لم تشارك السينما المصرية في عروض مهرجان كان الأخير إلا بفيلم قصير
له من العمر أربعون عاماً، وصاحبه مخرج
غادر دنيانا قبل أربعة وعشرين عاماً.
والفيلم
اسمه الفلاح الفصيح، ومدته لاتزيد عن ثلاث وعشرين دقيقة.
اما مخرجه »فشادي عبدالسلام«
صاحب الفيلم العلامة في تاريخ فن السينما »المومياء«.
والفضل في عرضه في ذلك المهرجان انما يرجع إلي المخرج الامريكي ذائع
الصيت مارتين سكورسيزي.
فهو الذي تحمس لعملية ترميمه،
كما تحمس من قبل للمومياء.
ومن منطلق ترميمه علي أحسن وجه جري عرضه ضمن برنامج كلاسيكيات
السينما، مع روائع اخري من بينها أخص بالذكر
»الفهد« لصاحبه »لوكينو فيسكونني«، احد رواد الواقعية الجديدة الإيطالية.
وفيلم »الفلاح الفصيح«
اخرجه »شادي« نقلا عن قصة وردت في بردية من عهد الفراعين.
وقصة ذلك الفلاح انه خرج ومعه بضاعة رخيصة حملها حمارين،
ومضي إلي السوق البعيد.
فأخترق اثناء سيره ارضا يملكها امير مهاب.
وشاهده اعوان للامير طبعهم الجبروت والقسوة علي الضعفاء.
رأوه صيدا سهلاً ، فضربوه وصادروا بضاعته وحمارته واتهموه انه
ارتكب جرما خطيراً، اغتصاب حق المرور في أرض الأمير
غير ان حظه شاء له ان يقبل عليهم الأمير، محمولاً
علي محفته، وفي يده صولجانه.
فما ابصره الفلاح المسكين حتي ناداه،
واستصرخ به.
وكاد الأمير يزجر خدمه لكي يتابعوا السير به،
لولا انه سمع من فم هذا الفلاح كلاما استوقفه علي الرغم منه، فانصت له.
فإذا به يراه صاحب فصاحة لم تسمعها أذنه من قبل.
كلام محدد قاطع براق، لم يسمع من قبل ماهو افصح من وصفه للظلم،
والتنديد به، وللعدل والإشادة به.
كلام كأنه يسمعه الأمير لأول مرة،
صادر من القلب، قبل اللسان.
انصهر النثر في نار هذا القلب فأصبح شعراً.
وابي الأمير إلا ان يسجل كاتبوه كل مانطق به الفلاح الفصيح كلمة فلما
ارتوي منه، اطلقه مكرماً، ورد له بضاعته وحماريه.
وهكذا،
فضل
حرص الأمير علي تسجيل كلام الفلاح الفصيح،
وصلتنا بردية فرعونية أصبحت مشهورة بانها تروي
قصة الفلاح الفصيح.
و»شادي«
وهو يروي حكاية الفلاح الفصيح،
نجح في ان يجمع بين خصائص الفيلم التسجيلي وخصائص الفيلم الروائي.
والجمع بين هاتين الصفتين هو سرّ
الأعمال الفنية الكبري.
وخصائص الفيلم التسجيلي نجدها في فيلم
»الفلاح الفصيح«
متمثلة في هذا الصدق التاريخي الممتد إلي ادق التفاصيل
فالملابس في الفيلم والبيوت والادوات مطابقة تمام المطابقة لاصولها كما
خلفها الفراعنة.
وأمتد الصدق إلي عالم البشر فلم يقع اختياره للممثلين إلا علي اصحاب
السحن التي لاتخطيء العين
انهم من سلالة فرعونية.
اما خصائص الفيلم الروائي فنجدها في كسر الفيلم لشرط الصمت،
فخرج الفيلم ناطقاً.
وهكذا لانشهد وقائعه فحسب بل نسمع ايضاً
كلام ابطاله، أو بمعني اصح بطله الفلاح الفصيح،
الذي انفرد بالكلام في شجب الظلم والاشادة بالعدل.
فكان كلامه، والحق يقال،
صرخة دوت منذ آلاف السنين.
ولاتزال ترن في الآذان
، في كل أرض وزمان.
ورغم التزام »شادي«
الصدق في ادق التفاصيل، إلا انه اضاف من عنده لمسات ورتوش يتطلبها فن العصر وثقافته،
ليضفي إلي المعاني المنطوي عليها فيلمه مزيداً
من التحديد والوضوح والجمال فلم يقدم الفلاح الفصيح في قرية كما كنا نتوقع،
بل قدمه لنا في أرض خالية، تكاد تشبه الصحراء إيحاء بشدة الانقطاع والعزلة عن معترك الحياة
والصدام بالسلطة الحاكمة، التي ستواجه حين يسعي إلي سوق البلد،
ومعه حماراه بما حملا، فيغتصبها منه جماعة من الأشرار.
يبقي
لي أن أقول باختصار،
انه كما عاشت صرخة الفلاح ستعيش
رائعة »شادي«
المعبرة عنها، مصاحبة لها، علي امتداد الزمان!!
moustafa@sarwat.de
أخبار النجوم المصرية في
10/06/2010
خواطر ناقد
الليل يقرب والنهار
رواح
بقلم : طارق الشناوي
علي مدي يقترب من
٠٥
عاما نستطيع أن نري حال الاغنية وحال مصر
من خلال الشاعر الغنائي الكبير محمد حمزة الذي يرقد حاليا في المستشفي بعد
أن تكالبت عليه الامراض..
يعيش الآن حمزة آلام المرض ويتحملها في صمت مرت
ثلاثة أشهر علي تلك المعاناة..
يحتفظ شاعرنا الكبير بمكانة كبيرة في
قلوبنا لعلها هي التي تخفف من آلامه كلما فتح الراديو علي احدي محطات
الاغاني أو استمع أو شاهد واحدة من أغانيه..
ولكن دعونا نعايش بعض تلك الومضات التي
أبدعها هذا الشاعر الكبير..
كان لي حظ أن التقي بالأستاذ
»حمزة« في مؤسسة »روزاليوسف«.. وشاعرنا الكبير مارس الكتابة الصحفية في
مجالي الفن والرياضة.. لم يتخلي أبدا عن الصحافة رغم كل ما حققه من شهرة في
دنيا كتابة الاغنية.. بدايات »حمزة« جاءت في منتصف الستينيات شاب صغير في
بداية العشرينيات من عمره يذهب مع صحفي أسبق في عالم الصحافة إلي بيت »فايزة أحمد«
وهو »ناصر حسين« ويعرض علي فايزة أشعاره »أؤمر يا قمر أمرك ماشي«
و»رشوا الورد علي الصفين«
والاغنية الاخيرة كتبها بمناسبة عودة جنودنا من اليمن..
كانت فايزة في بداية زواجها من محمد سلطان والذي كان حتي ذلك الحين معروفا
أكثر كممثل وسيم ولكن مع أغنية »أؤمر يا قمر أمرك ماشي«
حققت نجاحا جماهيريا وبدأت الرحلة منذ ذلك الحين ولكن حمزة انتقل من بيت
سلطان وفايزة الي بيت بليغ حمدي وعبدالحليم حافظ النقلة الغنائية الكبري تحققت مع أغنية
»سواح وماشي في البلاد سواح والخطوة بيني وبين حبيبي براح مشوار بعيد وأنا فيه
غريب والليل يقرب والنهار رواح«..
من أبدع الصور الشعرية تلك التي كتبها حمزة
»الليل يقرب والنهار رواح«
تمنحك علي الفور احساس بالوحشة والخوف..
وتستمر المسيرة مع بليغ
حمدي منذ ذلك الحين ويحدث نوع من التوأمة بين بليغ وحمزة خاصة انهما ارتبطا مع ثالثهما عبدالحليم حافظ
»زي الهوي« ، »موعود«، »أي دمعة حزن لا«، »جانا الهوي«
وعندما تحدث جفوة بين عبدالحليم وبليغ
حمدي يظل حمزة يقف علي شاطيء عبدالحليم ويكتب له من تلحين عبدالوهاب واحدة من أرق
الاغنيات »نبتدي منين الحكاية«..
وظل حمزة لصيقا بالتجربة الحليمية..
فهو أكثر الشعراء الغنائيين تعاونا مع عبدالحليم أكثر من
٠٧ أغنية صحيح أن العديد من الشعراء مثل صلاح جاهين ومرسي جميل عزيز ومأمون
الشناوي وحسين السيد وعبدالرحمن الابنودي سبقوه في اللقاء مع صوت حليم ولكن
حمزة هو الأكثر تعاونا مع عبدالحليم حافظ..
وكان اسمه دائما ما يتردد حتي في اللقاء الذي لم يتم بين
عبدالحليم وفريد كان حمزة هو الشاعر وكتب بالفعل أغنية ولكن كالعادة تراجع
عبدالحليم حافظ..
حمزة لديه الكثير من التفاصيل عن تلك العلاقة المتوترة بين
عبدالحليم وفريد التي تنتهي عادة في اللحظات الاخيرة بتراجع عبدالحليم..
صوت تواجد في زمن حمزة ولم تغني له انها أم كلثوم كان قد شرع في كتابة
أغنية »يا عيني ع الصبر«
اعجبتها المقدمة وواصل كتابة مقاطع الاغنية وكتب بالفعل
الاغنية ولكن القدر لم يمهل أم كلثوم لترددها ولم يوافق حمزة علي أن يقدم
هذه الكلمات لأي مطربة أو مطرب آخر بينما عدد من أغنياته التي منحها
لعبدالحليم ولم يمهله القدر لغنائها منحها لغيره مثل »أحلي
طريق لدنيتي« لم يقتصر فقط حمزة علي بليغ حمدي بل كان بينه وبين الملحن منير مراد العديد من الاغنيات أشهرها
مع شريفة فاضل »الليل«
والغريب انه أول من رشح عبدالمطلب للغناء
بعد أن استمع »طلب«
إلي الاغنية أخذ في السخرية من هذا اللحن
الخواجة في كل المجتمعات الفنية علي أساس أن اللحن مودرن أكثر مما ينبغي
ونجح
»الليل« إلي درجة أن شريفة فاضل اطلقت علي الملهي الليلي الذي انشأته اسم
»الليل« ثم طلب عبدالمطلب من حمزة ومنير اعداد اغنية مشابهة لأغنية
»الليل«!
موقف مشابه حدث أيضا عندما كتب »بهية«
وعرضها أولا علي محمد رشدي اعترض وقال له هو بليغ
حمدي غنيت »عدوية« و»وهيبة« و»نواعم« و»جمالات« و»نجاة« ولن أغني بعد ذلك
باسم أي امرأة وتوقع رشدي أن الاغنية لن تنجح لأن الناس زهقت من أغاني
الستات وكانت النتيجة هي أن »بهية«
صارت هي أشهر أغنيات محمد العزبي ولاتزال الي درجة انه اضطر الي تقديم جزء
ثاني لها وهو أغنية »ياسين« لتكتمل الاسطورة الشعبية.
لحمزة باع طويل في الاغاني الوطنية نتذكر
»يا حبيبتي يا مصر«
تلحين بليغ حمدي و»عاش اللي قال«
التي كتبها للرئيس السادات بعد نصر أكتوبر وصارت هي أغنية المعركة
والانتصار.. ولكن الاغنية التي تهز مشاعري هي تلك التي اطلقها بعد الهزيمة
مباشرة ومع بداية حرب الاستنزاف ويقول فيها »فدائي فدائي فدائي أهدي العروبة دمائي..
أموت أعيش ما يهمنيش وكفاية أشوف علم العروبة باقي«
ويواصل »إن مت يا أمي ما تبكيش راح اموت علشان بلدي تعيش وان فاتت يا أمه
السنين خللي اخواتي الصغيرين يكونوا زيي فدائيين يا أمه!!
ومن أشهر أغاني الغربة التي تغنينا بها في مرحلة الثمانينات عندما كان
الكل يذهب الي الخليج هي »الطير المسافر«
..وبعتنا مع الطير المسافر جواب وتراب من أرض أجدادي وزهرة م الوادي يمكن
يفتكر اللي مهاجر ان له في بلاده أحباب!
شاعرنا الكبير محمد حمزة بقدر ما اسعدتنا كلماتك حيث احببنا وضحكنا
وبكينا وضحينا للوطن بقدر ما اتمني أن تعبر محنة المرض لتعود الينا ويبتعد
عنك ليل الآلام لتدنو منك شمس الصحة والعافية..
أستاذ حمزة سلامتك!
أخبار النجوم المصرية في
10/06/2010 |