«الأفيش» إحدى المقومات الأساسية التي تُحدد نجاح أو فشل أفلام السينما،
فالأفيش كان وما زال العلاقة الأولى بين المشاهد والعمل السينمائي، فمن
خلاله يستطيع أن يتعرف إلى جميع أجواء العمل، وأبطاله، ويمكنه أن يستوحي
طبيعته، رومانسية، اجتماعية، حركية، شبابية، قديمة، أم حديثة، وغيرها من
التفاصيل التي يتفنن مبدعو الأفيشات في تضمينها تصاميمهم للعمل.
كما يمكن من خلال أولويات النجوم، وحجم ظهورهم في الأفيش، وترتيب أسمائهم
أن تتعرف إلى ترتيب البطولة، وأهمية الأدوار، إلى غير ذلك من المعايير التي
تتحكم في مسيرة العمل، يلخصها الأفيش في نظرة واحدة.. تعالوا نتعرف إلى هذه
الصناعة، وكيف انتقلت من إبداعات الريشة إلى ثورة الجرافيك..
منذ بداية السينما صنعت الأفيشات من الشوارع معرضا تشكيليًا مفتوحًا
متجددًا كل فترة سواء عربيًا أم عالميًا، بعد أن تحوَّل إلى سلعة تجارية
وظيفتها جذب أكبر عدد من الناس لمشاهدة الفيلم، بشرط أن يجمع هذا المنتج
بين التجارة والفن، وظلت أفيشات السينما عبر السنوات بمثابة الكيان المدلل
لعشق الناس للفن السابع خاصة سواء كان سينما أم مسرحًا أم تليفزيونًا.
ومع مرور الزمن أصبح الأفيش صناعة مهمة تبحث عن التجديد بتطور صناعة
التصوير والألوان وصولاً إلى استخدام تقنيات متنوعة مثل الجرافيك
والكمبيوتر، ورغم هذا التطور والسهولة في تنفيذ الأفيش ما زالت أفيشات
أفلام الزمن الجميل محتفظة بقيمتها وجمالها، وأصبحت تُعامل مثل اللوحات
الفنية النادرة، ويعرض معظمها في معارض للمقتنيات الأثرية مثل أفيشات أفلام
أنور وجدي وجورج أبيض وغيرهما.
الريشة والألوان
عبر تطور التاريخ احتل واجهات الأفيشات نجوم بعينهم كانت صورهم وأسماؤهم
المكتوبة بشكل منفرد سببًا في جذب الناس، بمعنى أنه يكفي ظهور النجم وحده
على الأفيش اسمًا وصورة كي يؤدي غرضه، خاصة في مجال الغناء والكوميديا مثل
«عبدالوهاب، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، أنور وجدي، إسماعيل يس، أمين
الهنيدي، وعادل إمام» وغيرهم، ولم تتغير هذه الصورة حتى بداية الثمانينيات.
وكان رسم الأفيش في تلك الفترة يعتمد على الورقة والقلم والريشة والألوان،
حيث يقوم الرسام برسم أبطال الفيلم، وكتابة أسمائهم بصورة فنية تختلف
باختلاف نوع الفيلم وتوجهه، وتخضع لعدة معايير أخرى، ويتم طبعه سواء
بالأبيض والأسود أم الألوان، ولا يكتب لأي أفيش الاستمرار أكثر من أسبوع؛
نظرًا لرداءة خامة الورق وقتها، وتأثرها بالعوامل الجوية سواء حرارة أم
برودة أم أمطارًا، والتي كانت تتسبب في تلفها بصفة مستمرة، فيضطر المنتج
لتغيير الأفيش، ولصق آخر بصورة دورية خلال فترة عرض الفيلم.
ثورة تكنولوجية
مع التطور الهائل في صناعة الورق والتقدم الرائع في التكنولوجيا، بدأت
صناعة الأفيش تتطور وتأخذ شكلاً مختلفًا في الجوهر والمضمون أيضًا بمساعدة
الآلات والتكنولوجيا والإضاءة المتميزة، ولعل معظمها قام على أفكار الشباب
المتخصصين في هذا المجال.. ويعد محمد مفتاح واحدًا من أقدم من ساهموا في
صناعة الأفيشات في مصر، حيث بدأ التصميم في منتصف الأربعينيات، وصمم بواسطة
الآلات البدائية والأوراق الضعيفة العديد من الأفيشات لأهم الأفلام في
السينما بواسطة الريشة والأحبار، منها أفلام «لحن الوفاء، علي بيك مظهر،
الخرساء، وغراميات امرأة» وغيرها.
حيث كان يقوم دائمًا برسم العشاق بطريقة توحي بما يدور في جو الفيلم، إذ
يقوم باختيار بعض اللقطات الحسَّاسة من ألبوم صور الفيلم، وقراءة سريعة لما
يدور في داخله، وبعدها يقوم بتصميم الأفيش، وتكبيره، واختيار معداته
اللازمة. كما يعتبر مرتضى محمد من أقدم الخبرات في هذا المجال أيضا، خاصة
أنه عاصر حقبتين مختلفتين تمامًا، أبدع في الأولى بإمكانات ضعيفة، ووصل إلى
الاحتراف في المرحلة الثانية مع التقدم العلمي والتكنولوجي، حيث قدَّم
خبراته للجيل الحالي.
وعن رحلته مع عالم الأفيشات، يقول مرتضى: «إن الأفيش الناجح هو اللافت
للنظر لدرجة أنه يقنع المشاهد بالتفكير في دخول الفيلم، وإذا لم يصل
المشاهد لهذا الانطباع يكون الأفيش فاشلاً، ويرى أن البعض لا يهمه سوى وجه
النجم ولا تهمه فكرة الأفيش، كما أن هناك بعض المخرجين يصرون على إظهار
فلان وإخفاء آخر، أو إظهار بعض المؤثرات الأخرى مثل المخرج الراحل يوسف
شاهين الذي كان يطلب منه أن تكون الفكرة مجنونة، كذلك رأفت الميهي، وروجيه
إسكندر، عكس خالد يوسف الذي يعتمد دائمًا على اسمه واسم الفيلم، ويطلب منه
أن تكون فكرة الأفيش بسيطة، ويترك له حرية التصميم والتنفيذ».
ويعد مرتضى المنفذ الوحيد لأفيشات أفلام عادل إمام، حيث حصل على جائزة قيمة
عندما قام بتصميم أفيشي فيلمي «رسالة إلى الوالي، واللعب مع الكبار»..
مشيرًا إلى قيامه بالاستعانة بالصور الفوتوغرافية لبعض النجوم في تصميم
الأفيشات مثل أفلام «مذكرات تلميذة، غصن الزيتون، صراع الجبابرة، خلخال
حبيبي، يا حبيبي، عودي يا أمي، وعنبر الموت». ويضيف أنه في السنوات الأخيرة
تمت الاستفادة من الصور الفوتوغرافية عن طريق «الفوتوشوب»، ولكن لم تُوقَّع
مثل الأفيشات القديمة باسم صانعها مثل ملصقات أفلام «عايز حقي، اللي بالى
بالك، ميدو مشاكل، زكي شان، وعوكل».
أما سارة عبدالمنعم أحد أشهر مصممي الأفيشات، فترى أن أفيشات الأفلام
القديمة متشابهة إلى حد ما، وهذا ما يُلاحظ في أفلام إسماعيل ياسين في
الجيش، الأسطول، الطيران، البوليس الحربي وغيرها، وأيضًا الأفلام القديمة
التي قام ببطولتها الفنان القدير عادل إمام، كما انتقلت ظاهرة الاقتباس من
القصص إلى الأفيشات، لكن لم تحدث بالصورة نفسها، بل أدخل المصممون عليها
بعض التغيير، كذلك اقتبس عدد منهم أفيشات الأفلام الأجنبية وهذا ما حدث مع
فيلم «بئر الحرمان» لكمال الشيخ 1969.
حيث اقتبس الأفيش الخاص بالفيلم الأميركي البريطاني «هروب من القدر» الذي
تم إنتاجه العام 1967، وكل ما فعله المصمم أنه قام بتصوير وجه كبير لسعاد
حسني وقد تدلى شعرها بطول الأفيش، وعلى الجانب الأيمن كل من محمود المليجي،
نور الشريف، ومريم فخر الدين تعانق ابنها، والأفيش كان عبارة عن صورة طبق
الأصل من أفيش الفيلم البريطاني الأميركي، حيث قام المصمم بوضع ملامح وجه
سعاد حسني مكان بطلة الفيلم جولي كريستي، ورسوم الأبطال المصريين مكان
أبطال الفيلم الأجنبي.
ولم يكن فيلم «بئر الحرمان» الذي تم اقتباس أفيشه فقط - على حد قول المصممة
سارة عبدالمنعم - حيث تم اقتباس أفيش فيلم «حواء والقرد» للمخرج نيازي
مصطفي من فيلم «مليون سنة قبل الميلاد» الذي تم إنتاجه في أميركا، وظهرت
فيه سعاد حسني أيضا مرتدية ملابس امرأة بدائية، وتقف بالطريقة نفسها التي
تقف بها بطلة الفيلم الأميركي، وهناك تشابه كبير بين أفيشي فيلمي «أرض
الأحلام» لكمال الشيخ، و«الرداء» العام 1953، وهناك تشابه آخر بين أفيش
فيلم «ثورة المدينة» العام 1955، وفيلم «ذهب مع الريح»، و«الهروب» لحسن
الصيفي.
ولعل أبرز الأفيشات التي لفتت الانتباه أخيرًا أفيش فيلم «أمير الظلام»
لرامي إمام العام 2002 المأخوذ من الجزء الثالث من فيلم «الأب الروحي»
لفرانسيس فورد، حيث قام النجم الكبير عادل إمام بتهديد المصمم برفع دعوى
ضده بعد أن شاهد تعليقات على الإنترنت تؤكد اقتباس الأفيش، في حين أكد
المصمم أنه تلاقٍ في الأفكار فقط، ولم يكن يظن أن الأفيش موجود بالفعل.
رقابة اجتماعية
وتذكر سارة أن أفيشات زمان الجريئة خاصة كانت تستوقف الناس قبل أن تستوقف
الرقابة، حيث كانوا يقومون بقذفها بالحجارة أو الطين؛ لتغطية أجزاء بعينها
من أجساد فنانات برزت على الأفيش، بمعنى أن الرقابة الاجتماعية كانت أكثر
تشددًا من رقابة وزارة الثقافة، وظلت هذه الظاهرة فترة طويلة حتى ظهرت
ظاهرة جديدة وهى رشق الأفيشات بالطينة، ومن الأفيشات التي تمت تغطيتها
كاملة بالطين أفيش فيلم «شهر عسل بدون إزعاج» لأحمد فؤاد العام 1968 بعد أن
ظهرت فيه الراحلة ناهد شريف وهى تعري ظهرها، بينما ظهر زوجها حسن يوسف وهو
يهم بتقبيلها.
ومن الأفيشات الحديثة التي تعرَّضت للهجوم من الأهالي، وقاموا بتغطيتها
بالطين أيضًا أفيش فيلم «النوم في العسل» لشريف عرفة العام 1997، حيث ظهرت
فيه دلال عبدالعزيز وعادل إمام وشيرين سيف النصر وقد اختفوا وراء ملاءة
طويلة، بينما ظهرت أجزاء من سيقان دلال وشيرين، وقد أثيرت حول هذا الأفيش
الكثير من الاعتراضات في فترة تصاعدت فيها حدة العمليات الإرهابية، وقضايا
الحسبة ضد الأفيشات ما أجبر السينمائيين على تغيير أفيشاتهم في الفترة
الأخيرة.
البيان الإماراتية في
16/05/2010 |