لأن القاهرة هي
الاحتكار وإغلاق الدائرة على الكبار من المنتجين والموزعين ونجوم ونجمات
الشباك بات
الأمر على ما هو عليه منذ عدة سنوات ولم تفلح مساعي المتضررين
في اللجوء إلى
القضاء، حيث الفن والإبداع عملية ابتكارية ولا تجدي فيها الوسائل القانونية
إذ أن
الخلافات مآلها في النهاية الى المصالحة الشكلية بين أصحاب النفوذ وحيتان
السوق
وصغار الشركات التي تلعب على الهامش وتكتفي بما تصيبه من فتات
وعليه فقد تجددت أزمة
دور العرض مع حلول الموسم الصيفي 2010، حيث اشتدت المنافسة بين النجوم
والأفلام مع
حملات الدعاية والدعاية المضادة في النشاط لتفعيل سياسة الترغيب والترهيب
التي
يتبعها المنتجون لاستقطاب الجمهور من ناحية والاستحواذ على
أكبر قطاع من دور العرض،
إما بالتفاوض وإما بفرض السيطرة بالقوة الجبرية استنادا الى سطوة رأس المال
ونفوذ
الخصخصة الذي أبطل دور الدولة وسلبها حق الملكية فبات الأمر مشاعا وصار
السوق
مفتوحاً على مصراعيه أمام المستثمرين وأصحاب المصالح.
لقد أدى واقع السينما في
ظل تطبيق السياسة الرأسمالية الى هبوط معدل الإيرادات بين الأفلام الجادة
التي
تختلف في شكلها وجنسها عما هو مطروح في السوق من صنوف الهزل
والركاكة وما يسمى
بالكوميديا فباتت الفرصة مواتية لدخول بضاعة منتهية الصلاحية وانتشار
الأوبئة
الفنية بعد تخلي الأجهزة الرسمية عن وظائفها الحيوية في حفظ الذوق العام من
التردي
وتحلل القيم وفقدان حاسة النقد، لذا فإن ما ينشب من صراعات
ومعارك يأتي متسقا مع
أساليب التحايل والغش التجاري وفرض السينما الرخيصة كسلعة مضمونة الربح دون
النظر
الى قيمتها الحقيقية كأداة تغيير وتوعية يمكن التعويل عليها في معالجة كثير
من
الظواهر السلبية كما كان الحال من قبل إبان عصر الإزدهار وقيام
المؤسسة العامة
للسينما بواجبها نحو ألوان التعبير الفني والدرامي التي تمت صياغتها في
أعمال
إبداعية مسؤولة تولى تنفيذها مبدعون مؤهلون لم يضعوا العائد المادي في
حسبانهم كأول
المردودات والمكاسب المرجوة، الإختلاف في المرجعيات والأساليب بين سينما
الأمس
وسينما اليوم هو ذاته ما أدى إلى الفورق الفنية وحسم المقارنة
لصالح المرحلة
السابقة المحصورة بالتحديد في الفترة ما بين عام 52 وبداية السبعينيات قبل
أن تنحرف
أقلام كتاب السيناريو في إتجاه الانفتاح الاقتصادي الذي هبت رياحه وعصفت
بكل
الثوابت وآلت نتائجها إلى ما يحدث الآن من متغيرات جذرية ليس
على السينما فحسب وإن
كانت هي الأوضح بوصفها فن الصورة والأكثر تأثيرا على سلوك الفرد والجماعة
لا سيما
أنها تحتوي على كافة عناصر الجذب وتتضمن العديد من الفنون سواء الموسيقى أو
التصوير
أو الإخراج أو السيناريو، بالإضافة الى فن الأداء التمثيلي نفسه وهو تأثير
مضاعف
يرتبط بحضور الفنان وكاريزميته وما يتمتع به من شعبية وربما هذه هي نقطة
الضعف التي
يستغلها تجار 'الروبابكيا' المسماة تجاوزا بالسينما لترويج أفلامهم وفق
آلية السوق
السوداء في ذروة الإقبال الجماهيري خلال المواسم مستخدمين في ذلك وسائل
دعائية تخرج
عادة عن حدود اللياقة الأدبية وتتسبب في إثارة الفوضى وارتكاب
جرائم التحرش أمام
دور العرض كرد فعل حتمي للاستفزاز الغريزي واستنفار الرغبات المكبوتة، ولنا
فيما
حدث الأعوام الماضية في نفس التوقيت مثال وعبرة، ولعل مظاهر التطوير الأمني
المستمرة لغالبية دور العرض السينمائية تؤكد فساد متعة البهجة
بالأفلام الجديدة
والتخوف من تكرار ما حدث، حيث فرض الحصار على الفن اصبح هو الوسيلة الوحيدة
الممكنة
لحمايته وحماية الجمهور من اعتداءات القلة الطائشة، وهو بالطبع حل سلبي
وعجز فاضح
عن مواجهة المشكلة بحلول منطقية أقلها أن تخضع الأفلام
المعروضة لمقاييس فنية ترقى
بها عن الابتذال وتغنيها عن دعاية الطبل والزمر والاستعراض بدلا من نشر
القوات
الأمنية وتشويه الصورة الحضارية للشارع المصري وترسيخ الإحساس السلبي بعدم
الأمان
وخلق المفارقة الغريبة بتقديم الرفاهية تحت تهديد السلاح
إمعانا في التأكيد على
إحكام القبضة الأمنية والإيهام بأن كل شيء تحت السيطرة.
أكثر من عشرة أفلام دخلت
السباق الموسمي المحموم عجزت غالبيتها عن تمثيل مصر في أي من المهرجانات
الدولية،
فيما قفزت دول أخرى أقل شأنا في هذا الصدد الى الصفوف الأولى
لتسحب البساط بنعومة
من تحت أقدام السينما المصرية وصناعها ليصبح العجز أمرا واقعا بعد الفشل في
احتواء
الأزمة والإصرار على شعار الريادة والسحب على المكشوف من رصيدنا التاريخي
في الفن
والسياسة والثقافة والإعلام دون أدنى محاولة لإضافة ما يسد عجز
الميزانية قبل
وصولها الى الصفر.
لو تأملنا الأفلام المعروضة بدور السينما مثل 'كلمني شكرا'،
'ولاد
العم'، وغيرهما من فائض الموسم السابق سنجد أكبر بطل في كل هذه الأفلام
مجتمعة لا يمكن الاعتماد عليه لتحريك الماء الراكد داخل لُجة الاستثمار
وبحيرة
الغرق، فالأفلام فسدت لطول فترة التخزين والجمهور أصابه الملل
من الأداء المتكرر
للنجوم الذين انتهى عمرهم الافتراضي في التأثير واستنفدوا كل طاقاتهم، حيث
لا جديد
لديهم يمكن أن يقدموه غير المزيد من الضحك على الجمهور واللعب بـ'الإفيهات'
كورقة
أخيرة في مباريات 'القمار' التي يواصلونها أملا في تحسين
صورتهم واستعادة أمجادهم
المزعومة وليس من سبيل لإنقاذ السينما غير التخلص من الانماط القديمة فنا
وفكرا
وأداء وانتظار الرجاء من الأجيال الجديدة التي حققت نجاحات غير مسبوقة على
مستوى
الأفلام القصيرة وحصلت على جوائز من مهرجانات دولية ومازالت
تقف في الطابور تتحين
الفرص لتقديم أفلام روائية طويلة والأمثلة كثيرة فهناك مخرجون مثل شريف
البنداري
ويوسف هشام وشيرين غيث وأميرة مصطفى الدمرداش وروبير طلعت ومنى مكرم ورامي
عبدالجبار ومحمد حبيش وكثيرون ممن لم يحصلوا على واحد في المئة
من الفرص التي منحت
لمخرجين يعدون من المحترفين، بينما هم في الواقع لم يقدموا ما يستحقون عليه
تصنيفهم
كهواة غير انها المحسوبية والوساطة والشللية حرمت على الموهوبين حقوقهم
وأحلت
للمدعين أن يهدروا دم السينما لتصبح كبش الفداء في صراع غير
متكافىء بين غطرسة
المال ونفوذه ووداعة الموهبة وهدوئها!
إن المأزق الذي يواجه الأفلام المعروضة
حاليا لا ينقذها منه غير تجديد الدماء بعرض أفلام أخرى تحفظ التوازن العام
للحركة
الفنية والتجارية قبل ان تغلق دور العرض أبوابها وتمسي خاوية على عروشها
إذا ما
استمر الحال على ما هو عليه وصمتت غرفة صناعة وطنية الى سلعة
بائدة، الأفلام المشار
اليها ليست سوى نماذج قليلة أردنا أن ندلل بها على حالة الوهن والضعف وندق
ناقوس
الخطر مجددا حتى لا يظل الرهان على فيلم أو فيلمين فقط كما هو الحال
بالنسبة لفيلمي
عصافير النيل ورسائل البحر باعتبارهما الأكثر جدية وهما
المنقذان الأخيران من فضيحة
إشهار الإفلاس وإعلان وفاة
السينما المصرية كضحية من ضحايا الخصخصة والبيزنس
والكوميديا.
القدس العربي في
01/06/2010
تاريخنا عصي على النسيان
مها
زحالقة مصالحة*
السينما والفن الوطني وكتب التأريخ هي أسلحة التوثيق والتصدي،
وهي حرب طاحنة في عالم النشر لا تقل وطأة عن حرب السلاح، بيد
أن ضحايا حرب السلاح
شهداء أفراد وإن وصلوا الملايين، إلا أن ضحايا حرب كتابة التاريخ هي أوطان
كاملة
شهيدة في سجل الأوطان المسلوبة وفي معركة النضال الكتابي'.
بوبنا فعالية اليوم
تحت عنوان 'رحلة الشوق والحنين إلى بيارة البرتقال الفلسطيني'، برتقالة
ثرثارة
العطر، لونها طعمها، لونها صفة الشمس في نومها.
والبرتقال هنا كزهر اللوز أو
ابعد كما يقول خالد الذكر محمود درويش، كزيتون فلسطين وككرم العنب كريم
الشذى الذي
يفوح بعبق عرق أصحاب هذه الأرض، كليمون فلسطين الملطخ بدم الوطن المستباح
والمكلم
بالجراح أهله..
الفيلم الوثائقي يافا يحكي قصة التفاحة الذهبية بنت الأرض
الفلسطينية، الفيلم يناقش قضية الرمزية في الصراع العربي الفلسطيني
الإسرائيلي،
وعملية البلبلة في الرموز والاستيلاء عليها من قبل المُحتل المُستعمر كجزء
من
مؤامرة الاستعمار الثقافي والاحتلال الفكري. ماركة يافا هي
ماركة عالمية تجسد أحد
أهم هذه الرموز، وفقدان هذه الماركة يشكل احد أبعاد النكبة المؤلمة، ويعزز
الغربة
والمنفى على أرض الوطن وهما أقصى درجات الألم الوطني والشعور بالمهانة.
فيلم 'يافا' ليس درامياً بل هو وثائقي يرمي
بالنهاية إلى تجسيد القدرة والتكتيك
الإسرائيلي على احتلال الأرض والرموز وحتمية التصدي لذلك. السينما والثقافة
الوطنية
وكتب التأريخ هي أسلحة التوثيق والتصدي، وهي حرب طاحنة في عالم النشر لا
تقل وطأة
عن حرب السلاح، بيد أن ضحايا حرب السلاح شهداء أفراد وإن وصلوا
المليون، إلا أن
ضحايا حرب كتابة التاريخ هم أوطان كاملة شهيدة في سجل الأوطان المسلوبة وفي
معركة
النضال الكتابي.
لا وقت لدينا لإهدار الوقت، علينا كفلسطينيين سباق الزمن
لتوثيق تاريخنا الشفوي، وإلا خسرنا المعركة بلا عودة، فلننمِّ الأمل فينا
بأن
فلسطين الذاكرة والتاريخ لا تقل هيبة عن فلسطين الأرض ولا يجوز الفصل
بينهما...
فتاريخنا عصي على النسيان هو..
هناك فجوات في الذاكرة الجماعية والرواية
التاريخية بفعل المأسسة وبتقصير صارخ منا وبعيداً عن سياسة الجلد الذاتي،
الفشل في
هذا الصراع الخفي الظاهر هو حقاً موت ضمير شعب ووطن كامل.
أيار(مايو) من كل عام
هو شهر النكبة، وفعالياتنا الثقافية بروح هذا الشهر مستمرة بعرض فيلم 'زهرة
'لمحمد
بكري والذي يحكي سيرة ذاتية للباقين على هذه الأرض، ولطالما كان التاريخ
والتأريخ
الشفوي الفلسطيني أداة مقاومة وصمود، رمزاً من رموز الثقافة
وشكل استحضاراً للذاكرة
الجماعية واستمرارية الهوية وساهم في الحفاظ على الهوية الوطنية
الفلسطينية، وشكل
سدا متينًا من الفلسطنة أمام بلدوزرات الأسرلة الأخطبوطية ووكلائها.
درب
التبانات، زهرة الفلسطينية، عيد ميلاد ليلى وشجرة ليمون هي محاولات
سينمائية ناجحة
لعملية إنتاج المعرفة، كي لا ننسى نحن ولكي يدركوا هم_ هم هي الآخر القومي
والند
التاريخي لنا وهم أيضا الرأي العام العالمي وتسويق قصة النكبة
فيه بطريقة صادقة
ومداعبة لأوتار القلب الموصولة بخلايا التصديق والتضامن، هي حرب إنتاج
للمعرفة
والملكية على الحقائق التاريخية لا أكثر ولا أقل.
التاريخ هو الصراع والصراع هو
التاريخ، مأسسة المعرفة والعلم والتوثيق بالروايات الشفوية والمنقولة
والمصادر
الأرشيفية هي الآليات للانتصار.
وفي الختام أقول لكم أمام هذا الواقع واستظل
بنور مسحة سميحية لأبي الوطن سميح القاسم: أيها الظلام الأزلي! كم أنت أعمى
وركيك
وزائل في حضرة النور الأبدي. نحن النور الأبدي، كما جاء في كلمة افتتاحية
هذا
الأسبوع سبقت عرض فيلم 'يافا' ضمن النشاطات الثقافية التي يعكف
عليها قسم الثقافة
والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي.
*باحثة من فلسطين
القدس العربي في
01/06/2010 |