عصافير النيل، الديلر، هليوبوليس، المسافر، ولاد العم، أمير البحار، أفلام
تستطيع الفوز بنُسخ عنها من خلال مواقع على الإنترنت، تعلن عن نفسها وتضع
عناوينها، وهي لا تحتاج الى ارقام هاتف لأن الخدمات تتأمّن من دون العودة
الى المصدر إطلاقاً·
العناوين الآنفة مجرد عيّنة من الأفلام التي توفّرها مواقع إلكترونية ويحصل
عليها كل مَنْ يستطيع الوصول إلى هذه المواقع من دون أي بدل مادي، لذا
وفّرت هذه الطريقة أفلاماً بالجملة سواء للروّاد الذين يحبّون السينما
ويرغبون في متابعة ما يقدّمه بعض النجوم من جديد، أو للنقاد خصوصاً في
أنحاء المعمورة العربية والتي لا يصلها الفيلم المصري لأكثر من سبب بينها
عدم وجود صالات أصلاً· لكن ما الذي يحصل فعلياً؟!
لم نسمع صوتاً واحداً ارتفع مطالباً فقط بحقوق فيلم له من المنتجين
والموزّعين بل إنّ الصرخة إعلامية نقدية، حيث التساؤل كيف تصل بعض الأفلام
ؤلى الناس قبل عرضها في الصالات؟ ومَنْ يحمي حقوق التوزيع والإنتاج·
إنّنا نشعر ببساطة بأنّ العرب باتوا يتصرّفون مثل الأجانب تماماً، فهوليوود
تعاملت مع موضوع القرصنة بطريقة ذكية، وعلى أنّها أمر واقع لا مفر من وجوده
فها هي بدل ترك القراصنة يوزّعون نسخاً غير جديرة بالمشاهدة الجيدة، تعقد
مع رؤوس التهريب عقداً تسلّم الشركات صاحبة الأفلام الجديدة بموجبه هؤلاء
القراصنة نسخاً نظيفة، كما لو إنّها للتوزيع العادي، وتكون الأمور أفضل
للجميع، فالشركة تتعاطى بدلاً محترماً عن هذا الفعل، ويقبل القراصنة بما
تأمّن لهم من مردود، ويفوز الزبون بأفضل نسخة لمشاهدته المنزلية التي يفترض
أنّه يفضّلها على الذهاب إلى الصالة، بينما سعر النسخة الواحدة من الـ
DVD
عشرة جنيهات أي أقل من سعر تذكرة الدخول الواحدة إلى أي صالة في القاهرة،
والغالبية منها ليست مجهّزة بشكل عصري لا من ناحية المقاعد ولا من جهة
التقنيات الصوتية وأحياناً المرئية·
ومن خلال النُسخ التي اطلعنا على بعضها وجدناها جيدة النسخ، ما يعني أنّ
هناك مَنْ يؤمّن نسخة فيديو جيدة النوعية، فمن أين حصل عليها إذا لم يكن من
الجهة المنتجة والموزّعة، وبعد، لماذا لم يقل أحد لهؤلاء لماذا تفعلون ما
تفعلونه أبداً، ولا صوت·
واستوقفنا أنّ الأفلام الجادّة ليس محتفىً بها في المواقع المقرصنة، حيث
يتأكد ذلك من ذيوع تحميل أشرطة الكوميديا والأكشن الرخيص، ما يوجب الانتباه
إلى أنّ ما يتأمّن هو استناداً إلى طلبات الناس وميولهم في غالب الأحيان،
فأسماء عادل إمام، أحمد السقا، محمد هنيدي، محمد سعد، وغيرها من الأسماء
التي تلائم أفلامها أذواق الجماهير·
ربما هذا الحل أوجد لنا مخرجاً لندرة الأفلام الواصلة إلى صالاتنا
البيروتية، ولولا: ولاد العم، مؤخراً لكانت ساحتنا خالية من الأفلام
المصرية، لذا يكون علينا متابعة الجديد وبكثافة من خلال ما توفّره مواقع
القرصنة العلنية للمشاهدين في أنحاء العالم، لكن لم يُعرف بعد بماذا تستفيد
هذه المواقع وهي تؤمّن هذا الكم من الأفلام بحيث تُتاح فرصة ذهبية
للاختيار·
لكن ما الذي يُفيد الصالات في هذا السياق، خصوصاً أن الأفلام على اختلافها
بكل ما يُنتج في هوليوود وبوليوود والقاهرة وغيرها يتوافر قبل عرضه لأول
مرة في الصالات في مفارقة غريبة جداً، يدفع ثمنها أكثر ممّن ما زالوا يرون
في الصالة المكان الأفضل للمشاهدة، والتمتع بصورة مضيئة وصوت دولبي، ومناخ
ملائم·
نقد
(De
ma fenêtre.. sans maison)
لـ ماريان زحيل صوّرته بين بيروت ومونتريال عن الغُربة
وتداعياتها
واحدة من حكايات الحرب والهجرة في ميلودراما بطلتاها أم
وابنتها انتهت على وئام شريط مترابط بخيط رفيع من العاطفة جعلته
فعّالاً الممثلتان <بورتال> و<توماس>···
محمد حجازي
ماريان زحيل مخرجة لبنانية مُقيمة في كندا تعرّفنا عليها في بيروت قبل
ثماني سنوات تقريباً، عملت مع التلفزيون الفرنسي، ومع المؤسسة اللبنانية
للارسال (LBC) التي دعمت فكرة إطلاقها أول فيلم طويل من
إخراجها يحمل عنوان: (De
ma
fenêtre.. sans maison)،
وأسّست على هذا الدعم المعنوي والمادي من الشيخ بيار الضاهر لإنتاج تدبّرته
هي في مونتريال وكان أن صوّر نصها: من نافذتي·· بدون منزل، قبل أربع سنوات،
ولم تتح الفرصة لعرضه بفعل تطوّرات عديدة في لبنان منها اعتداءات 2005
الإسرائيلية وتداعياتها على جميع الصعد·
الشريط الثلاثاء الماضي كان العرض الخاص في صالة أبراج·
وكانت المفاجأة أنّ ماريان وصلت قبل ساعات فقط من كندا الى بيروت، رغم
أنباء الغيوم البركانية التي منعت حركة الطيران في معظم أوروبا·· وعلى
الطريقة اللبنانية <دبّرت حالها> وكانت معنا في العرض·
متفائلة جداً بالشريط، وشكرت الآنسة هيام صليبي (إيطاليا فيلم) لأنها شاهدت
وأعجبت ثم دعمت الفيلم وبرمجت عرضه على شاشات بلانيت، وأشارت ماريان الى
تواضع ميزانية الإنتاج لكنها أكدت أنّها أنجزت معظم ما دار في رأسها من
أفكار·
وشاهدنا الشريط·
وأول ما فاجأنا كان الكاستنغ إذ إنّ لاعبي الأدوار بكاملهم كانوا في
أماكنهم تماماً، ولم نعثر على ممثل في غير مكانه أو دوره، فوجدنا أمامنا
عملاً شديد التكامل، وترتبط مشاهده بخيط روحي رفيع يمسك بجميع الاوتار
المشكّلة لمادته الميلودرامية، وهذا أكثر ما شدّنا كبداية لنجد أنّ مَنْ
لعبتا الدورين الرئيسين كانتا رائعتين، سواء الأم سنا (لويز بورتال) أو
الإبنة دنيا (رينيه توماس) في شخصيتين متنافرتين متواجهتين على الدوام، لكن
من خلال أداء رائع لهما·
الحدوتة يبدأ الفيلم في منطقة المتين في لبنان، حيث كانت سنا السيدة
الجميلة تودّع ابنتها الطفلة دنيا، محاولة إفهامها أنّ ظروفاً قاهرة فرضت
عليها القيام بهذه الخطوة، وأنّها لن تنساها وستظل على تواصل معها، وتطمئن
عليها وتمنحها من الاهتمام الكثير جداً·
لكن كل هذا كان مجرد كلام فقد مضت السنوات، وأصبحت دنيا شابة جميلة، ولم
تسمع صوت والدتها ولو مرة طوال تلك الفترة التي: قضتها في مضافة جدّتها
(ليلى حكيم) وشقيقها (وليد العلايلي)، وتداهم المنيّة والدها ويغص المنزل
بالمعزين·
فجأة اتصال من مونتريال من سنا لـ دنيا: أنا في انتظارك كي تمضي عندي بضعة
اسابيع تريحين خلالها اعصابك، تسافر دنيا وهي مملوءة بالغضب والحقد وعدم
الرضى على والدتها، وهي حالة نواكبها طوال فترة اقامتها هناك حيث تعرّفت
الى الصبية الى سيلفي (ماري لو وولف) وخرجنا معاً ليلاً، وتعرّفنا معاً الى
الشاب بيار (سيباستيان ديكارد)، وشكّلوا معاً ثلاثياً عاطفياً جهنمياً·
كما تعرّفت على دينيس (جان فرنسوا بلانشارد) صديق والدتها، المتزوج من
باربرة (كاترين كولفي) والذي لا يتورّع زوجها من جمعها بعشيقته، وعندما جاء
دور السياسة وخلت دنيا على الخط بقوة فتراجعت الاميركية عن اتخاذ أي حق بحق
العرب·
نقطة تحوّل تمرض الجدة (ليلى حكيم) وتقرر دنيا السفر الى لبنان كي تكون الى
جانبها كل هذا، وهي امضت كل ذاك الوقت في مونتريال من دون ان تتصالح مع
والدتها، ظلت الامور بينهما جافة، لا كلام له قيمة، وحتى عندما استضافت
الوالدة صديقها في المنزل، عملت دنيا على ازعاجهما بينما كل الاجواء ظلت
ملبّدة، ولم تقبل دنيا ان تتنازل قيد أُنملة عن موقفها القاسي تجاه
والدتها·
وهنا يحسب للسيناريو انه استطاع الصمود في وجه التعجيل بمصالحتهما، وكل ما
حصل ان الامور ظلت عند حافة الـ نعم والـ لا· وجاءت وفاة الجدة حدثاً
كبيراً، لم تكن <سنا> قادرة على تجاهل وفاة والدتها فحزمت حقائبها ووصلت
الى المتين، لتفاجئ الجميع بأنها عائدة بعد كل تلك السنوات التي عاشتها في
الخارج بعيدة عن عائلتها وبلدها، وقد استقبلها الجميع باهتمام، باستثناء
دنيا التي واصلت عنادها وقسوتها بالقدر الذي عانته من دون أمٍّ تسأل عنها
طوال تلك المدة·
تقبل <دنيا> الخروج مع والدتها وتقصدان البيت القديم المحطم، وتتذكر الام
غرفتها، وأين كانت تجلس وتأكل وتنام، ثم بادرت <دنيا> بأنها تهديها هذا
البيت اذا ما ارادت العيش على الدوام في لبنان، لكن دنيا رفضت بشدة، ثم وفي
واحد من المشاهد الذي شكّل دعامة لقوة الفيلم ونجاحه فعلياً تقدمت من
والدتها نظرها مثبت في وجهها ودفعتها عدة مرات الى الخلف، ثم راحت تضربها
بقوة بيديها وترد الام بالطريقة نفسها، ثم انهارت الاثنتان وراحتا في
احتضان دافئ، صار رائعا مع بكاء ودموع غزيرة، وكأنما تتلوان فعل الندامة،
الام على حقبة الغياب دون سؤال، والإبنة على حقبة الغرب الاخيرة، من دون
اتخاذ قرار بالعودة الى حضن الام·
المصالحة لم تكن فقط بالاحتضان، بل في سفر دنيا الى مونتريال لتكون الى
جانب والدتها·
الشريط الذي صوّر عام 2006 في 88 دقيقة، صادق جداً، وجاذب جداً، وهو ثمرة
متميزة، واعدة بمشاريع اهم وافضل على كل المستويات· لقد امضينا وقتاً طيباً
جداً مع الشريط الذي سيكون بطاقة تعارف بين ماريان والجمهور اللبناني،
المفترض ان ينتظر انجاز الجزء الجديد من تجربة ماريان في فيلم يحمل عنوان (Valley Of Tears) المدعوم انتاجياً من ملتقى دبي السينمائي بما يعني ان الانتاج
الجديد سيكون مجزياً وكافياً، لذا سنكون بشكل حاسم مع فيلم نموذجي لاحقاً·
انا سعيدة جداً بحضوركم وتقديركم للفيلم، وكل الكلام الجميل الذي سمعته
يملأ قلبي بكل ما هو رائع ومتميز وتفاؤلي·
هذا ما قالته لنا ماريان في ختام العرض، حيث بدت شديدة التأثر للتصفيق
الحاد الذي ساد الصالة، خصوصاً مع وجود شخصيات لبنانية (علي الخليل، الراحل
إلياس إلياس) وقد أدار مدير التصوير حسن نعماني المشاهد المصوّرة في لبنان،
بينما ما صوّر في مونتريال تولته ناتالي موليانكو فيزوتزي)·
(The
Conqueror)
شريط إسباني بطله فيغو مورتنسون عن البطل الأتريست
سيرة مقاتل فذ لا يهزم تحوّل آلةً مقاتلةً لفرض العدل
التركيز على شخصية البطل منع الاقتراب من سواه في الفيلم···
محمد حجازي
عديدة هذه الأيام القصص التي تدور في الإطار التاريخي على الشاشات
العالمية·
ومع إنّ هذه النماذج مُكلفة إنتاجياً لناحية الملابس والاكسسوارات المختلفة
إلا أنّ مشاهديها جيّدون في الغرب، ومحدودون في الشرق· بيروت تعرض شريطاً
من إنتاج إسباني، صوّر في ستوديو بيكاسو أوريجين) عنوانه (The Conqueror) عن سلسلة تلفزيونية بعنوان: <مغامرات الكابتن الأتريست> للكاتب
آرتور بيريز ريفييرتي <السعيد بأنّ كتابه وُزِّع بـ 25 لغة في 25 بلداً
(ألمانيا، بلغاريا، الصين، كوريا، هنغاريا، الدانمارك، سلوفاكيا، فنلندا،
فرنسا، اليونان، إيطاليا، ليتوانيا، النروج، بولندا، البرتغال، روسيا،
رومانيا، صربيا، السويد، تركيا وسويسرا)، والحديث في البداية عن بطل إسمه
الكابتن آلا تريست·
فيغو مورتنسون يجسّد دور البطولة، مُعطياً دفعة قوياً للشريط كي يجد طريقه
إلى التوزيع العالمي ولو لم يكن فيغو على رأس فريق الفيلم لما عبر إلى
بيروت ربما سوى في مهرجان خاص بالسينما يُقام هنا وهناك·
آغوستين دياز يانيس أخرج هذا العمل الذي همّه فقط رصد عدد من البطولات
وترصده الكاميرا يواجه العديد من المقاتلين الأقوياء لكنه يظل يقاوم
والدماء تغطّي جسده في معارك بين جيوش جرارة، وعندما يُسأل لماذا يحب
للقتال، يبادر: لأنني خُلقت وأعيش مقاتلاً لا أسمح لأحد بأن يأتي
ويتجاوزني·
الفيلم يحاول أخذ الحكايات المروية عن هذا الكابتن من مصادر مختلفة وصهرها
في بوتقة واحدة ضمن الاحداث· إنّه لا يناقش أحداً في عمله، وعندما يتحرّك
فإنه لا يسأل ولا يطلب مساعدة من أحد وإذا كان له حق يذهب فوراً وينفّذ
عملياته من دون مراجعة أي طرف· يقدّمه الشريط لا يُهزم، ولم يخض معركة
خاسرة أبداً·
وهو إذ يقدّر المرأة وجمالها فإنه يعطيها حصة صغيرة من اهتمامه وإنْ كان
الشريط يقدّم عدة جميلات دفعة واحدة: آنجليكا (إيلينا آناريا) ماريا (آرياندا
جيل)، لكن يلاحظ كما في الواقع، عندما لا يركض رجل طالباً ود امرأة يجدها
هي تجري وراءه، فإن الأتريست عنده هذه الميزة التي لا مفر من الاعتراف
بجاذبيتها الشديدة جداً عند الجنس الآخر·
المعارك التي يرصدها الفيلم منفّذة بأسلوب حرفي ممتاز ليس لأن بوب اندرسون
هو الاستاذ الذي أعطى ساعات طويلة من التدريب على استعمال السيف، بل لأن
طريقة توزيع الفرق المقاتلة جعلت التصوير بإدارة باكو فيمينيا، وسيزار
ايروثيا، أقدر على أخذ زوايا مؤثرة خلال التصوير، ما سمح للمشاهدين بأخذ
جرعة رائعة من التركيز والتواصل على جعل هذا المناخ مقبولاً·
النص كان ممكناً أن يكون أكثر تماسكاً وجذباً عن طريق شخصية البطل وجعله
إنساناً يحس ويشعر ويتفاعل، يعني أنسنته، بدل أن يكون آلة عضلية للقتل
فحسب، وهو أشار في تصريح له نشر مؤخراً إلى أنّ ميزة الشخصية التي يلعبها
تكمن في معناها الساعي الى منع الظلم في المحيط الذي يستطيع حمايته والقتل
من أجله·
يشارك في البطولة إدواردو نورييغا، كشخصية ثانية في الفيلم في شخصية الكونت
دي غالدال مادينا، لكن الدور لم يكن فاعلاً لأن ما كتب عن باقي الشخصيات
غير فيغو، كان سطحياً عابراً وغير أساسي وغاب عن صنّاع الفيلم أن الأدوار،
القوية المحيطة بالبطل إنما تجلب الكثير من القوة لأي عمل آخر قيد التنفيذ،
وربما كانت المشكلة التي عانى منها الفيلم هي في عدم وجود شخصيات قوية
محيطة بالبطل الأتريست·
إسم كبير·· شريط مُكلف·· وتنفيذ يحتاج إلى الكثير كي يكون جاذباً·
اللواء اللبنانية في
27/04/2010
رندة الشهال الصباغ
الهادي خليل - تونس
وُلِدَتْ المُخْرِجَة اللُّبْنَانِيَّة رَنْدَة
الشهال الصَّبَّاغ بِطَرَابُلْس بِلُبْنَان سَنَة 1953 وَتُوُفِّيَتْ
بِبَارِيس
عَلَى إِثْرِ مَرَض عُضَال، سَنَة 2008.
عِنْدَ عَرْضِ وَمُنَاقَشَةِ
شَرِيطِهَا الوَثَائِقِيّ المُتَمَيِّز "خُطْوَة خُطْوَة" عَنْ دَمَارَات
الحَرْب
اللُّبْنَانِيَّة وَمَآسِيهَا، خِلاَلَ "أَيَّام قَرْطَاج
السِّينِمَائِيَّة"
بِتُونس العَاصِمَة سَنَة 1978، قَالَت المُخْرِجَة اللُّبْنَانِيَّة
رَنْدَة
الشهال الصَّبَّاغ أَنَّهَا "تَبغُضُ الثَّرْثَرَة وَالكَلاَم
الفَضْفَاض وَأَنَّ
مَا يَهُمُّهَا فِي مُنَاقَشَة الأَفْلاَم هُوَ الآرَاء النَّيِّرَة التِي
تَتَمَيَّزُ بِحِسٍّ ثَقَافِيٍّ وَفَنِّيّ فَائِق". وَأَضَافَتْ بِنَبْرَة
هَادِئَة
وَرَصِينَة: "أَكْرَهُ الشِّعَارَات وَالبَيَانَات التِي
تَتَّخِذُ مِنَ الأَفْلاَم
تِعِلَّة قَصْدَ تَحْوِيل النِّقَاش إِلَى مَنَابِرَ خِطَابِيَّة". كَانَ
يُدِيرُ
النِّقَاش المُفَكِّر وَالمُثَقّف المِصْرِيّ، المَرْحُوم لُطْفِي الخُولِي،
وَلَمْ
نَكُنْ نَعْرِفُ إِنْ كَانَ مَعَ رَأْيِ رَنْدَة الشهال أَوْ ضِدَّهُ.
كَانَتْ
سَنَة 1978 أَوَّل مُصَافَحَة لِلْمُخْرِجَة رَنْدَة الشهال الصبَّاغ مَعَ
الجُمْهُور التُّونسِي العَرِيض وَمَعَ ضُيُوف أَيَّام
قَرْطَاج السِّينِمَائِيَّة
العَرَب وَالأَجَانِب. مَا اسْتَرْعَى انْتِبَاهَنَا آنَذَاك، هُوَ
رَصَانَتُهَا
المُلْهِمَة وَتَوَاضُعِهَا المُفْرَط وَحُبّهَا الكَبِير لِلْفَنّ
السِّينِمَائِي.
بِتَأْكِيدِهَا عَلى رَفْضِهَا
لِلْخِطَابَات وَالصَّوْلاَت وَالجَوْلاَت
البَلاَغِيَّة. كَانَتْ رَنْدَة الشهال الصبَّاغ قَدْ لخَّصَتِ
الرُّوح التِي
تَسْكُنُ أَفْلاَمَهَا الوَثَائِقِيَّة الأُولَى وَهيَ جُنُوحُهَا
لِلَحَظَات
الصَّمْت فِي تَسَلْسُل الأَحْدَاث وَنَزْعَتُهَا إِلَى تَعْطِيل
الحِوَارَات
وَالشَّهَادَات، مُفَضِّلَةً عَلَيْهَا تَعَابِير الوَجْه
وَالحَرَكَات
وَإِيمَاءَات الجَسَد.
"خُطْوَة
خُطْوَة" فِيلمهَا الوَثَائِقِيّ
الأَوَّل هُوَ مِنْ أَهَمّ الأَفْلاَم التِي صُوِّرَتْ عَنْ
مَآسِي الحُرُوب
الأَهْلِيَّة، خَاصَّةً عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْر بِبَلَدٍ مِثْلَ
لُبْنَان
عُرفَ بِطِيبَةِ قَلْبِ أَهَالِيه وَبِجَمَالِهِ الطَّبِيعِي الأَخَّاذ
وَبِالسَّمَاحَة وَالأُخُوَّة وَالانْسِجَام الذِي كَانَ
يَسُودُ بَيْنَ مُخْتَلَف
الطَّوَائِف وَالفَصَائِل. كَانَتْ لاَ تَثِقُ كَثِيرًا بِأَرْشِيف
الصُّوَر
التَّلْفزَِيونية أَو الفُوتُوغرَافيَّة التِي تَرْسُمُ بَعْض المَشَاهِد
المُؤَثّرَة مِنَ الحَرْب الأَهْلِيَّة بِلُبْنَان، مُؤْمِنَةً
بِأَنَّ السِّينِمَا
الوَثَائِقِيَّة يَجِبُ أَنْ تَسْتَنْبِطَ نَسِيجِهَا الفِيلمِي، مَنْ
سَرْدٍ
وَشَخْصِيَّات وَأَمْكِنَة، بِمَنأى عَنْ هَذِهِ العُمْلَة
السَّهْلَة
المُتَوَفِّرَة بِغَزَارَة أَلاَ وَهيَ الأَرْشِيف. كَانَ المُخْرِج
اللُّبْنَانِي
جُورج شَمْعُون هُوَ المُتَخَصِّص الأَوَّل، آنَذَاك، فِي تَصْوِير
مُجْرَيَات
الحَرْب الأَهْلِيَّة بِلُبْنَان، لَكِنَّهُ كَانَ فِي جُلِّ
أَفْلاَمِهِ يَنْحُو
مَنْحَى الرِّيبُورْتَاج التّلْفزيوني، مُكْتَفِيًا بِتَصْوِير الوَقَائِع
وَالأَحْدَاث المُتَلاَحِقَة دُونَ مُحَاوَلَةِ اسْتِنْطَاقِهَا
وَإِعَادَةِ
صِيَاغَتِهَا عَلَى ضَوْءِ مُتَطَلِّبَات الفَنّ التَّسْجِيلِي. لَمْ
تُخْفِ
رَنْدَة الشهال الصبَّاغ تَحَفُّظَاتِهَا حيَال أَفْلاَم جُورج
شَمْعُون
الوَثَائِقِيَّة التِي كَانَ يُسَيْطِرُ عَلَيْهَا اكْتِظَاظُ الحِوَارَات
وَالشَّهَادَات.
يَتَمَيُّزُ "خُطْوَة خُطْوَة" بِكَثِيرٍ مِنَ التَّمَهُّل
وَالتَّأَنِّي فِي التَّعَامُلِ مَعَ ضَحَايَا الحَرْب
الأَهْلِيَّة
اللُّبْنَانِيَّة. فِي كثِيرٍ مِنَ الرَّدَهَات الفِيلْمِيَّة، يَغِيبُ
الحِوَار
وَيُخَيِّمُ الصَّمْتُ عَلَى الوُجُوه وَكَأَنَّ الأَهَالِي لَمْ تعُدْ
لَهُمْ
أَيّة رَغْبَة فِي الحَدِيث خَاصَّةً أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا
أَنَّ الوَحْشِيَّة
المَجْنُونَة قَدِ اسْتَبَدَّتْ بِبَلَدِهِمْ وَبِشَعْبِهِمْ وَأَنَّهُ
لَمْ تعُدْ
هُنَاك أَيَّةُ فَائِدَة فِي الحَدِيث. مَثَّلَ هَذَا الشَّرِيط نُقْلَة
نَوْعِيَّة
كُبْرَى فِي تَعَامُل السِّينِمَا الوَثَائِقِيَّة مَعَ
الحُرُوب. بَعْدَ كُلّ
الهَزَائِم التِي مُنِيَ بِهَا العَرَب، هَا أَنَّ لُبْنَان تَعِيشُ
هَزِيمَة
جَدِيدَة لَكِنَّهَا هَزِيمَة دَاخِلِيَّة نَسَجَ خُيُوطَهَا أَبْنَاؤُهَا.
إِذَنْ
مَا الفَائِدَة مِنَ الكَلاَم؟ أَلَيْسَ مِنَ المَفْرُوض أَنْ نَسْتَحِي
وَأَنْ
نَخْجُلَ مِنْ كُلّ هَذِهِ الشراسة المُدَمِّرَة وَالتِي
جَسًَّدَتْهَا الحَرْب
الأَهْلِيَّة بِلُبْنَان فِي أَبْشَعِ مَظَاهِرِهَا. هَذَا كُلّ مَا
أَرَادَت أَنْ
تَقُولَهُ رَنْدَة الشهال الصبَّاغ فِي فِيلم "خُطْوَة خُطْوَة"، بِتِلْكَ
الشَّاعِرِيَّة الفَيَّاضَة التِي تَتَخَلَّلُهَا مِسْحَة مِنَ الاحْتِشَام
وَمِنْ
نَبْذٍ لِلشِّعَارَات.
كَانَتْ مُقِلَّة فِي إِنْتَاجِهَا، لَكِنّ كُلّ فِيلم
أَنْجَزَتْهُ مَثَّلَ حَدَثًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَأَثَارَ عَدِيد
السِّجَالات
وَالنِّقَاشَات خَاصَّةً فِي أَوْسَاط النُّقَّاد وَالمُهْتَمِّنَ
بِالشَّأْنِ
السِّينِمَائِي العَرَبِي وَخَاصَّة الوَثَائِقِي مِنْهُ.
فَفِي سَنَة 1995،
صَوَّرَتْ فِيلمًا طَرِيفًا مُلْهِمًا بِعُنْوَان "حُرُوبُنَا الطَّائِشَة" (« Nos Guerres imprudentes »)
تَكَلَّمَتْ فِيهِ مُجَدَّدًا بِمَرَارَة كَبِيرَة عَنْ
مُخَلَّفَات الحَرْب اللُّبْنَانِيَّة الأَهْلِيَّة
المَأْسَاوِيَّة. كَانَ
سِلاَحُهَا الفَتَّاك فِي هَذَا الفِيلم، مِثْلَ الفِيلم السَّابق "خُطْوَة
خُطْوَة"، السُّخْرِيَة السَّوْدَاء اللاَّذِعَة، وَكَأَنَّ اليَأْسَ
اسْتَبَدَّ
بِالنُّفُوس.
عِنْدَمَا انْتَقَلَتْ رَنْدَة الشهال
الصبَّاغ إِلَى السِّينِمَا الرِّوَائِيَّة، وَهي المُتَوَثِّبَة دَوْمًا
إِلَى
رِهَانَات وَمُغَامَرات جَدِيدَة، بَقِيَتْ وَفِيَّة إَِلى عَوَالم
أَفْلاَمِهَا
الوَثَائِقِيَّة: نَفْس الرَّغْبَة فِي إِبْطَال الكَلاَم،
الاِسْتِمَاع إِلَى كُلّ
الأَطْرَاف المُتَنَازْعَة دُونَ تَغْلِيب طَرَفٍ عَنِ الآخَر، الاهْتِمَام
الكَبِير بِالشَّبَاب الذِي لَمْ يَعِشْ وَيْلاَت الحَرْب لَكِنَّهُ
تَأَثَّرَ
كَثِيرًا بِمَا عَانَتْهُ عَوَائِلِهِ. أَنْجَزَتْ، فِي هَذَا
المضْمَار، فِيلمًا
رِوَائِيًّا فِي جِنْسِهِ، لَكِنَّهُ وَثَائِقِيًّا فِي رُوحِهِ
وَتَمَشِّيهِ،
بِعُنْوَان "مُتَحَضِّرَات" (« Civilisées »)، بَيَّنَتْ فِيه الدَّوْر الفَعَّال
الذِي لَعِبَتْهُ المَرْأَة فِي الحَرْب الأَهْلِيَّة اللُّبْنَانِيَّة.
هَذَا
الفِيلم هُوَ دُرَّة مِنْ دُرَرِ السِّينِمَا الوَثَائِقِيَّة
العَرَبِيَّة،
وَالشَّيْء المُؤْسِفُ أَنَّهُ لَمْ يَحْظَ بِالاهْتِمَام
الذِي كَانَ
يَسْتَحِقُّهُ.
الجزيرة الوثائقية في
27/04/2010 |