ريدلي سكوت يلقي الضوء على الحكام الدكتاتوريين الذين لا
يرضون بديلا عن آرائهم ولو كانت خاطئة.
يؤكد المخرج
البريطاني ريدلي سكوت والسيناريست بريان هيلجيلاند في فيلمهما "روبن هود"
الذي
افتتحت به فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الثالثة والستين
مايو
2010، أن البعد الفكري والثقافي للمخرج والكاتب يلعبان
دورا رئيسيا في عظمة أي عمل
فني، وأن الإخراج وكتابة السيناريو ليس مجرد توابل ولزق وقص
وما يشبه ذلك من أعمال
تتجلى في أعمالنا السينمائية.
قودم ريدلي وبريان فيلما فنيا من طراز فريد، استطاع أن يضرب بأفكاره في أرض
الواقع الحي الذي نعيشه الآن عالميا وعربيا أيضا، على الرغم من
أن قصة الفيلم
المتمحورة حول شخصية روبن هود، قصة يرى البعض في بطلها مجرد أسطورة من نسج
الخيال
الشعبي الأوروبي.
وهذا الـ "روبن هود" الذي قيل أنه كان يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء، وقبل
أيضا
إنه رجل عصابة كان يقود فرقة صغيرة من اللصوص تقطع الطريق وتسرق، هذه
الشخصية تأتي
هنا في هذا الفيلم لتفضح الكثير من الأفعال السياسية المخزية،
وتلقي الضوء على
هؤلاء الحكام الدكتاتوريين الذين لا يرضون بدلا عن آرائهم وأفكاره حتى لو
كانت خطأ.
وفي حوار بين روبن هود "الجندي روبن لونجسترايد" والملك ريتشارد ملك
إنجلترا
يهاجم روبن الحملة الصليبية على العالم الإسلامي (فلسطين)، يسأل ريتشارد
الجندي
الذي حارب ويحارب معه إذا ما كان الرب سعيدا بتضحياته في
الحملات الصليبية، فيرد
روبن "لا لن يكون كذلك".
وتحمل جمله بعد ذلك إسقاطا مباشرا على ما يجري من قبل إسرائيل ضد المدنيين
العزل
في فلسطين الآن، "لن يرضى الرب بذلك، وأن ما حدث في عكا
بفلسطين من أسر وقتل لما
يقرب من 2500 رجل وامرأة مذبحة"، ويضيف روبن "عندما كنا نهاجم في المرة
الأخيرة
واحتجزنا الأطفال والنساء معا، رأى في عين امرأة مسلمة ما يوحي بأننا قتلة
ومجرمين،
لأننا قتلنا الأبرياء".
يضحك ريتشارد مشيرا لروبن "إنك أمين وشجاع وساذج".
هذا الحوار الذي يكشف أبعاد وملامح الرؤية لدى كل من المخرج والسيناريست،
يؤكد
أن هؤلاء ليسو بعيدين عن واقع ما يجري وتاريخه، وأن عمقا فكريا
يحركهم، ورسالة فنية
أقوى من مجرد إخراج فيلم ملحمي لشخصية أسطورية.
وفي موضع أخر يقر روبن بأن مصير الحملات الصليبية وغيرها من حملات تم في
عهد
الملك ريشارد كانت فاشلة.
"فلسطين"
وليس "إسرائيل" في حوار يحكي فيه روبن للسير لوكسلي عن تجربته في
الحملات الصليبية يقول صراحة "عندما عدت من فلسطين"، الأمر الذي يؤكد وجود
رسالة،
رسالة تكشف أننا نخطأ كثيرا في تقييمنا للرؤى الفنية الغربية.
وعلى الرغم من الإسقاط الواضح على الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها، من
خلال
الكشف على الأزمة المالية التي ضربت أوروبا جراء التكلفة
الباهظة للحملات الصليبية،
والتناحر ومحاولات السيطرة من قبل الفرنسيين على إنجلترا، إلا أن الأهم من
ذلك كله
هو التأكيد على أن الزعماء الدكتاتوريين يعيشون في كل الأزمنة وأن نقض
العهود
انتقاصا من فكر ورؤية الآخرين ممن حولهم أحد أبرز ما يشكل
شخصياتهم.
فالملك جون الذي خلف الملك ريتشارد على عرش إنجلترا، والذي كاد ملكه ينهار
عندما
حاولت فرنسا الاستيلاء عليه، حين أيقن أن خيانة فرنسية تجري
لإسقاطه والاستيلاء على
ملكه، وقرر الخروج للحرب واجتمع بكبار شخصيات حاشيته وجيشه، وكان روبن هود
الذين
لحقوا به للانضمام إليه، طالبه روبن بقوانين عادلة برفع الظلم "لبناء
المستقبل لابد
أن تكون القواعد قوية، قانون هذه البلاد يجعل الشعب مستعبد، ملك يطلب
الولاء ولا
يعطي شيئا للشعب، لقد ذهبت لفرنسا وفلسطين، وعدت مرة أخرى،
وأنا أعرف أن هذا مصيره
الفشل، تبني البلاد كما تبنى البنايات من أسفل إلى أعلى، وتزرع القوة في كل
رجل،
حينها يكسب الملك القوة".
وهنا يطالب روبن بتحقيق العدالة، يقبل الملك مضطرا ويقسم بتحقيق العدالة في
حال
انتصاره على الفرنسيين، لكن بعد الانتصار وجاءته وثيقة المطالب
التي اتفق عليها في
هذا الموقف فحرقها، معلنا أن الله قدر له الملك، وأنه لن يقبل فكرة روبن
الحمقاء.
هذا هو الحال إذن في الماضي والحاضر حيث يصر الحكام على حرق إرادات شعوبهم،
إرادة الحق والحرية والعدالة، ويتهمون من يطالبون بالعدالة
باللصوصية والسرقة،
وهكذا يعلن الملك جون أن روبن لص عاش حياته على السرقة وأنه خارج على
القانون
ويستحق القتل.
ولا تنتهي الأفكار الرائعة المصاغة بفنية عالية، عند هذا، فاللورد "وكسلي"
يعرض
على روبن الذي حمل إليه سيف ولده، أن يعطيه السيف "السيف مقابل وقتك سيد
روبن" بل
أن يكون ابنه ومن ثم تؤول إليه زوجة الابن الراحل وميراثه السيف والقصر
والأراضي
"مقاطعة نوتينجهان" وفي هذه الرؤية شبها بموقف يعقوب عليه السلام حين
عرض على موسى
عليه السلام الهارب من بطش الفرعون، عرض الأول على الأخير خدمته لمدة ثماني
سنوات "حجج"
مقابل زواجه بابنته وإقامته لديه، وخيره بعد هذه السنوات في الانطلاق أو
البقاء.
يؤكد هذا التمثل امتلك اللورد وكسلي هذا الرجل العجوز الضرير الذي فقد بصره
أو
ضعف لرؤية الماضي والمستقبل، فعندما يتقدم روبن ليعطيه سيف
ابنه، يدعوه ليقترب
ليراه، فيمر بكفيه على وجه روبن، ويعلن اسم روبن كاملا "روبن لونج سترايد"،
ويضيف "رجل
نبيل ومشهور من العامة" كاشفا عن ماضي روبن وراصدا لتاريخ أبيه الذي قتل
بيد
رجال الملك حيث كان معارضا لتوجهات الملك، ومتنبئا بمستقبله "ستموت في قصر
ولكن بعد
معاناة".
ولم يفت ريدلي سكوت أن يفضح دور رجل الدين في الأزمات التي يمر بها الناس،
حيث
يقدم نموذجا أظنه حولنا الآن سواء في الغرب أو الشرق، هذا
الرجل الذي يسلب الناس في
القرية أقواتهم وما حصلوه من حاجات لأنفسهم ولأطفالهم وعجائزهم، ويستسلم
لأوامر
السلطان ويقدم لرجاله حصيلة ما يجمعه حفاظا على مصالحه الشخصية، هذا الرجل
الذي
يقود رجال روبن مقابل قطعتين من النقود إلى منزله ملهى ليشربوا
الخمر ويراقصوا
العاهرات والعاريات، ويقول "لو لم أكن قس القرية لكنت سكيرها".
هذه الأفكار والإسقاطات التاريخية على الواقع الحالي، لم تحل دون تقديم
تحفة
فنية رائعة، بل ملحمة بذل في تنفيذها جهد جبار، فالمعارك
واقتحام القلاع والأدوات
الحربية التي نفذت بها، نفذها المخرج بحرفية عالية، وقد اختار مواقع وأماكن
للتصوير
تنطبق تماما مع وصف المواقع والأماكن كما ذكرها مؤرخو هذه الفترة من تاريخ
أوروبا.
لقد شارك كل من التصوير والديكور والملابس وتصميم ديكورات المقاطعات
والقصور في
صنع حالة ملحمية تجلت في أغلب مشاهد الفيلم، فضلا عن إتقان
الأداء التمثيلي لأغلب
ممثلية، فلا يمكن للمشاهد أن يتجاهل قوة تعبير عيني البطل راسل كرو فارسا
أو عاشقا
وحركته المرن القوية على حصانه في المعركة، وقد أحسن المخرج عندما كيت
بلانشيت لدور
"ماريان" المرأة التي تنتظر زوجها الغائب في الحرب منذ عشر سنوات والتي
تقوم مقاطعة
الأسرة بعد فقد اللورد وكسلي لبصره، هذه المرأة ربة المنزل تتحول في نهاية
إلى
مقاتلة في ساحة المعركة، أيضا الممثل الذي لعب دور العجوز اللورد وكسلي كان
أداءه
رائعا بل وفذا على الرغم من قصر الدور.
ميدل إيست أنلاين في
10/06/2010
كرة القدم في السينما التسجيلية.. زيدان و مارادونا
عاصم جرادات
اليوم ..
كرة القدم في كل مكان فالمونديال العالمي
سينطلق أو
ربما عندما تقرأون المادة يكون قد انطلق حيث فرضت تلك الرياضة ذات الشعبية
العالمية
الكبيرة نفسها على سوق السينما العالمية سواءً الروائية أو التسجيلية ،
فشاهدنا
أسطورة الكرة العالمية مارادونا بفيلمين وثائقيين سجلا أبرز
لحظات حياته، وتابعنا
مباراة بصيغة سينمائية عن نجم الكرة الفرنسية زين الدين زيدان، واحتفاءً
بكأس
العالم في جنوب أفريقيا سنسلط الضوء على كرة القدم في السينما التسجيلية من
خلال
تقديم قراءة لفيلمي زيدان بورتريه القرن الواحد والعشرين
ومارادونا للمخرج البوسني
العالمي أمير كوستاريكا مع التعريج على فيلم مارادونا طفل من ذهب.
زيدان، بورتريه من القرن الواحد والعشرين (2006)
شخصياً
لم يخطر في بالي أني سأذهب إلى صالة سينما، وأشاهد فيلم عن نجم فرنسا زين
الدين
زيدان ذو الأصول الجزائرية بهذه الطريقة حيث استمر الفيلم 90
دقيقة وهي وقت
المباراة، حيث سجلت الكاميرات كل شاردة وواردة في تحركات زيدان طوال
التسعين دقيقة
من مباراة فريق ريال مدريد وفياريال في الدوري الإسباني التي أقيمت في يوم
23 نيسان 2005
فكان الفيلم تعبيرياً أكثر منه معلوماتياً فراقبنا زيدان في ركضه، في
تنفسه،
ردات فعله، ضحكاته، وسبابه وغيرها الكثير.
ويشكل الفيلم نقلة نوعية بل تفوق في
مجال السينما التسجيلية على الرغم من صعوبة جذب الجمهور طوال 90 دقيقة دون
الكلام
أو تنوع بصري من حيث المكان المحصور في ملعب سانتياغو برنابيو في مدريد
وبذلك اتسم
الفيلم بالجرأة على التضحية بنقل صورة جامدة لمن لا يهوى كرة القدم
والابتعاد عن
الأسلوب التقريري الذي يعتمد على الشهادات والمواد الأرشيفية،
لكن هنا ساعدت
التكنولوجيا إلى حد بعيد في إخراج الفليم بالصورة الرائعة حيث استعان مخرجا
الفيلم
دوغلاس غوردون وفيليب بارينو بنحو 17 كاميرا، بعضها لم يكن مسموحاً
استخدامه إلا في
المجالات العسكرية الدقيقة، لذلك لم يكن سهلاً إخراجها من الولايات المتحدة
إلا
بشروط رقابية، لأن عدسات هذه الكاميرات تسمح بمتابعة دقيقة لكل
صغيرة
وكبيرة.
والسؤال المطروح هنا أن اختيار زيدان ليكون بطلاً لفيلم هكذا هو عائد
إلى الرمزية الذي يشكلها هذا اللاعب لفرنسا حيث قادها عام 1998
لنيل لقبها الأول في
كأس العالم. بالإضافة إلى الأخلاق العالية التي يتمتع بها زيدان داخل وخارج
الملعب.
مارادونا إنسان في فيلم أمير كوستاريكا ولاعب كرة فنان في طفل من
ذهب
إنه الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا صاحب اليد التي أبكت بريطانيا
في مونديال 1986 باختصار إنه "كرة القدم في الأرجنتين" فعندما
يقرر مخرج تسجيلي
تقديم فيلم رياضي في أمريكا الجنوبية سيكون مارادونا بأسطورته وعبقريته
الكروية
حاضراً في أذهان الجميع لكن الكيفية والأدوات والأسلوب بالطبع تختلف
باختلاف
الأهداف.
فأمير كوستاريكا المخرج البوسني الشهير قدم فيلم من أروع أفلامه عن
مارادونا ليس ذاك اللاعب الذي يجول ويصول في المستطيل الأخضر
بل إنه ذاك الفنان في
تفكيره والثائر في تصرفاته والغريب في طباعه، حيث غاص كوستاريكا خلال عامي
التصوير 2005 – 2007
في جميع حيثيات حياة مارادونا ولاحق تصرفاته كأنه رمز سياسي، مسجلاً
ومفنداً لمواقفه ليس الرياضية فحسب بل السياسية مبرزاً المدرسة
التي يعود إليها
مارادونا، وعرج على القدسية التي يمتلكها الأسطورة الكروية في الأرجنتين
التي وصلت
إلى حد ابتكار كنيسة خاصة به، وشرح كوستاريكا تفاصيل إدمان مارادونا على
الكوكائين
ثم تعافيه، وأبرز كره مارادونا لمنظمة الفيفا (اتحاد كرة القدم الدولي)،
ووصل الحد
عند كوستاريكا إلى التصاقه بمارادونا وتشكيل صداقة قوية جداً
كللها بأغنية أهداها
للنجم الكروي الأرجنتيني الأول الذي كاد أن يذرف الدموع عند سماعها ..
باختصار
كوستاريكا قدم مارادونا ليس فقط لاعب الكرة بل الإنسان بجميع حيثياته
الفكرية
والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويذكر أن اللاعب
الأرجنتيني حضر عرض الفيلم في
دورة مهرجان كان 2008.
أما مارادونا طفل من ذهب فهو فيلم تسجيلي كلاسيكي يروي من
خلال الأسلوب التقريري حياة مارادونا مع بالغ التركيز على الجانب الكروي
وربما يشكل
هذا الفيلم متعة لمن يعشق كرة القدم حيث يسترجع لقطات جميلة في تاريخ كؤوس
العالم
بالإضافة إلى أجمل لحظات مارادونا في الملعب.
وأخيراً من المحتمل أن نشاهد
الأفلام الكثيرة بعد نهاية مونديال جنوب أفريقيا 2010 لما يملكه هذا
المونديال من
خصوصية كونه الأول يقام على أرض إفريقية، وما يشوبه من مشاكل ومنغصات منها
الجوانب
الأمنية والجماهير الجنوب أفريقية المميزة وغيرها الكثير ربما
تكون مادة دسمة
للمخرجين التسجيليين.
الجزيرة الوثائقية في
10/06/2010 |