جاء يوسف فارس إلى
السويد مع عائلته وهو لم يبلغ العاشرة من العمر. بعد أن أنهى دراسته
الثانوية،
التحق وأخاه فارس في معهد الدراما في المدينة السويدية «أوربرو». بعد
تخرّجه في
الثالثة والعشرين من العمر، أخرج فيلمه الروائي الأول «يالا يالا»، وبفضله
ذاع صيته
كسينمائي واعد يتمتع بموهبة، ويجمع بين ثقافتين: العربية، كونه وُلد وعاش
سنوات
طفولته الأولى في لبنان؛ والسويدية، بفضل إقامته في وطنه الثاني. شكّلت هذة
الازدواجية الثقافية هاجساً له، وانعكست في معظم أعماله. بل يمكن القول
إنها المادة
الأبرز في كل ما أنجزه حتى الآن: «يالا يالا» (2000) و«الشرطة» (2003) و«زوزو»
(2005)
و«ليو» (2007)، وآخرها «الأب» (2010). لكن، إلى هذا، يجب القول إن شغل فارس
امتاز، حتى اللحظة، بطابعه الشخصي، وهذه ربما الخاصية الأهم في منجزه
السينمائي.
فحتى اللحظة، يمكن تصنيف أفلامه بوصفها أفلاماً تنتمي الى المخرج نفسه، أي
أفلام
ذات طابع شخصاني في المقام الأول. من هنا، ينبغي النظر الى فيلمه الأخير
«الأب»،
فهو استمرار لتلك الهواجس والأسئلة الوجودية، التي حاول فارس طرحها،
مراراً، في ما
يشبه السيرة الذاتية، على الرغم من صغر سنه. أفلامه تنتمي إلى الذات في
لحظتها
الراهنة، والمقترنة بماض قريب يريد يوسف بحثه سينمائيا وبشكل كامل، بحيث لا
تعود
هناك حاجة للعودة إليه ثانية بهذا القدر من «الإلحاح».
العلاقة بالمحيط
حاول يوسف فارس في أفلامه كلها، سرد العلاقة الخاصة بينه وبين محيطه، وعلى
مستوى أصغر بينه وبين عائلته. شعرنا بتفاصيلها وبشدة حميميتها، خصوصاً في
«الأب».
موضوع الفيلم وعنوانه مباشران جداً: إنه والد المخرج جان فارس، وهو نفسه من
قام
بدور البطولة. إنه رجل يشبه آلاف المهاجرين، ترك وطنه وجاء إلى مكان غريب،
وكان
لزاماً عليه التكيّف معه، أو المصالحة بين ذاته وبينه. ضمن هذا الشرط
الوجودي
الجديد والعسير، تشابكت علائق والده (اسمه في الفيلم عزيز) مع المحيطين به،
وتحرّكت
كاميرا ابنه لالتقاط تفاصيل حياته ومعاناته النفسية عن قرب شديد جداً، مؤذ
وصعب
النقل درامياً لشدّة حساسيته. ربما لهذا السبب وجد يوسف فارس في الكوميديا
ملاذاً
درامياً رحباً، يحتمل عرض هذة العلاقة الملتبسة فيها، التي لجأ اليها
سابقاً في «يالا
يالا» و«الشرطة». لكنه أضاف إليها هذه المرة بعداً درامياً أعطى الحكاية
سمة
الكوميديا السوداء. سبق ليوسف أن جرّب الابتعاد عن الكوميديا الخالصة،
فأخرج فيلماً
درامياً مهماً: «ليو». وفعل «جرّب» نظنّه ملائما، لأنه يعبّر، إلى حدّ
بعيد، عن روح
التجريب والتحدّي الذي اتسم بها العمل. أثبت، من خلاله ومن دون لبس، قدرته
كصانع
أفلام جيّدة الصنعة، بغض النظر عن نوعيتها.
مع هذا كلّه، لم يلق «الأب»
استحساناً جماهيرياً. وجد فيه كثيرون تكراراً للموضوع نفسه وللشخصيات
ذاتها. قال
البعض إن يوسف ظل حبيس «يالا يالا»، ورجّح البعض الآخر فكرة خضوعه لقوانين
الإنتاج،
التي مالت أرباحها كثيراً إلى أفلامه الكوميدية، من دون «ليو». بشكل عام،
لم
يُستقبل «الأب» بترحاب نقدي. ومع القدر المعقول لتفهّم ململة المتلقّي من
تكرار
«الثيمة»،
فإننا في المقابل ننحاز وبقدر أكبر إلى استيعاب موقف الفنان نفسه، الذي
نجد الحق معه في اختيار موضوعه، لأنه ببساطه خياره الشخصي. لهذا، لا يكتسب
التذمّر
من اختيار المخرج موضوعه معنى كبيراً، خاصة إذا اتسم المنجز بالجودة
والسوية. من
هنا، نرى في «الأب» استمراراً لرغبة يوسف في إكمال صورته الشخصية
سينمائياً، وفي
هذا موقف واع وشجاع، حتى وإن جاء خارج رغبات الجمهور (السويدي والغربي)،
الذي يصعب
عليه فهم موقفه. في حين نجد نحن فيه اختلافاً عمّا سبقه، لأسباب كثيرة:
منها
الشخصي، كوننا مهاجرين، ومنها ما يتعلّق باختلاف نظرتنا إلى الأب نفسه.
فشخصية عزيز
هنا ليست الشخصية «النمطية» نفسها التي عرفناها في «يالا يالا»، وليست
شخصية الجدّ
في «زوزو»، مع احتفاظها بالكثير من سماتها العامة، أي المرح والذكورية
الطاغية
والميل الفطري إلى العنف. نحن هذة المرة أمام رجل حزين الدخيلة، يعاني
الوحدة، ويجد
في ولده الوحيد سام (حمادي خميري) مرتجاه الأخير ليخلفه في هذة الأرض. إنه
رجل
يعاني إحساساً طاغياً بالعجز والهجران.
تعبير عفوي
عبّر جان فارس عن نفسه
تعبيراً عفوياً. لهذا لم يحتج ولده إلى عناء كبير ليسيّره (قال في مقابلة
صحافية إن
والده لم يكن يقرأ السيناريو، بل كان يقف مباشرة أمام الكاميرا، ويؤدّي
دوره). كشف
عن داخل الكائن الذي فيه، على الرغم من كل تبجّحه بالقوة التي حاول إظهارها
أمام
أصدقائه وزملاء عمله، وخصوصاً أمام صاحب محل تصليح الدرّاجات الهوائية (توركيل
بيترسون). فكل ما كان يحلم عزيز به، يتجسّد بطلب وحيد: أن تنجب آمادنا
(زوجة ولده
الممثلة نينا زنجاني) حفيداً يملأ عليه حياته. لكن، حتى هذة الرغبة لم
تتحقّق،
لأنها لم تكن حاملاً في الواقع. فهي تواطأت مع زوجها في لعب دور الحامل،
بوضعها
وسادة على بطنها كلما زارهم. هذة الخديعة، ومع ما فيها من مثيرات للضحك،
سرّبت
وجعاً لمن يشعر بوطأة الخوف من الفراغ في المكان الغريب. لهذا، عندما علم
الأب
حقيقة الأمر، انهارت أحلامه كلّها، بعد أن سبقتها خيبة تمثّلت في رفض
المرأة العجوز
طلب زواجه منها. في مقابل هذة السوداوية، هناك دائما لعب على الألفاظ،
ومواقف تفضح
تباين مستوى اللغة واختلاف الثقافات، التي تظلّ دائماً ومع جديتها مثار مرح
ومزج
محبّب بين المرارة والحلاوة، وبين المرتجى والواقع. إنها المزاوجة نفسها
التي يحيا
فيها المهاجر، والتي نقلها يوسف بطريقة سلسة للغاية، ولم يحمّلها تنظيراً
عقيماً،
ولم يتركها هذة المرة على سجيتها. أراد تكريم والده بفن يعرفه جيداً. هكذا
وصل
الفيلم إلينا، ولهذا تعاطفنا معه، مع إدراكنا مستواه الحقيقي، الذي لا
يتجاوز
المتوسّط كثيرا، لكنه يظلّ مؤشّراً على كفاءة يوسف فارس، الذي لا يزال
يجرّب ويلعب.
فالحياة كلّها لا تزال أمامه، ولديه متسع من الوقت لتحقيق ما يريد.
)استوكهولم(
السفير اللبنانية في
12/05/2010
ثقافات / سينما
السينما السعوديَّة في عاصمة الثقافه العربيَّة
عبادي القحطاني من أبها
تشارك السينما السعوديه ضمن فعاليات الأيام الثقافيه السعوديه المقامه في
دوله قطر الشقيقه بمناسبه اختيار الدوحه عاصمه للثقافه العربيه للعام 2010
.
وتأتي مشاركه السينما كجنس أدبي ووسيط ثقافي ضمن الوسائط الثقافيه المتعدده
التي تتميز بها الثقافه السعوديه وقد كلفت وزاره الثقافه والاعلام المخرج
السينمائي ممدوح سالم مدير مهرجان جدة السينمائي مهام ملف العروض
السينمائيه، وأوضح ممدوح سالم ان العروض السينمائيه ستحظى بعروض يوميه في
سوق واقف أحد أهم الاسواق التراثيه بالدوحه والتي تكتظ بالحضور الجماهيري
وان العروض ستكون في ساحه السوق من خلال موقع تم تخصيصه للعروض السينمائيه
وقد تم ترشيح تسعه أفلام وثائقيه تتناسب مع الحدث الثقافي والموقع التراثي.
حيث تشارك السينما السعوديه بفيلم (لوحات من التراث السعودي) للمخرج عبد
الله المحيسن والذي وثق من خلاله المحيسن لوحات من التراث الشعبي السعودي
التي تبرز فيه العمق الحضاري والثقافي لإنسان المملكة ضمن رؤية شاملة، كما
يشارك ممدوح سالم بفيلم (ليله البدر) حيث يوثق الفيلم واقع المجتمع السعودي
في منطقة الحجاز من خلاله العادات والتقاليد السعودية وذلك في صورة واقعية
تجسد أجواء الفرح وروحانية رمضان وأجواء العيد ومراسم الزفة الحجازية
وتقاليد الاحتفال بالمواليد، في حين يشارك فيصل العتيبي بفيلمين وهما (عروس
الآثار والجبال) الذي يعرف بمنطقة العلا الواقعة شمال غرب السعودية وهي
المنطقة التاريخية التي تضم الكثير من آثار الأمم السابقة مثل مدائن صالح
وتضم حوالي 300 مقبرة نبطية بواجهات صخرية غاية في الجمال والغرابة، وكذلك
فيلم (الحصن) الذي يبين كيف تتحصن ثقافة الإنسان بين جمال الطبيعة وقسوة
المكان، فيما تشارك هناء العمير بفيلم (بعيدا عن الكلام) والذي يحكي قصة
لقاء بين فرقة تانغو أرجنتينية في رحلتها الأولى إلى الشرق الأوسط وفرقة
دار عنيزة للتراث الشعبي من المملكة ليكون لهم حوار من نوع آخر عميق ومثير
حيث يحكي الفيلم انطباعات العازفين من الفرقتين قبل وبعد اللقاء والأثر
الذي تركته هذة التجربة عليهم، فيما يشارك بندر اليامي بفيلم (نجران في
سطور) والذي يوثق المعالم السياحيه لمنطقه نجران، كما تشارك جهات حكوميه
بعدد من الأفلام الوثائقيه والتي تبرز التضاريس الصحراويه والبحريه والحياه
الفطريه في المملكه العربيه السعوديه.
ووصف ممدوح سالم مشاركه السعوديه في فعاليات الدوحه بأنها تعزيز لقيم
التآخي الخليجي وابراز لما تزخر به آمتنا العربيه والاسلاميه من تراث ثقافي
وحضاري عريق وانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب الاخرى وتاتي السينما لتكون
المرآه الحقيقيه لتعكس واقع المجتعات وصوره من صور التخاطب الانساني، وقد
استطاعت دوله قطر الشقيقه استقطاب فعاليات ثقافيه ثريه ومتميزه ومتنوعه من
دول عربيه وعالميه لتقدم انجازا فريدا في التواصل والاحتفال.
إيلاف في
12/05/2010 |