يواجه البشر مخاوفهم الذاتية وشعورهم بالضعف دائما باليقين فهو مانح القوة
التي
يصعب رؤيتها لكن من السهل مشاهدة اثارها عبر التاريخ وتتمثل في
الحضارة الانسانية
بوجه عام وحضارات الشعوب والامم المختلفة بخصوصية كل منها لكن الطابع العام
لهذه
الحضارة الانسانية يشبه توالي امواج المحيط الهادر من حيث ميلاد اليقين
الذي ترتكز
عليه لتحقق منجزها وبين يقين العلم والمادة بكل تجلياتهما
ويقين الاله في الديانات
المختلفة تدور البشرية في دوائر زمنية
.
وعبر القرن التاسع عشر وحتي بداية القرن
الواحد والعشرين كانت السيادة ليقين العلم والمادة معا باعتبارهما قرينان
عقيديان
لا يفترقان في أغلب الاحوال وهذه الفترة الزمنية هي نفسها عمر السينما في
العالم
بما تعنيه من تأثير وتأثر وتوثيق لوجدان البشرية وصناعة لهذا
الوجدان ولأن نشأتها
كانت بين عوالم مادية وعقيدة علمية جامحة اتخذت السينما اتجاهها عبر
منظومات فكرية
أكثر ميلا لاعتبار الدين هامشا والعقيدة الالهية جزء من الماضي بينما
التحضر
والتقدم يعنيان التكنولوجيا والعلم وقيم بديلة لما يمثله
الايمان بوجود خالق أعظم
للكون .
ولعل اكتشاف القدرة اللانهائية للانسان علي التدمير في نجازاكي
وهيروشيما هو ذروة اليقين المادي للبشرية وايمانها العميق
بذاتها واعتمادها العقل
الها اعظم للكون باعتباره مبدع هذه القدرة التي انهت الحرب العالمية
الثانية ودفعت
اليابان للاستسلام وفي المقابل فان هذا اليقين اهتز تماما بصدمة غير متوقعة
وجعل
اللاوعي العالمي والامريكي بصفة خاصة يتوقف حائرا بين ايمانه
بالعلم والعقل والقوة
التي يتنجها العقل البشري وبين انهيار برجين يرمزان للقوة والتفوق و
الامكانيات
العقلية والهندسية والتكنولوجية بايدي بشر طالما اعتبروا خارج المعادلة
واعتقد
الجميع استحالة اختراقهم لمعقل الحضارة في نسختها الاكثر تفوقا
وقوة وحداثة ويمكن
التأكيد علي أن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر هي البداية الحقيقية لزعزعة
العقيدة
التي امتدت عبر اكثر من قرن وتلخصت في تأليه العلم والايمان بالمادة فقد
رأي الجميع
في امريكا والعالم كيف اخترقت القلعة المحصنة علي المستويين
المادي ومستوي
التصورالمسماة الولايات المتحدة الامريكية ودمرت اعظم رموزها ولم يقف الامر
عند حد
الاهانة والقتل والتدمير ولكنه تجاوز الي الدفع بالوجدان الامريكي للانسلاخ
من
تراثه الذي قام منذ زمن طويل بتحييد الدين وجعله جزءا من
الحياة لا يحتل اهمية
تتجاوز الاعتراف امام طبيب نفسي
.
أعاد الامريكيون التفكير ونشطت خلايا الايمان
بالبطولة المتجاوزة للانسانية وبدءا من 2002 ظهرت افلام رد الفعل المباشر
للحدث
وتمثلت في ذلك النوع السطحي الذي يركز علي تجريم الشرقي والمسلم والانتقام
منه
سينمائيا بينما أطلت علي استحياء افلام تبحث عن ذلك النموذج
الذي اعتقد الامريكي
لزمن انه يمثله وهو "السوبر مان " او الانسان السوبر وسواء ظهر ذلك قبل
سنوات طويلة
في كوماندو ورامبو والرجل الوطواط وقبلهما في الرجل الاخضر فان الامر اختلف
بعد
تفجيرات الرعب في سبتمبر 2001حيث حققت هذه النوعية مع اختلاف التسميات
والصور في
هوليوود اعلي الايرادات وخاصة في عام 2008 وبدا الامر كما لو
ان الامريكيون يبحثون
عن اله !
وهوليوود أو السينما بشكل عام هي ظل المجتمع الامريكي والسينما في كل
مجتمع هي مراة تقريبية لاحواله وأزماته وهمومه واحلامه
وكوابيسه وتصلح تماما لقياس
احواله والتعرف عليها وخاصة تلك الانشغالات التي تترجم نفسها في سلوك
اجتماعي يؤثر
في المحيط بشكل درامي
وبدءا من عام 2009ظهرت افلام 2012 او يوم القيامة ثم
ليجيون وفي بداية 2010ظهر فيلما افاتار والطريق
the road
ثم كتاب ايلي أو
the book of Eli
وهي خمسة افلام تكاد تحمل نفس الدعوة الي الايمان باله واحد
ومطلق وحيد
خارج اطار البشر بل وتستمد من التراث الديني مقولاتها الاساسية حتي لو
اعتمدت
الاسطورة اطارا لأحداثها .
ولأن الفكر والسينما يتحركان معا ضمن الية يرعاها
الاقتصاد بالدرجة الأولي وتستغلها الرأسمالية في تحقيق مكاسبها بصرف النظر
عن
الاهداف فان الرعب الانساني من القوي المجهولة ظل مجالا خصبا للاستغلال
والتجسيد في
صور فيلمية وموضوعا للتأويل وألعاب الخيال وخلق أبعاد مختلفة له وليس أقرب
من أهوال
يوم القيامة كما صورتها الكتب المقدسة خاصة في ظل الميل الي البحث عن اله
في
هوليوود فكان 2012.
يوم القيامة
في فيلم (2012) يعرف الجيولوجي الأميركي
أدريان هلمسلي معلومات تؤكد أن اندفاعات شمسية عملاقة ستسبب دمار الارض
بالكامل،
وتفرغ الكوكب من محتواه البشري بطوفان ، ولاتوجد فرصة للنجاة الا لنخبة
ويسافر
هلمسلي بعد حصوله علي المعلومات إلى الولايات المتحدة ليطلع
الرئيس عليها قبل وقوع
الكارثة وتظهر الاشارات الأولى لهذا الانفجار حيث تجف بحيرة في ولاية
كاليفورنيا
بشكل مفاجئ، ويراقب كاتب قصص الخيال العلمي، الفاشل جاكسون كورتيس ما يحدث،
بعد أن
التقى بمهووس يملك اذاعة خاصة به، يبحث من خلالها عن شهرة عشر
دقائق فقط قبل أن
يفوته قطار الحياة نهائيا، وهمه أن يعرف الناجون بأنه أول من استشعر
«مؤامرة»
الآخرين للبقاء أحياء.
وطبقا للفيلم، فإن الناجين يجب أن يكونوا أثرياء جدا، ليتمكنوا من ركوب
(الطوف
النووي) الذي يتم تجهيزه في بحيرة عملاقة في جبال التيبت. وعلى كل راغب
بالنجاة دفع مليار يورو إن أراد تفادي الغرق في أتون الطوفان المهلك. وهو
ما نعرفه
من ابنة الرئيس الأميركي عندما يتم عقد «صفقة النجاة» مع ثري عربي في أحد
فنادق
لندن الفخمة ليصعد الطوف مع زوجاته الأربع مقابل المال وليس لأي شيء آخر،
وهي تهمس
للدكتور هلمسلي بذلك، والذي يندمج تماما في انتقاء «العينات
الانسانية» التي يجوز
لها النجاة بالصعود إلى الطوف ويمارس ذلك بدقة.
هي ثورة الطبيعة أو طوفان الغضب
الالهي الذي يستدعي طوفان نوح الذي لم تتدخل يد بشرية الا في اسبابه ، وعلى
الجميع
أن يتعامل مع فرص نجاته في هذا الجنون الكوني، وبالتالي يصبح ملقى على
عاتقهم أن
يتصرفوا لانقاذ الجنس البشري من الهلاك
ويحاول
الكاتب الفاشل كورتيس أن ينجو
مع أسرته رغم عدم امتلاكه ويكفيه فقط أن يبادل طائرة صغيرة بساعة اليد حتى
يضع
عائلته على سكة النجاة المفترضة ، وينتهي بهم المطاف في طائرة أنطونوف
روسية عملاقة
تعود ملكيتها إلى الملاكم الروسي السابق كاربوف، ورجل المافيا
القوي في الوقت
الحالي، والذي لسوء حظه لم تسعفه ملياراته وسوء أخلاقه ومكره بأن يحظى
بنجاة
مماثلة، فيقضي على حواف الطوف، لأنه ليس مهيأ كي يكون من النخب المنتقاة.
في قلب
المأساة نري المقدسات الدينية لسكان الارض تتهاوى الواحدة تلو الأخرى لينجو
بعض
البشر دون ان يكون للوطن معني بعد انهيار الاوطان والمقدسات
ولينتظر هؤلاء امكانية
تشكيل ملامح حضارة جديدة بعد انحسار الطوفان لكن السؤال الاهم بعد مشاهدة
يطرح نفسه
هل الطوفان نهاية للحياة الانسانية وبداية لحياة في ظل الاله حيث العدل
الكامل أم
أنه دورة جديدة من دورات الحياة الانسانية ينتظر أن تبدأ أما
السؤال من خارج الفيلم
فهو أليس الفيلم دعوة حقيقية لالتزام الانسان بضعفه أمام قوي كونية جبارة
تحمية من
أهوال يوم القيامة ؟
كتاب ايلي
ينتهي هذا الفيلم بمشهد فريد في تاريخ
السينما العالمية حيث تضع يد علي احد الأرفف في متحف الانسانية الكبير
والوحيد
الباقي بعد دمار العالم الانجيل وبالتحديد انجيل الملك جيمس بين كتابين
اخرين هما
القران الكريم والتوراة انها الكتب السماوية الثلاثة جنبا الي
جنب في اشارة الي
السبيل الوحيد للخلاص بعد دمار العالم
ويخوض البطل الاسود "دنزل واشنطن " في
فيلم "كتاب ايلي " حربا مقدسة لانقاذ كتاب الهي بتكليف الهي وقد انهارت
الحضارة
بشقيها المادي والمعنوي إثر وميض هائل مرعب (ربما يكون انفجار قنبلة هائلة
أو غضبا
من الله) يجعل الحضارة على سطح الأرض في حالة من الموت، أو أقرب شيء إليه
ووسط هذه
الحالة الناتجة عن الانفجار الذي يملأ السماء، تصبح الأراضي
الأميركية مليئة
بالأشجار الميتة والأنقاض والجثث. الصورة العامة للأرض ككل توحي بأن العالم
متروك
لمواجهة لحظات الموت. وتصبح السيطرة لقطّاع الطرق الذين يهاجمون المسافرين
بحثا عن
الماء والطعام والملابس. وفي حين تتداعى كل أنظمة المجتمع بما
فيها الزراعية
والصناعية، تبقى سوق الخوف هي الوحيدة المزدهرة. ويصبح البقاء للأقوى أو
الأكثر
نقاء، كما هي حالة إيلي، الرجل الخير الذي يمتلك نسخة وحيدة متبقية من كتاب
مقدس،
وعليه أن يحافظ عليها ولو كلفه ذلك حياته.
عبر رحلته لإنقاذ الكتاب النادر،
يتعرف إيلي على تفاصيل الحياة المخيفة، ويعيشها عبر التعاطف مع القطط
والجرذان
ومواجهة العصابات حينا بسيفه، وأحيانا بتحاشيها، على الرغم من ضرورة التدخل
لإنقاذ
بعض الضحايا. لكن المهمة الملقاة على عاتقه تفرض عليه أن
«يستمر في رحلته». فعلى
الرغم من أنه سوبرمان مزود بسيف وبندقية وقبضة لا ترحم، يظل البقاء صعبا في
هذا
العالم المعادي، إلا على من يبقي سيفه مسلولا، وعلى من يمتلك المواصفات
التي
يمتلكها دنزل واشنطن.
ويصل إيلي مع كتابه إلى كارنيجي وعصابته. و كارنيجي واحد
من القلة القادرة على القراءة في عالم مليء بالأمية، وهو يريد الحصول على
الكتاب
الذي يحمله إيلي، لأنه يؤمن أن ما يحويه هذا الكتاب المقدس أكثر نفعا من
استخدام
العنف والخوف والأسلحة في إخضاع البشر ووسط صراع شرس يجند فيه
كارنيجي كل رجال
عصابته للتغلب على إيلي، نجد الأخير قادرا على المواجهة والانتصار، ويستفيد
ايلي من
قوة شخصيته، وحدة نظراته في تجريد الخصم من سلاحه. و تساعده هالة مقدسة على
تحقيق
ما يريد، و يتابع الدمار الذي أحدثته البشرية على الأرض وينتزع
منه الكتاب المقدس
بالفعل (انجيل الملك جيمس ) لكنه يحفظه ويصل الي نهاية رحلته ليقوم بتلاوته
علي
مشرف متحف الحضارة الانسانية ويطبع الكتاب لنشهد وضع الكتب السماوية
الثلاثة جنبا
الي جنب باعتبارها خلاصا وحيد للبشرية .
وتشبه فكرة فيلم "الطريق" لجون هيلكوت فكرة الفيلم السابق ان لم تكن مطابقة
لها فقد دمرت الارض نتيجة تفجير نووي ونتابع رحلة رجل وابنه يكافحان للبقاء
علي قيد
الحياة للوصول الي برالامان والرجل هنا يحصر كل اهدافه في أن يصل الابن
ويتمسك
بالاخلاق ويحمل معه طلقتان ومسدس تحسبا لوقوعهما في ايدي أكلة
لحوم البشر ..
والفيلم يطرح بشكل عام سؤالا أكثر أهمية حول فكرة خلود القيم وفناء الفرد
حين يطرد
الصغير رجلا تائها فيعلمه والده درس القيم
أما فيلم "ليجيون " هو الاكثر صراحة
ومباشرة وتجسيدا للمعتقد الديني المؤمن بالله وملائكته ففي "بارادايس فالز"وهو
مطعم
بسيط على احدى الطرقات السريعة بعيدا جدا عن مناطق العمران. نشهد اخر
المعارك من
أجل انقاذ البشرية من اندثار محتوم ويرويالفيلم قصة البشرية
التي فقدت الايمان فكان
أن حل بها غضب السماء فارسلت ملائكة لتدمير العالم و التخلص منه.
أفاتار
وفي
فيلم أفاتاريختلف الأمر في كل شيء الا في البحث عن اله حيث يستعين جيمس
كاميرون
الكاتب والمخرج في تشكيل صورته بفكرة الحلول عند الفيلسوف
سبينوزا حيث تتوحد
الطبيعة بمفرداتها النباتية والحيوانية والانسانية لتشكل صورة كائن شديد
الرقي
والبدائية في الوقت ذاته من حيث الشكل والسلوك ويختار كاميرون كوكبا خياليا
هو
"باندورا " لتدور عليه أحداث العمل الذي تشهد أحداثه صراعا بين جشع
أمريكي ورغبة في
السيطرة علي ثروة الكوكب وبين كائنات باندور الالهية والنورانية ليظهر
المخلص
الأمريكي الخارج علي ناموسه وينضم لسكان باندور ويناصرهم ويتزعمهم حتي
ينتصر علي
الأعداء الامريكيين ويعيدهم الي بلادهم باذلال ومن ثم يتم
اخضاعه لعميلة نقل الروح
والوجدان من جسد الانسان الامريكي الي جسد "النافي " الالهي الذي ينتمي الي
كوكب
باندورا الذي يتوحد سكانه جميعا باعتبارهم طبيعة واحدة
.
وقد استعان كاميرون في
الفيلم بفكرة المخلص أو المسيح كما استعان وطبقا لاسم العمل بفكرة الافاتار
والذي
يطلق في المعتقدات الهندوسية علي تجسيد الاله في الانسان ويأتي
الي الارض كل فترة
جالبا معه الخير والايمان والعدل
.
الجزيرة الوثائقية في
21/04/2010 |