إذا كنتُ قد رأيتُ سابقاً أفلام سيرجو ليوني:' قبضة الدولارات،
قبضة الديناميت، من أجل حفنة دولارات، حدث مرة في الغرب، الطيب والشرس
والقبيح'،
ورأيتُ لاحقاً فيلم 'اسمي لا أحد' من سبعينيات القرن العشرين، فلن يساورني
الشك
لحظة، إذا افترضنا لسبب ما أنني مُشاهِد مدمن لأفلام الغرب الإسباكيتي،
ولهذا لم
أهتم في المُشاهَدة الأولى، بقراءة 'تيترات' الفيلم، لمتعة التعرُّف على
أسلوب
الفيلم، وبالتالي التعرُّف على اسم المخرج، من محض الصور المتحركة أمام
عينيّ،
وكلما كان التعرُّف سريعاً منذ اللقطات الأولى على اسم المخرج، كلما كان
إيماني
بمملكة الأسلوب قوياً، أن مخرج فيلم'اسمي لا أحد' هو سيرجو ليوني، وليس
تونينو
فاليري. كانت المُفارَقة بعد اللقطات الأولى من الفيلم، هي عودة الذاكرة
التي قطعتْ
من الخلف إلى الأمام أكثر من ثلاثين سنة. في الحقيقة كنتُ قد رأيتُ فيلم'
اسمي لا
أحد' في التليفزيون المصري، أو في سينما صيفي، وأنا بين الحادية عشرة
والثانية عشرة
من العمر، أي قبل مُشاهَدتي أفلام سيرجو ليوني الشهيرة' قبضة الدولارات،
قبضة
الديناميت، من أجل حفنة دولارات، حدث مرة في الغرب، الطيب والشرس والقبيح'.
كنتُ
بين الحادية عشرة والثانية عشرة طفلاً صغيراً لا يعرف شيئاً عن السينما،
كنتُ لا
أحد على وجه الدقة. عادتْ لي الذاكرة بمشهدين فقط من فيلم تونينو فاليري'
اسمي لا
أحد'. المشهد الأول، فيه الحلاَّق الزائف هو وزميله يحشران في فم ابن
الحلاَّق، وفم
أبيه على التوالي، قطعة صابون مستطيلة، وفرشة حلاقة برغوة كثيفة. يشقان
فوطة بيضاء
من أجل فم الحلاَّق وفم ابنه. يختفي أحدهما، ويلحق بزميل آخر خارج صالون
الحلاقة.
يبقى الحلاَّق الزائف في انتظار البطل هنري فوندا في دور جاك بوريجارد الذي
يدخل
صالون الحلاقة، ويجلس على كرسي الحلاقة. فوطة بيضاء. رأس مُستندة إلى
الخلف. رقبة
ظاهرة للذبح. رغوة على الوجه. شفرة حادة في يد الحلاَّق الزائف. الزميلان
في
الخارج. واحد يحلب بقرة. الثاني يُمشِّط بفرشاة كفل فرس. جاك بوريجارد من
تحت
الفوطة البيضاء يوجِّه فوهة مسدسه أسفل بطن الحلاَّق الزائف. تتم الحلاقة
دون دماء.
جاك بوريجارد أمام مرآة يختبر نعومة بشرته. طلقة من الخارج تكاد تصيب جاك
بوريجارد
الذي يلتفت بسرعة، ويصيب الحلاّق الزائف وزميله في الخارج بطلقة واحدة.
يسأل الابن
والده: هل هناك أسرع من جاك بوريجارد في إطلاق النار؟ يقول الحلاَّق
الحقيقي: أسرع
منه، لا أحد. المشهد الثاني، فيه ترانس هيل يقف في بركة مياه بعد أن قبض
على ذبابة
كبيرة من الهواء، وقلبها على ظهرها، فبدتْ عاجزة على سطح الماء، منتظراً
فوقها بفرع
شجرة. تتحرك الذبابة. ينزل عليها ترانس هيل بفرع الشجرة، ويقبض على سمكة من
قعر
البركة. يتتبع ترانس هيل مسار جاك بوريجارد، يعرف تاريخه، يعرف أسماء
الموتى الذين
أرداهم جاك بوريجارد في مواقعه الكثيرة، باختصار يعرف تاريخ جاك بوريجارد
عن ظهر
قلب. جاك بوريجارد داخل التاريخ. ترانس هيل خارج التاريخ. يسأله جاك
بوريجارد ترانس
هيل عن اسمه. يرد ترانس هيل بأنه لا أحد. لن نعرف طوال الفيلم اسم ترانس
هيل. يريد
فقط ترانس هيل تقاعداً مهيباً لأسرع رام في الغرب الأمريكي. مُواجَهة أخيرة
بين جاك
بوريجارد وعصابة كاملة. بشكل ما هناك أسرع من جاك بوريجارد في رمي الرصاص.
عندما
قال الحلاَّق الحقيقي لابنه: لا أحد أسرع من جاك بوريجارد، كان يقصد ترانس
هيل.
أجمل توريات الفيلم واستعاراته المزدوجة. تمتد المعاني المزدوجة إلى خارج
الفيلم،
إلى صانعيه. بداية تيترات الفيلم، سيرجو ليوني يقدم. يفهم المُشاهِد سريعاً
أن
الفيلم ليس للمخرج سيرجو ليوني، إنما تحت عباءته، بتشجيعه، برعايته. في هذا
الوقت
كان سيرجو ليوني داخل تاريخ السينما تماماً كما كان جاك بوريجارد في الفيلم
داخل
تاريخ الغرب الأمريكي، وكان تونينو فاليري خارج تاريخ السينما مُشرداً مثل
بطله
ترانس هيل. ليستْ العلاقة بين سيرجو ليوني وتونينو فاليري علاقة الأستاذ
بالتلميذ،
بل علاقة إعجاب، إعجاب تونينو فاليري بأسلوب سيرجو ليوني الإخراجي. في
فيلم' اسمي
لا أحد' نفس الأسلبة الليونية التي عرفناها في أفلام سيرجو ليوني الشهيرة،
مساحات
الصمت، طيران القبعات عن الرؤوس بطلقات النار، التيمات الموسيقية المُصاحبة
للشخصيات، ندرة الشخصيات النسائية، روح الدراما الملحمية، الكوميديا التي
تغفر
للشخصيات مُبالغَات دقة التصويب. إصابة القبعة بثقب واحد على أثر أربع
طلقات
مُتتالية. المُدهِش في فيلم' اسمي لا أحد' أنه يقف جمالياً رأساً برأس مع
درر سيرجو
ليوني، يُناطح الطيب والشرس والقبيح، وحدث مرة في الغرب، مع أن تونينو
فاليري ساقط
من تاريخ السينما، تونينو فاليري لا أحد.
*روائي وسيناريست
القدس العربي في
26/05/2010
سميرة توفيق
لبنانية بدأت شهرتها من الاردن
سميرة توفيق مغنية لبنانية شهيرة. واسم سميرة توفيق هو لقب
اشتهرت به، وقد اعطتها عائلة كريمونا لقب العائلة وأصبح اسمها سميرة غسطين
كريمونة.
لم تجد سميرة في البداية فرصتها في بلدها لبنان في ظل وجود عمالقة كبار
مثل فيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي وصباح فقررت الانتقال إلى الأردن
وهناك
قدمت الكثير من اغانيها في إذاعة عمّان وأشتهرت بغنائها باللهجة الأردنية
فقدم لها
المؤلفون والملحنون الأردنيون العديد من أغانيها ومنها ألحان وكلمات أغنية
حسنك يا
زين وأسمر خفيف الروح للفنان توفيق النمري فكانت بداية شهرتها وقدم لها عدد
كبير من
الشعراء والملحنين الأردنيين الأخرين بالإضافة إلى السوريين واللبنانيين
الكلمات
والالحان. قامت بأداء عدة مسلسلات وأفلام في سوريا ولبنان، ومثلت أمام كبار
الفنانين. وما زالت اغاني سميرة توفيق منتشرة بشكل كبير في الاردن.
ولدت
سميرة توفيق، في 25 سبتمبر 1935، واسمها الحقيقي سميرة كريمونة، في بيروت
وبالتحديد
في منطقة الجميزة التي كانت معروفة في الماضي بـ«الرميلة». العام 1945 تربت
في كنف
عائلة سورية متواضعة اتت إلى لبنان من منطقة حوران السورية التي تقع على
الحدود مع
الأردن، وكانت والدتها نعيمة ربة منزل ولها ستة أبناء: جانيت، ونوال،
وسميرة،
وشارل، وجورج ومانويل.
اما والدها غسطين، فكان يعمل في ميناء بيروت. بدأت
سميرة، وهي الصغرى بين شقيقاتها، تظهر موهبتها الغنائية عندما كانت في
السابعة،
وعندما أصبحت في الثالثة عشرة اخذت تحيي الحفلات الغنائية على مسارح بيروت
الخاصة
بالعائلات وفي مقدمها مسرح عجرم. وبعدها تنقلت في عدد من المناطق اللبنانية
منها
عاليه حيث وقفت على أحد أهم مسارحها في تلك الحقبة «مسرح طانيوس» تغني
لسعاد محمد
وليلى مراد، فنالت أول مبلغ من المال وهو مائة ليرة لبنانية.
كانت عائلتها
ترافقها في تنقلاتها، ، فعرفت بالمطربة صاحبة الاسطول السادس! بعد
انطلاقتها من
بيروت أوائل الستينات تبنتها اذاعة الأردن الرسمية من خلال اغنية بعنوان
«بين
الدوالي»، فغنت عبر اثيرها مباشرة على الهواء للشاعر جميل العاصي. وبعدها
تتابعت
الأغاني وانتشرت أغانيها في لبنان والبلدان العربية، خصوصاً انها تميزت
بلهجتها
البدوية مما أعطاها لونا خاصا
.
تعاونت سميرة مع عدد من الملحنين والشعراء
في لبنان والعالم العربي، وبينهم عفيف رضوان، وعبد الجليل وهبي، ومحمد
محسن، ورفيق
حبيقة، والياس الرحباني، وملحم بركات، وايلي شويري، ووسام الأمير، وفيلمون
وهبي
الذي ربطتها بعائلته صداقة متينة.
التقت سميرة كريمونة في بداياتها الملحن
اللبناني توفيق البيلوني، الذي شجعها على الغناء، فاستوحت منه اسمها الفني
سميرة
توفيق وقالت له: «انا سميرة والتوفيق من الله».
احيت سميرة توفيق العديد من
الحفلات في ارجاء العالم، فافتتحت «اوبرا هاوس» في مدينة ملبورن
الأسترالية، إلى
جانب وديع الصافي. وقد حضرت الحفل الذي اقيم أوائل السبعينات ملكة انكلترا
اليزابيت
الثانية. كما شاركت في انطلاق النادي اللبناني المكسيكي، فكانت المطربة
العربية
الوحيدة التي مثلت بلادها هناك بدعوة من الجالية اللبنانية فيها، وحازت
المفاتيح
البرونزية والذهبية لعدة بلدان بينها فنزويلا التي كرمها مجلس النواب فيها،
وكانت
تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة فيها. كما أحيت حفلات في فرنسا وافريقيا ولندن،
حيث تملك
شقة خاصة بها.
اهتمت سميرة توفيق بمظهرها منذ بداية مشوارها الفني في
الستينات وكانت يومها تتمتع بقد ممشوق وجمال وجه تميز بخال فوق شفتيها،
فقلدتها
النساء ورسمن على وجوههن الخال نفسه بقلم الكحل الاسود.
كان شفيق خوري هو
الخياط الذي يهتم بأناقتها في تلك المرحلة، ثم ما لبثت ان تعرفت إلى المصمم
العالمي
وليم خوري، فنشأت بينهما صداقة متينة. صمم لها وليم خوري حوالي 1500 رداء،
غالبيتها
يتألف من العباءات المطرزة التي كانت تنسجم مع لونها البدوي، واشهرها تلك
التي صممت
على شكل فراشة، وارتدتها في احتفال اقيم في تلفزيون لبنان الرسمي «القناة
سبعة»،
ومنذ ذلك الحين عرفت بنجمة هذه القناة وتصدر تصميم ثوبها افخم واجهات
المحلات في
باريس ولندن. ومن التصاميم التي جعلتها تتألق بصورة لافتة، تلك التي
ارتدتها في
مهرجان السينما العالمي في بيروت، الذي حضره حشد من نجوم الفن من العالمين
العربي
والغربي، وكان عبارة عن ثوب اسود طويل، تزينه ليرات ذهبية ورافقها اكسسوار
مشابه
على تسريحة شعرها فاثارت الضجة حولها، وهي تتقدم نجوم الاحتفال الذين اتوا
الى فندق
فينيسيا في وسط بيروت للمشاركة. وقبيل مغادرتها اتصل بالمصمم وليم خوري
قائد الشرطة
السياحية آنذاك عادل عبد الرحيم، عارضاً عليه مواكبة حماية لسميرة توفيق،
خوفاً من
ان يخطفها احدهم، ويسطو على الليرات الذهبية المشكوكة على ثوبها! فوافق
خوري على
العرض، وعندما وصل الى منزل المطربة في الحازمية قرب بيروت، ضحكا كون
الحيلة انطلت
على قائد الشرطة نفسه، الذي عندما اتصل بهما للاطمئنان اخبروه بأن الليرات
المؤلفة
من 1800 قطعة معدنية، هي مزيفة وليست من الذهب الخالص، كما تراءى له، فهنأ
خوري على
تصميمه المبتكر.
تعرضت سميرة توفيق لعدة مشكلات صحية. فالنكسة الأولى كانت
عام 1965 أثناء ادائها دور البطولة في فيلم سينمائي بعنوان «بدوية في
باريس»، وعرض
عليها يومها المخرج محمد سلمان ان تقوم ممثلة بديلة عنها بقفزة عن صخرة
مرتفعة،
فرفضت واصرت على ان تقوم بالقفزة بنفسها، فأصيب ظهرها بكسر اجبرها على
التوقف عن
العمل لفترة، خصوصا ان الاطباء اكتشفوا لاحقا بأن معدتها اصيبت من جراء
سقوطها على
الأرض بارتجاج، فانقلبت رأسا على عقب واضطرت للخضوع لجراحة لاعادتها إلى
مكانها
الطبيعي.
بقيت حياة سميرة توفيق العاطفية دائما بعيدة عن الانظار الا
مرتين فقط، عندما ارتبطت بقصة حب مع مدير تلفزيون لبنان الرسمي في
السبعينات عز
الدين الصبح، وما لبث الخطيبان ان افترقا من دون اثارة اي ضجة حول
الموضوع.
وفي منتصف التسعينات تزوجت سميرة توفيق من رجل اعمال لبناني يعيش
في السويد، وهو الزواج الوحيد الذي حصل في حياتها.
لم تؤد سميرة توفيق منذ
سنوات وسبب غيابها يعود إلى اصابتها بكسر في قدمها، اثر انزلاقها امام
منزلها في
لندن.
حاليا تعيش سميرة توفيق في منزلها في الحازمية، وأحيانا تنتقل منه إلى
بلدة فيطرون الكسروانية، حيث تملك شقة ضمن مجمع سكني فيها، مع عائلتها.
كانت
سميرة توفيق من المطربات القليلات اللواتي لم تلحقهن الشائعات بكثرة، اذ
كانت تبتعد
عن المشاكل وتواجه الشر بفعل الخير وتصر على الظهور بثياب محتشمة وتعيش
حياة
محافظة.
اما الاشخاص الذين كان العمل يفرض عليها رؤيتهم بصورة دائمة امثال
عازف الطبلة محمد البرجاوي وزميله ستراك، فكانوا بمثابة افراد عائلتها
يدقون بابها
في ظروفهم الحرجة، ويركنون اليها اذا ما واجهوا مشكلة.
اما المرة الوحيدة
التي وجدت فيها نفسها في موقف حرج وعلني فهو عندما علمت ان الملحن ايلي
شويري، اعطى
نفس الاغنية التي لحنها لها «ايام اللولو» للمطربة صباح وفي وقت واحد. الا
انها
استدركت الامر وأعلنت أن الأغنية ستنجح بصوتها وصوت صباح على السواء، لأن
لكل منهما
لونه المميز، وهكذا حصل بالفعل اذ حققت الأغنية شهرة واسعة لدى المطربين.
القدس العربي في
26/05/2010 |