وفي هذا الفيلم الأخير تتضح هذه الظاهرة، الموجودة غالبًا في كل مواسم
السينما الأمريكية، والعالمية والتي تعتمد علي قصة عاطفية تمر غالبًا
بالمراحل الأربع: لقاء.. موعد.. الوقوع في الحب، مشكلة عابرة، ثم النهاية
السعيدة، ولا يكاد يكون هناك أي استثناء بالمرة في هذه الأفلام، كما أن
هناك دائمًا موضوعا جديدا حزينا يضمن عدم التكرار مثل موضوع الفيلم الذي
نناقشه اليوم. وهناك في أفلام الأعوام الأخيرة رهان علي استحضار ممثل أو
ممثلة جديدة، ليقف إلي جوار نجم مشهور، أو نجمة لها اسمها، مثل اليكس
أوليفن الذي يضطلع بالبطولة أمام جينفر لوبيز، والفكرة الجديدة هنا أن
«زوي» التي يأست من الحمل من أي علاقة تقيمها، تلجأ إلي الحمل الصناعي،
وبعد ساعة من خروجها من عيادة طبيبها المعالج تلتقي عن غير قصد بالرجل الذي
سوف يغير حياتها، أي
أنها لو صبرت ساعات لصار هذا الرجل والدًا لأبنائها، وليس ذلك الشخص
المجهول الذي تلقحت بسائله المنوي. ومن هنا تأتي طرافة الفكرة.
هذا النوع من الأفلام يمزج بين الكوميديا والرومانسية والغناء في الخلفية
في أجواء عائلية، لذا، فإن الأفلام المذكورة السابقة حققت إيرادات عالية في
سلم الإيرادات الأسبوعية، كما تذيعها برامج الأفلام.
تشابه واضح
ورغم جدة الفكرة نوعًا، فإن هناك تشابهًا واضحًا، أقرب إلي اقتباس الناس،
بين هذا الفيلم وبين عدد من الأفلام المشابهة الفرنسية والمجرية، أخرجتها
كولين سيرد، ومارتا ميساروش وغيرهما.. وهي الأفلام المسماة «9 أشهر» وهي
الفترة التي يبدأ فيها إعلان الاخصاب، إلي أن تتم الولادة.. لكن هناك
اختلافًا واضحًا بين التجربتين الأوروبية، والأمريكية، فالأفلام من النوع
الأول أقرب في موضوعاتها إلي التسوية، حيث إن فترة الحمل هي اختبار لاخلاص
المرأة وقوتها، أما الرجل فإنه يلعب في هذه الفترة دورًا هامشيًا ملحوظًا،
أما المعالجة الأمريكية، فإنها تبدو عائلية، حيث يصير الرجل كيانًا
إيجابيًا، وتكون الأسر دومًا موجودة حول الابنة الحامل، يؤيدونها،
ويناصرونها في كل مراحلها يشترون لها الهدايا، ويساعدونها أثناء الانتظار
والولادة.
إنها محاولة ملحوظة من السينما الأمريكية، لترسيخ القيم الاجتماعية، بشكل
أقرب إلي المباشرة في محاولة لخلق عادات اجتماعية سائدة في المجتمع
الأمريكي، ربما لتحسين الصورة أن الغرب إباحي ومنحل وما إلي ذلك.
المشهد الأول في الفيلم يبدأ في عيادة طبيب أمراض نساء، أو توليد وما شابه،
وهو يقوم بعملية تلقيح صناعي، وزرع حيوانات منوية في رحم زوي التي تعاني من
أنها عاشت سنواتها الخمس الأخيرة دون وجود رجل مناسب. أما المشهد ما قبل
الأخير، فهو في نفس العيادة، وزوي تلد توأميها، المنتظرتين.
أي أن أحداث الفيلم تدور خلال
شهور الحمل التسعة، بتفاصيل واضحة، وكما أشرنا، فإن الأفلام الأوروبية تضع
المرأة في حالة «كبر»، فالمرأة في فيلم كولين سيرد.. راحت تلملم حاجاتها
يوم إن ذهبت للولادة، وذهبت إلي المستشفي وحدها، أما الرجل السلبي، فلحق
بها وهي تلد، كأن الوليد المنتظر لا ينتمي إليه بالمرة.
قصص وردية
أما التسعة أشهر التي عاشتها زوي، فهي مليئة بالقصص الوردية، السعيدة، فما
إن خرجت من عيادة الطبيب، حتي ركبت سيارة أجرة، لنفاجأ أن شابًا قد فتح
الباب الآخر، وركب معها، فيتنازعان علي أحقية كل منهما في الركوب، وينزلان،
لتتركهما السيارة، يختلفان ثم يفترقان، كي تقوم الظروف بعد ذلك بتجميعهما
مرة، ثم ثانية، إلي أن يرتبطا عاطفيًا، ويصير عليها أن تخبره أنها حامل عن
طريق تلقيح السائل المنوي لرجل مجهول لا تعرفه.. فيتقبل التجربة علي مضض..
ثم تتحرك الأمور علي طريقة الرومانسية الأمريكية، أن يدب بينهما
خلاف غير قاطع، وفي أثناء هذا الخلاف، فإنها تتذكره دومًا، أما هو فيطلق
اسمها علي نوع من «الجبن» الجديد الذي يبتكره ويبيعه.
هي قصة رومانسية من النوع الذي يحبها الناس، تنتهي بشكل يتفق وأحاسيس
المتفرجين الذين يأملون أن تنتهي قصص الحب دوما بشكل سعيد، ويعكس ذلك أن
قصص الحب المتشابهة دومًا في مراحلها ومفرداتها، تختلف في نوع العشاق،
وطريقة اللقاء، والأماكن التي يتقابلان فيها، ثم الحوار الذي يدور بينهما،
والطريقة التي يختلفان بها، وأيضًا الأسلوب الذي يتصالحان به، ففي مشهد
النهاية فإن زوي، ما أن تحس بأعراض الولادة، حتي تقرر الذهاب إلي حبيبها
الذي خاصمته، والمسمي ستان، في سوق الخضروات والأجبان، بعد أن عرفت اهتمامه
بها، وإرساله عربة أطفال تناسب التوأم القادم، وفي السوق، وأمام الجميع
تأتيها آلام المخاض، وتصالح حبيبها، وهو مشهد لم نره قط في الأفلام
العاطفية.
وكما أشرنا فإن القصص الرومانسية هنا خالية من المتاعب الكبري، فليس هناك «عزول..
بالمعني المعروف، فحين تتصور زوي.. أن «ستان» مرتبط بفتاة، سرعان ما تزول
عنها وساوسها، وتعرف أنها زميلته في الدراسة فهو لا يزال يدرس في الجامعة،
كما أن الفواصل الاجتماعية بين العاشقين لا تكاد تذكر، وسرعان ما يندمج
الاثنان معًا، تذهب إليه للإقامة في دوره، وتبدو المتاعب سطحية خفيفة، حين
تسعي لعمل اختبار للحمل، تفاجأ أن كلبها قد التهم أداة الاختبار.
ويحاول الفيلم أعطاءنا الإحساس أن هذه القصص موجودة حول زوي، فصديقاتها
يؤسسن تجمعًا للنساء الحوامل غير المرتبطات برجال، كما أن المعضلة الكبري
التي تبدو أمام زوي، هي من سيرعي جدتها العجوز بعد أن تقترن بستان، فإذا
بالأمور يتم حلها بكل بساطة، فالجدة تعلن أنها سوف تتزوج من عجوز في
الثالثة والتسعين، ويستهلك الفيلم مساحة زمنية لعرض مراسيم حفل زفاف
أمريكي، يحضره
العجائز، يرقصون، ويغنون داخل كنيسة، ويعيشون أعمارهم حتي اللحظات الأخيرة
سعداء.
هناك فرق
إذن فالفارق بين السينما الأوروبية، والأمريكية، هو الفارق بين الثقافة،
والموقف، وبين الرفاهية المرتبطة بحل لكل المشاكل.. الأوروبيون يحاولون
إثبات أن المرأة كائن مطحون، تعمل، وتكافح، وتصرف علي نفسها، وأنها يمكنها
أن تعيش بدون الرجل، أما الأمريكيون، فرغم أن نساء عديدات يعشن بدون رجال،
منهن «مونا» صديقة زوي، فإن الفيلم يؤكد أنه من الأفضل أن تعيش المرأة
الأمريكية في حياة أسرية، وسط عائلة سعيدة، مثل النهاية التي قدمها لنا
الفيلم، حيث أن ستان يعامل طفلتي حبيبته كأنهما ابنتاه، ولن تلبث المرأة
تعلن له بعد فترة قصيرة من الولادة، إنها حامل منه، فيطلب منها أن تتزوجه،
وهي كلها مشاهد إضافية علي المعالجات الأوروبية لهذا النوع من الأفلام، كي
يؤكد المخرج آلان بول، من خلال سيناريو كتبته كيت المجليو، أن الأمريكيين
يسعون إلي الحياة العائلية وترسيخها.
يبقي أن هذا النوع من الأفلام الرومانسية، تضع دومًا الجرأة في الحوار،
فالموضوع كله للكبار فقط، ابتداء من مسألة التلقيح الصناعي، والمصطلحات
العلمية المرتبطة به، ثم الحديث عن الحيوانات المنوية، والتأكيد أن المرأة
تكون أكثر قابلية لممارسة الجنس بشهوة زائدة، وهي في فترات الحمل الأولي،
وعبارات كثيرة يرددها أبطال وبطلات الفيلم حول أمور قد لا يعيها الصغار حين
يكونون في صحبة أسرهم لمشاهدة هذه الأفلام، وقد أمن صناع هذه الأفلام، وهي
موجودة في السينما المصرية بشكل لافت للنظر، أن مثل هذه العبارات والألفاظ،
أشد إثارة للشهوة لدي المتفرج من مشاهد العري، إلا أنها سرعان ما تمر علي
المتفرج، لأنه سوف يستمع إليها في إطار علمي، أو اجتماعي، وإنها يتم
ترديدها بنفس الطريقة التي نلتهم بها أطعمتنا وأمور حياتنا.
كما أشرنا، فإن الناس تحب هذا النوع من الأفلام، التي أراها أقرب إلي تناول
شطائر أو وجبات سريعة تذوب في الفم، قبل أن تنزل إلي المعدة، فلا يتم
هضمها.. إنها أفلام البوب كورن.
جريدة القاهرة في
25/05/2010 |