة. وما حدث لم يؤثر عليّ في تفكيري أو
أسلوب حياتي وقمت بعمل آخر بعد اطمئناني على نجاح الفيلم.
·
هل توجد في أجندة منى زكي أعمال
تتبرأ منها؟
ـ لن أتبرأ من أي عمل قمت به.. هذا عملي ولم «يغصبني» عليه أحد. ولكني غير
راضية عن العديد من الأعمال، ولو عرضت علي مرة أخرى فلن أمثلها ومنها فيلم
«الحب الأول» مع المطرب مصطفى قمر والمخرج سعيد حامد. وهذا يرجع إلى أن
كلام فريق العمل قبل الفيلم يختلف عما يحدث أثناء التنفيذ، إضافة إلى فيلم
«أحلام عمرنا» مع الفنان مصطفى شعبان ومن إخراج عثمان أبو لبن، ولكن استفدت
من تلك التجارب في التدقيق والتركيز في كل ما يقال والإصرار عليه.
·
ماذا عن آخر أعمالك «أسوار
القمر» مع المخرج طارق العريان؟
ـ ما زلنا في التصوير.. صورنا في القاهرة والغردقة ولكننا الآن متوقفون
مؤقتا لتحضير «اللوكيشن» الجديد. وتدور فكرة الفيلم حول مكفوفة ترى
ببصيرتها الداخلية. وهذا العمل صعب جدا، ويشاركني فيه عمرو سعد وآسر ياسين
وأتمنى أن ننتهي منه في أقرب وقت، وأنا سعيدة جدا بالتعامل مع المخرج
الكبير طارق العريان. وهذا العمل يتم التجهيز له منذ أربع سنوات، وعندما
عرض عليّ السيناريو من محمد حفظي وقال لي إن المخرج طارق العريان وافق عليه
أعجبت بالفكرة ووافقت عليها.. وفرحت جدا لرغبتي في العمل مع هذا الفريق.
الشرق الأوسط في
11/06/2010 |