قد تستهوي الأجواء
التاريخية المتحولة، ضمن نسق زماني متوازن ومحكم شهية الكثير من المخرجين
الباحثين
عن اصطياد أكثر الحالات انفعالا والمليئة بالشحنات العاطفية مع إدخال
الكادر البديل
المقترح في أصل النص واستبداله بمناخات قريبة لتلك المرسومة في
السيناريو، وهنا
تبدأ لعبة
المخرجين المتمرسين في الاشتغال على عنصر (البكراوند) لاعطاء الزخم
والتأثير
نفسيهما في صناعة المشهد وإدخال الكادر محصنا بأزيائه وقصات شعره وتعامله
مع الحوار
والايماءات لتلك المرحلة الزمنية نفسها إضافة الطابع الواقعي المرافق فنيا
وبصريا.
افلام عديدة ضجت بها واجهات السينما على طول تاريخ انتاجها تحاول التقرب
من هامش الحدث المنبثق من التاريخ زمنيا، حتى وان دعت الحاجة الى الاستعانة
في اغلب
الأحيان الى اللجوء لبعض الوثائق المصورة مثل الافلام التسجيلية ومحاولة
التطابق
بين الاصل والنص وحسب الرؤية الفنية ذات التأسيس الجمالي المدروس. لذلك نرى
الاهداف
المرسومة ضمن توافقات بنائية محكمة على اصل السيناريو والاشتغال البصري في
سياقاته
الفنية وتعدد الزوايا، اخذ الكثير من اهتمامات اولئك المخرجين المدربين على
الوصول
بالمتلقي لخانات التصديق والاضافة الواقعية لمجريات الاحداث التي يتشكل
عليها زمن
الفيلم الحكائي المدجج بالبذخ الصوري والخلفيات الضاجة بالالوان والاضواء
والمياه
والامطار مع حركة الكادر المكمل لبناء الصورة من ديكورات فخمة وعناصر
تكميلية من
شوارع وبنايات وازقة وشبابيك وسفن واجواء اخرى ترفد الجانب البصري الاخاذ
بالمتعة
والرفعة الجمالية حيث يتم تدشين مشهدية ذات اقناع تدعم موقف المتلقي النفسي
واعطاءه
مستويات متعددة للرؤيا. محاكات متعددة ومن عدة زوايا فنية وبصرية اقدمت
عليها
الاشتغالات السينمائية بدءا من وقائع الحروب ومنذ واترلو وحتى الحرب الاولى
والثانية والادوات المستخدمة والاسلحة والقتل والقصف والغواصات الطيارات
وحسب ما
تمت أرشفته في أفلام الحرب الوثائقية والتقرب لترحيل كل تلك المفردات الى
الوقت
الراهن واعطائها الأجواء الحقيقية لتلك الحقبة، وايضا الاجتماعية السائدة
بداية
القرن الماضي من شوارع وبيوت وستائر وازياء وزنوج وغانيات وابطال ثوار
وخارجين عن
القانون ورجال مافيا ومهربين الخ... هذه المساحات قد تم زجها في عالم
السينما
الخلاب، والذي يهدف في مساراته لتقديم المتعة والغرائبية في آن، وكونها
جاذبة للحلم
ان لم تكم تنتجه ظلت السينما كصناعة جمالية صارمة تستمد ديمومتها من
الوقائع
المتناثرة على وجه التاريخ، ومن مصادرها الاثيرة في الرواية والقصة
والمسرحية، حتى
صارت اكثر الفنون قبولا في مستوياتها الفنية اقناعا من باقي الفنون، لتعود
مجددا
لمصادرها المهمة والرئيسة من الادب لتأخذ هذه المرة من الكاتب الامريكي
فيتزجيرالد
قصته القصيرة المعنونة (الحالة المثيرة للفضول لبنجامين باتون) المنشورة في
احدى
الصحف عن شخصية بنجامين باتون الخيالية، حيث يجسد الكاتب فيتزجيرالد رؤيته
التشاؤمية للحياة، وبحثه المستمر في اغلب اعماله عن ايجاد معنى للعيش فيها،
لان دون
ذلك هو العبث من وجهة نظر الكاتب صاحب رواية جاتسبي العظيم المعروفة..
ليبدأ كاتب
السيناريو اريك روث في اعادة بناء القصة للسينما دون التأثر الكامل بأجواء
القصة
حيث لم تتعد الـ25 صفحة وقدم لها رؤية سينمائية تجاوزت اكثر من ساعتين ونصف
الساعة
وهو زمن الفيلم.. وقد سبق للسينارست اريك روث ان كتب سيناريو فيلم (فورست
جامب)
الشهير والذي يتحدث عن فتى يعيش اهتزازاً نفسياً وربما هذا ما يراه فيه
المجتمع،
حتى وهو في سن متقدمة ليكون شاهدا ومن خلال رحلته الطويلة في الحياة من
تمثيل حقبة
مهمة من التاريخ الامريكي المعاصر والذي راَه هذا البطل وشارك فيه بقوة.
وكان
المخرج دافيد فنشر اكثر وعيا في قراءته للسيناريو اذ لم يقع في شباك تأثره
بالنص
الاصلي، مبتعدا قدر الامكان عن تلك المؤثرات ليقوم بأسقاط اللغة السينمائية
على
قراءته لحالة النص على مستوى القصة والسيناريو المكتوب عنها، مستعينا
بالفتوحات
الكبرى في التطور الذي اصاب صناعة السينما، وتحديدا عناصر الكمبيوتر
والمساحات
الاشتغالية من طروحات التقنيات الرقمية لينفذ من خلال ذلك الى روح تلك
الاجواء
الضبابية والازمات التي رافقت المجتمع الامريكي عبر تطوره السياسي
والاجتماعي. وقد
سبق للمخرج ان قدم افلاماً مهمة لاتخلو من تلك المفردات في ادارة اخراجه
لها و
بالاسلوب نفسه ومنها فيلم اللعبة و (سبعة) و (زودياك) وافلام اخرى مهمة.
حاول
المخرج دافيد فنشر الابتعاد قدر الامكان التناول الفلسفي الذي غطى على
اجواء وفكرة
القصة الاصلية ليتقرب وكما هو معروف عنه من التاريخ الخاص بالمجتمع
الامريكي..
تتعاطى فكرة القصة مع مفهوم ومنطق الحياة وتحديدا اثناء الولادة وحتى
الممات وعن
جدوى ذلك دون معنى حين يرزق السيد توماس باتون بطفل هو بالواقع مسخ مشوه
يبدو في سن
الثمانين من عمره بعد ان لحق بزوجته وهي تلد هذا المخلوق العجيب وكان هذا
الحادث قد
رافقته واقعة كانت قد حدثت اثناء الحرب العالمية الاولى عن صانع ساعات
مسيوجاتو
المكلف من بلدية المدينة بصنع ساعات عملاقة تنصب في المحطة المركزية
للقطارات
واثناء عمله يتلقى خبر مقتل ابنه في الحرب، ما يدفعه وقع الخبر عليه ومن
شدة حزنه
على ابنه لتعلقه به، إلى ان يفاجئ الجميع من ان الساعة التي انجزها اصبحت
عقاربها
تتحرك الى الوراء، وهذه اشارة إلى ايمانه وتمنياته لعودة الزمن الى الوراء
كي يرجع
به الى علاقته بابنه الذي غيبته عنه الحرب. وهذا الحدث يؤسس للفكرة
الرئيسية
للفيلم، لتتأكد اكثر اثناء احتفالات الجماهير المنفعلة والحاشدة وهي ترقص
وتتحرك
بشكل جنوني، بعد ان اعلن عن نهاية الحرب العالمية الاولى وبينما يظهر السيد
توماس
يركض مثل المجنون وسط تلك الحشود ليقوم بعد ذلك باتخاذ قرار صعب بترك الطفل
المشوه
امام دار للمسنين وذلك كونه في سن العجز لتأخذه بعد ذلك المشرفة على الدار
المرأة
الزنجية كويني وتقوم بتربيته على خلاف رغبة زوجها. ثم تأتينا قصة حياة
بنجامين
باتون على لسان العجوز ديزي والتي جسدت الدور الممثلة المتألقة كيت بلانشيت
وقد تم
وضع مكياج مقنع لها واظهارها في سن الثمانين وهي تحتضر في مستشفى في مدينة
نيو
اورليانز وهي تقص حكايتها على ابنتها التي انجبتها من بنجوين دون
علم الفتاة مع
انقضاء كل تلك السنين وقامت بدور الفتاة كارولين الممثلة جوليا ارموند
لتسرها
بالعديد من الوقائع والاحداث والحكايات من خلال كتاب تقرْأه لها ابنتها حمل
الكثير
من القصاصات وتذاكر السفر والبطاقات السياحية والتي تشبه الى حد ما متحفاً
صغيراً
يحتوي على تاريخ فردي باهر وحين تتوقف كارولين عن القراءة تندفع ديزي
لتتذكر بعض
التفاصيل المشوشة عن علاقتها ببنجوين. كل تلك التفاصيل مع الانثيالات
الخاصة بكل من
عاش معهم بنجوين والذين غادروا الحياة فيما هو يتجدد ويزدهر، حتى ديزي
حينما كانت
مشرقة وهي تتحرك بخفة لتؤدي حركاتها الرائعة باعتبارها راقصة باليه.
والتغير الذي
طرأ عليها بفعل الزمن والاخرون الذين غيبهم الموت قد عاصروا بنجوين منذ
كهولته حين
ولد حتى رجوعه طفلا صغيرا ثم رضيعا الى موته الذي يؤكد الدورة المعاكسة
لرجل ولد
كهلا لتتم دورة حياته لكن بشكل عكسي حيث الطفولة ثم الشباب والشيخوخة ثم
الكهولة
وهذا الامر الطبيعي. لكن بنجوين عكس ذلك تماما وهي بالتأكيد حياة مفترضة من
خيال
كاتب لاتخلو منها فكرة النظرة الفلسفية لما يراه حين تكون الامور تجري بشكل
عكسي.
هناك اشتغالات باهرة على مستوى الاخراج في النظر للزوايا والمشاهد المرسومة
بدقة
رغم اضافة (الكادر البديل اي البكراوند) للمشاهد الخلفية التي تعطي انطباعا
وثائقيا
على مستوى الديكور للمراحل الزمنية التي مر بها بنجوين. وقد نجح المخرج
كثيرا في
ادارة الكاميرا وهي تلتقط تلك الزوايا الرائعة مع التقلبات التي تمر على
الشخصية
الرئيسة في الفيلم، حيث يكون كهلا لكنه في الحقيقة طفل وهذا ما نجح به بشكل
مثير
الممثل الرائع براد بيت، ليؤكد جدارته باستمرار مع اي شخصية يقوم بأدائها.
فيلم
يبحث في فهم الحياة وامكانية عطائها المعنى اللازم لها كي تستحق ان يعيش
الانسان
فيها من دون ان يفقد الاحساس الجميل برغم حقيقة الحزن الذي يغلف اطارها
العام.لم
يخلُ الفيلم من اشارات حول المواطنة الامريكية والاندفاع المستميت في سبيل
الدفاع
عن الوطن اثناء مروره بالخطر وقد تم تجسيد ذلك من خلال مجموعة من الخمارة
داخل مكان
يزدحم بالغانيات والخمر اثناء سماعهم لنداء الرئيس الامريكي وهو يدعو من
لهم القدرة
على حمل السلاح للدفاع عن امريكا فما كان من هؤلاء الا الاندفاع بقوة
بتوجيه من
صاحب مركب للقطر وهو يهاجم غواصة المانية وتدميرها رغم موتهم جميعا
بأستثناء بنجوين
الذي ظل يشاهد الاموات تتوالى وهو يتحول من سن الى اخرى وحزنه على تلك
المجموعة
المندفعة بحس وطني عال اتجاه العدو، وكانت اشارة واضحة واعتقد قد تم زجها
ضمن
تفاصيل السيناريو كي تحقق بعض الاهداف بخلاف ما تراه القصة الاصلية. شخصية
ولدت عام 1918
لتستمر بالعيش لاكثر من ثمانين عاما، حتى وصول نهايته والتي يتم استبدالها
بأطفال صغار للدلالة على انتهاء حياته الطويلة المعاكسة للمنطق. احداث
كثيرة
ومتشعبة حفلت بها حياة بنجوين هوتن من خلال تعاطيه مع اكثر النساء عزلة
والكثير من
الاحداث والعواطف والفراق والحزن بمتوالية مذهلة ومدروسة. فيلم رائع ومهم
ويمتلك
بصمة تميزه عن الكثير من الافلام التي انتجت مؤخرا، اشترك العديد من النجوم
في
تجسيد الشخصيات الساندة لوقائع وحياة البطل وعلى طول زمن الفيلم مثل جوليا
اورموند
وفون جامبرس واليس كوتاس ودونا يوبلانتر وجاكوب تونيو وايريل مادوكس وجونا
سايلور
وآخرين كانوا قد قدموا فرصة رائعة للامتاع ضمن نسق متوازن بحنكة. تم ترشيح
الفيلم
لاكثر من جائزة للأوسكار.
المدى العراقية في
19/05/2010
مهرجان دبي السينمائي الدولي يطلق مسابقة المهر
الإماراتي
متابعة/ علاء المفرجي
أعلنت اللجنة
المنظمة لمهرجان دبي السينمائي الدولي أن الدورة السابعة من الحدث المرتقب،
والتي
تقام خلال الفترة 12-19 ديسمبر 2010، ستشهد إضافة فئة جديدة إلى مسابقة
المهر مخصصة
لتكريم المواهب السينمائية الإماراتية. وبذلك، تنضم مسابقة المهر الإماراتي
إلى
مسابقتي المهر العربي والمهر الآسيوي-الإفريقي لتكريم المواهب السينمائية
المتميزة
في العالم العربي وآسيا وإفريقيا.
وسيشارك في
المسابقة الجديدة 15 فيلماً إماراتياً تتنوع بين الروائية الطويلة والقصيرة
والوثائقية، حيث تتنافس جميعها على الجوائز الأولى والثانية والثالثة.
وأوضح مسعود
أمر الله آل علي، المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي أن إضافة
مسابقة المهر
الإماراتي تمثل دليلاً واضحاً على تطور ثقافة سينمائية إماراتية قوية.
وقال: "يتمثل
أحد أبرز أهداف مهرجان دبي السينمائي الدولي في تشجيع المواهب السينمائية
العربية
والمحلية. وها نحن نشهد نتائج ملموسة على هذا الصعيد، تنعكس من خلال نوعية
الأفلام
الإماراتية، وعددها". وتابع قائلاً: "تكرم مسابقة المهر خلال مهرجان دبي
السينمائي
الدولي، أفضل المواهب السينمائية في العالم العربي وآسيا وإفريقيا. ونهدف
من خلال
استحداث فئة جديدة مخصصة للسينمائيين الإماراتيين، إلى توفير مساحة مهمة
للسينمائيين الموهوبين من دولة الإمارات، لاستعراض أعمالهم ومهاراتهم أمام
جماهير
السينما العالمية، ومقارنتها مع نظرائهم من قطاع السينما العالمي". وخلال
دورة عام 2009
من مهرجان دبي السينمائي الدولي، شهدت مسابقتا "المهر العربي" و"المهر
الآسيوي-الإفريقي" توزيع 28 جائزة في مجالات التمثيل، والتصوير، والمونتاج،
والموسيقى، والسيناريو، بالإضافة إلى جوائز لجنة التحكيم. كما تلقى
المهرجان ما
يزيد على 900 طلباً للمشاركة، من أكثر من 62 بلداً في آسيا، وإفريقيا،
والأمريكتين،
وأستراليا، وأوروبا، في ثلاث فئات هي الأفلام الروائية الطويلة،
والوثائقية،
والقصيرة. يقام مهرجان دبي السينمائي الدولي 2010 بالتعاون مع "مدينة دبي
للاستوديوهات" وبدعم من "هيئة دبي للثقافة والفنون" (دبي للثقافة)، وبرعاية
كل من "السوق
الحرة-دبي"، و"لؤلؤة دبي"، و"طيران الإمارات"، و"مدينة
جميرا".
المدى العراقية في
19/05/2010 |