كثير ما تتردد مقولة «نحن في عصر التكتلات» ، ليس فقط في عالم الاقتصاد،
وإنما امتدت لتطال صناعة السينما، وفكرة التكتل صارت ضرورية في هذا العصر
نتيجة ضعف السوق المحلية؛ لذا احتاجت من يمد إليها يد العون، وهذا التشابك
بين الأيدي يلغي الفوارق والحدود، فنتجت اتفاقات الشراكة بين الدول في
مجالات عدة ومنها مجال السينما.
ففي النصف الأول من القرن العشرين صار لا سبيل أمام السينما الإيطالية أو
الفرنسية مثلاً إلا عقد اتفاقات فيما بينها، وأصبح الفيلم الإيطالي لا
يعامل داخل فرنسا معاملة الزائر الأجنبي، والعكس أيضًا بالنسبة للفيلم
الفرنسي داخل إيطاليا، وذلك عقب أحداث الحرب العالمية الثانية، والتي ألقت
بظلالها الاقتصادية السيئة على سوق السينما المحلية، فزاد الدافع نحو
الإنتاج المشترك.. وهذا ما يدعو إليه كثيرون من صُناع السينما العربية
للخروج بها من إطاراتها المحدودة ، فهل كان للإنتاج المشترك أثر في شكل أو
مضمون السينما، وهل تستفيد السينما العربية من إيجابيات الشراكة؟.. «الحواس
الخمس» يرصد مصير الإنتاج المشترك وتتوقع آفاقه عربيًا، فإلى
التفاصيل.«الإنتاج العربي المشترك» مصطلح مطاط من الصعب التعامل معه.. هذا
ما يؤكده الناقد محمود قاسم ، موضحا أن الفيلم يسمى حسب جنسية الشركة التي
تدفع المال، لافتا الى أنه في السينما المصرية محاولات عربية متعددة
لمنتجين كانت هويتهم غير مصرية.
لكنهم احتفظوا بهويتهم في الأفلام المصرية مثل المنتج السعودي «فؤاد بخش»
الذي قام بإنتاج فيلم «ويبقى الحب» العام 1987، وأيضًا «عبدالله الكاتب»
الذي أنتج أفلامًا مصرية خالصة رغم جنسيته السعودية، كما توجد شركات إنتاج
عربية كبرى وضعت في الواجهة أسماءً مصرية من أجل إنتاج سينما مصرية محلية،
فكان الإنتاج مشترك في الحقيقة، لكنه إنتاج مصري في الواجهة. أكد قاسم أن
السينما المصرية لجأت إلى الإنتاج المشترك منذ النصف الأول من أربعينيات
القرن العشرين من خلال تجربتين لم تحققا أي نجاح هما «القاهرة بغداد» العام
1947 و«أرض النيل»؛ لأن صُناع العملين لم يدركوا أن الإنتاج المشترك يعني
اشتراك هيئتين من دولتين مختلفتين في الإنتاج من خلال شركات الإنتاج
السينمائي.
حيث لم يستطع منتجو الفيلم المصري العراقي «القاهرة بغداد» تكرار التجربة،
وإن كان آخرون قد حاولوا تكرارها كما فعل «أحمد كامل مرسي» في الفيلم
العراقي تمويلاً - «ليلى في العراق» العام 1949.
تجارب فاشلة
وفي كتابها «أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية» تشير الكاتبة أمل
الجمل إلى أن السينما المصرية قد شهدت عددًا من الأفلام المشتركة مع فرنسا
العام 1946، ثم إيطاليا وأسبانيا، لكنها كانت محاولات فردية لا تساندها
الدولة.
ولم تؤد الأهداف المرجوة منها في تطوير السينما المصرية وتوسيع أسواقها،
وفي العام 1963 شارك القطاع العام المصري عبر شركة «كوبرو فيلم» في إنتاج
عدد من الأفلام المشتركة، لكنها فشلت تجاريًا.
واعتبرها النقاد كارثة قومية، وضاع - حينذاك - رأس مال الشركة الذي كان
يُقدَّر بنصف مليون جنيه، ثم توقف الإنتاج المصري الأجنبي المشترك منذ
العام 1972 إلى العام 1985، وشهدت السينما بعد ذلك مرحلة جديدة في الإنتاج
المصري الفرنسي المشترك، أخرج خلالها «يوسف شاهين» عددًا من الأفلام التي
تصل إلى 8 أفلام.
ولم تكن تجارب الإنتاج المشترك لمصر مع فرنسا أو الدول الأوروبية فقط، لكن
في أوائل سبعينيات القرن العشرين شهدت عدة تجارب سينمائية مصرية مشتركة مع
عدد من الدول العربية، منها لبنان من خلال أفلام مثل «حبيبتي» و«أجمل أيام
حياتي»، من إخراج هنري بركات.
وتم إنتاجهما العام 1974، وظهرت أفلام أخرى في أوائل الثمانينيات تمثل
إنتاجًا مشتركًا مع شركات إنتاج جزائرية منها أفلام مهمة في تاريخ السينما
المصرية.
وهي «العصفور، عودة الابن الضال، وإسكندرية ليه، والأقدار الدامية»، ثم
ظهرت تجربة جديدة العام 1986 في فيلم «عصفور الشرق»، وهو إنتاج مشترك مع
إحدى الشركات السعودية، كذلك فيلم «ناجي العلي» العام 1992 بين شركة «إن بي
فيلم» ومجلة «فن» اللبنانية، وجميعها بعيدة عن الدعم الحكومي..
ويذكر المؤرخ الفني سمير فريد أن هناك مرحلة مع الإنتاج المصري اللبناني لا
يستطيع أحد إنكارها منذ كوَّن لبنانيون عديدون شركات في مصر، واعتبرها
البعض شركات مصرية على الرغم من أن رأس المال لبنانيٌّ.
حيث ساعد التقارب العربي بين مصر وسوريا ولبنان وعدد كبير من الدول العربية
على تكوين شركات إنتاج عربية متعددة الهوية، أنتجت العديد من الأفلام التي
لم يتم عمل إحصاءات دقيقة لها حتى اليوم؛ لتحديد هوية شركائها بالضبط مثل
أفلام «قبلة في لبنان»، «مصري في لبنان»، و«دكتور بالعافية» وغيرها.
حلم مستحيل
لكن بعض النقاد أكدوا استحالة تحقيق حلم الإنتاج العربي المشترك، على الرغم
من أنه يفتح أسواقًا جديدة للأفلام والدراما، ومن هؤلاء الناقدة السينمائية
خيرية البشلاوي التي أكدت صعوبة الإنتاج؛ بسبب محاذير تفرضها بعض المجتمعات
العربية التي تضيِّق مساحة الحرية في طرح قضايا بعينها.
رغم أننا في حاجة ملحة إلى إنتاج مشترك في ظل الظروف الراهنة؛ للخروج من
مأزق مواجهة الغزو السينمائي الأمريكي لشاشاتنا العربية، إلا أن هناك عقبات
أخرى مثل اللهجات المختلفة، والموضوعات المناسبة، وتوزيع الأدوار، خاصة
البطولة، وهو ما يوقع صُناع العمل في المشاكل المتتالية؛ بسبب صراع
الأدوار، لكن إذا نجحنا في تجاوز العقبات يكون المردود إيجابيًا على نواحٍ
عديدة.
عقبات
الناقد عصام زكريا ينفي مواجهة الإنتاج العربي المشترك أي عقبات؛ مبررًا
ذلك بأننا أمة واحدة يجمعها تاريخ واحد، ولغة وكوادر بشرية واحدة قادرة على
صناعة سينما قوية، علاوة على خبرة مصر في صناعة السينما عربيًا؛ لامتلاكها
مقومات الإنتاج جميعها.
ولا ينقصها سوى التمويل فقط، وهي العقبة الوحيدة التي يمكن التغلب عليها من
خلال الإنتاج المشترك الذي يتطلب إبداء الأشقاء العرب رغبتهم في التعاون مع
مصر؛ لإنتاج سينما ودراما قوية تنافس الأفلام والمسلسلات العالمية. لكن
زكريا اعترف في الوقت نفسه بأن تفعيل الإنتاج المشترك ليس سهلاً؛ بسبب
الخلافات الدائمة، وغياب الوعي القومي .
أسواق جديدة
ومن وجهة نظر إنتاجية فإن المنتج حسن رمزي يؤكد أن الأفلام ذات الإنتاج
الأجنبي تساعد الدول في فتح أسواق جديدة في جميع الدول الأوروبية، ما يفتح
سوقًا جديدة للفيلم، كما أن من حق كل دولة تقوم بتمويل عمل أن تقرأ
السيناريو، وتُبدي رأيها فيه وفق مصالحها؛ لأنه سيُقدم على شاشتها، وللجميع
الحق في مناقشة الأفكار كافة.
كذلك يرى المنتج إسماعيل كتكت أن السينما تعاني من مشكلة التمويل في الوطن
العربي بأكمله، والإنتاج المشترك بوجه عام مسألة صعبة للغاية تحتاج
لترتيبات معينة تكون الشراكة من ناحية التمويل فقط بعيدًا عن فرض شروط، أو
ممثلين بعينهم، أو قصة معينة.. مشيرًا إلى أنه يتمنى خوض تجربة الإنتاج
المشترك، ولا يخشى منها مطلقًا؛ لأن جميع التجارب التي شاهدها جيدة
ومتميزة، خاصة أفلام «يوسف شاهين».
مخاطر
وفي هذا الإطار، أكد المخرج التونسي شوقي الماجري أن الجهود المبذولة
للإنتاج العربي المشترك غير محفوفة بالنجاح لكون جميع الدول ترغب في إملاء
شروطها وفق وجهة نظرها، والدليل على ذلك تراجع قطاع الإنتاج في التليفزيون
المصري أخيرًا عن إنتاج وتمويل فيلم «مملكة النمل»، بعد أن كان على وشك
التصوير؛ حيث خلقت حالة من عدم الاتزان لدى الجهات الأخرى المشاركة في
الإنتاج.
وهي شركة «أيبلا» السورية، والمنتج التونسي «نجيب عياد»، ولم تفلح الجهود
التي بُذلت - بعد انسحاب القطاع - في العثور على شريك ينفذ العمل، خاصة أن
طاقم العمل بذل فيه مجهودًا ليظهر بصورة جيدة؛ حيث تقدر تكاليف إنتاجه بـ 2
مليون دولار، ويتناول جانبًا من تفاصيل الحياة الإنسانية الفلسطينية.
صراعات ومنافسات
وترى النجمة يسرا أن جهة الإنتاج هي التي تحدد هوية الفيلم أو المسلسل، وفي
حالة الإنتاج العربي المشترك بين جهات عربية مختلفة يصعب تصنيف أو نسبه إلى
بلد معين، لكن في الوقت نفسه فمن الضروري ألا نشغل أنفسنا بهوية العمل
الفني هل هو مصري أم سوري؟
ولكن الكلام يكون حول مستوى كل مسلسل، ودرجة نجاحه، وأداء نجومه؛ لذلك لا
بد من تشجيع تجارب الدراما العربية المشتركة حتى يتم إنهاء المهاترات التي
تمر بها يوميًا حول وجود صراع ومنافسة بين جهات درامية متعددة الجنسيات.
البيان الإماراتية في
13/05/2010 |