أعترف أني لست من عشاق تامر حسني مغنيًا أو ممثلاً رغم إقراري بشعبيته
الكبيرة لدي جمهور المراهقين خصوصًا المراهقات اللاتي يجدن في أغانيه
وأسلوبه.. تعبيرًا عن روح الشباب وتحديه وهزئه بالقيم المتوارثة والمتعارف
عليها.. كما لا يمكنني أن أنكر أيضًا أن الأفلام السينمائية التي لعب
بطولتها هذا المغني الشاب قد حققت إيرادات تحسده عليها أفلام كبار نجوم
السينما الصغار منهم والمخضرمين.
كما أعترف أيضًا أنني من المعجبين دون تحفظ وبحماسة كبيرة للفنانة الشابة
منة شلبي.. التي رأيت فيها منذ إطلالتها الأولي بالسينما.. نجمة ستتربع علي
عرشها عاجلاً أم آجلاً.. بل إنها ذكرتني بالسيدة فاتن حمامة في أول مشوارها
الفني مع الفارق الأسلوبي والجمالي الذي يميز بين سنوات الخمسين وسنوات
التسعين.
الجمع بين نقيضين
لذلك كان علي أن أشهد هذا الفيلم الجديد..
الذي يجمع بين نقيضين فنيين والذي يعتبره الموزعون أول إطلالة حقيقية
لأفلام الصيف.. باعتبار أن الأفلام القليلة التي قدمت قبله.. أفلامًا تعتبر
مقدمة ضرورية.. أو ما اعتدنا أن تسميه بلغة المائدة (أوردوفر) قبل تقديم
الوجبة الدسمة الأساسية.
الفيلم أخرجه وائل إحسان عن قصة كتبها تامر حسني نفسه.. وأعد لها السيناريو
والحوار أحمد عبدالفتاح السيناريست الشاب الذي واكب تامر حسني منذ أول
إطلالته السينمائية.
ولقد اعتدنا في أفلام المغنين والمضحكين الجدد.. أن نقبل رغمًا عنا سيطرتهم
الكاملة علي الفيلم ونجومه وممثليه وأحداثه ودعايته.. وكل ما يتعلق به..
دون أن تترك أي مساحة صغيرة.. لغيرهم.. مهما كان شأنها.. أي أننا عدنا
تسعين عامًا إلي الوراء حيث كنا نقول فيلم عبدالوهاب ولا نقول فيلم محمد
كريم.. ونقول فيلم أم كلثوم ولا نقول فيلم أحمد بدرخان.. وها نحن الآن وبعد
مرور مائة عام علي
ولادة السينما المصرية.. وبعد أن أصبح من البديهي ومن المعتاد نسبة الفيلم
إلي مخرجه أكثر منه إلي أبطاله.. باعتباره قائد الأوركسترا الحقيقي الذي
يقود آلات الفيلم كله بإيقاع وهارموني وتوازن يحاسب عليه آخر الأمر إيجابًا
أو سلبًا..
لذلك فإننا اليوم أمام فيلم لتامر حسني.. وتامر حسني فقط قبل أن نكون أمام
فيلم أخرجه وائل إحسان ومثله تامر أمام نجمة متألقة صاعدة.
والحق أنني لا أدري ماذا أقول عن هذه القصة التي ينسبها تامر حسني إلي نفسه
بكل فخر.. صديقان من أصدقاء الطفولة.. أحدهما يسافر إلي أوروبا.. اعتراضًا
علي المحسوبيات والفساد الذي يمنعه من الحصول علي حقه الجامعي.. لمصلحة ابن
العميد.. وآخر يعيش مع أخيه وصديق أخيه وخادمة ريفية «بالشقة» أحالها
الشقيق وصاحبه إلي (غرزة) حقيقية.. يشربون فيها الحشيش ويسكرون باستمرار..
ويستقبلون العاهرات.. وويكادوا أن يعتدوا علي هذه الفتاة
الريفية الصغيرة التي تعيش معم وتخدمهم في هذه الشقة الموبؤة.. ولولا تدخل
تامر حسني واسمه في الفيلم (نور) الذي ينقذها دائمًا وفي اللحظات الأخيرة
من براثنهم.
أحمد أو نور.. يجد حظه في العمل مع شركة موسيقية بعد أن أدي فاصلاً
فكاهيًا.. غنائيًا علي الطريقة التقليدية مرتديًا طربوشًا أحمر.. وراقصًا
بشكل كاريكاتوري.. هازئًا بالألحان التراثية مما يلفت نظر مدير فرقة..
يعينه فورًا مغنيًا في الفرقة.. ليصاحب العازفة العمياء.. التي يقع في حبها
من أول نظرة، رغم أننا عرفناه قبل ذلك- هوائيًا.. لا يؤمن بالحب ويرمي
(بصاقه) باستمرار علي ظهر الفتيات اللاتي يعاشرهن.
منذ اللحظات الأولي للفيلم.. نشاهد موجة من حفلات الصفع علي الوجه.. تعادل
في عددها قبلات عبدالحليم حافظ في فيلم «أبي فوق الشجرة».. ومجموعة من
(التفات) البصاق ينثرها (نور) بمناسبة وغير مناسبة.. ومجموعة ممتازة من
الشتائم من
طراز (يا بنت...) وسواها.. إلي جانب التركيز علي غرز الحشيش والأخ المسطول
وصديقه..
وتستمر القصة.. هذا إذا أصررنا علي تسميتها قصة.. بولادة قصة حب بين
العازفة العمياء والمغني الشاب.. مليئة بأوهام المؤلف عن نفسه وعن
إمكانياته.. كل ذلك بالتوازي مع إدمان الأخ وفجوره وسهراته الخليعة في
الشقة.
حوار جديد
والغريب.. أن هذه (الكفيفة) التي اعتادت التعرف علي الآخرين من صوتهم تعجز
عن التعرف علي أحمد (نور سابقًا) صديق خطيبها منذ الطفولة ويأخذ الفيلم
والقصة حوارًا آخر جديدًا.. ومنها قصة زوجة أو حبيبة صديقه وينتهي الفيلم
كعادة الأفلام الميلودرامية بنهاية توفيقية لا منطق لها ولا مصداقية حيث
يرقص الثلاثة في المطار.. وقصة جماعية.. بعد أن اقتنع الصديق بدفاع أحمد..
وبراءة الخطيبة.. وقرر البقاء مرة أخري.. في مصر.. دون السفر إلي الخارج
كما فعل في بداية الفيلم.
لا أعلم ما الدور الذي
لعبه السيناريست الشاب.. الذي أعرف جيدًا.. أنه يملك الموهبة والخيال وقادر
علي الإمساك بكيان سيناريو متكامل ومقنع.. (كما أثبت في السيناريو الذي
كتبه لمسلسل تليفزيوني ناجح) وما هو دوره الحقيقي في تحويل هذه (القصة)
التي قدمها له تامر حسني علي طبق من فضة إلي سيناريو سينمائي يحمل اسمه،
شتائم كثيرة.. وصفعات وبصقات ونكات من نوع (ذهبت لأكل فول وجدت المطعم
مقفول..) وغرز حشيش.. وبخور ورقصات مليئة بالحركات وأغان محشورة لا مبرر
لها إلا كون تامر حسني بطلها ومغنيها.
وبالطبع لا يمكن إنكار الجهد الخارق الذي يبذله وائل إحسان كي يقدم هذه
الأغاني.. ولكي يسير بإيقاع الفيلم حتي نهايته المحتومة.
(هناك
جمالية خاصة في استغلال الطبيعة في لبنان في إحدي الأغاني).. ولكي يمسك
بالأحداث المتنافرة التي لا يربط بينها أي خيط من العقل أو المنطق السليم.
ولكن ما الفائدة.. نحن أمام فيلم لتامر حسني..
ينتظره عشاقه المراهقون بلهفة الطفل الذي ينتظر العيد.. وتامر لا يخيب
أبدًا.. آمال معجيبه.. إنه يقدم لهم الصورة التي يحبون أو اعتادوا أن يروه
عليها.. يعامل الفتيات بالصفع أو البصاق.. يغني العاطفة المصنوعة..
ويرقصها.. يعارك وينتصر، يهاجم ويدافع ولا يقبل الضيم..
وعلينا أن نقر.. بأن تامر حسني حسب هذه المواصفات التي رسمها لنفسه في
(قصته) وأكدها له كاتب السيناريو الخاص به.. ووضعها في إطارها الصحيح..
مخرجه الذي حقق كل طلباته.. وكل نزواته.. بدا لنا في هذه الحال وهذه الظروف
طبيعيًا.
يمثل وكأنه لا يمثل.. إنه تامر حسني في الحياة وفي الفيلم يعكس عفويته في
عالم صنعه بنفسه من الألف إلي الياء.
هكذا أنا وهكذا أحبني جمهوري.. فلماذا «اتغير».
إن من يذهب إلي أفلام مغنينا الشاب.. لا يذهب لرؤية فيلم سينمائي كتبه كاتب
وأخرجه مخرج.. كائن ما كان شأنهما.. إنه يذهب لرؤية تامر.. يرقص
ويغني ويضرب ويعارك ويحب.. ويبصق ويصفع.. ويبكي أحيانًا إذا لزم
الأمر..وماذا يريد جمهوره منه أكثر من ذلك!..
ولابد من الاعتراف.. أن تامر كان مؤثرًا إلي حد ما في مشهد موت أخيه.. وبدا
لي وكأنه يحاول ضمن كل هذه التنويعات المختلفة التي قدمها في فيلمه أن يقدم
تنويعة التمثيل.. كجزء من (ربرتواره) الناجح.
منة شلبي.. كنت أفتش عن هذه التي أطلقنا عليها عند بداياتها.. (فاتن حمامة
المستقبل).. فلم أعثر علي جزء منها.. ولا نقطة واحدة.. أو تعبير خاص يمكن
رصده أو انفعال معين يمكن الإشادة به.
درب خال من المفاجآت
(نور
عيني) نموذج من سينما يمكن أن نطلق عليها اسم (السينما التامرية) التي تسير
علي درب مرصوف خال من المفاجآت.. أراده وسيطر عليه كما يشاء نجم شاب.. فرض
سيطرته علي جمهور كبير من المراهقات.. ويحاول أن يجعل من (السينما) درعًا
آخر جديداً يضيفه إلي دروعه المتلاحقة.
جريدة القاهرة في
25/05/2010 |