«مصر بقت قرافة كبيرة.. الناس بترجع لها علشان تندفن فيها».. كم كانت هذه
الجملة مؤثرة للغاية بل ونقلتنا لقمة الحكاية فى فيلم «عسل اسود»، فعم هلال
المصوراتى العجوز قبل أن ينطق بها نظر فى عين مصرى، سيد العربى الشاب
العائد إلى بلده بعد 20 عاما من الغربة فى أمريكا وسأله أنت جيت مصر ليه
وما عملتش زى أبوك اللى سافر وماجاش تانى، وقال له مصرى: بابا كان نفسه
ييجى يندفن فى مصر، وأدار العجوز وجهه ليتسلل إلينا وإلى مصرى شعور أنه جاء
ليموت بالفعل رغم أنه ينبض بالحياة..
جاء ليموت بفضل تغيير البلد والسلوك، وإحساس ناسها بالغربة وقهر الروح،
وتفاقم الأزمات.. فمصرى الفوتوغرافى جاء إلى بلده التى افتقدها من سنوات
ليقضى فيها بعض الوقت أو يعيش، وترك جواز سفره الأمريكى فى الولايات
المتحدة وحمل جوازه المصرى، وفى المطار تبدأ الحكاية الصدمة وتنكشف الصورة
فيما بعد فقد أصبح المواطن المصرى يعامل درجة ثالثة، بينما الأجنبى يعامل
أفضل معاملة، فنرى كيف يتعرض «مصرى» لعدة مآس بحكم هويته المصرية، ولم يجد
حلا سوى استدعاء جواز سفره الأمريكى ليرد له اعتباره ويتغير الحال تماما
معه ويضرب له الكل تعظيم سلام.
وطوال الرحلة قصد المؤلف خالد دياب والمخرج خالد مرعى ومعهما مصرى سيد
العربى وعبر رؤية شفافة وذكية أن ينزف عملهما آهات وابتسامات، تشكل صورة
ساخرة لما تعانيه مصر حاليا من مشكلات كادت تخنق المواطنين، ولكنهم فى
الوقت ذاته سلطوا الضوء على الجزء الأبرز فى الصورة وهو استسلام هؤلاء
المواطنين لقدرهم وكيف يتعاملون معه بطيب خاطر ونوايا حسنة، وقد تجلى ذلك
فى جيران «مصرى» بالقاهرة المتمثلين فى أسرة صديق الطفولة سعيد الذى جسد
دوره بوعى إدوارد ومعه الأم القديرة إنعام سالوسة والابنة وزوجها وكذلك
المصوراتى القدير «يوسف داود».
فهذه الأسرة هى التى ترى الوطن عسلا حتى لو كان طعمه مرا ولونه أسود قاتم،
لكنهم يتنفسون منه ما يكفى للشعور بالحياة، وينفسون عن أنفسهم بالرضا، وهى
الحالة التى أراد الفيلم أن يبثها فى روحنا ويملأ بها وجداننا مع النهاية.
لكننى أعترف بأن تلك النهاية كانت مفاجئة لى، فطوال الوقت كان بداخلى هاجس
واقعى وهو عودة «مصرى» إلى أمريكا بعد رحلة المأساة التى واجهها فى زيارته
لمصر التى ربما يعود لزيارتها فى وقت لاحق، خاصة بعد ارتباطه وجدانيا بأسرة
سعيد، ولكنه قرر العودة وهو فى الجو بعد أن نظر لخاتمه المطبوع عليه علم
مصر مفضلا البقاء الكاثوليكى على الخلع الشرعى!
التغيير
واقع «عسل أسود» يشير إلى أن أحمد حلمى يمر بمرحلة تغيير، فهو يريد أن
يواصل مشوار البهجة وفى الوقت نفسه لا يريد أن يكون منفصلا عن مجتمع هو
يعيش بداخله ويتأثر كأحد مواطنيه بما يحدث فيه، من تغيرات سلبية تأكل من
جذوره ومن هويته، وتعصف بأحلامه وتلقى به فى هوة الجهل واليأس واللامبالاة
والخداع والزيف.. أراد حلمى أن يضع يده على كل الجراح دون أن يشعرنا بألم..
أراد حلمى أن يثأر المواطن لنفسه بالضحك فى الوقت الذى يتلقى فيه طعنات
الزمن.. أراد حلمى أن يقف المواطن على قلبه بعد أن ثقلت أقدامه وتوقف مؤشر
أفكاره بحثا عن حلول، بل لم يعد هو يفكر فى حلول.. أراد حلمى أن يبقى على
شعرة الإحساس والمشاعر بطيبة هذا المواطن وقدرته على الحياة وسط هذا الخضم
من المصاعب.
قد يتصور البعض أنى أبالغ فى الموضوع لكننى رأيته هكذا.. رأيت تغييرا فى
فكر أحمد حلمى. وربما لم تكن الخطوة مكتملة تماما من حيث بعض العناصر
الفنية بشكل كاف لنتجرع معها عسله الأسود.. ففى اللحظات التى كانت تتطلب
اعتمادا على كوميديا الموقف، طغت بعض الشىء كوميديا اللفظ التى أصبحت أحد
أهم قناعات نجوم الكوميديا اليوم، وهى تحتاج لإعادة نظر، وربما كان يمكن
للمؤلف أن يستغل القماشة الجيدة للفكرة فيترك مساحة أكبر لكوميديا الموقف
التى يجيدها حلمى؛ لأن الموضوع كله فى إطار الكوميديا السوداء.. وكان أيضا
لمخرج الفيلم ومونتيره الموهوب أن يتلاشى الإحساس بطول الفترة الزمنية
للفيلم، ويفرج عن صورته وعدسته الصادقة والأمينة لتتسع أكثر برصد واقع
حوارى وشوارع ومجتمع وبشر القاهرة وكذلك تأثرهم بالمناخ السياسى التى قدمها
على استحياء فى بعض المواقف مثل مظاهرة الهتاف ضد أمريكا وذلك لتعزيز
الرسالة بالصورة.
المهمة
عندما يفكر نجم كوميدى بحجم أحمد حلمى ــ من حيث الجماهيرية والموهبة ــ فى
تقديم عمل سينمائى يرصد صورة عن قرب لما آل إليه مجتمع بأكمله وكيف أصبح
وكيف أمسى، فمن المؤكد أن المهمة ستكون ثقيلة لأن مثل هذا الطرح يتطلب وعيا
فنيا كبيرا لأكثر من سبب أولا لأن القضية كبيرة، فهى قضية وطن بأكمله وليس
موضوعا محددا لفرد أو زمن أو مكان، وثانيا الحذر من ألا يقع فى فخ المباشرة
التى تمثل خيطا رفيعا فى طرح مثل هذه النوعية من الأعمال، وثالثا الخوف من
سقوط المشاهد أمام منشور اجتماعى أو سياسى أو أنه يجلس أمام أحد برامج
التوك شو وإن اختلف الشكل والرؤية.
ومن هذا المنطلق أشفقت على أحمد حلمى وهو يخوض تجربته الجديدة «عسل أسود»
التى لم يكشف فيها فقط علاقة الفرد بالدولة وكيف يمكن أن ينفرط عقد
المواطنة فى ظل التقليل من شأن وقيمة المواطن داخل وطنه، بل وتطرق أيضا
للأزمات المعضلة التى أصبح يعانى منها المجتمع بأكمله من صحة وتعليم
ومواصلات وإسكان وعنوسة المرأة والرجل وزحام وعشوائية وفساد ورشوة ومياة
ملوثة.. إن أحمد حلمى الكوميديان يعرف جيدا أنه جازف باختراقه كل هذه
المناطق الدرامية المأساوية فى عمل واحد وأعتقد أنه تحمل عبئا ثقيلا فى
كيفية طرح هذه القضايا الشائكة فى صورة سهلة وبسيطة بعيدة عن التعقيد
والشعارات والصوت العالى، وهو الذى حقق نجومية وصعد خطوة خطوة عبر أعماله
الخفيفة السهلة التى التف حولها الجمهور من جميع الأعمار الذين يجدون فى
أفلامه ملاذا من أزماتهم اليومية.
ترى هل يمكن أن تستطيع هذه الكوميديا الهزلية البسطة الراقية الناعمة أن
تهز وجدان المشاهد؟.. نعم اهتز، أن تطبطب على مشاعره وتأخذ بخاطره.. نعم
وجعلته يسامح أيضا، أن تواسى الحلم والهدف والطموح.. نعم ويصبر، أن ينتفض
معه الوطن ويعيد حساباته وعلاقته بمواطنه... أشك.
هون عليك:
ـ مصر دى أوضة وصالة «سائق التاكسى لطفى لبيب».
Fery good «المدرسة ايمى سمير غانم».
دى تتعبك ولا بتسيبها.. تحيرك برضه حاببها على بعضها كدا.. بعيوبها حتة
منك.. فيها حاجة حلوة «المطربة ريهام عبدالحكيم»
الشروق المصرية في
06/06/2010
محمود المليجي قدم 725 فيلما ومات وهو يتناول القهوة مع عمر
الشريف
الدستور ـ طلعت شناعة
من منا لا يذكر دوره في فيلم "الارض" للمخرج يوسف شاهين الذي جسد فيه
دور "ابو سويلم" المرتبط بالارض والمدافع عنها تماما مثل دفاعه عن عرضه.
ومن منا ينسى ادواره المهمة مع فريد شوقي وهما يمثلان ثنائي الخير والشر في
عشرات الافلام السينمائية ايام الابيض والاسود.
في مثل هذا اليوم تكون قد مرت 27 عاما على رحيل العملاق الفنان محمود
المليجي الذي مات عام 1983 وهو يتناول القهوة مع الفنان عمر الشريف اثناء
تصوير الفيلم التلفزيوني "ايوب".
بعض الناس يشبهونه بـ"انطوني كوين" ومنهم من يسميه الطيب والشرير. وهو
وان قدم اداور الشر لكنه كان في الواقع عكس ذلك. كان طيبا ويبكي بسرعة مثل
طفل.
مدرسة مستقلة
كان محمود المليجي مدرسة مستقلة بذاتها في الأداء الفني. فرغم كم الشر
الذي قدمه على الشاشة ، إلا أنه برع في أدوار الإنسان الطيب ، الذي يجعل
الجمهور يتفاعل مع مأساته ، كما في فيلم الحب الضائع ، جفت الدموع ، الدموع
الساخنة ، حلوة يا دنيا الحب ، الانسان يعيش مرة واحدة ، والأرض.. وبقية
الأفلام التي قدمها مع يوسف شاهين ، وكذلك في الأدوار التلفزيونية.
كان محمود المليجي نادرا في موهبته ، ولو عمل في هوليوود لأصبح "سبنسر
تراسي" ، ولو كان في لندن لكان "إليك جينيس" ، ولو كان في روما لأصبح
"فيتور دي سيكا" ، ولو كان في باريس لأصبح "جان جابان" ، ولو كان في برلين
لأصبح كورت جيرفنر ، لكنه في مصر أصبح "أنطوني كوين حي المغربلين" ، وجبار
الشاشة ، و شرير الشاشة ، بل إن النقاد الفرنسيين الذين شاهدوه في فيلم
الأرض عام 1970 قالوا عنه إنه ممثل عملاق جاء من بلاد النيل ، أعظم من
أنطوني كوين ، وأقوى من مارلون براندو.
مواهب
ولد محمود المليجي في 22 كانون الثاني عام 1910 ، في حي المغربلين
بالقاهرة وسط أسرة مصرية مكونة من والده ووالدته وشقيقته التي توفيت في سن
مبكرة ، وعاش طفولته وصباه في هذا الحي الذي يتوسط مجموعة من الأحياء
الشعبية القديمة ، وكان والده حسين المليجي من أبرز شخصيات هذا الحي ، وكان
يمارس تجارة الخيول العربية الأصيلة ، وفي نفس الوقت كان يتاجر في السيارات
أيضا ، وكانت هوايته المفضلة بالإضافة إلى ركوب الخيل ، سماع الموسيقى
والغناء.
وفي هذا الجو تفتحت عينا محمود حسين المليجي على آلات الموسيقى والطرب
التي تملأ أرجاء البيت ، وعلى مكتبة تضم أحدث اسطوانات عبده الحامولي وسيد
الصفتي ومحمد عثمان. ومع تقدمه في السن كبر الأمل في قلبه في أن يصبح يوما
مطربا مثل أساطين الغناء العربي ، إلى أن حدث ذات يوم أن جاء أحد أصدقاء
والده من هواة الموسيقى والطرب لزيارته ، وتصادف أن والده خارج المنزل ،
فأستقبله محمود المليجي وجلس معه في غرفة الضيافة يتبادلان الحديث حتى ،
قال له الضيف: على ما يبدو يا محمود إنك طالع زي والدك هاوي موسيقى وطرب؟.
فرد عليه بفرحة غامرة واعتزاز: أيوه ، وبأغني كمان.
- طيب سمعني صوتك
وغنى محمود أغاني تناسب صوته.. أغاني المطربة نعيمة المصرية التي كانت
حينذاك أشهر المطربات ، والمونولوجست سعدية الكمسارية وغيرهما من أشهر
المطربات وقتذاك.
وبالفعل أعجب الضيف بصوته ، ونصحه بأن يتعلم الموسيقى على أصولها
ليؤهل نفسه ليكون مطربا ، كما وعده بأن يقنع والده بأن يوافق على أن يدرس
الموسيقى.
ووفى صديق والده بوعده ، لكن النتيجة كانت علقة ساخنة من الأب لأنه
كان لاحظ اهتمام ابنه المتزايد بالفن وانصرافه عن واجباته المدرسية ، لكن
محمود المليجي لم يبال بما حدث ، وتوجه إلى أحد العازفين في الحي ، ليسمعه
صوته ، ويتلقى على يديه بعض الدروس التي تؤهله لاحتراف الغناء.
تخبط
وانتهز هذا الموسيقي المغمور الفرصة بعد أن وجده مستعدا لإمداده
بالمال مقابل أن يشهد له بالبراعة في العزف والغناء ، بل إن اسراف هذا
الموسيقي في امتداح مواهب محمود المليجي بالكذب ، جعله يقول له يوما إنه
أعظم من المطرب الجديد محمد عبد الوهاب.
لكن يبدو أن محمود المليجي كان متخبطا في بداية حياته ، لكنه كان يريد
اثبات أنه موهوب ومتفوق في أي مجال ، فأقام حفلا خاصا دعا إليه اصدقاءه ،
وطلب منهم أن يقولوا رأيهم في مواهبه الغنائية بصراحة.
وكانت النتيجة خيبة أمل نطقت بها وجوههم ، وصاح فيه أحدهم: عاوز
الصراحة يا محمود.. أنت صوتك يشبه إلى حد بعيد مدفع رمضان..
ومن يومها صام عن الغناء ، وقرر أن يتجه إلى الملاكمة ، وسرعان ما
هجرها أيضا بسبب اللكمات والكدمات التي انهالت عليه وأصابته وجعلته يتوب عن
الملاكمة إلى غير رجعة.
بداية المشوار
ويبدو ، أيضا ، أن محمود المليجي كان على موعد مع الفن ، ففي هذا
الوقت أعلنت أم السينما المصرية عزيزة أمير ، التي كانت أول فنانة تقدم
فيلما روائيا مصريا طويلا هو ليلي عام 1927 ، عن حاجتها لبعض الوجوه
الجديدة ، فذهب إليها مع بعض الزملاء الحالمين بالظهور على الشاشة الفضية ،
وعندما اعترض بواب فيلتها طريقهم محاولا منعهم من الاتصال بالفنانة الكبيرة
، حدثت مشادة كلامية سرعان ما انقلبت إلى اشتباك بالأيدي ، وتدخل عدد كبير
من بوابي العمارات المجاورة لنصرة زميلهم البواب ، وكانت نتيجة هذا
الاشتباك غير المنتظر ، واضحة على وجوههم ، كدماتْ ودماءً.
وفي أوائل عام 1930 بدأ محمود المليجي مرحلة مهمة في حياته ، عندما
انتقل فريق التمثيل من طلبة المدرسة الخديوية ليعرض رواية الذهب على مسرح
الأزبكية ، بعد أن استأجرته المدرسة من فاطمة رشدي ، التي كانت تعمل عليه ،
ويحمل اسمها ، وعندما رفع الستار ، تسللت فاطمة رشدي لتشاهد العرض ،
فانبهرت بالطالب محمود المليجي ، وظنت أنه ممثل محترف ، وأن الفرقة استعانت
به ، وبعد انتهاء العرض طلبت مقابلته ، وهنأته ووعدته بأن تضمه قريبا إلى
فرقتها المسرحية.
ولم تمض أيام قليلة حتى بعثت فاطمة رشدي إليه لتبلغه بالحضور إليها
للعمل في فرقتها ، وهكذا بدأ حلم حياته يتحقق ، وانتقل من مجموعة الكومبارس
في فرقة رمسيس إلى فرقة فاطمة رشدي بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات ونصف
الجنيه ، وقدم أول أدواره في مسرحية 667 زيتون ، تأليف الممثل المشهور
انذاك أحمد علام ، وتوالت أدواره المسرحية بعد ذلك فقدم الزوجة العذراء ثم
علي بك الكبير ، ثم عدة أدوار كوميدية جعلت اسمه يلمع ويتداول بين رواد
المسرح ، وقدم بعد ذلك مسرحيات الولادة ويوليوس قيصر وحدث ذات ليلة.
شرير الشاشة
وفي اوائل عام 1939 ، بدأ محمود المليجي مشوارا جديدا مع السينما ،
والتقى في ذلك الوقت مع المخرج ابراهيم لاما الذي أسند إليه دورا في فيلم
قيس وليلى ، كان أول أدوار الشر التي أداها ، وكان نجاحه فيه عاملا مشجعا
على تقديم أدوار الشر في عشرات الأفلام قدم خلالها: قلب امرأة ، و صرخة
الليل ، و رجل بين امرأتين ، و عاصفة على الريف ، و صلاح الدين الأيوبي ، و
أولاد الفقراء ، و عريس من اسطنبول ، حتى أطلق عليه لقب شرير الشاشة.
الدستور المصرية في
06/06/2010 |