قرابة ساعتين من الملل الشديد، هذه هي حصيلة فيلم تامر حسني «نور عيني»
وأكرر فيلم تامر حسني وليس المخرج «وائل إحسان»، لأنني حقيقة لم أعثر على
أي تواجد لبصمة المخرج. تامر يكتب ويلحن ويعزف موسيقى أغانيه وقرر أيضا أن
يؤلف أفلامه. يريد أن يلعبها هذه المرة ميلودراما ووقع اختياره على قصة
تتيح له أن يحقق ملامح عامة مليئة بالصدف غير المصدقة، فهو يحب فتاة كفيفة
تؤدي دورها منة شلبي ليزداد تعاطف الجمهور معه. إلا أنه طوال أحداث الفيلم
يضرب ويصفع ويركل ويشتم ويبصق، والفعل الأخير تحديدا سوف تجده متوفرا بكثرة
في تفاصيل الفيلم وهو مع الأسف الصفة الدائمة واللازمة التي حرص عليها تامر
طوال لقطات الفيلم.
كان المطرب في الماضي يغني ويمرح ويبكي ويهمس ويقبل حبيبته، بينما هذه
الأيام لا وقت سوى للصفع والبصق. في الماضي وتحديدا قبل 42 عاما نتذكر مثلا
أن هناك يافطة رفعت على باب السينما تقول إن آخر فيلم لعب بطولته عبد
الحليم حافظ «أبي فوق الشجرة» يحتوي على 99 قبلة. هذه المرة من حق منتج
فيلم تامر حسني «نور عيني» أحمد السبكي أن يرفع يافطة تؤكد أنه فيلم الـ«999»
بصقة. تخيلوا أن تامر لم يترك أحدا، لا رجلا ولا امرأة أو طفلا أو عجوزا،
الكل ناله من هذا الفعل البذيء الكثير. لا شيء من الممكن أن يبقى في هذا
الفيلم سوى هذا الهراء والتقزز.
لماذا يفعل تامر كل ما يحلو له؟ هذا هو السؤال الذي فرض نفسه على الجميع
بعد مشاهدة الفيلم. وإجابتي أن هذه هي قواعد اللعبة السينمائية في مصر.
نجحت ولا شك أفلام تامر على المستوى التجاري، وهو المطرب الوحيد الذي لديه
أرقام لا يمكن إغفالها، حتى فيلمه «عمر وسلمى» قدم له جزأين ومن حقه
المشروع إنتاج الثالث لأن الإيرادات شهدت لصالحه. الغريب أنني لم أعثر في
الفيلم على ما يؤهله لتحقيق الإقبال الجماهيري عليه سوى فقط اسم تامر، حتى
أغنياته هي أسوأ ما في هذا الفيلم. الغريب أن بالفيلم ثلاث أغنيات واحدة
لعمرو دياب منافسه اللدود وهي «تملي معاك» ربما أراد من خلالها التأكيد على
أنه لا يعادي عمرو. الثانية «ستة الصبح» لحسين الجسمي، والثالثة «الناس
الرايقة» لكل من أحمد عدوية ورامي عياش. استمتعت بهذه المقاطع الغنائية
التي تضمنتها أحداث الفيلم بينما عندما يغني تامر تعليقا على الأحداث
بألحان أجد أنها قد تشابهت حتى أنني فقدت أي إحساس بالتجديد.
في الفيلم منة شلبي في دور فتاة كفيفة لديها موهبة في تأليف الموسيقى
التصويرية. ويلتقي كل من تامر ومنة عند سعيد عبد الغني المسؤول عن فرقة
غنائية تبدأ أولى خطواتها بعد أن عانى تامر الإحباط في الماضي من ضياع
الفرص، ولهذا نراه في بداية الفيلم يقدم أغنية أقرب إلى «الاسكتش» يسخر في
الكلمات واللحن والأداء من الغناء القديم. تذكرني بأغنية قديمة لعبد الحليم
حافظ «يا سيدي أمرك.. أمرك يا سيدي» التي غناها في فيلم «أيام وليالي» ولكن
الفارق شاسع بين عمل فني مليء بالغلظة وأقصد بالطبع تامر وعمل فني يسعى
لتقديم فيلم له هدف، وهو التأكيد على أن التطور الموسيقي هو الذي سوف يحدد
المسار والمصير، وأنه احتياج أكثر من كونه مجرد تغيير وإضافة بلا طائل وبلا
منطق. عبد الحليم بالمناسبة عندما قدم هذا الفيلم كان يصغر تامر حسني على
الأقل بخمس سنوات ولكن كان لديه إدراك ووعي لدوره كفنان؟! كل شيء يبدو في
هذا الفيلم يخاصم الإبداع. المخرج وائل إحسان شاهدت له عددا من الأفلام كنت
أراه فيها مخرجا لديه وجهة نظر مثل «ظرف طارق» و«مطب صناعي» مثلا وكان من
الواضح أن وائل من هؤلاء المخرجين الذين سرعان ما يستسلمون لإرادة النجوم
في أفلامهم والدليل مثلا أن آخر أفلامه «بوبوس» مع عادل إمام رأينا فيه
سيطرة كاملة من عادل إمام على كل مفردات الفيلم وانزعجنا أيضا من حضور
النجم في كل التفاصيل.
ويتكرر الأمر مرة أخرى مع تامر حسني. فأنا أتابع عددا من المشاهد التي قدمت
بالفيلم وكأنها أقرب إلى تركيبة المقالب كل مشهد به شيء من طبيعة برامج
المقالب الشهيرة في رمضان غرضها الوحيد هو البحث عن نكتة مثل إلقاء الشرطة
القبض على صديق لتامر في الطريق العام لاتجاره في المخدرات يحيلها إلى –
إيفيه – الغرض الوحيد منه إضحاك الناس أو تلك الصراعات بين الأصدقاء وهم
يتعاطون المخدرات.
لا يتوقف كاتب السيناريو أحمد عبد الفتاح مثلا عن البحث عن أي فرصة لخلق
صدفة تتكئ عليها الدراما مثل قرص مخدر يتعاطاه تامر حسني باعتباره دواء
للصداع عن طريق الخطأ لأن شقيقه وضع الحبوب في علبة علاج الصداع. أو صديق
تامر حسني الطبيب الذي نشاهده في بداية الأحداث وهو يسافر خارج البلد لأن
كلية الطب رفضت تعيينه معيدا بينما كانت الواسطة لصالح زميله وهو غير مؤهل
لذلك. وهذا الصديق تحديدا هو الذي ينجح في استعادة «نور عيون» منة شلبي
عندما تسافر للخارج لاستعادة بصرها وتقع في حبه بمجرد أن تراه وفي القاهرة
عند عودته لا تكتشف البطلة أن صديقه الأول هو نفسه حبيبها الأول الذي تركته
لخطأ وسوء فهم غير مقصود.
ويعامل الفيلم الكفيف وكأنه متخلف عقليا فكيف لمنة شلبي أن لا تتعرف على من
عاشت معه قصة حب من صوته ورائحته وملمسه. إنها حالة من التخبط أراد بها
السيناريو أن يصل إلى ذروة الميلودراما على حساب أي مصداقية. والميلودراما
في معناها الأكاديمي تتكون من مقطعين «ميلودي»، «دراما» أي أنها تجمع بين
الموسيقى والحبكة الدرامية ولكن ما شاهدناه لا علاقة له لا بالموسيقى أو
الدراما.
وكلما تعثرت الدراما لجأ الكاتب إلى حيلة وصدفة أعتقد أن كل ما رأيناه هو
من بنات وخالات وعمات أفكار تامر حسني، الذي يخضع الجميع لإرادته فلا إرادة
أكبر من إرادة المطرب صاحب المشروع.. بينما كان الفيلم هو أكبر فرصة يحصل
عليها الممثل الجديد عمرو يوسف وكان بالفعل ملفتا. كذلك ممثل ناشئ قام بدور
شقيق تامر أغفل الأفيش كتابة اسمه. بينما مروة عبد المنعم التي تؤدي دور
خادمة في منزل تامر حسني المقصود بالاستعانة بها أنها كوميديانة ينظر إليها
الآن باعتبارها خليفة نشوى مصطفى وأخشى عليها من مصير «نشوى» التي ما أن
استنفدت أغراضها في السينما حتى بحث المنتجون عن واحدة أخرى لديها بعض
المفردات الجديدة.
طبعا لا تستطيع أن تجد في هذا الفيلم أي تفاصيل متعلقة باختيار زاوية
للتصوير أو حركة ممثل أو مونتاج أو استخدام للموسيقى التصويرية. كل شيء
بالتأكيد يخاصم السينما. الجمهور يحضر إلى دار العرض لجاذبية اسم بطل
الفيلم ولكن إذا لم يستند النجم إلى عمل فني فإن هذا الجمهور نفسه لن
يستطيع أن يتحمله أكثر من ذلك وهكذا غادر القسط الوافر من الجمهور دار
العرض وأنا أستمع إلى همسات أسفهم على النجم الذي خدعهم وأضاع عليهم قرابة
ساعتين من الزمن!!
t.elshinnawi@asharqalawsat.com
الشرق الأوسط في
04/06/2010 |