انتجت في السنوات الأخيرة بعض الأفلام المصرية التي حاولت أن تنتقل في
أماكن تصويرها الى داخل فلسطين، تحت ظروف الموضوع ومتطلبات القصة.
وبالطبع لابد لهذا الموضوع الذي وقع عليه الاختيار أن يتصل بالقضية
الفلسطينية من قريب أو بعيد، ذلك أن أي تصوير داخل فلسطين، قد يعني طرحا
معينا لبعض جوانب القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر.
يمكننا أن نذكر على سبيل المثال فيلم "جوبا"الذي صوّر انتقال بطل الفيلم
الى داخل فلسطين من أجل إيصال فيلم معين استلمه من فتاة فلسطينية قتلت في
تركيا من أطراف لها علاقة بإسرائيل. وبالطبع يقوم البطل جوبا بهذه العملية،
مما يرفع من شأنه معنويا ونفسيا، بعد أن تعرض الى عدة احباطات بسبب ميوله
السياسية.
في نفس السياق جاء فيلم آخر وكان بعنوان "أصحاب ولا بيزنس" وأحداثه تدور
حول انتقال فريق تلفزيوني الى داخل فلسطين لأجل تصوير حلقة من برنامج
مسابقات، وتكون النتيجة تصوير عملية فدائية ضد قوات الاحتلال.
- نوع من الأفلام
ربما تكون هناك أفلام أخرى من هذه النوعية، والمهم أن التعاطف مع القضية
الفلسطينية يسير نحو اتجاهات مختلفة، تبرز بين الحين والآخر في صور خفيفة
هنا وهناك، بحيث يكون الناتج فيلما سينمائيا يصلح للعرض العام ولا يركز فقط
على القضية الفلسطينية، إذ نجد أنفسنا دائما أمام فيلم غنائي أو فيلم حركة
أو فيلم جاسوسية، وفي بعض الأحيان خليط من كل ذلك.
من جانب آخر لابد من الإشارة الى أفلام أخرى يغلب عليها طابع الجاسوسية وهي
قليلة على أية حال، مثل فيلمَي "الصعود الى الهاوية" و"فخ الجواسيس" وبعض
المسلسلات التلفزيونية وأشهرها بالطبع كان مسلسل" رأفت الهجان". ربما
اعتبرت هذه الأفلام المذكورة وغيرها من نفس النسق، من أفلام القضية
الفلسطينية، والأهم أنها من ملفات الجوسسة بين مصر وقوات الاحتلال في
فلسطين، وهي ملفات شائكة وغير واضحة ويتم الكشف عنها بالتدرج وتزيدها
السينما خيالا ومبالغة.
فيلم "أولاد العم"،إنتاج 2010 ،هو أخد هذه الأفلام المذكورة، وهو فيلم
يتناول موضوع الجوسسة، ولكن بشكل مختلف، بعيدا عن السرد الواقعي المرتهن
لقصة ذات طبيعة حقيقية، وهو قريب للأفلام البوليسية.
رغم كل ما يحيط به من أجواء تناقش التأثير المتبادل للعلاقات المتوترة
المصرية الإسرائيلية، وربما طرح الفيلم موضوع التطبيع وناقشه من خلال قصة
درامية أرادها أن تكون دائرة مغلقة لأي تطور طبيعي في العلاقات محكوم عليه
سلفا بالفشل.
- مخرج وفيلم
مخرج الفيلم هو شريف عرفة والذي قدم عشرات الأفلام الناجحة، يمكن أن نذكر
"سمع هس – اضحك تطلع الصورة حلوة – الإرهاب والكباب – المنسي – الناظر –
عبود على الحدود – حليم – فول الصين العظيم – الجزيرة".
لقد تنقل هذا المخرج بين الأفلام الدرامية والكوميدية والاجتماعية
والغنائية، ونجح أيضا في أفلام الحركة التي أنتجت في السنوات الأخيرة.
وما يتميز هذا المخرج قدرته على إدارة المشهد وتقديمه بشكل جيد، مراعيا كل
الاعتبارات، بما فيها الإكسسوارات وحركة الكاميرا وحسن إدارة الممثل
واستغلاله للديكورات بشكل جيد، والأهم أن الموضوع الدرامي يشكل لديه أهمية
خاصة.
فأفلامه لها موضوعات متكاملة ذات طبيعة درامية واضحة، وهو لا يستخدم
المشاهد الإضافية المعتمدة على مجرد الحوار الضاحك، كذلك الأغنية بالنسبة
له، واضحة المعالم وهي الجزء غير المنفصل عن الفيلم، لذلك، كثيرا ما يعدّ
هذا المخرج من الجيل القديم نسبيا الذي واصل العطاء فالتحق بالجيل اللاحق
ودخل معه في منافسة.
في هذا الفيلم "أولاد العم" نجد الكثير مما اعتاد هذا المخرج تقديمه، بصرف
النظر عن طبيعة الموضوع الذي يغلب عليه جانب البوليس ولا نقول الجاسوس، رغم
أن القصة تدور أحداثها حول جاسوس إسرائيلي زرع في مصر، وكان الرد زرع جاسوس
مصري في إسرائيل.
رغم هذا الشكل المباشر، الذي تقف عليه القصة، سوف نجد إشارات تتناسب مع
العنوان "أولاد العم" وسؤال حول إمكانية أن يكون هناك تعايش معهم، فهم أولا
وأخيرا أولاد عم، بحكم الجوار التاريخي وأحكام المنطقة الواحدة والأصول
القديمة الواحدة، ونقصد بذلك أبناء سام بحسب المرجعية التاريخية القديمة.
لكن الفيلم رغم هذا العنوان، يسير نحو اتجاه مختلف، لأنه يعتبر الصهاينة
بوضعهم اليهودي الحالي أعداء ومن الصعب التعايش معهم أو تطبيع العلاقات
معهم، بل ومن الصعب الركون إليهم كيفما كان الأمر.
بداية الفيلم موفقة الى أبعد الحدود، رغم أنها متسرعة، فهذا الزوج "عزت"
يعترف لزوجته يأته إسرائيلي ويعمل جاسوسا ضد مصر. يقول ذلك بعد عشرة طويلة
مع زوجته "سلوى المصرية" وبعد إنجاب طفلين احدهما فتاة مصابة بداء في الصدر
ونقصد بذلك "سارة ويوسف" ولاحظ هنا أن الأسماء لها دلالة يهودية ولها دلالة
دينية عامة.
- الخروج والدخول
في يوم شم النسيم والذي يقال بأن موسى نبي الله قد خرج فيه من مصر، هاربا
من جند فرعون. في هذا اليوم تقوم جماعة في عرض البحر وباتفاق مع الزوج عزت،
بخطف الزوجة سلوى "منى زكي" ومعها طفليها، وبواسطة القوارب الآلية سريعة
تتم العملية بنجاح لتجد الزوجة نفسها داخل إسرائيل.
تحاول الزوجة أن تستوعب ما حدث، لكنها لا تستطيع، كما أنها تحاول الفرار
واللجوء الى السفارة المصرية في تل أبيب، لكنها تفشل لأنها لا تعرف جغرافية
المكان، ولا أحد يساعدها في ذلك.
رغم أن الطفلين كبيران في السن نسبيا، إلا أن السيناريو جعلهما بلا موقف
واضح لأنهما متعلقان بالأب وكذلك الأم ولا يعني فارق المكان أو الدولة شيئا
بالنسبة إليهما، وهذا الأمر يمكن التغاضي عنه لمصلحة المواجهة التي يمكنها
أن تنشب بين الزوجة وزوجها من ناحية والزوجة والواقع الجديد من ناحية أخرى.
يعتبر انتقال الزوجة "سلوى" أمرا جبريا، وهي لا تريد أن تعود بمفردها الى
بلدها متنازلة عن أولادها لمصلحة الزوج، كما أن السيناريو سار نحو اتجاه
آخر عندما جعل الزوج يحب زوجته "عزت وسلوى" ولا يريد أن يتخلص منها متحديا
للجهاز الرسمي العسكري الذي يعمل فيه، وهو الموساد الإسرائيلي.
نقول بأن موضوع الفيلم يطرح قضية التطبيع، من خلال وجود الزوجة في إسرائيل
هل يمكن لهذه الزوجة أن تتعايش مع الوضع الجديد وفي دائرة إسرائيلية ضيقة
مكونة من أصدقاء الزوج وجاره تدعى سيشيل؟
إن الزوج يدعوها لذلك ويحاول مساعدتها، مع ممارسة بعض الضغوط عليها
كذلك يقوم بعض الأفراد الآخرين من أصدقاء الزوج، باعتبار أن الوضعية عادية،
بطرح بعض القضايا حول الحاجز النفسي القابل للتقويض.
لكن الزوجة ترفض سلوك الزوج وتعتبره خيانة، بل أنها تعتبر نفسها محرمة عليه
بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية في مسألة شرعية الزواج.
إن الفيلم يجعل موقف الزوجة حائرا أحيانا بين الأطفال والواجب الوطني وحب
الزوج لها من خلال طرح وهمي ليس إلا.
كل التفاصيل داخل إسرائيل تدعو الزوجة الى أن تعيش حياة طبيعية، فهى تتعرف
على أم زوجها "سارة" وتتعرف على الشركاء في العمل، وهي تتجول فى إسرائيل
التي ظهرت من ناحية شكلية منظمة بحدائقها ومساكنها وشوارعها. لكن تنكشف
الأمور بعد ذلك، عند الممارسة، حيث تتضح الرشاوي والممارسات السلبية
والصراعات العرقية الداخلية.
- مهمة أخرى
من جانب آخر يكلف أحد الضباط في مصر "إبراهيم" بمهمة جاسوسية، ردا على مهمة
الجاسوس الإسرائيلي "دانييل"، حيث سيقوم إبراهيم "كريم عبد العزيز" بمهمة
إرجاع الزوجة وأطفالها الى مصر.
من خلال الحدود وعبر الجبال يتسلل إبراهيم ليصل الى مكان الزوجة، بعد أن مر
بتجارب عمل مع الفلسطينيين الذين يعملون في الجدار الكبير العازل، لظروف
صعبة، اجبروا عليها، وببساطة يتمكن هذا الضابط الوحيد من التعرف على الزوجة
ويعمل في نفس الوقت على محاولة استمالتها إليه.
إنه الطرف الآخر الذي يسعى لإعادة الزوجة وكذلك إيقاظ وعيها بأن زوجها
"دانييل أو عزت" هو عدو لها ومستعد للتخلص منها في أية لحظة، وكذلك يزيد من
وعيها بأن العلاقة مع إسرائيل لا يمكنها أن تكون طبيعية، وربما كان هذا
الأمر هو جوهر الفيلم.
لابد للمتابع أن يلحظ بأن تنقل إبراهيم من السهولة بمكان، فهو ينقذ فتاة
فلسطينية مثلا "دارين" أرادت أن تفجر نفسها، بحجة حمايتها، وهذا يعني أن
بعض التفجيرات او العمليات العسكرية الانتحارية موجهة الى أناس أبرياء وهم
على الأرجح من سكان المدينة الذين ليس لهم علاقة بالحرب.
يشتغل أيضا إبراهيم عاملا بسيطا، ثم في صيدلية، وبصرف النظر عن التسهيلات
المادية المقدمة له، إلا ان الفيلم لم ينجح في إقناع المشاهد بأن وجود
إبراهيم طبيعي داخل إسرائيل، فهو يتنقل كيفما شاء ويتحرك وكأنه في موضعه
الطبيعي.
- نجاح ولكن
لا أريد أن اختصر الفيلم في هذا الطرح، فكما قلنا، هناك إنتاج جيد ونجاح
على مستوى الصورة، وكذلك على مستوى الحوار. أما الموسيقى فهي لعمر خيرت وقد
حالفها التوفيق في أكثر الأحيان، ولكن لم يكن هناك اهتمام بالموسيقى
الشعبية الفلسطينية.
ومن جانب آخر لم يشمل الفيلم مظاهر من الحياة الشعبية الفلسطينية، متمثلة
في الفولكلور والغناء الشعبي المعروف ولو بدرجات متفاوتة، وربما لم يسر
الفيلم وراء ذلك لأن الحياة وليست فلسطينية.
من جانب آخر ركز الفيلم على فكرة الاغتيالات، حيث اعتبر دانييل جاسوسا
اسرائيلا مهمة اغتيال بعض الشخصيات وهي مسألة بعيدة الاحتمال. لأن الاغتيال
لا يكون إلا لشخصية علمية أو عسكرية كبيرة، وهناك ملف في مبنى الموساد وفي
مكتب دانييل يحتوي على أسماء في قائمة الاغتيالات، ويحاول إبراهيم أن يتسلل
الى مبنى الموساد وينجح في ذلك ببساطة ويكتفي بقراءة بعض الأسماء في الملف
وينتهي الأمر.
ثم يقبض عليه ويلقى التعذيب وبعد ذلك ينقل الى المستشفى ، والأغرب بأن
إبراهيم يصرح لسلوى بأن دانييل ربما اغتال خالتها في القاهرة، وأن من
تكلمها هي شخصية أخرى تلعب دور خالتها. وكأنها خالتها شخصية مهمة.
أما إبراهيم فيتم إنقاذه بواسطة العربات المسلحة في شوارع تل أبيب ويهرب
ومعه الزوجة سلوى والأطفال، ويدخل في صراع مع دانييل، هو صراع فردي وليس
جماعي، وأخيرا يتم إنقاذه الجميع ولا ندري كيف تم ذلك؟
إن الفيلم مليء بالثغرات ورغم إنه فيلم جيد الصنع إلا أن كثرة الثغرات قد
أضعفت منه، ولاسيما وقد تحول الى فيلم اكشن بين زعيم عصابة وأحد رجال
التحرى.
وفى جميع الأحوال، فإن الفيلم جيّد رغم قصته المتهالكة، ومن الواضح أن
التمثيل فيه كان هو الأبرز، وخصوصا بالنسبة لمنى زكي وشريف منير وانتصار،
وافتقد كريم عبد العزيز حيويته المعروفة، والسبب يعود الى افتقاد الفيلم
الى الكوميديا التي اشتهر بها الممثل، وبالطبع تبقى الشخصية الأهم هي
للمخرج شريف عرفة والذي حاول أن يجمع شتات فيلم من الصعب جمعه.
العرب أنلاين في
06/05/2010 |